انفجار في دار لرعاية المسنين في ولاية بنسلفانيا الأمريكية والنار تحاصر المقيمين    اشتباكات بين الجيش الأردني ومجموعات مسلحة على الحدود مع سوريا    عبد الحق العلايمي: المنتخب الوطني إنتصر أمام منتخب "ضعيف".. وتمريرات المجبري "تدرّس"    عبد الستار بن موسى: المنتخب الوطني قادر على التطور.. والمجبري كان رجل مباراة اليوم    وزير الشؤون الدّينية يستقبل المشرفين على إدارة الشؤون المسيحيّة بكلّ طوائفها المتواجدين بتونس    الدبيبة يعلن مقتل رئيس أركان حكومته ومرافقيه في تحطم طائرتهم بأنقرة    عاجل/ تحديد سعر مرجعي لزيت الزيتون على مستوى المعاصر..    اللجنة العليا للإنتاج الخاص للكهرباء توافق على إنجاز مشاريع لإنتاج الطاقة باعتماد الطاقات المتجددة بعدد من جهات البلاد    في عملية تهريب غريبة في مطار تونس قرطاج .. 7 أفارقة يبتلعون 9 كيلوغرامات من الكوكايين    اتحاد التضامن الاجتماعي: أكثر من 22 ألف عائلة استفادت من برنامج المساعدات المخصص لموجة البرد    سيدي علي بن عون.. انطلاق فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الحكاية    صفاقس تصنع الحدث الثقافي... رحلة في عالم الكتب    قبلي : التسلم الوقتي لمشروع إعادة تهيئة دار الثقافة محمد المرزوقي بدوز    الشركة التونسية للملاحة تدخل تعديلا على برمجة السفينتين "قرطاج" و"تانيت"..وهذه التفاصيل..    الملعب التونسي يفسخ عقد البرازيلي اليسون سانتوس    قابس: حادث مرور يخلف حالتي وفاة واصابات    انطلاق عدد من التظاهرات على هامش المهرجان الدولي للصحراء بدوز في دورته ال 57    توزر: صناعات تقليدية متنوعة تعكس خصوصية وثراء الجهات وتنوعها في الدورة 17 لأيام الصناعات التقليدية بتوزر    قانون الانتداب الاستثنائي لخريجي التعليم العالي ممن طالت بطالتهم يدخل حيز التنفيذ    عاجل/ بعد ما راج عن تعرض المنشأة بالمدخل الجنوبي للعاصمة لضرر..وزراة التجهيز تكشف وتوضح..    القصرين: تحديد موعد رحلة ذهاب حجيج الجهة إلى البقاع المقدّسة    مدرّب المنتخب الجزائري لكرة القدم، فلاديمير بيتكوفيتش: سنبذل كل جهودنا للفوز بالمقابلة الاولى    وفاة أب أثناء حفل زفاف ابنه بالقصبة: شنيا الحكاية؟    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    القيلولة مفيدة أو مضرة : العلم يحسم الأمر    في تطاوين: اشكاليات الكتابة المسرحية في تونس    سقوط حجارة من صومعة هذا الجامع..#خبر_عاجل    حسام حسن مدرب مصر: قلة التركيز سبب إهدار الفرص أمام زيمبابوي    قرار قضائي في حق يوسف الشاهد ومهدي بن غربية    كيفاش يتمّ تهريب المخدّرات عن طريق البلع؟...شكون يمارسها وشنوّا الريسك؟    سفيان لسود " الطبوبي قدم استقالته لمكتب الضبط"    جامعة المنار: تحتل المرتبة التاسعة عربيا في تصنيف اتحاد الجامعات العربية لسنة 2025    كأس أمم إفريقيا "المغرب 2025": برنامج مباريات اليوم    تونس تحل في المرتبة الرابعة افريقيا ضمن مؤشر ريادة الأعمال الرقمية 2025    كان 2025 : ترددات القنوات المجانية لمتابعة كل المباريات    عاجل : الإتحاد المنستيري يوّجه هذه الرسالة لجامعة كرة القدم    أرقام: قطاع النسيج في تونس يوفر 155 ألف موطن شغل للتوانسة    عاجل: فيلم تونسي ''مخدوم بالذكاء الاصناعي'' يصل نهائي مسابقة عالمية في دبي    أيام قرطاج : المخرجون يطالبون بحماية الاستقلالية الفنية فوراً    وزير النّقل يؤدّي زيارة ميدانيّة إلى ميناء رادس التّجاري    العودة لتونس: القلب يحب يرجع ... لكن الواقع يقول لا..علاش؟    فيروسات الشتاء: هذه الفئات معنيّة أكثر    كيفاش يعاونك ضوء النهار الطبيعي على ''ضبط مستوى سكر الدم''؟    حولوه لوكر لصنع المخدرات: إيقاف 13 شخصا من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء داخل منزل..    بتعريفة استثنائية "9 دنانير فقط": لا تفوتوا الفرجة في الفيلم الحدث "صاحبك راجل2"..التفاصيل..    اضطراب وانقطاع في توزيع مياه الشرب بعدة مناطق من ولاية صفاقس بداية من مساء اليوم الثلاثاء    تذاكر طيران ومكافأة مالية: تفاصيل البرنامج الأمريكي الجديد للمهاجرين غير الشرعيين    عاجل/ مسلحون يختطفون 28 شخصية في هذه الدولة..ما القصة..؟!    الأكبر في العالم.. ترامب يعلن بناء سفينة حربية تحمل اسمه    اليوم: طقس بارد وأمطار    مادورو: "ترامب سيكون أفضل حالا" لو اهتم ببلاده بدلا من تهديد كاراكاس    رقم مفرح: هذا عدد السياح الذين زارو تونس منذ بداية 2025..    عاجل/ تحذيرات عالمية من متحور جديد للانفلونزا..    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    عاجل/ بسبب "القريب": وزارة الصحة توجه نداء هام للمواطنين..    اليوم: أقصر نهار في العام    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلى طفل غزة
نشر في الحوار نت يوم 28 - 11 - 2009


حبيبي الصغير،

للأمس رائحة الميلاد ولليوم رائحة الموت. المدهش فعلا الفرق بين اليوم والأمس وما عسى أن يأتي به الغد، فإذا لاح فجر يوم بكينا على أمسه. من عساه يوقد رائحة الميلاد الجديد في الغد؟ مولود جديد: آخر المواليد وأول من يموت لكنه «أول القتلى وآخر من يموت». اختلط الأحياء بالأموات وتلونت الحياة بلون الموت. كيف سنستقبل هذا المولود الجديد العتيد؟ لقد استبد الحزن والأسى والظلم بأهله وعشيرته، لكنهم سيبنون أمامه سدا رمليا لتجفيف المقلة الباكية الحزينة وامتصاص طوفان الدموع. ما عسانا نعطي هذا المولود بعد أول إطلالة له من عنق رحم أمه: حجارة من سجيل أم غصن زيتونة؟

إنه مولود استوى أمامه الليل والنهار بعد ما تحمل ما تنوء من ثقله راسيات الجبال. هي كلها أيام تنقضي. كل يوم جديد يحكي مأساة اليوم السالف، الساعة تدافع الساعة والأعوام تتآكل بسرعة دون أن تضمد جراح الأعوام الخالية، الصباح يعكر صفو المساء والمساء يأتي بجديد حسرة ومعاناة. نسيم الفجر لم يطرد بعد أنين الليل. البيوت تتهامس وتتبادل التهاني في لحظات عجاف يسقيها دم الشهداء. من يمسح تجاعيد الهون والهوان من جبين هذا المولود الذي لا يملك إلا الدموع وماذا يجدي طوفان الدموع وسط صحراء التيه والضياع؟

الجراح ما تزال تزغرد، تحكي أنين الأبرياء لتذكر من عساه نسي أو تناسى. قريبا سينفض الغبار عن هذه البهرجات التي جلجلت في أسماع التاريخ. إليك صغيري أكتب هذه الرسالة وإياك أناشد وسط الجبناء، خذ الحجر بأناملك وفجر منها أنهارا من الدم ليعلم كل جبان مشربه. لكن ماذا عن يوم عيدك: هل سيفيض التمر والحليب أم الحجر والدم؟ الجبناء يحضرون لك الطعام في مطبخ لم يعودك إلا على أطباق السم والعلقم. يأبون إلا أن تشرب في ولغ الكلاب ولو قطرة من السلام، أو تذوق سنبلة من سنابل اللظى ويغرسون الغرقد في الجليد الصافي. ما نصيب هؤلاء عند الامتثال أمام محكمة الضمير؟! الضمير السليم بطبيعة الحال.

هكذا نحن دائما، نتساءل في بداهة متعجبة والجواب طيف على مطية بهتان، أسئلة كلها تتدلى على صدف الزمان وقبة العقول فلا تجد لها جوابا إلا بين ثنايا العبث. هكذا الحال وهكذا المآل، لكن ألم تبعثر أوراق الجبناء وجعلت كيدهم في تضليل وقلبت السحر على الساحر؟ ألست معي يا صغيري أن الحال بما هي عليه طبيعية طالما نعلق الأوسمة بجميع ألوان الطيف على صدور الثعالب؟ أية طبول هاته التي تدق: أهي طبول الحروب أم طبول الحبور؟

حبيبي الصغير،

أكتب إليك اليوم ولم يبق لي إلا قصة اجترار أو ذريعة اعتذار. لم يكن مهما أن أراسلك الآن وحالك على ما هي عليه من السخط.. أظافرك لم تنعم بعد وكتب عليك أن تمشي حافي القدمين فوق مسامير الزيتون وتكتوي بلهب كان وقودها الغرقد. الحديث عن ذلك يدمي القلوب لكن من نافلة القول الصدح به. أكتب إليك وأتفطر خجلا وأنا أنا. وكيف لي أن أخجل وأنت أنت؟ دماء الكبرياء لا تزال سارية في عروق أمك وهي تحاول أن تحفظ عن ظهر القلب أغنيتك الجميلة:

أهكذا يكون من الزمان جزائي وأنا الذي عزف الزمان ولائي؟

بالأمس ولدتَ، واليوم تواجه الموت المفاجئ. مرارة الضياع والتيه كشرت عن مخالبها لتقلم أظافر الحب والحنان، كل ذلك سيجعلك ربما تقول: رب أخرجني من هذه الأرض الظالم زواره، يا ليثني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا.

انتظر على رصيف القطار لعل قطارا ما يأتي يوما ما، ساعة ما لعل الشهود من أهلها يركبوا عليه. افتح أذنيك لتسمع الفهاهة والتفاهة والغباء الخالص من أهله حتى لا تقتنع بمنطق الجبناء الذين يريدون ألا نمل ولا نكل في استقبال سيول الجثث على مدار الليل والنهار فنحنطها بمداد الزيتون ثم نشيد لها الأضرحة. أمك لا تستطيع أن تنساك لأنك مقبور في دهاليز نفسها وصورك الجميلة تزين أخاذ يد قلبها، هي أمك لن تتوارى من القوم من سوء بشرت به بل استبشرت بك كل خير رغم أن العظم وهن منها واكتسح البياض رأسها وبلغت من الكبر ما بلغ فيك الحزن والأسى. هي دائما تسأل الله أن يجعلك رضيا لها وللأرض وجبارا عصيا على الجبناء. لحسن الحظ هي حبلى في يومها الثلاثين في شهرها التاسع لكنها ثكلى للمرة الألف. أنت الذي تريد أن تنظف الطبيعة من درن الشجرة الخبيثة ووضر الجنس الرديء وشر الجبناء، أولئك كانوا بطانة فاسدة يزعجهم تمسكك الأيوبي بالحياة تمسكهم السيزيفي بقتلك.
جواب الرسالة:

أَبَتْ شفتاي اليوم إلا تكلما بشر فما أدري لمن أنا قائله

هذا كتابي فيه معذرتي ينبيكم اليوم عن شأني وعن سقمي

أسوق إليك كلاما صعب علي إبداؤه. من المفضحات توضيح الواضحات. ما عسى يهمكم يأس طفل يتيم أقصاكم عنه الزمان وقد فُصل بينكم وبينه بحجاب من الإهمال والنسيان. لم أعد أفهم شيئا. علامة استفهام جدعاء تلازم تفكيري. بحثت عن الضمير في هذا العالم فوجدت نفسي كمن يبحث عن شعرة رقيقة في عجينة كبيرة. ما أكثر ذكوركم وما أقل رجالكم !

هذا حديث كبل العواطف يتقطر صراحة ويندى بالواقع، لباسه الوضوح وهدفه الأمل المفقود في الحياة. منذ زمن طويل لم تلطم شواطئنا رسائل منك. لعلي إذن لا أعتنق بدعة القول إن قلت لك إني لا أعشق الشعارات والأوهام، لا أهوى المداعبة الرخيصة للكلمات ولا الرقص المجاني على حبال اللغة. بعد هذا كله أسرق لحيظة من الواقع كما يسرقها الناي ليتمرد على أنامل الراعي، لأقول لك إني فرحت كثيرا لرسالتك رغم أنها ابتسامة مسروقة من ثغور الشياطين. الأدهى والأمرّ أني لا أملك ورقا ولا مدادا لأكتب لك فجاءت رسالتك لتكسر حدادنا السرمدي، لقد كنتُ أنتظرها منذ أو ولدتُ بصبر أيوبي عجيب وعناد سيزيفي غريب، رغم أن حجم المأساة هنا أكبر من المداد الذي كتبتُ به هذه الرسائل.

هذا كلام كثير، ما عسى تسرنا دقيقة كلام بعد كل هذه الأعوام المكلومة، لقد سئمتُ أن تكون عيناي مرحاضا لكل هذا المداد الذي يذهب دائما إلى العنوان الخاطئ. تملكتني الدهشة وتشابه البقر عليّ، نحن الأيتام هنا مغبونون في مأدبة اللئام. أعدل الأشياء قسمة بيننا البكاء ولا شيء غير البكاء. ترى جيراننا طاب لهم المأكل والمشرب وهنأ البال وتكدس المال وهم في دار الغفلة نائمون ونحن واقفون على مجامر من حديد مصطفين لنشتري صكوك الغفران من دار : السمع والطاعة أو القمع والتصفية. أعجب لأطفال الجيران تتمسك بهم أمهاتهم، فالطفل هناك غزال في عين أمه وإن كان قردا.

المشانق هنا مأكلنا اليومي تقدم لنا في لفافات حريرية، لكن لا تظن بذلك أني جثة هامدة سئمت من الحياة تنتظر من يطلق عليها رصاصة الرحمة بل أنا ذلك الثعلب المشاكس الذي تحرق الغابة كلها من أجل نصب الفخاخ له. تمنيت لو نستطيع أن نستوقف عقارب الساعة لتبتسم لنا الدنيا قليلا رغم أن في ابتسامتها شماتة للقلب المنكسر والنفس الذائبة وهي واقفة تلقي على الحياة تحية الوداع. الموت هنا اخترق كل شيء لولا أن قلبي ما يزال شلالا أرتوي منه الصبر والسلوان. غدا يوم العيد، غدا عيد الأرض وعيد السماء. الحياة هنا حكاية سرمدية، حكاية دمية من شمع، نمر من ورق، أسد من قطن أو لنقل في أحسن الأحوال حكاية قط نحيف خرج للتو من عنق زجاجة يحكي صولة الأسد.

تسمع هنا حكايات جميلة من الأجداد. يقولون لنا إن مواء القطة الصغيرة يرعش شوارب الفئران السمينة، والأفاعي في هذه الأرض توشك أن تنقرض بسبب سموم العقارب. أليس من العبث أن نبحث عن أصدقاء لنا في مملكة القنافذ. و روى الأجداد لنا أيضا أن القوي إذا أراد أن يكرم الضعيف في القتل فإنه يسجنه في قفص من ذهب ثم ينصب له مشنقة من حرير ويذرف عليه دموع التماسيح بعد قتله.

وفي انتظار أن تشبع رمال المجرمين من دماءنا، أضرب لك موعدا إلى الغد، فما أقرب الغد لناظره وما أحلى الموت في فجائيته ما دامت كل الطرق تؤدي إلى الموت الجميل.

معذرة على كل هذا الكلام، ربما جمح بي قلمي قليلا. لعلك تقول إن غضبتَ: علمتهُ الرميَ فلما اشتد ساعده رماني. لا، فليس من شيمتي أن أهجو من علمني نظم القوافي.

والآن أدركني الليلُ كما أدرك شهرزادَ الصباحُ ، أنتظر رسالة منك محمولة على ظهر سنونوة مبشرة بزحف الربيع، ذاك يوم يرونه بعيدا وأراه قريبا وتلك حقيقة ساطعة أكبر بكثير من أن تخفيها المساحيق الزائفة.

أحمد دخيسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.