19/11/2011 بعد أن قال "إمام" المسجد الأقصى في الشيخ القرضاوي ما لم يقله مالك في الخمر، جاء دور إمام الحرم المكي الشيخ السديس ليُكمل ما بدأه سلفه. كنا نتمنى لو أن الشيخ السديس بقي محافظاً على مقامه وصورته لدينا ولدى الكثير من المسلمين كإمام وقارئ لكتاب الله عند بيته المحرم ببكة، وهذا لا يعني أن نمنعه من الكلام والإدلاء بدلوه في أمور تتعلق بوظيفته وتخصصه، الأمر الذي لم يحترمه وتعداه إلى المحظور، وقد يكون ذلك عن كامل إرادة أو لإرادة سياسية تتعلق بالتوجه العام للمملكة.
الكلام الذي قاله في الشيخ القرضاوي لم يخرج قيد إنملة عن إطار موعظة إمام الأقصى "المحتل"، وهذا دليل دامغ على وحدة المصدر.
كنّا لنثق بكلامه ونعتبره صادقاً في بكائه على شعب ليبيا الذي عانى خلال 42 عاماً عذاباً لا يعرفه إلا من ذاقه من أمثال الشيخ القرضاوي وأبناء دول العالم العربي التي لم تتحرر بعد أو هي في طريقها بإذن الله. أما من عاش طوال حياته تحت المكيفات وبين الملذات (المحللة طبعاً) لا يُمكن له أن يُفتي لأن ذلك يتناقض مع أول شرط من شروط الفقه العلم والدراية بالشيئ، فما لم تكن تعلم يا شيخنا ( السديس)لا يُمكنك أن تُفتي أو تتهم، فلِما البكاء إذاً على شعب دفع عشرات الآلاف من الشهداء ليعيش باقي الشعب في نسيم من الحرية التي منحها الله إياه، وليوقف مسلسلاً إجرامياً راح ضحيته أضعاف عدد الشهداء الذين تتباكون عليهم، والأجدى والأصح في ديننا هو البكاء على ضحايا القذافي في وقتهم قبل أن يُصبحوا رميما، لا على شهداء ذهبوا عند بارئهم لينعموا بما يصبوا إليه كل مسلم في هذه الدنيا ويوم تقوم الأشهاد. خلال الأربعين سنة من الاضطهاد والقتل والإبادة كان الشعب الليبي في انتظار فتوى من مصدر قوي وذي ثقل ليتحرر فلم يجدها، ولما وجدها بكيتم عليه!!! أفرحاً أم حزناً يا شيخنا؟؟؟؟
والنقطة الجوهرية التي دفعتنا لعدم تصديق ما قاله الشيخ السديس، وأن تصريحه يحتوي على أمر مضمر حيك بليل للشيخ القرضاوي، هو أن الشيخ اللحيدان أفتى بكفر القذافي والأسد ودعى إلى الجهاد ضدهما، بل وذهب إلى أبعد من ذلك حين "نَسب" للإمام مالك ومذهبه ما ليس فيه، وقال لا بأس أن يهلك ثلث الشعب ليعيش الثلثان سعداء؟؟؟ أليس هذه الفتوى أخطر بكثير من فتوى الشيخ القرضاوي، لأن عدد الشهداء في ليبيا لم يتعدى نصف في المائة من الشعب الليبي، أليس ذلك خير وألطف؟ ثم لماذا لم يقم الشيخ السديس بانتقاد اللحيدان الذي هو أقرب له من القرضاوي جغرافياً وعلاقاتياً؟؟؟
وأما ما زاد الطين بلّة هو اتهام الشيخ القرضاوي بالتواطؤ مع "الأعداء" وبعض الدول العربية "الخانعة" وقصد بها دولة قطر، وفي هذا استخفاف كبير لعقولنا، لا وبل لعقول الأطفال من أمتنا، مما يستدعي منا إعادة النظر في تعريف كلمة "الأعداء"ومن المقصود بها في أيامنا هذه لأنه أمر يجعل الولدان شيبا. ثم يطلب من الشيخ القرضاوي أن يبتعد عن السياسة لأنها ليست من شأنه وتخصصه ويلتفت إلى فقهه، وكأن الشيخ السديس هو عميد الدبلوماسية العربية، واللحيدان عميد السياسيين العرب!!!!
لقد تعدى الشيخ السديس على الله وحدوده حين جزم بأن دم الشهداء في رقبة القرضاوي، فكيف علم أنهم كذلك وجزم به؟ وكيف يكونوا شهداء وفي نفس الوقت في رقبة القرضاوي سيتحمل وزرهم؟؟؟ وزر دخولهم الجنّة؟؟!!!
وكيف زعموا أن السيد قطب "الشهيد" ليس شهيداً واستكثروا عليه تلك الكلمة التي لن تقدم ولن تؤخر في مكانته عند الله؟؟ بل ونعتوه بالكفر وأمور أخرى لا يعلمها إلا الله والذين نعتوه بها. وهكذا يستمر مسلسل تكفير المشايخ المتشبعين بفقه الواقع وحقائقه لأهداف سياسية بحتة تمشي ضد التيار الإنساني التحرري الذي هو هبة من الله، ولا تريد له إلا الاستعباد والعبودية. ويتم منح "الشهادة" ومنعها عمَّن يشاؤون، وهذا بحذافيره ما عاشته أوروبا تحت حكم الكنيسة الاستبدادي قبل اندلاع الثورات فيها وتحرير النفس البشرية من دين زائف يتم استغلاله لمصلحة قلّة من البشر على وجه الأرض، ولحسن حظ جيلنا فإن حقبة "صكوك الغفران" ليست منا ببعيد