محمد القرماسي رغم أن الكثير من الشواهد تدل على ارتباط وثيق بين الحملات التي تستهدف حركة النهضة قبل الانتخابات وبعدها والاعتراضات التي تعطل أو تحاول عمل اللجان والمجلس إذ هي كلها تنطلق ويروج لها من نفس الأشخاص والأطراف السياسية ، سنتمسك مع ذلك بأن ما يحدث في المجلس التأسيسي ولجانه الاثنتين سير عادي هدفه الوحيد الممارسة الديمقراطية وأداء المعارضة لدورها البناء والمسؤول. ولكن سيبقى علينا جميعا، بكل موضوعية، التمييز بين المواقف والتصريحات التي تخدم أهداف الثورة وتحققها والتي يمكن أن توضع موضع المغالطات في وقت ومرحلة كالتي تعيشها بلادنا وهو ما يجعل هذه المواقف ترتقي إلى مستوى الجرائم مهما كانت المبررات التي تقدم لها. باسم الشعب بالأمس القريب تعالت الأصوات الشعب يريد مجلس تأسيسي والقطع مع النظام البائد ومحاسبة الفاسدين وغيرها من المطالب التي أرادها بالفعل الشعب التونسي وتسابقت النخب إلى تأصيلها قانونيا وسياسيا ثم سرعان ما تراجع البعض على هذه المطالب لما صرنا قاب قوسين أو أدنى من الانتخابات وقد لاحت موازين القوى ليست لصالحهم مطالبين بالاستفتاء. ثم باسم الشعب أيضا تم افتعال أسئلة الهوية وحرية التعبير والتعرض للمقدسات الاسلامية فدار السحر على الساحر لان الشعب كذبهم جهارا وعادوا على أدبارهم خائبين، فقال الشعب كلمته وتحدى مخاوفهم وجاءت النتائج بما لا يشتهي دعاة الحداثة والمتكلمين باسم الشعب. بينما يقوم ممثلي الشعب بإدارة حوار حول التوافقات والتفاهمات التي تغلب منطق المشاركة للجميع وتتحمل الأطراف التي اختارها الشعب مسؤولية إعادة بناء مؤسسات السلطة بروح توافقية وفق رؤى يحق فيها الاختلاف والتشاور والحوار دون الحاجة إلى الادعاء بأنهم يتكلمون باسم الشعب أو يمارسون وصاية عليه. وبالتالي فالمغالطة الأولى التي يصر الاعلاميون والمحللون والسياسيون الرافضون لنتائج الانتخابات تتعلق بإدارة الشعب ومن يتكلم باسمه وهذه إدعاءات واهية لا أساس لها قانونيا ولا سياسيا وإنما هي بالفعل انقلاب على إرادة الشعب الذي اختار النهضة لتقود العملية السياسية القادمة والنهضة هي الأحق بالتحدث باسم الشعب. وهنا أكاد أرى الشعب يخرج فعلا لتذكير هؤلاء بذلك الاختيار قائلين: نحن اخترنا النهضة وسوف نختار النهضة مهما كاد لها الكائدون وهي نتيجة منطقية للحملة الإعلامية والسياسية التي يقودها منافسيها وأحيانا بعض من حلفائها إذ هم يزيدون من تجييش مشاعر أنصار النهضة والمتعاطفين معها لأنهم يزدادون يقينا بأن الحركة يكاد لها من الخصوم لنفس الأسباب التي انتخبت من اجلها ولذلك فهم لم يفعلوا سوى تجيير الطريق أمام نصر جديد للنهضة عاجلا وآجلا. الاستحقاق دستوري أم سياسي المغالطة الثانية، حيث يتنافس المزايدون، تتعلق بالأولوية التي يجب على المجلس والحكومة مباشرتها هل هي وضع الدستور وما يتعلق به من آليات لاتخاذ القرار وما يقدم من مشاريع دستورية وحقوق يجب التنصيص عليها في الدستور وغير ذلك من المتعلقات التي لم يحن بعد مجالها باعتبار المجلس لم يحسم بعد تنظيمه الداخلي ولا تنظيم السلط العمومية والحال أن ملفات عديدة وتصدعات كبيرة واحتياجات متشعبة تعيشها البلاد في جميع الجهات...فهل يوجد مبرر واحد يجعل موضوع النقاب والعازبات الزانيات والنقابات المزايدات وغيرها من المشكلات ..هل من مبرر لطرحها اليوم والضغط بها أمام المجلس وعلى منابر المذيعين والمذيعات بما يفاقم الشعور بالأزمة والخوف لدى المواطنين؟ هل يعتقد شكري بلعيد ونور الدين بن تيشة والبريكي وغيرهم أن الحوار المطلوب حول القضايا الفكرية والقانونية يمكن ان يدار تحت الضغط والتخويف وتأزيم الامور ؟ اليس الواجب الأخلاقي للسياسيين والإعلاميين أن يتحدثوا على الأقل عن التوافقات والاختلافات معا حتى لا تكون الصورة سوداوية مظلمة؟ ثم أليس العاجل هو السياسي حيث يفترض أن تتشكل حكومة ممن اختارهم الشعب وتباشر الملفات العاجلة تحت رقابة المجلس والمعارضة التي تسابق عليها الكثير من أعضاء المجلس؟ فلماذا يصطف الجماعة في المعارضة ثم يعطلون تشكيل الحكومة ؟ والسؤال الأهم ألا يبدو أن المطلوب هو ضمان وجود إمكانية سهلة وقريبة جدا من المعارضة لإسقاط الحكومة وسحب الثقة منها كل مرة ؟ ألا يحق للأغلبية في مثل هكذا وضع أن تضمن حد أدنى من الاستقرار في عملها؟ أم كان على الأغلبية أن تعتذر للأقلية وتسلمهم مقاليد الحكم وتتبادل معهم الأدوار؟ الرئاسات والمزايدات عندما نستعرض آراء ومواقف منافسي النهضة في الانتخابات من حلفائها الحاليين حزبي المؤتمر والتكتل نلاحظ مفارقة غريبة بعض الشيء فبالأمس كانوا يطالبون الدكتور المنصف المرزوقي أن يقدم الدليل على انه تقدمي وحداثي وثوري بالاصطفاف معهم ضد النهضة والمشاركة في الهجوم المركز عليها فرفض الدكتور الابتزاز وكان صاحب موقف واضح ومبدئي لأنه لا يستمد وجوده وشعبيته من عداءه للنهضة كما يفعل آخرون، فلما كان من المؤتمر ما كان من مواقف انقلب عليه الجماعة سبا وشتما باعتباره وجها آخر للنهضة وانهالت عليه التهم جزافا، أما اليوم وبعد الاتفاق والإمضاء سعى البعض مجددا لتفتيت الائتلاف بدعوى تسلط النهضة وافتعال صراع بين المتحالفين حول صلاحيات رئيس الجمهورية ليتحول الدكتور المنصف المرزوقي وحزبه الحصن الذي سيحمي البلاد من الدكتاتورية ..... وفي نفس الوقت يواصل الإعلام بما فيه القنوات الحكومية تقديم المشهد سوداويا ينبئ بشر مستطير ينتظر التونسيون وان الحوار الدائر صلب اللجان أزمة لا حل لها ثم يتم تجاهل ما يتحقق من توافقات او ما يتمكن عدد من نواب النهضة وغيرهم من انجازات في فك اعتصامات او توسط لحل اشكاليات افتعلتها النقابات هنا وهناك ما نخلص في المحصلة أنه يتم داخل المجلس وخارجه تحالف من بعض منافسي النهضة مع بقايا النظام السابق وربائبه وعدد من النقابيين في مواقع مختلفة للعب دور المعطل للعملية السياسية التي لم تبدأ بعد وهو رد فعل سريع أو متسرع نتوقع أن يسفر عن خيبة جديدة لهؤلاء ولكنه أيضا قد يجر البلاد إلى مزيد من الشحن والتشكيك وقد لا قدر الله تنفلت الأمور في مكان ما فينجر عنها عنف ويسقط ضحايا ..نسأل الله السلامة من المسؤول؟؟؟؟ وفي كل الأحوال سوف يكون المسؤول الحقيقي عما يحصل الفئة القليلة في العدد، الكثيرة في حضور المنابر الإعلامية والموجودين بحكم ولائهم السابق في مراكز إدارية مهمة مدعومين بمؤسسات الإعلام الخاصة والحكومية ..فكل هؤلاء متواطئون مهما كحلوا وجوههم ...مشاركون في تشويه الوجه الديمقراطي لتونس الثورة ...وهم مع ذلك عبثا يحاولون لأن انتصار الثورة وانتصار الشعب التونسي أمر واقع وما يزال يمتد هذا النصر ويشع على العالم بأسره.