قدّم الدكتور نورالدين الخادمي وزير الشؤون الدينيّة التونسي معطيات إضافيّة وقرّب الحالة التي تعيشها الوزارة المنوطة بعهدته، وإن كانت الحقبة السابقة بشقيها البورقيبي والنوفمبري قد غيّبت الشعب عن مجريات الأمور داخل الوزارات ومراكز القرار، فإنّ وزارة الشؤون الدينيّة كانت أحد أكثر الوزارات غموضا في كيفيّة السيطرة عليها وتسيّيرها كونها كانت وزارة تحت سيادة وزارة أخرى ، فالداخليّة مارست وباستمرار دور الرقيب والموجّه وصانع السّياسات واستطالت على أكثر الوزارات تهميشا في تاريخ تونس الحديث. السّيد نورالدين الخادمي وفي محض إجابته عن سؤال الحوار حول الحالة التي وجد عليها وزارته بعد حقبتين قاسيتين تسابق فيهما العهد الأول والعهد الثاني على طمس معالم الدين وتجفيف منابعه وإركاس المساجد وتقليم دورها الحضاري، الوزير أكّد أنّه وجد الوزارة بئر معطّلة وقصر مشيد، فيها الكثير من التردي الهيكلي والتنظيمي والإداري والقانوني حيث تخلّت عن دورها المعهود وأصبحت مظهرا من مظاهرة الإساءة إلى الدين الإسلامي، لقد تعمّدوا إحداث الخلل المنهجي والمعرفي في المنظومة الدينيّة، ولا شكّ أنّ الشعار الذي رُفع منذ قدومنا هو الإصلاح الشامل و الهيكلي، إصلاح الأداء والخطاب وكذلك الإعلام الديني ولا شكّ أن هذا الإصلاح يحتاج إلى قوة وإرادة وجهد ومال، والإصلاح لا يتعلق بوزارة الشؤون الدينيّة فحسب وإنّما بالوضع في جميع المؤسّسات وهو ينطلق من إرادة سياسيّة شعبيّة. وحول إمكانيّة القيام بحركة إصلاح شاملة لهذه المؤسسة المغيّبة بنفس الجهاز الذي أشرف عليها منذ سنوات طوال أكدّ الخادمي أنّ هذا الأمر غير ممكن تماما ولابد من ضخّ دماء جديدة والاستعانة بكفاءات عندها القدرة ولديها الاستعداد على التغيير والإصلاح ومن ثمّ تحقيق أهداف الثورة، ولابد من دعمها ماديّا وفنيّا حتى تنهض وتنجز عمليّة الإقلاع، وقد وضعنا مقاربة شاملة خاصّة لوضع المساجد وشرعنا في تفعيلها ضمن مسارين ، الأول هو ضخّ العلم الشرعي وإعادة الاعتبار للمرجعيّات التونسيّة الإسلاميّة الزيتونة وتركيز الدروس الشرعيّة في أبرز المساجد كما ندفع لاعتبار المسجد مؤسّسة عباديّة ، تربويّة ، تعليميّة تسهم في إصلاح المجتمع وتحقيق الوحدة الوطنيّة وتنمية المجتمع كما تسهم في مسار الثورة وبما يحقق أهدافها، أمّا المسار الثاني فهو قانوني إجرائي إداري يتمثّل في تكليف وتعيين الإطارات الدينيّة أو إعفائها بناءا على منشور موضوع في الغرض ينصّ على شروط لقبول الإمام أو الخطيب أو المؤذن أو القائم بشؤون البيت، وهذه الشروط هي الخبرة والعلم والمهارة وشرط حسن الخلق وحسن السيرة وأن يكون ذا مقبوليّة شعبيّة يعني محل اتفاق أو وفاق بين جموع المصلين وطبعا الشخص الذي سيكلّف يجب أن لا تكون له مواقف متواطئة في الزمن الغابر ثم يجب أن يكون له نزعة توحيديّة تجميعيّة، خطابه لا يكون خطابا صداميّا أو خطابا مفرّقا أو محدثا للاهتزازات داخل المسجد و داخل المجتمع ، أيضا يكون على مسافة واحدة مع كل المصلين ليس ، له موقف محدد من حزب أو جماعة معيّنة ومن حقه أن ينتمي إلى أي حزب يريد، لكن في خطابه ينبغي أن يراعي طبيعة المجتمع ، يوحّد ويجمع ولا يعامل الناس على أساس انتماءاتهم الحزبيّة أو اصطفافاتهم النقابيّة مثلا أو مواقعهم الاجتماعيّة أو الرسميّة أو المدنيّة. في ما يخصّ بعض المقترحات التي تقول بتوافق أو بانتخاب أهل الحي لإمامهم دون استحواذ الوزارة وقيامها بالتعينات الفوقيّة نوّه السّيد نورالدين الخادمي بهذه الفكرة واعتبرها تساعد الوزارة شريطة أن يكون الإمام الذي تمّ اقتراحه يستجيب إلى الشروط السابقة وإذا لم يقدّم المواطنون لسبب أو لآخر بعض الأسماء أو إذا تمّ الاختلاف فيما بينهم على أكثر من اسم تتدخل هنا الوزارة وتقوم بالترجيح وفق المعطيات ووفق الشروط التي رصدتها. وحول كيفيّة تعيين الأئمة ومواصفاتهم ومأتاهم أكّد الدكتور أنّ الوزارة بصدد تسوية ملفات الأئمة الموجودين حاليا في مناصبهم كما قمنا بنداء إلى كلّ من يستأنس في نفسه القدرة على الخطابة أن يتقدّم بملفه وجعلنا من الأستاذيّة في العلوم الشرعيّة من الزيتونة أو من غيرها شرطا إلا إذا تعذّر ذلك في بعض المناطق أو القرى فإنّنا نتعامل وفق الشروط السالفة الذكر، واذا كان هناك من لا يملك الأستاذيّة ويتميز بغزارة علميّة وحسن الخلق فلا نرى مانعا من أن يتولى الخطابة، وحول إذا ما كانت الوزارة تنوي بسط سيطرتها على جميع المساجد في تونس قال الخادمي أنّ غالبيّة المساجد تقع الآن تحت إشراف الوزارة وهناك بعض المساجد القليلة التي لا يمكن أن نقول أنّها خارج السيطرة إنّما هي في إطار التسوية. وفي سياق الإجابة على سؤال الحوار حول العلاقة المستقبليّة لوزارة الشؤون الدينيّة بالجالية التونسيّة بالخارج وحول إمكانيّة النسج على منوال بعض الوزارات في دول أخرى التي دأبت على إرسال قرّاء ووعّاظ وعلماء خاصّة في رمضان قال الخادمي أنّه ومن حيث المبدأ نحن مستعدون لمدّ جاليتنا والمسلمين عامة بالخارج بالقرّاء والعمل على تأطيرهم دينيّا، لكن هذا يتطلّب شيئين أولا رغبة الجهة المضيفة وثانيا إمكانيّات الوزارة فالمسألة إجرائيّة وإذا ما ورد إلينا طلب سنتعامل معه بإيجابيّة ونفعل ما أمكن إن شاء الله. وعن إمكانيّة تفعيل الدور التاريخي للزيتونة على غرار ما يقوم به الأزهر حيث يستقبل بعثات طلابيّة من جميع أنحاء العالم أكّد الخادمي أنّ هذا من المطالب الملحّة التي طرحتها العديد من الجهات لكن مازالت قيد البحث والدرس والتشاور وهي بالتأكيد من الخطوات الكبيرة التي قد تساهم في مدّ أواصر التعاون بين تونس ومختلف البلدان ومن شأنها إعادة الإشعاع الذي كانت تتمتع به الزيتونة عبر تاريخها الطويل من العطاء المثمر. حاوره: نصرالدين السويلمي