جل أحزابنا ومنظماتنا تتبنى الديمقراطية إن لم يكن في أسمائها صراحة ففي ما تعلن من برامجها وسياساتها، ولا يختلف الأمر عمن يسمون أنفسهم بالنخبة العلمانية أو الليبرالية، فكلهم يدعي بالديمقراطية وصلا، ويصوّر نفسه على أنه عاشق متيّم، وأن الديمقراطية معشوقته وحده وهي لا تقرّ لسواه بذلك. كما أنهم اعتمدوا تصنيفات وتقسيمات للساحة السياسية لا تخلو من مكر ودهاء من قبيل : الديمقراطيون والإسلاميون أو الأحزاب الوطنية والحركات الإسلامية، هذا فضلا عن التقسيمات التي لا تخفي نفي الآخر مثل التقدمية والرجعية أو الثورية والإصلاحية. وكانت أعمال هذه الأحزاب والمنظمات أو الشخصيات منذ زمن "بن علي" تكشف كثيرا من زيف دعواها في ممارسات عديدة تغلب فيها "الأنا" على حساب المصلحة العامة في مواجهة الإستبداد، وكنا نقول للمطالبين بإصلاحات ديمقراطية في ظل نظام "بن عليّ" بأن "الديمقراطية مسار وليست قرارا" وأن من لم يشبّ في ثقافة القبول بالآخر لا يمكنه أن يتغير تغيرا جذريا في شيبته، وإن حاول التظاهر بغير ذلك، فالطبع يغلب التطبع كما يقول المثل. بدأ ذلك يظهر بالكاشف وطائرة المخلوع لم تحط بعد! ولكن لنضرب عن ذلك صفحا فلا يتسع المجال لتقصي تلك المواقف وما أكثرها ولكن نكتفي بالحديث عمّا أعقب انتخابات 23 أكتوبر 2011 وما أفرزته من أغلبية لصالح حزب النهضة الإسلامي. ورغم أن ما سمي ب"الهيأة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي" المعروفة مجازا واختصارا بهيأة "عياض ابن عاشور" قد فصلت القوانين الانتخابية على مقاس "الأقليات السياسية" باعتراف ابن عاشور نفسه وفخّخت الأرضية الانتخابية بما لا يسمح لأي طرف أن يكون له فوزا ساحقا في الانتخابات فإن تلك الأقليات لم ترض بالنتيجة ولم تقبل بتحكيم الشعب ونعتته بالجهل والقصور وعدم القدرة على التمييز بين ما يضره وما ينفعه. وانطلقت عملية ممنهجة لإرباك المسار وتحطيم البيت على ساكنيه من أجل وأد التجربة في مهدها ولسان حالهم يقول "عليّ وعلى أعدائي"، وقد ضمّ هذا الحلف نواب "أكبر البواقي" من داخل المجلس التأسيسي وأحزاب ما يعرف ب "الصفر فاصل" من خارجه إضافة إلى فلول التجمع واليسار المتطرف والإدارة الفاسدة. وكلهم أعلنوا حربا مبكرة على الفائزين في الانتخابات بدعوى عجز "الترويكا" عن إدارة البلاد وتحت ذريعة "الشرعية الثورية" قبل "الشرعية الانتخابية". ولابد هنا من الاعتراف بأن أصواتهم كانت أعلى من أحجامهم بكثير نظرا للدعم الخارجي الذي يسندهم ولتغلغلهم في مؤسسات الدولة والإعلام والمنظمات الوطنية، في غياب شبه تام لخصومهم بسبب حملات التصفية والاجتثاث التي تعرضوا لها في العهدين السابقين، وكان ثوريو اليوم مشاركين فيها! وهنا نكتفي بطرح أسئلة لا تحتاج الإجابة عنها إلي عناء: هل يكون صادقا في ادعاء الوطنية وحب تونس وشعبها، من كان يبذل كل وسعه لتشجيع الإضرابات والإعتصامات عشوائية أو "منظمة" في وقت الإقتصاد أحوج ما يكون فيه لأي إنتاج، وتونس أحوج ما تكون لأي مستثمر وأي موطن شغل؟ | هل يصدق من يزعم أن نشاطه الأساسي من أجل الفقراء والمحتاجين ومن أجل رفع المعاناة عن الناس وهو يشجع قطع إنتاج الغاز حتى اضطر المواطنون للطهي والتدفئة على الحطب، واضطرت الدولة لاستيراد بواخر من أنابيب الغاز بالعملة الصعبة لرفع المعاناة؟ هل من الديمقراطية والوطنية أن يكبد الإقتصاد الوطني خسائر بآلاف المليارات بسبب تعطل الإنتاج فقط في شركة فسفاط قفصة لأن معتوها مؤدلجا لم يجد من يردعه أو يرده عن غيه، فضلا عن دعمه ومساندته من شركائه في "الفكر الثوري" وأعرافه في المنظمة الوطنية الكبرى؟ هل يمكن أن يحترم الشعب التونسي سياسيا كان من أبرز الداعين لانتخاب مجلس تأسيسي يكون له كل الصلوحيات للمرور بالبلاد من المرحلة الانتقالية إلى المرحلة العادية، ثم ينقلب على دعواه ويطالب بحل المجلس التأسيسي ويعود إلى منطق "الشرعية الثورية قبل الشرعية الانتخابية" لأن رصيده في الانتخابات كان ضئيلا أو لا يكاد يذكر، حتى لا نقول النسبة التي يكرهون سماعها! ألا يذكّر هذا الموقف بموقف الجحش الذي طلب السباق مع المهر ولما هُزم قال للمهر دعك من السرعة وما رأيك في "تعليق الخشوم"؟ هؤلاء الذين يتحدثون عن فشل الحكومة وقد تكون كذلك لماذا لا يتحدثون عن إفشالها؟ ولماذا يصرون على تذكيرنا "بهدنة" الستة أشهر التي طلبها الدكتور المرزوقي عند بداية حكم الترويكا بعد إنقضائها ويطالبون الحكومة بنتائج "الهدنة" في استغفال أبله لأنهم لم يعطوا يوما واحدا من "الهدنة"؟ لماذا طالبوا المجلس التأسيسي بالفراغ من مهامه في سنة وفي نفس الوقت فعلوا المستحيل من داخل المجلس ومن خارجه لإعاقة أعماله ومنعه من التقدم في إنجاز مهمته، وكلما تقدم العمل وبانت خاتمته افتعلوا مشكلة تُرجع إلى نقطة الصفر؟ إذا تحقق مطلب الذين يسمون أنفسهم بالديمقراطيين والتقدميين في إسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي، هل يمكن لشعبنا أن يثق في انتخابات أو مسار ديمقراطي بعد ذلك؟ ألم تصبح كلمة "التوافق" كلمة ملغومة مطلبها الأساسي الإلتفاف على إرادة الشعب؟ وهؤلاء "الراعون" للحوار الوطني و"التوافق" هل هم فعلا محايدون يقفون على نفس المسافة من كل الأطراف، أم هم خصوم نصّبوا أنفسهم حكاما؟ وهم العنوان الأساسي المتآمر على إرادة الشعب؟ كيف يكون ديمقراطيا وتقدميا من بارك انقلاب العسكر في مصر على الرئيس المنتخب والدستور المستفتى عليه؟ وحاول نقل التجربة إلى تونس بمظاهرات في الشارع تهتف "يا رشيد يا عمار وينو وعدك للأحرار" وبمباركة تحت قبة المجلس التأسيسي "اليوم في مصر وغدا في تونس"؟ كيف يكون ديمقراطيا من يعرض عن الأعداد المضبوطة والدقيقة التي تبوح بها صناديق الإقتراع، ويستمد "شرعيته" من أعداد مضخمة أو موهومة لعدد المشاركين في جنازة أو المتظاهرين في شارع؟ ألا يعد انسحاب بعض نواب "أكبر البواقي" من المجلس التأسيسي آخر محاولة لهدم المسار من قبيل "ماجبناهاش باللعب النظيف هيا اندوروها تكسير"؟ أليس الأصل في أن من يثق في شعبيته قبل الانتخابات وتدني شعبية خصومه يعمل جاهدا لتهدئة الأوضاع من أجل بلوغ الانتخابات، بدل افتعال المشاكل، وماذا لو قارنا تصرفات النهضة أو المؤتمر قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011 بتصرفات المعارضة حاليا؟ ألا يدل ذلك أن الحزبين المذكورين كانا واثقين من فوزهما بإرادة الشعب على خلاف "الجماعة" الآن؟ والسؤال الأهم وبه نختم هل يريدون فعلا انهاء المرحلة الانتقالية والمرور إلى الانتخابات النزيهة والشفافة؟ وهل يعولون على قدراتهم الشعبية أم على ولاءاتهم الخارجية؟ وختاما، أرى أنه من الضروري التذكير بأن هذه مواقفي من الاعتصامات والإضرابات منذ أن فر "بن علي" وكذلك لم تفاجئني مواقف "المعارضة" ومقالاتي منشورة وموثقة، من ذلك على سبيل الذكر هذه الفقرة التي كتبتها يوم 23 أكتوبر 2011 قبل خروج نتائج الانتخابات: "والأكيد أيضا أن كثيرا من النخبة المتظاهرة بالديمقراطية والمدعية بها وصلا لا تفهم من الديمقراطية غير الانتخاب والتكالب على أصوات الناخبين بأي شكل وأي طريقة، إذا فازت فذلك ما تبغي، وأما إذا فشلت فستبذل كل ما في وسعها من أجل عرقلة من سيختارهم الشعب! ... ستسعى هذه الأطراف جاهدة "لوضع العصا في العجلة" مقدمة مصلحتها وخصوماتها على مصلحة الوطن، والأغرب من ذلك أنها ستفعل ما تفعل وتدّعي أنها تفعل ذلك نكرانا منها لذواتها وحبا منها للوطن!" فيا "قساوسة الديمقراطية والتقدمية" سقطت أوراق التوت ولن يجثم شعبنا على ركبه في حضرتكم أملا في نيل صكوك الديمقراطية والتقدمية التي توزعونها على أنفسكم وتزيينون بها قاماتكم القصيرة كالنياشين! وأن من عرقل اليوم المسار الديمقراطي بغير وجه حق سيُعرقل غدا بحق إن قدّر له أن يسطو على إرادة الشعب لاقدّر الله! "قالولهم تعرفوش الديمقراطية ... قالوا انزيدوا فيها! ... وكذلك التوافق! وكل محاولة التفافية على إرادة الشعب وانتم مكشوفين وفاشلين! روابط ذات صلة بالموضوع: http://www.youtube.com/watch?v=Ks_6GRTtKZw&feature=related https://www.facebook.com/photo.php?v=10201413027711720 http://www.youtube.com/watch?v=sE5bFUUPmXE&feature=share http://www.alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=22452#.UiZuTdJ7LoI طه بعزاوي 4 سبتمبر 2013
مصدر الخبر : الشاهد a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=24879&t=" ديمقراطيون" إنقلابيون!&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"