إيران: لا نثق في إسرائيل لاحترام وقف إطلاق النار بغزة    أحزاب ومنظمات تعبر عن تضامنها مع أهالي قابس وتطالب بحلول عاجلة للوضع البيئي    دعوة إلى التهدئة والالتزام بالسلمية في التحركات الاحتجاجية بقابس    الكشف عن سبب حادث الوفد القطري في شرم الشيخ    رحيل نجمة هوليوود وبطلة فيلم "العراب" عن عمر ناهز 79 عاما    احصائيات: تطور القروض للقطاع الخاص ب %3.5 أواخر أوت    فيينا.. الآلاف من أنصار فلسطين يطالبون بمعاقبة إسرائيل    كرة القدم العالمية: على أي القنوات يمكنكم مشاهدة مباريات الأحد ؟    "الكاف" يكشف عن موعد انطلاق عملية بيع تذاكر "كان المغرب"    البطولة الوطنية لكرة السلة – الجولة الخامسة: الإفريقي يواصل التألق والاتحاد المنستيري يحافظ على الصدارة    جندوبة .. تكريم مسنة تبلغ من العمر 107 سنوات    جندوبة.. قافلة صحية تؤمن 740 عيادة طبية مجانية    في «ملتقى الفنون» بأكودة ... عروض مسرحية سينمائية ومعارض فنيّة    المهرجان الدولي للارتجال بالمهدية في نسخته السابعة : عروض إبداعية مفتوحة، ورشات حيّة.. وفنّانون في الموعد    تونس تتحصّل على جائزة One Health Award 2025    اندلاع اشتباكات عنيفة على طول الحدود الأفغانية الباكستانية    إيناس الدغيدي تحتفل بزواجها وسط العائلة والفنانين!    أولا وأخيرا .. البحث عن مزرعة للحياة    الأهالي يُطالبون بتفكيكه: ما هو المجمّع الكيميائي في قابس الذي يثير كل هذا الجدل؟    طبّ الشيخوخة في تونس بداية من ديسمبر: فماهو هذا الإختصاص؟    بطولة النخبة الوطنية لكرة اليد (الجولة9): النتائج والترتيب    مرصد المياه: تراجع نسبة امتلاء السدود إلى حوالي 27،4 بالمائة    مباراة ودية (اقل من 23 سنة): المنتخب التونسي يفوز على نظيره العراقي    معهد الاحصاء: ثمانية تونسيين من بين 10 يتمتعون بالتغطية الصحية    تأجيل محاكمة رجل الأعمال رضا شرف الدين لجلسة 24 أكتوبر    سوسة: عروض تونسية وإيطالية تُثري ليالي مهرجان أكتوبر الموسيقي    المهدية : انطلاق مشروع طموح لتطوير القصر الروماني بالجم    حافظ القيتوني مدربا جديدا للألمبي الباجي    وزير التجارة يدعو الى استكشاف وجهات جديدة للترويج لزيت الزيتون والتمور    ما تنساش: مقابلة المنتخب الوطني يوم الإثنين على الساعة 14:00!    احذر: المياه البلاستيكية تنجم تولي سامة بعد هذا الموعد!    عاجل: الأمطار ترجع لتونس هذا الأسبوع وتحذيرات للشمال والساحل    دعتهم للحضور يوم 14 أكتوبر: استدعاء رسمي للمعلّمين المقبولين في التربية البدنية!    هذا عدد شاحنات المساعدات التي تنتظر الدخول الى غزة..#خبر_عاجل    250 مؤسسة من 19 دولة في الصالون الدولي للنسيج بسوسة    3 حاجات رد بالك تشاركهم مع الآخرين    كميات البذور الممتازة المجمعة موسم 2025-2026 تسجل ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالموسم الفارط –المرصد الوطني للفلاحة-    أبرز الأحداث السياسية في تونس خلال الأسبوع المنقضي (من 4 إلى 10 أكتوبر 2025 )    المهدية:أول إقامة ريفية ووجهة للسياحة البديلة و الثقافية في طور الانجاز    نترامب يتجه غدا الأحد نحو فلسطين المحتلة ثم مصر..#خبر_عاجل    من دون دواء..علاج سحري لآلام المفاصل..    مباراة ودية: التعادل يحسم مواجهة المنتخب الوطني لأقل من 16 سنة ونظيره الأردني    الطقس اليوم: سحب وأمطار خفيفة بالشمال والوسط ورياح قوية في الجنوب    صفاقس تستقبل 7 حافلات جديدة : تفاصيل    الدورة الثالثة لمعرض " لمة الصنايعية " من 16 الى 18 أكتوبر الجاري بتونس المدينة    عاجل/ الإعلان عن انطلاق مشروع جديد لدعم تشغيل الشباب في هذا القطاع..    وزارة الفلاحة:اجتماع لعرض محتوى التّقرير الوطني لقطاع المياه لسنة 2024 في نسخته النهائية    منظمة الصحة العالمية تؤكد ضرورة استئناف عمليات الإجلاء الطبي العاجلة من غزة..    اقتحام معهد في سليانة وسرقة هواتف تلاميذ: الاحتفاظ بمشتبه بهم    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    عاجل/ ضربة موجعة لمروجي المخدرات..    الاطاحة بعصابة لسرقة المنازل بهذه الجهة..    غرفة التجارة والصناعة لتونس تفتح مناظرة خارجية    يوم الجمعة وبركة الدعاء: أفضل الأوقات للاستجابة    وقت سورة الكهف المثالي يوم الجمعة.. تعرف عليه وتضاعف الأجر!    الميناء البوني بالمهدية... ذاكرة البحر التي تستغيث    الجمعة: أمطار رعدية بهذه الجهات    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مانديلا" بين مشايخ السلاطين وحقيقة الدين
نشر في الحوار نت يوم 15 - 12 - 2013

لم أكن أرغب في الكتابة ولا الإشارة إلى موت الرئيس الجنوب أفريقي "نيلسن مانديلا" الذي أكن له في قلبي كل احترام وتقدير ولا أخفي حزني لموته، ولكن استفزني أمر جعلني أحزن لما آلت إليه أخلاقنا ومعاييرنا، وكيف أننا باسم الدين ابتعدنا عن الدين وقيمه السامية التي بُعثَ لأجلها جميع الأنبياء عليهم السلام وخُتمَ برسولنا الكريم عليه وعلى آله الصلاة والسلام ليتممها كما قال بذلك الصادق المصدوق: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" أي أن تمام الدين ونعمة الله ومبلغ الرسالة هو مكارم الأخلاق.. (اليوم أكملت لكم دينكم و"أتممت" عليكم نعمتي)
ما دفعني للكتابة خبر لتصريح الشيخ عبد الرحمن البراك حول ردود الأفعال العربية والإسلامية تجاه موت الزعيم الجنوب أفريقي، وأكثر الفقرات استفزازاً كانت هذه الكلمات:"هلك في هذه الأيام (مانديلا) الكافر، وقد قيل إنه ملحد أو نصراني، كما هو مشهور في الإعلام، وقد بادرت صحف محليةٌ وغير محلية وقنوات عربية إلى تمجيده والبكاء عليه، وليس للرجل ما يحمد عليه إلا ما يذكر عنه من تصديه لمقاومة العنصرية في بلاده… مع أنه لم يتفرد بالجهد في هذا السبيل".
أول ملاحظة هي استخدامه للعبارات "هلك" و "كافر"، وإذا أحسنّا النية في الشيخ وصدَّقنا بأنه يمثل الدين الحق بفهم السلف الصالح كما يدَّعي، فلا أعتقد بأن هناك خير من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله قدوة وسلفاً، ولا يوجد مرجعٌ فوق القرآن لدى كل مؤمن ومؤمنة.. فلنلقي نظرة سريعة على الدين من هذين المصدرين الوحيدين المتفق عليهما لدى جميع الطوائف والمذاهب والفرق الإسلامية.
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: "ولا تُجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن"
أي عدم قبول الله سبحانه وتعالى بأية لغة أو لهجة أو عبارة باستثناء "الأحسن" وهو أعلى من الحسن، فأين الحُسن في كلام الشيخ ناهيك عن "الأحسن"؟؟
ويقول المولى عز وجلّ في محكم تنزيله على لسان سيدنا شُعيب عليه الصلاة والسلام:"قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ". (الأعراف-85)
وسياق الآية وإن كان يدل في ظاهره على أن المقصود المباشر بكلمة "أشياءهم" ما يتبادله الناس في معاملاتهم من المتاع، إلا أن ما يملكه الناس ويتمتعون به من أخلاق وأفكار وتاريخ وإنجازات أولى بإقامة العدل وإنزاله في منازله من دون وكس ولا بخس ولا شطط، لما يترتب على الإخلال بذلك من الحقد والقطيعة والفرقة وذهاب الريح، والأهم من ذلك كله مخالفة الله ورسوله.
ولما كانت أصول دعوات الأنبياء - عليهم السلام - واحدة فإن الأمر بإقامة الموازين والحكم بالعدل والإنصاف ظل الوصية الخالدة التي يوجهها كل نبي إلى قومه؛ لأنهبالعدل قامت السماوات والأرض..
وقد أوصى الله تعالى رسوله محمداً -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يعلن لأمته أمر الله له بإقامة العدل فيها، فقال: "وقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ"(الشورى-15)
وأوصى المؤمنين بإقامة العدل مع الناس كافة حتى الأعداء الذين يبغضونهم ويحاربونهم، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"(المائدة-8)
وإذا عرجنا على المصدر الثاني للشريعة الغرّاء فلنا في سيرة الحبيب المصطفى ما عجز أمامه العدو قبل الصديق وانحنى له تكبيراً وإجلالاً.
فقد كان عليه وعلى آله الصلاة والسلام، يقوم لله بالشهادة فيعطي كل ذي حق حقه، وفي سيرته العطرة مئات الشواهد التي تفيد التزامه المطلق بإنزال الناس منازلهم، وذكر محاسنهم وميزاتهم، مهما كان انتماؤهم وحيث كان موقعهم، فهذا هو يقول: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل" .
مع أن لبيد وقتها كان كافراً، وكان بإمكانه عليه الصلاة والسلام أن يثني على شعر بعض أصحابه المملوء حكمة وهدى بدافع حصر الخير فيهم، ولكن الالتزام بالحق والإنصاف وعدم بخس أحد حقه يأبى ذلك فأثنى على كلام رجل كافر .
وكذلك فعل عثمان بن مظعون رضي الله عنه حين سمع لبيداً ينشد البيت فلما قال:
ألا كل شيء ماخلا الله باطل
قال له عثمان: صدقت ، فلما قال:
وكل نعيم لا محالة زائل
قال له عثمان: كذبت نعيم الجنة ليس بزائل .
وإنَّ المرء ليعجب لهذا الإنصاف أيضاً من عثمان المقتبس من مدرسة النبوة حيث أثنىفي النصف الأول على لبيد، وكذبه في النصف الثاني !!
الحادثة الثانية التي تُعتبر درساً في الأخلاق والإنصاف وإعطاء الحقوق لأصحابها وإنزال الناس منازلهم حين جاء المسلمون بسفانة بنت حاتم الطائي في السبي، فذكرت لرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- من أخلاق أبيها ونبله فقال لها :"يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً لو كان أبوك مؤمناً لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق والله تعالى يحب مكارم الأخلاق"
لقد وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حاتم الموقف الذي تمليه شريعته السمحة العادلة المنصفة التي جاء بها فأثنى عليه وأطلق سراح ابنته وأكرمها ولكنه لم يترحمعليه لعدم إيمانه لتهتدي الأمة بهذا الهدي النبوي العظيم !! .
وبما أن الرجال مواقف وليسوا ألسناً وكلام صحافة وظهوراً إعلامياً، فكان على الشيخ أن يستحي من تباين المواقف بين الحكام "المسلمين" الذين يستعبدون الشعوب وبين موقف ذلك الرجل العظيم في "حياة الإنسانية" الذي حطم الرقم القياسي في سجل الصبر والصمود لتحرير البشرية من مثل ذلك الاستعباد.
وإن لم يكن لهذا الرجل المناضل من حسنة تُذكر فتكفيه لدينا "كمسلمين" عبارته المشهورة التي قالها بعد خروجه من سجنه الطويل والتي ستبقى مُعَكِّرةً لصفو الخونة والعملاء والمستبدين: "إن حريتي لن تكتمل إلا بتحرير فلسطين" وقال للمحامي والحقوقي راجي الصوراني: "إن نضال شعب أفريقيا لن يكتمل إلا بتحرير فلسطين"..
وهو الذي لا ناقة له ولا جمل في بورصة فلسطين للمزايدات العربية والشرق الأوسطية.........
"مانديلا" ليس مسلماً (والله أعلم بدينه وعقيدته)، وليس عربياً، بل هو شخصية سياسية مناضلة مخلصة لشعبها ولقضيتها. فإذا أردنا انتقاد أو تحليل مسيرة الرجل وسيرته منالمنطق العلمي السليم والموضوعي سيكون ذلك بتسليط الضوء على إنجازاته في مجاله الذي برز فيه وعُرف من خلاله.
لن أسرد إنجازاته لأن ذلك ليس الهدف الجوهري من المقال، ولكن يكفي أن نقول بأنه أحب شعبه ووطنه فأحبوه، وخاصة الفئات المضطهدة منه، وطوبى لمن أحبه المساكين لأن فيه خير كثير. فإذا كان هناك من دخل الجنة بكلب سقاه فكيف بمن حرر وسقى وأطعم الملايين من المساكين وأعاد إليهم البسمة؟؟ هذا لله وحده وليس لأحد سواه.....
وأُفَضِل أن أختم بما ختم به الشيخ البرّاك جملته "وليس للرجل ما يحمد عليه إلا ما يذكر عنه من تصديه لمقاومة العنصرية في بلاده… مع أنه لم يتفرد بالجهد في هذا السبيل". ونقول للشيخ: بما أنك جزمت بصيغة الإجحاف والبخس بأنه لم يتفرد بذلك الإنجاز، فسؤالنا لسماحتك: هل بذلت معشار ما بذله "الهالك الكافر" للتصدي ولمقاومة العنصرية في بلادك تجاه الوافدين من "المسلمين" ناهيك عن الكفار والهالكين؟؟؟؟ والجواب على هذا السؤال ربما يبرر عدم استجابة "مانديلا" لدعوة عائض القرني له للإسلام كما يذكر الشيخ البرّاك!!
ولا أعتقد بأن هناك طائفة أو حزب أو مذهب لا يدّعي بأنه يسير على نهج القرآن والسنة والسلف، فالكل يدَّعي وصلاً بليلى***وليلى لا تُقِرُّ لهم بذاكا.
لقد ذكرنا أعلاه بإيجاز الأوامر الربانية، والهَدْي النبوي، وسيرة السلف الصالح، وببخسنا لحق هذا الرجل نكون قد خالفنا الثلاثة معاً *** والإسلام لا يُقر لنا بذاكا

أحمد محمد أبو نزهة
12/12/2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.