بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب الشنقيطي: الحركة الإسلاميّة في السّودان: مدخل إلى فكرها الاستراتيجي والتنظيمي عرض : رياض الشعيبي
نشر في الحوار نت يوم 08 - 12 - 2009


بسم الله الرحمن الرحيم
الحركة الإسلاميّة في السّودان:
مدخل إلى فكرها الاستراتيجي والتنظيمي



تأليف : محمد بن المختار الشنقيطي
عرض وتقديم: رياض الشعيبي – كاتب تونسي-
توطئة:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله،
أمّا بعد فهذا كتاب قرأته فسحرتني معانيه وألهمتني مبانيه، وأردت أن أضعه بين أيدي القارئ الكريم لعله يروي ظمأه فيهدي سبله.
الحركة الإسلامية في السودان أكبر من أن يضمّها غلافان، ولولا أن هذا الكتاب قد جمع فيه صاحبه بين أمانة التاريخ وواجب التأويل وصدق النّصيحة، لما وفق إلى ما أنجز من عمل. والمرام أن نجد من مثل ما بين أيدينا في مختلف الحركات الإسلامية المعاصرة.
هذا إذن تلخيص لما جاء في كتاب محمد المختار الشنقيطي، لم أزد فيه على منهجه ولا انتقصت منه شيئا، وما من فضل لي إلا أنني أريد أن استعرضه بأمانة الناقل لمن لا يجد سعة الوقت للعودة لصفحاته التي تزيد على المائتين. فتراني حينا أستعير كلماته وعناوينه وحينا أنسج جملا أتمنى أن تنجح في اختزال صفحاته دون معانيه.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

I. مقدّمة:
v قسّمت الدراسة إلى مدخل وسبعة فصول:
المدخل: في العلاقة بين المبدأ والمنهج: العلاقة الجدلية بين الإيمان بالمبدأ وحسن إعداد الوسيلة لخدمته. بيان لتخلف الثقافة العملية لدى أبناء الصحوة الإسلامية. فهو تأصيل نظري لما تلاه من أمور عملية خلال فصول البحث.
1. الفصل الأول : الملامح والروافد وفيه بيان للخلفية الفكرية التي انطلقت منها الحركة في عملها ، ومنهج الربط بين فقه المبدأ وفقه المنهج الذي اعتمدته ، وحديث عن الملامح العامة للحركة ، وخصائصها المميزة ، وبيان لروافد فكرها التنظيمي ، وحسن استفادتها من عبرة الماضي وتجارب الآخرين .
2. الفصل الثاني : الثنائيات الكبرى وفيه شرح لمنهج الحركة في التعامل مع ست من الثنائيات التي تشكل معضلات فكرية وعملية أمام الحركات الإسلامية ، ويتوقف على حسن التعامل معها مسار كل حركة ومآلها . وهي : الشكل والمقصد ، الإسرار والإعلان ، الالتزام والمبادرة ، الوحدة والتباين ، العمق والامتداد ، الفصل والوصل .
3. الفصل الثالث : البنية الهيكلية وهو شرح مصحوب بالمخططات التوضيحية لهيكل الحركة وشعبه وفروعه ، وبيان لجوانب تأثرها وتأثيرها في الحركات الإسلامية الأخرى ، وإبراز لمواطن التجديد والتميز والتكيف لديها ، مع مقارنة مستفيضة بالهيكل التنظيمي لكل من حركة الإخوان المسلمين بمصر ، والجماعة الإسلامية بباكستان ، باعتبارهما أقدم تجربتين إسلاميتين في هذا المضمار ، وأكثرهما تأثيرا في الحركات التالية .
4. الفصل الرابع : البناء القيادي وفيه تشخيص لداء القصور القيادي في الحركات الإسلامية ، وبيان لمنهج الحركة السودانية في اختيار قادتها وعزلهم ، وما اعتمدته من طرائق لحماية الشورى ، وضمان صدق التمثيل ، وشمول القيادة وفعاليتها ، وضمان مراقبتها ومحاسبتها ، مع التأصيل والتحليل والمقارنة .
5. الفصل الخامس : العمل في المجتمع وهو يتناول فلسفة الحركة في التعامل مع مجتمعها، وبيان للمنهج الإصلاحي الإيجابي المترفق الذي درجت عليه في هذا الشأن ، وتعاملها مع مختلف القوى الاجتماعية المحلية : الأحزاب السياسية ، والجيش ، والطلاب ، والعلماء ، والصوفية ، والسلفية ، والنساء ، والعمال ، والقبائل ، والمسيحيين .
6. الفصل السادس : العلاقة بالسلطة وفيه تحليل لمنهج الحركة في علاقتها بالسلطة السياسية ، والضوابط التي تحكمت في معارضاتها للسلطة وتحالفاتها معها ، مع التركيز على تجربة التحالف مع نميري في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات ، من حيث الدواعي ، وأسباب النجاح ، والثمرات، باعتبارها أكبر وأخطر قرار اتخذته الحركة في هذا الشأن.
7. الفصل السابع: العلاقة بالحركات الإسلامية وفيه بيان لرؤية الحركة لمراتب العموم والخصوص بين الحركات الإسلامية، ومنهجها في العلاقة بتلك الحركات، خصوصا حركة الإخوان المسلمين بمصر، والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، بحكم ارتباطهما الفكري والتاريخي بالإسلاميين السودانيين، ومكانتهما في العمل الإسلامي عالميا.
v اعتمد الكتاب عددا من معايير التقييم:
1. معيار المرونة: - مرونة وظيفية تتعلق بأهداف التنظيم ووظائفه، - مرونة إجرائية تتعلق ببنية التنظيم وإجراءاته الداخلية ذات الصلة بتغيير قادته واتخاذ قراراته، ومرونة عملية تتمثل في تعاطي التنظيم مع التحديات المتغيرة بأسلوب متغير.
2. معيار التماسك: يتطلب التماسك الفعال قدرا كبيرا من الإجماع الداخلي حول أمور جوهرية ثلاثة: - طبيعة التنظيم ورسالته على مستوى الهدف الأسمى ومبرر وجوده وعلى مستوى الأهداف المرحلية الأساسية، - الوسائل الفعالة التي ينبغي تبنيها لتحقيق تلك الأهداف. - قيادة التنظيم: هيكلا وصلاحيات وأشخاصا: أي قوّة الشرعيّة الدّاخليّة. - وسائل حل الخلافات الداخلية سواء تعلقت بالتوجّه أو بالمسيرة أو بالقيادة.
3. معيار الاستقلالية: أن يكون للتنظيم كيان معنوي وشخصية اعتبارية متميزة عن غيره من الأفراد والقوى الاجتماعية، فإذا أصبحت أهداف الأفراد أو القوى الاجتماعية المكوِّنة للتنظيم في درجة فوق أهداف التنظيم أو منافسة لها، فقدْ فقدَ التنظيم معيار الاستقلالية.
4. معيار التركيب: أي مضاعفة الهياكل وتنوعها وتشعبها. ويشمل التركيب التمايز بين البُنى والوحدات التنظيمية ، والفصل بينها هرميا ووظيفيا وجغرافيا ، مع التكامل والتوازن فيما بينها ، باستناد بعضها إلى بعض ، وتحكم بعضها في بعض.
5. معيار التناسب: فالغاية من بناء أي تنظيم هي الإحساس بالحاجة إلى تنسيق جهود جماعية، وترشيدها وتسديدها، وتصويبها نحو هدف مشترك، وتجنب تبديد الجهود أو تضاربها أو تناسخها، بسبب التوارد على نفس المكان دون تنسيق أو تناغم. أما إذا حدث العكس ، وفقد بعض الأعضاء ثقتهم في التنظيم لضعف في الإيمان بالأهداف ، أو لنقص في الثقة بالقيادة ، أو لمجرد الإحساس بالغبن ، أو سوء توجيه الجهد ، فذلك مؤشر سلبي يدل على أن التنظيم بدأ يفقد رسالته ، ويتحول إلى قيد على الطاقات الفردية التي كان أداة ترشيدها وتسديدها.
6. معيار الإيجابيّة: أن يحافظ التنظيم على زمام المبادرة في شؤونه، ويتفاعل بإيجابية مع تطورات مجتمعه. فذلك هو المدخل الوحيد إلى نمو التنظيم نموا طبيعيا دون طفرات مباغتة غير محسوبة، ويحميه من الجمود والبقاء على هامش المجتمع.
II. مدخل الكتاب: فقه المبدأ وفقه المنهج: الوسيلة القاصرة تخذل المبدأ السامي
· وجود نوعان من المفاهيم:
1. مفاهيم تتعلق بالمبدأ: نظام القيم وتجسيداتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الإجابة عن سؤال: ماذا؟
2. مفاهيم تتعلق بالمنهج: طرائق التطبيق ومناهج التغيير. الإجابة عن سؤال: كيف؟
v الخلل يتمثل في أزمة منهجية عميقة: تخلف الثقافة العمليّة وضمور الفقه السياسي والتنظيمي والإداري. الأسباب: تاريخية: -جدلية الاكتساب والاستيعاب، -انهيار نظام الجماعة بعد الخلافة الراشدة، -القطيعة بين أهل القرآن وأهل السلطان، -تأثير عصور الانحطاط والخصومات الكلاميّة، -ضعف الجهد في استنباط القواعد المنهجيّة من النصوص القرآنية، التقصير في الاطلاع على التجربة الإنسانية، -نقص الوعي التاريخي في التمييز بين الدّين والتديّن(التجربة التاريخيّة)، -تخلّف الثقافة السياسيّة، -عدم الفاعليّة وإفراغ المبادئ الإسلامية من آثارها العمليّة، -التجريد في فهم التصورات الإسلامية، -فقدان اعتبار الزمان والمكان في التفكير، -الانشغال بأدب المرافعات وردّ الشبهات، -التعميم والإطلاقية في الأحكام دون اعتبار الواقع العملي، -غياب المنهج العملي وسيادة المنطق الجدلي، -اختلال الفكر الفنّي منهجيّة وتنظيما وتخطيطا، -الخلط بين مبرّرات النشوء ومبرّرات الاستمرار.
v فشل الحركات الإسلاميّة يعود في جزء كبير منه إلى التفريط في اكتساب القوّة النّوعيّة (التخطيط والتنظيم والإدارة)، وتلك ثمرة سيئة من ثمرات الإخلال بمعيار الاستيعاب التنظيمي، ونتيجة منطقية من نتائج القصور القيادي: "يجب إيجاد مجالات لتفريغ طاقات الشباب الذين تملؤهم الحركة بالحماس، لأنه إن لم توجد هذه المجالات ، تعرضت الحركة لكثير من الانحرافات . فليست ظاهرة "التكفير والهجرة" إلا نتيجة لعمل إسلامي لم يوجِدْ مجالات للتغيير في المجتمع، كالنهر المتدفق الذي ينساب في جوانب مختلفة، إذا لم يشق الطريق أمامه" الترابي: الحركة الإسلامية والتحديث ص 38-39.
كما لاحظ "فولر" في دراسته لأثر القمع على الحركات الإسلامية أن هذا القمع لا يزيد الحركة إلا قوة ، بشرط أن لا يدفعها إلى ارتكاب أخطاء ذاتية ، فقال : "إن مكانة الحركات الإسلامية [في مجتمعاتها] يمكن أن تتضرر من خلال عمل هذه الحركات فقط ، لا من خلال عمل غيرها" Graham Fuller : Islamism in the Next Century p. 143.
v التغلب على الإشكالات العملية التي تعرقل مسيرة العمل الإسلامي، يستلزم طرح أسئلة جدية حول المناهج والوسائل: لا ينبغي القبول بالإجابات الرخيصة أو الحلول السهلة. إن قبولنا بالإجابات السّهلة يحول بيننا وبين إدراك عمق المشكلات التي نعيشها.
v إنّ الفشل في تحقيق أيّ هدف لا يكون دائما ناتجا عن عدم بذل الجهد، وإنما ينتج كذلك عن الخطأ في وضع الجهد موضعه المناسب. تبديد الطاقات في معارك وهمية، ومناوشات جانبية، والسّير على غير هدى من خطة محكمة، وعدم تصويب الطاقات في الاتجاه المناسب. وهو أمر كان الدكتور النفيسي أنذر منه منذ حوالي عقدين، حينما حذر من "خلط الأوراق، وضبابية الرؤية، وحروب الوكالة، والاستدراج لمعارك جانبية" د. عبد الله النفيسي: "مستقبل الصحوة الإسلامية" ضمن كتاب "الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي" ص 330. وهذا "دكمجيان" يوصي الحكومة الأمريكية بتزويد الأنظمة العربية بالثقافة التنظيمية لاستخدامها ضد الحركات الإسلامية، ويضعها على نفس المستوى من الأهمية مع المعلومات الاستخبارية والسلاح R. Harir Dekmejian : Islam in Revolution, Fundamentalism in the Arab World p.175.
v مشكلة الاستبداد والتخلف القيادي داخل الحركات الإسلامية، الناتج عن محورية الشيخ القائد، وهيمنة الجيل المؤسس، وارتباط مصير الحركة وخططها ورسالتها الإسلامية الخالدة بقيادة زمنية فانية. الحركات الإسلامية اليوم - بمحورية القائد فيها - تشن حربا تقليدية ضد جيوش حديثة، وهو ما أدى إلى الكوارث الإستراتيجية، والفواجع العملية التي نعيشها. فبمجرد رحيل القائد المهيمن تبدأ الثغرات والانقطاعات في المسيرة، لأن الحركة لم تؤسس أمرها من أول يوم على الاستمرارية والاطراد.
v الفرق بين الأهداف والأماني: إن الأمنية ثمرة انطباع ونزوع عاطفي، أما الهدف فهو ثمرة عمل ذهني واع. ومن أعسر الأمور في الفكر الاستراتيجي والتنظيمي مشكلة تضارب الأهداف، والموازنة بين أهداف الحاضر التكتيكية وأهداف المستقبل الإستراتيجية.
v الثقافة العملية هي العلوم التنظيمية والإستراتيجية والسياسية . فلا بد من دفع ثمن النصر، ونحن الذين نقرر نوع الثمن الذي سندفعه: إما مزيد من التخطيط والتنظيم، تمهيدا لبناء قوّة اجتماعية واقتصاديّة وسياسيّة نوعية قادرة على الأخذ بقوة. وإما مزيد من إراقة الدماء الزكية، وهدر الطاقات الفتية، وإضاعة الأوقات الثمينة. لقد بينت المقولة القديمة "ابذل عرقك في التدريب تحفظ دمك في المعركة" هذه المعادلة.
v إن الفكر الإسلامي المعاصر لم يستوعب بعد الفرق بين القصور المنهجي والتقصير المبدئي، أي قصور في الخطة والأداء، وليس تقصيرا في الشرع والمبدأ. بيد أن الخطأ المنهجي قد يصبح خطيئة مبدئية، حينما يتحول إلى إصرار وعناد، بعد قيام الحجة.
v فكرة الإمكان التاريخي أداة منهجية فعالة. إن فكرة "الإمكان التاريخي" تبين أن الصيرورة التاريخية - بما هي فعل بشري إرادي - حبلى بالاحتمالات دائما. وما يتحقق في واقع الحياة ، ليس هو كل الممكن، بل هو جانب من إمكانات شتى، رجحت ظروف الفعل البشري ظهوره، "واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار" سورة ص الآية 45.

الفصل الأول: الملامح والروافد:
v الملامح العامة:
1. ارتباط الفكر بالعمل: يعتبر الترابي "شأن المسلم أن يستعد لكل ابتلاء بما يناسبه من التدين. ولما كان في وسائل ومناهج الدين سعة ... كان لا بد أن تستعد الحركة الإسلامية بكل المناهج وكل الأدوات، حتى تُحْسن وضع الأمور في موضعها، ولا تفوت فرصة، لأنها تفقد حينئذ الأدوات المناسبة لهذه الفرصة". هذا الارتباط بين الفكر والعمل نحا بالحركة السودانية منحى إصلاحيا، في تقييمها للناس والوقائع وتفاعلها مع المجتمع والأحداث وابتعد بها عن نزعة الرفض والانعزال. وكانت هذه الواقعية ثمرة لنظر أصولي عميق يدرك أن كمال الدين لا يعني كمال التدين، وأن الأحكام قد تتوارد وتتزاحم في واقع منحرف، فيتعين التقديم والتأخير، والتعجيل والتأجيل. وتلك قاعدة جليلة في علم الأصول سماها العلماء الأقدمون "ارتكاب أخف الضررين" ودعاها الترابي "تناسخ المبادئ"، كما يشرحه في قوله : "إن الأحكام تتوارد على الواقع ، وتتناسخ ، وتتعارض مقتضياتها أحيانا ... لأن في تطبيق بعضها ما قد يؤدي إلى تفويت مصالح إسلامية أخرى مقدرة ، أو يحدث فتنة تضر بمستقبل الإسلام. وكان لا بد من فقه أدق من الفقه النظري ، يرتب أولويات الأحكام ، ويناظر بين قيمها المختلفة ، ويؤخر ويقدم".
2. استيقان الغاية واستبانة السبيل: الارتباط الوجودي بين المبدأ والمنهج. وضوح الهدف في أذهان الناس وإيمانهم به ليسا كافيين للتمكين له في الأرض، بل لا بد من ابتكار الوسيلة الملائمة الموصلة إلى ذلك الهدف بأقل ثمن لازم وفي أسرع وقت ممكن. إذ يخشى المرء أن لا يتواكب تطور أوعية التنظيم مع توسع مدى التيار الإسلامي ، فيتحول أمر الصحوة إلى ظاهرة جماهيرية سائبة، لا يضبطها نظام يكفل حسن التعبئة والاتساق والتصويب لطاقاتها ، فتذهب الجماهير أفذاذا وجماعات وتضيع حركتها ضلالا وبدداً، وتتساقط ارتباكا وتناسخا.
3. الوعي بالزمان والمكان: الحديث عن الدين والتدين، والمثال والواقع، وسنة المدافعة، وتجدد الابتلاءات ، وركوب متن حركة التاريخ، واستثارة فطرة الخير، وتناسخ المبادئ، والانتقال من المبادئ إلى البرامج.
4. البحث عن المنهج والنظام: إعطاء الأولوية لمبدأ الفاعلية، باعتبار أنّ أزمة التدين عند المسلمين ناشئة عن ضياع نظام الجماعة، ونقص الفاعلية، لا عن ضياع أصل الإيمان. ففقه المبدأ لديها (الحركات الإسلامية) أنضج من فقه المنهج والتنظيم. فقد لاحظ "غراهام فولر" ذلك فقال: " يحتاج الإسلاميون إلى صياغة قواعد سياسية وتكتيكية ذات صلة بالواقع السياسي السائد. وهو أمر يتطلب استيعابا عمليا للمسرح السياسي . فالإلحاح على المبادئ العامة لا يغني شيئا، إذا تم تضييع فرص الاستفادة من الواقع السياسي والاجتماعي".
5. استخلاص العبرة التاريخية: تقديم قراءة نقدية لحركات الإصلاح في عالم المسلمين الحديث، واستخلاص العبرة التاريخية اللازمة.
6. الاهتمام بالقوى النوعية: السّلطة والمال والإعلام. الانتباه إلى أهمية القوى النوعية المتحكمة في المجتمع، والتي تحول بين الشعوب وبين الحياة الإسلامية.
7. منهج التوكل والإقدام: ثمرة من ثمرات الإيمان ونتيجة لازمة من نتائجه. فالحركة ذات نهج توكلي جريء، جعلها تنحو منحى تجريبيا في عملها، فتنزع إلى تبنِّي كل فكرة تنظيمية جديدة يُؤمَّلُ أن تعين على تطوير العمل وتكييفه مع مقتضيات الوقت والحال دون تردد، ثم يكون المحك العملي هو معيار الحكم على هذه الفكرة أو تلك من حيث الصلاحية والملائمة. منهج التوكل والإقدام من أهم المبادئ العقدية والفكرية التي نبعت منها إبداعات الحركة في المجال الاستراتيجي والتنظيمي.
8. سيادة الروح المؤسسية.
9. فلسفة التصحيح والاستدراك: منهجا ناقدا أساسه التطوير الدائب والاستدراك على الآخرين وعلى الذات. إدراك وتدارك جوانب القصور التي تظهر في هيكلها وأدائها الاستراتيجي والتنظيمي من حين لآخر، بسبب المحك التطبيقي، أو نتيجة للتقادم الذي يسببه تغير الوقائع. هكذا أصبح التطور الدائب في أوضاع التنظيم وأشكاله وعلاقاته سنة للحركة ، في كل طور ترسم صورة مثالية لمنهاج التنظيم ، ويتوهم راسموها أنها النموذج التنظيمي الأتم حسب مقتضيات الشرع والواقع ، ويراها البعض مثالا للكمال لا يُرجى أن يقاربه التطبيق إلا لماما ، ثم لا تلبث الحركة مع الوعي والزمن أن تتجاوز ذلك التنظيم ، فيبدو أشد بساطة عما تقتضيه رؤى وظروف جديدة ، فيُراجَع رسمُه نحو نموذج أشد تركيبا ، وأوفى بأغراض التدين في عهد جديد، كما قال الترابي.
10.منهج الترفق والتدرج: فقد نحت الحركة منحى إصلاحيا في التعامل مع مجتمعها ، دون رهق أو عنت ، واعتبرت عنصر الزمن جزءا من علاج الأمراض المزمنة التي تراكمت على مر القرون ، وحرصت على: -تجنب الصراعات مع القوى التقليدية المتدينة، -تفادي المواجهات غير الضرورية مع القوى العلمانية الحديثة ، ترفقا بالناس ، وتغليبا لفلسفة الاكتساب على منهج المغالبة ما أمكن ذلك، فهي حركة مترفقة تؤمن بالإصلاح المطرد المتدرج في الأطر والمؤسسات، - دعم وتحفيز مواطن الخير والتدين في المجتمع ، مهما شابها من شوائب البدع والأعراف، - الحرص على أن لا ينظر إليها مجتمعها نظرته إلى دخيل غريب، وتقديمها لنفسها امتدادا لجهد المصلحين السودانيين في كل العصور، مهما كانت المآخذ على ميراث أولئك المصلحين. يقول الترابي "رفضنا أن نكون حركة إلى جانب المجتمع ، نعتزله ونتعامل معه بالجدل والمناظرات ، وإنما أردنا أن نكون نحن حركة المجتمع ذاته ، ندخل في سياقه ، ونقاوم ما فيه من شر ، ونبني على ما فيه من خير".

v روافد الفكر الاستراتيجي والتنظيمي:

تبدأ حركات التغيير الاجتماعي في العادة توجها عفويا يتلمس طريقه بصورة غامضة، ثم تنفتح أمامها نوافذ للاقتباس من تجارب سابقة، وأخيرا تنتهي إلى منهج عملي متميز تصوغه الخبرة النظرية والتجربة العملية.
- أولا: فكر الإخوان المسلمين بمصر: يقول الترابي "لم نكن نسوغ الاجتهاد في التنظيم ، وكان دستورنا في مجمله نسخة تقليد من دستور الإخوان في مصر... ربما تكون [الحركة السودانية] قد أخذت أشكال التجربة المصرية في عهدها الأول... ولكن في وقت قصير بعد هذه المرحلة وعت الحركة الإسلامية [في السودان] ذاتها ، ونسبت نفسها إلى زمانها وإلى مكانها المعين ، وبدأت تحاول أن تناظر بين ما تستعين به من مواقف وأشكال ، وبين حاجة الدين المتطورة في الزمان والمكان ، وبدأت تتجدد في أشكالها الدستورية".
- ثانيا : فكر الجماعة الإسلامية بباكستان: تأثرت الحركة السودانية بالجماعة الباكستانية - فيما يبدو - من خلال مبدأ اللامركزية الهيكلية الذي طبقته الجماعة منذ نشأتها. لكن يبدو أن "الجماعة" أخذت عن التجربة السودانية في الأعوام الأخيرة مبدأ التوازن بين الكم والكيف ، ومبدئي التحديد الزمني للولاية وتعدد المترشحين في مجال البناء القيادي. لكن الفكر التنظيمي للجماعة عانى من جوانب قصور أساسية في مجال العضوية والبناء القيادي ، الامر الذي جعل الحركة السودانية تتجنبه في هذه المواطن. مع ملاحظة استفادة الحركة السودانية من الإسلاميين الباكستانيين في مجال الفقه السياسي .
- ثالثا : فكر الحركة الشيوعية السودانية: أخذت الحركة أيضا شيئا من منهج التنظيم والحركة من مصدر قد يكون غريبا، وهو الحركة الشيوعية - التي كانت غالبة في الأوساط الطلابية ، وصاعدة في الوسط الحديث عامة - لا سيما أن بعض العناصر التي أسست الحركة الإسلامية مرت قبلها بالحركة الشيوعية ، فاستفادت شيئا من تجاربها التنظيمية في بناء الخلايا السرية وتربية العناصر الحركية. استعارت الحركة الإسلامية من الحركة الشيوعية - إضافة إلى بناء الخلايا وتربية العناصر - أفكارا تنظيمية وإستراتيجية أساسية ، منها فكرة "التنظيم الموازي" ، وهي فكرة طبقها الشيوعيون السودانيون من خلال تعبئة جماهير عريضة وقوى سياسية متباينة وراء مطالبهم في شكل "جبهة وطنية" ، مع احتفاظهم بتنظيمهم السري موازيا لها ومسيطرا عليها. وكانت فكرة التنظيم الموازي من الأفكار التنظيمية الأساسية التي مكنت الحركة من الحفاظ على التوازن ما بين العمق الحركي الخاص والامتداد الكمي العام، وضمنت لها نموا متوازنا، دون إخلال بمعادلة الإسرار والإعلان. فكرة "تعدد الواجهات" التي برع فيها الشيوعيون السودانيون، ونجحوا من خلالها في التعبير عن أنفسهم بحجم سياسي أكبر من واقعهم الفعلي.
- رابعا: الفكر التنظيمي الغربي: صحيح أن هذا الفكر قد أضر بأخلاقيات الحركة - قليلا - من حيث دقة الالتزام بخلفيتها الفكرية الإسلامية ، كما اقتضى منها جهدا تأصيليا معتَبرا، لكن ما أفاد به الفكر التنظيمي الغربي الحركة الإسلامية في السودان كان أكبر وأهم من كل المساوئ التطبيقية التي ظهرت من حين لآخر ، ومن كل الجهود التي بُذِلت في سبيل استنباته وتأصيله .
- خامسا : التأصيل والاجتهاد الذاتي: بعد فترة من الاقتباس من الآخرين دخلت الحركة طور الاجتهاد والتأصيل الذاتي ، بفضل اتساع إطلاعها النظري ، وتراكم تجربتها العملية . ولم ترض الحركة أن تظل عالة على تراث حركات الإصلاح في التاريخ الإسلامي، الذي تسود فيه محورية الشيخ القائد على حساب مؤسسية الجماعة ، ولا مجرد استمرار للتجارب التنظيمية التي تبنتها حركات سابقة عليها ، ولا تقليدا أعمى للفكر التنظيمي الغربي .
- سادسا: لم يقتصر اقتباس الحركة الإسلامية في السودان من مصادرها على الجوانب الإيجابية، بل استمدت العبرة من الأخطاء التنظيمية والإستراتيجية والتكتيكية التي ارتكبتها بعض الحركات الإسلامية وغير الإسلامية. فقد انتبهت الحركة السودانية إلى العديد من المزالق المنهجية التي وقعت فيها حركة الإخوان ، مثل بنائها القيادي المغرق في المركزية والجمود ، وارتهانها لفكر المحنة والسجون. كما نحت الحركة السودانية منحى مباينا للحركة الأم المصرية في مجال الهيكل التنظيمي ، والبناء القيادي ، والعلاقات بالسلطة، والعلاقات بالحركات الإسلامية. وينطبق نفس القول على الحزب الشيوعي السوداني في مجال الإغراق في المركزية، فقد لاحظ الإسلاميون السودانيون مساوئ ذلك على الحزب، وانتبهوا إلى أن الحزب وقع في "مصيدة مركزية القرار، مما عرَّضه للانقسام والتآكل الداخلي، ويسَّر الانقضاض عليه وتحطيمه" كما يقول الترابي.

الفصل الثاني: الثنائيات الكبرى:
هذه الثنائيات هي: الشكل والمقصد، الإسرار والإعلان، الالتزام والمبادرة، الوحدة والتباين، العمق والامتداد، الفصل والوصل.
"يقول الترابي: "هناك في أصل الدين دائما جملة من المعاني، مهمة الإنسان الموحد أن يوحدها، وأن لا يستقطبه هذا المعنى عن الآخر. فهناك بين التحفظ والتوكل جدلية ، ولكل ظرف معادلة معينة .. بين تركيز الإيمان في النفوس وبين توسيع الدعوة ، بين الأفق والعمق. لكن المعادلة بين هذه المعاني لا تطرد في التاريخ بخط مستقيم. الذي يحصل أن الحركة تنتشر في قطاع معين، وتتفرغ فترة لتعميق مكاسبها فيه وتركيزها، فيبدو وكأنها توقفت، لكن يحصل انفتاح جديد بعد فترة أخرى، ويتراجع التركيز على العمق والنوعية. يمكن أن تجد لهذه الفكرة شبها في تجربة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ، إذ غلب الكيف على الكم في مكة ، فلما انتقل إلى المدينة ، حصل انفتاح كبير ، واتسع الكم، لكن الكيف لم يحافظ على الدرجة نفسها، فعكف الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا المجتمع ، ورباه وطهره ، لا لأن المجتمع غاية في حد ذاته - فذلك لون آخر من العصبية للذات وللطائفة - ولكن استعدادا لانفتاح أكبر، وهو ما حصل بعد فتح مكة . هذه المعادلة - إذن - تأخذ شكلا دوريا في الترجيح بين الكم والكيف، وفي تاريخ حركتنا كنا نجاهد باستمرار، لكي لا ننغلق على بعد واحد".
- جدلية الشكل والمقصد: الأصل في التنظيم في الحركات الإسلامية أنه وسيلة لخدمة الدين ، وتوحيد الجهد . لكن الأشكال أحيانا تتحول في أذهان الناس إلى غايات ومقاصد ، خصوصا إذا أثبت الشكل نجاحا في خدمة المبدإ لفترة زمنية معتبرة . إن العلاقة بين الشكل والمقصد علاقة تكاملية ، لكن لا بد من الانتباه دائما إلى أن الشكل وسيلة للمقصد ، لا العكس . ومن ثم لا بد من قدر من المرونة والحرية توازن النظام ، وتتيح هامشا من المبادرات والطلاقة ، لتتبلور مقترحات جديدة في شكل التنظيم ، تكون مادة قد تُعتَمد رسميا فيما بعد ، فتثري نظام الجماعة . وهكذا تتكامل الحرية والنظام. زلقد كان أعضاء الحركة السودانية يرون جوهر الدعوة وقضية الإسلام أكبر من الوسائط التنظيمية ووراء دائرتها ، بل أولى من الهيئة الكلية لجماعتهم . ولذلك هان عليهم أن يصرفوا وظائف من العمل الإسلامي إلى محاور مستقلة عن أطر تنظيمهم العام.
- معادلة الإسرار والإعلان: "علنية الدعوة وسرية الحركة": معادلة "السر الضروري والعلن الواجب". إذ يميل بعض العاملين إلى التخفي المفرط حرصا على النوعية ، وتأمينا لرأس المال المتحصل ؛ ويميل آخرون إلى العلنية بغير حساب ، حرصا على التوسع والاكتساب . وكثيرا ما ينتهي المنحى الأول بالجمود ، والثاني بالتسيب . تبنت الإستراتيجية الجديدة الفصل بين مجالات السر والعلن بشكل حدي صارم ، يحصر الإسرار في نواة قيادية صلبة ، وفي أجهزة محدودة مكلفة بمهام مخصوصة ، ثم يَترُك الهيكل الحركي العام واسعا فضفاضا ، قادرا على استيعاب أكبر عدد من الناس ، بمن فيهم الذين يوالون ولاء ناقصا ، أو تجمعهم مع الحركة أهداف ظرفية جزئية . وقد أفاد هذا النهج الحركة إفادات عظمى ، منها :
Ø تسهيل مهمة الاكتساب من خلال انفتاح الحركة على المجتمع ، وإدراك المجتمع لمضمون رسالتها وأهدافها ، وهو ما لن تتمكن منه أي حركة تحبس نفسها في أجواء التوجس والانغلاق .
Ø كسر حاجز العداء بين الحركة والآخرين، حيث يعتقد قادة الحركة - عن حق - أن سبب عداء أعدائها ناتج عن ضئالة ما يعرفونه عنها ، لا ضخامته.
Ø تمكين الحركة من الإسهام الجدي في المعركة السياسية ، وهو ما لم يكن ممكنا بدون كم بشري كبير ، ولا كمَّ بغير انفتاح وتفاعل مع المجتمع ، والرضا من كلٍّ بما يجود به .
Ø تأمين أسرار الحركة من خلال المظاهر المعلنة الطاغية ، التي تستنزف طاقة العدو ، وتلفت نظره عن الأسرار الحقيقية .
وهكذا أدركت [الحركة] أن رسالتها في الالتحام بالشعب، وأمنها الحقيقي في اتساع قاعدتها لا في تخفيها. وأثبتت أن انفتاحها الذي اشتهرت به حتى عدها عبد الوهاب الأفندي "من أكثر الحركات الإسلامية انفتاحا في العالم" لا يضر أمنها، بل يخدمه في النهاية.
- فصل في مخاطر الازدواجية والتسيب:
تقدير منضبط: تقدير منضبط لمجالات السر والعلن وفصلهما وظيفيا وبشريا، مع إبقاء قنوات الاتصال الخاصة مفتوحة بين المجالين، بما يضمن تناسقا وانسجاما في التوجه، وتأمينا واحتياطا في العمل، ووحدة في القيادة والقرار.
توازن الالتزام والمبادرة: هذه الحركات تلح في أدبياتها على معاني الطاعة والالتزام والانضباط الحركي ، ولم توازن ذلك بفتح مسالك للمبادرات الفرعية والفردية، والسماح بقدر من المرونة في التربية والتوجهات والإجراءات . يعتبر الترابي أن "الدين كله ثقة بالإنسان ، لإتاحة الحرية له حتى يتحرر من أسر الطبيعة والمجتمع ، وأسر الحكام ، ليخلص التعبد لله سبحانه وتعالى . وهذا هو جوهر التدين". وقد حذر الترابي من الاتجاه السائد لدى الحركات الإسلامية ، من طغيان الطاعة على الحرية ، والالتزام على المبادرة ، ولخص مساوئه في أمرين :
Ø أنه "تطغى فيه الجماعة على حرمات الإنسان من حيث هو فرد". ومن الواضح أن الذين فاءوا إلى ظلال الصحوة - بعد أن اكتووا بنار استبداد الحكام وفسادهم - في غنىً عن أي طغيان فكري أو تنظيمي .
Ø وأن الفرد "يشح عليها بالتجاوب الصادق" وتلك نتيجة منطقية لكل استبداد : إما أن يقاومه الناس مقاومة فعلية إيجابية ، وإما أن يقاوموه مقاومة سلبية ، فلا يتجاوبون مع أهدافه ومساعيه . مفهوم الطاعة نتاج لمزيج مركب من الرضى القلبي (الوجدان) والضبط التنظيمي (السلطان) فلا بد من مراعاة التوازن بينهما ، حتى لا تتميع المسؤولية بدعوى الحرية ، ولا يحل الاستبداد في عمل الحركة الذي هو في أصله عمل طوعي . "فقدر من الحرية للأعضاء أن لا يصبوا في نمطية ضابطة ، وللأجهزة أن لا تُشَدَّ بتبعية آلية ، ضمان لتدين أوسع وأوقع أثرا ، ولوحدة قوامها الوجدان والسلطان معا" . إذ "ليست الجماعة المؤمنة إصرا على الفرد ولا غريما يشاده ويسلب حريته ، لأنها ثمرة من ثمرات اختياره ورضاه . ولا يكون نظامها إلا طوعيا ، يحفظ للفرد قدره ، ويرعى حرماته ، متميزا عن نظام الجماعات التي ينضم فيها الفرد قسرا ، وربما غُلِب من ثَمَّ على سائر أمره في الحياة ..." كما لاحظ الترابي.
وقد حاولت الحركة الإسلامية في السودان التغلب على إشكاليات هذه الازدواجية من خلال الأمور التالية:
Ø تشجيع المبادرة في خطابها الداخلي، حتى يدرك الأعضاء أن مجرد الالتزام بالنظم واللوائح - على أهميته - ليس معيار التفاضل. بل المعيار هو المبادرة والاجتهاد لدفع مسيرة الحركة قدُمًا. فالعضو الأمثل في الحركة لم يعد هو الأشبه بنمط مقرر موضوع ، بل هو الأكثر عطاء لدفع الحركة بالاجتهاد والجهاد.
Ø بسط الحرية في تربية الجماعة الثقافية : فلا التعليم فيها تلقين يصب العضو في قالب نمطي واحد ، ولا الفكر فيها إلزام بمذهب معين ، أو مصدر مخصوص ، أو حظر للإبداع والاجتهاد . ولا الطاعة فيها تلق سلبي ، وانصياع أعمى ، دون استيضاح أو تناصح أو تعرُّف. وقد يلزم ضرورة أن يُؤخذ بأيدي المبتدئين نحو قبلة الرشاد، ولكن مغزى التربية من بعدُ هو إلهام كل عضو حريته ومسؤوليته ، لينافس المنافسين ، ويوافي وسعه ودوره الخاص ، فيتبارك العطاء وتتعاظم حركة الدين.
Ø تشجيع حركة التناصح العامة ، والمراد بذلك عدم الاكتفاء بالشورى الرسمية التي تنظم اللوائح طرائقها عند اتخاذ القرارات أو انتخاب القيادات ، بل تدعيمها بالشورى المبنية على مبادرات الفروع والأفراد حول تحسين سبل العمل ، أو مراجعة أهدافه المرحلية "فالشورى الرسمية التي تجري بين يدي القرار مباشرة ، إنما تُبنى على مادة أولية غنية من ذلك الرصيد الذي صاغته حركة التناصح العامة ... فالشورى حقيقةً أوسع وأعمق من صورها المباشرة.
Ø تبني النظام اللامركزي الذي قسم التنظيم جغرافيا ووظيفيا عدة تقسيمات ، ومنح صلاحيات كبيرة وحرية واسعة للفروع في القضايا التربوية والمالية وغيرها . ومن شأن الحرية أن تضع الأعضاء أمام مسؤولياتهم دون لبس ، وتدفعهم إلى البذل والمبادرة والتنافس في الخير ، وتغلق أبواب المعاذير والتعلات التي تمكنهم من التنصل من مسؤولياتهم من خلال إلقاء التبعة على الغير.
Ø الاقتصاد في الأوامر الملزمة، وحصرها في الأمور الإستراتيجية الحساسة، وبذلك "كُيِّفت الإمارة بحيث تقتصر الأوامر القطعية على ما يلزم، وتُبسَط حول ذلك الشورى المؤلفة للرأي والقلب، والبيانُ الشارح للعقل والصدر، بحيث يُعوَّل على التوجيه غير القاطع فيما وراء ذلك، حتى تُجنَّد دواعي الطاعة الحرة وتشيع في الجماعة، وحتى تُشجَّع المبادرات المثرية للأداء والعمل ... وأصبحت صيغة الأمر تقتصر على هيكل من التكليف لا يتجاوز ما هو استراتيجي أو حاسم ، بينما أصبحت صيغة التوجيه هي الغالبة ، تربية وتهيئة نحو مجتمع قوامه روح التدين وحوافزها وآثارها الطوعية ، لا روح الأمر والإجبار والسلطان الوضعي" كما قال الترابي.
بالعودة الان للثنائيات التي يستعرضها الكاتب فانه يضيف:
- تعايش الوحدة والتباين: فهمت النمطية والانضباط على أنهما الضامن الوحيد للوحدة، لم تفهم أن التباين والاختلاف من سنن الله في خلقه، فإما توظيفهما إيجابيا لخدمة المسيرة، وإما الوقوف في وجههما دون فائدة. فكلّ تنظيم اكتفى بحماية الموجود، وقنع به، ولم يمد أذرعه لاكتساب دماء جديدة، واستيعاب طاقات متجددة، فهو ميت لا محالة. إن قواعد التنظيم التي بدأت تهدف لتحقيق النمطية في الأعضاء وفي حركتهم ، لتضمن الرشد والاستقامة ، أخذت بعد اطمئنان الحركة تتسع لقدر من التباين ، حتى يجد كل عضو فيما يليه مجالا للتدين في الجماعة ، حسب ما آتاه الله ، وحتى يجد كل تنظيم فرعي يقوم في إقليم محلي ، أو على وظيفة خاصة في العمل الإسلامي ، مجالا لتكييف حركته لخصوص ما يليه من ابتلاء ، وما يرجوه من كسب ، دون خروج عن النسق العام لمنظومة الحركة. ويضيف الترابي "هكذا كانت صور الحركة في الأقاليم المختلفة تتباين شيئا ما في أولويات همها ، وخصائص نهجها. وكانت التنظيمات المستقلة تختلف كثيرا في ظهور صبغتها الإسلامية ، أو قطعية نظمها وضوابطها. بل إن الأعضاء في الجماعة الإسلامية الواحدة يتباينون، ويتسع لتباينهم نظام العضوية. كل تلك وجوه للحرية في توخي معاني التدين التامة، دون تفريط في نظام الجماعة اللازمة لتمام التدين".
- تلازم العمق والامتداد: تواجه حركات التغيير الاجتماعي عادة إشكالا عمليا ، يتعلق بالاختيار بين منهج الانتقاء الكيفي الذي يضمن صلابة النواة ونوعية العمل ، ومنهج الحشد الكمي الذي يمكن من جمع قوة بشرية قادرة على المغالبة . حينما عرضت الحركة هذا الأمر للشورى ، ظهر اتجاهان متعارضان :
الإتّجاه الأوّل: يرفض الانفتاح والحشد الكمي، ويعرض مساوئه المحتملة، ومنها: "الانحلال والاختراق الأمني.. والتسيّب الفكري والتربوي، والارتخاء الحركي والتنظيمي، والاستعداء والتآكل. لكن يؤخذ على هذا الاتجاه - كما يقول الترابي - أنه يمثل "مدرسة ترى أن دور الحركة تربوي في المقام الأول ، فهي تأخذ أعضاءها أفذاذا لتطهرهم وتزكيهم ، وكانت علاقاتها بالأهداف السياسية مثل الأحلام، لا يترتب عنها أي عمل" وهذا شأن الطرق الصوفية، لا الحركات السياسية .
الاتجاه الثاني: يدعو إلى الانفتاح وتوسيع القاعدة، ويقدم لذلك مبررات منها: واجبات تبليغ الدعوة وبسط التدين وحاجات تمكينه، ومناسبة ذلك لظروف الحركة في بلد حظي أبناؤه بهامش واسع من الحريات السياسية، حيث غدا الانفتاح ممكنا وضرورة لحاجات الحركة، والتسلح لدخول المعترك السياسي الذي لا يمكن الاستغناء فيه عن الحشد الجماهيري، ولا تغني فيه الصفوة القليلة مهما كانت نوعيتها.
ويبدو أن مما زاد الاستقطاب بين المذهبين تطور العمل العام - ضمن جبهة الميثاق - واتساعه على حساب العمل التنظيمي الداخلي، وقد ساعدت ظروف السجن - أعوام نميري الأولى - على توسيع الحوار وتعميقه بين أبناء الحركة ، حول معادلة العمق والامتداد ، وبعد تدارس الأمر ، ومنحه الجهد التأصيلي والتخطيطي اللازم ، اطمأنت تجربة الحركة إلى تلازم الكيف والكم مع بعض التفصيل المنبني على مراعاة عمر العمل وظروفه .
وفيما يلي عرض لبعض النتائج الفكرية والعملية التي تبنتها الحركة السودانية في هذا الشأن: إن التمييز بين منهج العمق ومنهج الامتداد ليس مجرد تمييز زمني: هذا في طور التأسيس وذاك في طور المغالبة السياسية، وإنما هو تمييز وظيفي كذلك. فلكل من العمق والامتداد مجاله ومساحته: فبعض الأجهزة الحركية الخاصة تستلزم دائما تشددا في القبول، وحرصا على النوع، وبعضها بطبيعته لا يحتاج لذلك، بل يتضرر ويختنق إذا لم يظل مفتوحا على المجتمع متفاعلا معه. يستلزم الانفتاح الناجح شروطا منها : رسوخ النموذج ، وانتصاب القدوة ، وإمساك الثقات الأثبات بمقاليد الأمور . ومهما كانت دواعي الانفتاح مغرية ، فلا ينبغي التخلي عن الهيكل الحركي ، وخصوصا بعض الأجهزة النوعية التي يرتبط مستقبل العمل وتوجه الحركة الاستراتيجي بها . أما أجهزة العمل العام فلا بد من توسيعها وفتحها لكل راغب ، حتى ينساب خطاب الحركة إلى كل قطاعات المجتمع انسيابا . ويبقى توجيه هذه الأجهزة من مهمة الأفراد الحركيين المنبثين فيها . على أن يكون هؤلاء بخبرتهم النوعية وحسن تنسيقهم مع الأجهزة الأخرى قادرين على قيادة وتوجيه الكم المحيط بهم. يستدعي الاحتفاظ بالهيكل الحركي السري تطبيق فكرة "التنظيم الموازي" بكل ما تتطلبه من حصافة أمنية ومهارة سياسية وتنسيق إداري. اذ يتعين على الحركة إذا قررت الانفتاح في أي طور من أطوارها، أن يكون ذلك بناء على خطة موجِّهة، حتى لا يتحول إلى تسيب سلبي. وانسجاما مع إستراتيجيتها العامة تحتاج إلى توجيهه إلى قطاعات معينة، وتركيزه على قوة اجتماعية خاصة - مثلا - لا تزال الحركة تعاني من انحسار في صفوفها.
- إستراتيجية الفصل والوصل: قدرة الحركة على الفصل بين المهام المتداخلة، بل وفصل بعض من تلك المهام عن الهيكل التنظيمي الأساسي، مع الإبقاء على رباط يُخضع تلك الوظيفة لتوجيه الحركة عن بعد. وقد تميزت الحركة الإسلامية في السودان في "إستراتيجية الفصل والوصل" هذه. ويتضح ذلك من ثلاثة أبعاد: سياسية-إدارية، وتربوية-تكوينية، وأمنية-وقائية:
أوّلا: المجال السياسي- الإداري: إشكالا تنظيميا كان يفرض نفسه وهو إشكال الازدواجية القيادية والتنظيمية، وما قد يترتب عنها من ارتباك في التسيير والإدارة، وثنائية في القرار والولاء. وقع التغلب على ذلك من خلال الفصل بين القيادة السياسية والقيادة الإدارية. لقد قسم المكتب التنفيذي القديم إلى هيئتين : مكتب سياسي ومكتب إداري يقود كلا منهما قائد مسؤول أمام الأمين العام . وبينما كان المكتب السياسي يتعامل مع القضايا السياسية العامة ، كان المكتب الإداري مسؤولا عن الإدارة اليومية للحركة (العضوية ، التمويل ، الاكتساب ... الخ). ومن أجل تحرير وجوه الحركة المشهورين من عبء إدارتها ، تولى نشطاء من الشباب المغمور هذه المهمة. وبهذا نجحت الحركة في الإبقاء على هيكلها التنظيمي السري قائما ، وهي تعمل من خلال جبهة جماهيرية علنية ، كما نجحت في تفريغ القيادة العليا للمهمات الإستراتيجية ، وفرغت أهل كل شأن لشأنهم .
ثانيّا: المجال التربوي-التكويني: تبنت الحركة الفصل بين التربية والتكوين: إن مهمة التربية أخلاقية مبدئية ، وهي تعزيز الصبر والاستقامة في حال الاستضعاف والتمكين. بينما مهمة التكوين منهجية عملية ، وهي التأطير المهني للأعضاء. فهدف التربية هو الالتزام ، وهدف التكوين هو الفاعلية . إن التربية موجهة إلى عموم المجتمع، وليست مقصورة على أعضاء الحركة، بينما التكوين يتجه إلى الأعضاء الذين ثبت ولاؤهم حصرا. إن للتربية وظيفة اكتسابية - أو هكذا ينبغي أن تكون - بينما التكوين لا يهدف إلى اكتساب أعضاء جدد بشكل مباشر . إن للتربية وظيفة دعوية تهدف إلى زيادة مساحة الخير والفضيلة في نفوس أفراد المجتمع ، حتى ولو لم ينضموا إلى الحركة ، بينما التكوين يقتصر على تعميق خبرة الأعضاء. إن مضمون التربية يتعلق بالفضائل الإسلامية العامة، وزيادة العلم الشرعي لدى السامعين، وتعميق التزامهم بالإسلام. بينما يركز مضمون التكوين على الخبرات السياسية والإدارية والفنية التي يحتاجها العضو العامل في مسيرته.
وبناء على هذه الفروق ، تبنت الحركة الإسلامية في السودان ثلاثة ضوابط في تربية أعضائها :*شمولها وإيجابيتها منهجا.* وانفتاحها وعمومها إطارا.* وحريتها ومرونتها فلسفة. أما التكوين فكانت الحركة أشد ضبطا لشأنه . وهكذا ظلت التربية فرضا مفروضا على الأعضاء ، تستهدف ترقية دوافعهم الدينية، وتجنيدها لزيادة الكسب والفعالية في حركة الدعوة ومجاهداتها. ثم دخل التدريب [=التكوين] في عرف الجماعة منذ نهضتها التنظيمية في السنوات السبعين . فخلافا لمدارس الدعاة التي تعزز روح التدين، وقد تؤهل العضو لأن يكون داعية ومعلما ، أصبحت نظم التدريب هي التي تتعهده بتربية عملية ، تصوِّب حوافزه الدينية إلى عمل معين يكلف به العضو ويؤهَّل له ، وتبصِّره بمقتضيات المهام التي يختص بها ، وتسعفه بكل التجارب المكتسبة في ذلك المجال ، وبكل أساليب التعبئة الإدارية والعدة الفنية لترقية الأداء المطلوب . وتتنوع دورات التدريب حسب الحاجات ، وتُحضَّر مقرراتها ومناهجها بإتقان ، ويتولاها أهل كفاءة في التدريب والإدارة العامة . بل يقوم في كنف التنظيم معهد للتدريب متخصص. وانسجاما مع هذا المنحى ، تبنت الحركة نظام "الأسر المفتوحة" في مجال التربية ، بهدف التفاعل أكثر مع حاجات المجتمع وهموم الناس ، وتجنيب أعضاء الحركة داء الإغراق في التنظير والبعد عن الواقع . وهكذا انفتحت أطر التربية بعد سريتها وخصوصيتها ، فاتُّخِذ نظام الأسرة المفتوحة التي تدعو من شاء لحضورها ، والمشاركة في برامجها ، حتى يكون ما يتلقى الأعضاء من علم وتربية مناسبا لأسئلة الناس وحاجات المجتمع ، متقويا بالتفاعل مع الخير والشر الشائع في المجتمع، متعديا إلى دائرة من المشاركين غير المنضوين في العضوية. وباختصار فإن الحركة خرجت بتربية أعضائها نحو مشاركة المجتمع لتنفع وتنتفع بالتفاعل. ومن هذه المنافع لأعضاء الحركة أن تكون ثقافتهم متفاعلة مؤثرة في تيار الثقافة العامة بالبلاد، ولتكون الشعائر في جماعات أكبر، وذلك أفضل حكما، وأدعى للتعريف بالجماعة، ولتعزيز مكانتها وإمامتها للمجتمع. وقد أفاد هذا الفصل الوظيفتين معا : فاتسعت التربية وأدت مفعولها في المجتمع، وتم تأمين التدريب الفني وحصره في أهله .
ثالثا : المجال الأمني الوقائي: تبنّي نظام اللامركزية واستقلال الأجنحة والأسر المفتوحة لأهداف أمنية وقائية: وجدت الحركة في الهيكل اللامركزي - وهو مظهر آخر من مظاهر إستراتيجية الفصل والوصل - وسيلة تأمين مهمة لصفها الداخلي . وقد لاحظ الأفندي أن "اللامركزية التامة داخل الحركة جعلتها أكثر فاعلية، وأقوى على مقاومة ضربات النظام". ومن مظاهر هذه الإستراتيجية الفصل بين القيادة الداخلية والخارجية في السبعينات ، أيام الصراع مع النميري ، بحيث كانت القيادة الحركية في الخارج تعمل بالتنسيق مع أحزاب"الجبهة الوطنية" ، وتخوض حربا شعواء ضد النظام ، بينما لم تربطها أية صلة تنظيمية مع القيادة في الداخل ، وهو أمر ضمن لقيادة الداخل قدرا من الأمن لا بأس به ، فكانت ضربات النميري ضد الحركة داخليا ضربات عشوائية ، لا تؤثر على صميم التنظيم الداخلي رغم عنفها . وقد اتضح ذلك في المحاولة الانقلابية التي قادها المقدم حسن حسين ضد النمري ، ثم محاولة الغزو التي نفذتها "الجبهة الوطنية" ضده يوم 2 يوليو 1976 ، وكان للحركة الإسلامية دور في كلتا العمليتين . لكن ضربات النظام العنيفة التي أعقبتهما - رغم اتساعها - لم تؤثر على بنية الحركة داخل السودان تأثيرا كبيرا ، لأنها منفصلة عن القيادة السياسية في الخارج ، كما يشرحه الترابي بقوله : "فصلنا القطاعين الإداري والسياسي ، ولذلك لم تتأثر الحركة في الداخل بفشل انتفاضة 1976 الجهادية، ولم يُعتقل من جرائها ، أي من أصحاب المسؤوليات المهمة في القطاع الإداري ، لأن الفصل كان معمولا به لمعالجة مثل هذه الظروف . وقد استمر عملنا في الساحة الاجتماعية وفي الجامعة".
(كما يقول "آمات كرز" و"نحمان تال" - وهما من كتَّاب مركز "جافي" للدراسات الإستراتيجية بجامعة تل أبيب - في دراسة مشتركة عن حركة حماس : ".. وابتداء من العام الثالث من أعوام الانتفاضة بدأت "حماس" تتحول تدريجيا إلى نظام اللامركزية وتوزيع السلطة . وكانت هذه التغييرات استجابة دفاعية ضد الجهود المضنية التي بذلتها قوات الأمن الإسرائيلية من أجل الحيلولة بين حماس وبين التجذّر داخل بنية المجتمع الفلسطيني. وهكذا كانت الحركة قادرة على التكيف مع الظروف الناتجة عن الإجراءات الإسرائيلية ضدها ، أو الناتجة عن عوائق أخرى، من خلال تعديلات في التنظيم ، وتغييرات في توزيع مراكز قوتها... إن منهج عمل التنظيم [حماس] - كما اتضح على مر السنين - يعتمد على فكرة الفصل بين أجنحة التنظيم المسؤولة عن مهام مختلفة . وقد كان هذا الفصل بمثابة الدرع الذي حمى بنية الحركة من اختراق قوات الأمن الإسرائيلية ، ثم من اختراق السلطة الوطنية الفلسطينية لها فيما بعد ... وفي ذات الوقت كان هنالك اتصال وتنسيق واضح بين مختلف الوحدات والهياكل ... وهكذا فإن مبدأ الفصل بين الأجنحة كان تعبيرا عن منطق تنظيمي واعتبارات تكتيكية في ذات الوقت" ).














الفصل الثالث: البنية الهيكلية:
المهمة الأصلية لأي قيادة عامة ليست الإدارة المباشرة للأمور الصغيرة ، وإنما هي التخطيط الاستراتيجي والإشراف العام.
نعرض المبادئ التنظيمية التي قررت الحركة اعتمادها في تكوين أجهزتها:
هذه المبادئ، كما نص عليها دستور الحركة، هي: *"ارتباط إنشاء الجهاز التنظيمي بغرض محدد تسعى الجماعة لتحقيقه ، وفقا لبرامجها المرحلية تخطيطا وتنفيذا .* التخصص في إطار مفهوم الشمول ، بما يحقق أقصى درجات الكفاية ، ويضمن توسيع دائرة المشاركة.* مراعاة تجمعات أفراد الجماعة وانتشارهم وأحوالهم ، تربية لهم على تحمل المسؤولية ، ووصلا لهم بتيار الجماعة العام ، وتأمينا لحركتهم في وجه الطوارئ والشدة.*البساطة في التكوين ، بما يتيح للأجهزة المرونة ، وسهولة الوصل بين القيادة والقاعدة ، والفاعلية في تحقيق أغراضها .* مراجعة الأجهزة وتطويرها، تفاعلا مع تنوع برامج الجماعة وتجاربها".
هيكلة الحركة:
أولا : المؤتمر العام.
ثانيا : مجلس الشورى المركزي "يختص مجلس الشورى بالتقرير في الشؤون التالية: الدخول في الحكم ، تأييد النظام الحاكم أو معارضته، التحالف أو فض التحالفات مع القوى السياسية المختلفة، التنسيق أو التعاون مع أي حركة أو جهة رسمية خارج السودان، أو العدول عن ذلك، إنشاء علاقة عضوية مع أي حركة إسلامية.
ثالثا: الأمين العام.
رابعا: المكتب التنفيذي: قسمت الحركة مكتبها التنفيذي في الستينات والسبعينات إلى قسمين:
- مكتب سياسي يهتم بعمل الحركة العام، وصلتها بالسلطة والقوى الاجتماعية والسياسية من نقابات وأحزاب.. الخ . ويحظى بعضوية استحقاقية في المكتب السياسي كل من رئيس المكتب الإداري ، ورئيس مكتب الفئات وآخرون.
- مكتب إداري يركز على الهم الداخلي، من عضوية، وجمع اشتراكات، وتكوين للأعضاء، وربطهم بالقيادة. وتتبع لهذا المكتب عدة مكاتب متخصصة وعامة نتحدث عنها فيما بعد.
- الهيئات غير القيادية فهي:
1- المكاتب المتخصصة : وهي مكاتب يشكلها كل من المكتبين السياسي والإداري لتتولى عنه بعض المهام الخاصة ، الداخلة ضمن سلطاته التنفيذية.
2- المكاتب الإدارية: وهذه تسمية أطلقناها على المكاتب العامة التابعة للمكتب الإداري، والتي تشمل: "مكاتب العضوية والولايات والاتصال، ومكاتب التنظيم العام، والمال والمعلومات، والإستراتيجية والخطط، والتنسيق والتبعية الداخلية، والعلاقات الخارجية الخاصة"، كما تشمل مكتب الدعوة ومكتب الفئات (العمال الطلاب ...الخ).
3- المجالس الاستشارية : وقد صممت هذه المجالس لاستيعاب مقدرات قدامى الإخوان الذين رؤي أن يستفاد من طاقاتهم ، بالمساهمة بآرائهم في دفع حركة التنظيم ، ومناقشة السياسات العامة ، بدلا من تقييد حركتهم بالنشاط الجاري التقليدي .
4- المحاور المستقلة: وهي هيئات مستقلة يقودها أعضاء من الحركة، أو يشاركون في قيادتها، لكن لا يربطها رباط إداري مباشر بالهيكل الحركي. وهي تشمل الهيئات الطلابية والعمالية والنسوية المتعددة التي تتحرك في الفضاء الاجتماعي بطلاقة ، ضمن الإستراتيجية العامة التي تعتمدها الحركة ، وتحتفظ بعلاقة تنسيق مع الجسم الحركي من خلال "هيئة التنسيق مع المحاور والواجهات" .
5- الواجهات العامة : وهي هيئات مستقلة ذات وظائف اجتماعية أو ثقافية عامة ، مثل الهيئات الخيرية ، والروابط الثقافية ، والمؤسسات الدعوية . وهي تسير على نفس النهج الذي تسير عليه المحاور ، من حيث الاستقلالية الإدارية عن الهيكل الحركي ، والتنسيق المرن معه ، ضمن الإستراتيجية العامة للحركة ، فقد خرجت هذه الهيئات من المحور المركزي الآمر ، ولكنها لم تخرج عن المحور الاستراتيجي الموجه، شأنها شأن المحاور المستقلة . ولا تجد الحركة غضاضة في تعدد الواجهات والمحاور، كما سنشرحه فيما بعد بإذن الله.
6- هيئة التنسيق مع المحاور والواجهات: وهي هيئة جامعة تعمل على إدماج عمل المحاور والواجهات المستقلة ضمن الإستراتيجية العامة للحركة، من خلال التنسيق والتوجيه والتأثير النوعي، دون أن تكون لها سلطة إدارية على تلك الهيئات. وقد وصف الترابي وظيفة هذه الهيئة بقوله : "في سبيل الوحدة بين منظومة محاور العمل الإسلامي ، تقوم الإستراتيجية العامة هاديا لها جميعا ، بعد الاهتداء بالإسلام ، ويقوم كيان تنسيقي جامع ، لا يملك عليها إلا التوجيه ، أو أن يتيح مجالا لتبادل المعلومات ، وتنسيق الأدوار ، وعلاج المشكلات . ثم يقوم العنصر الحركي منبثا في قاعدة هذه الكيانات أو قيادتها ، غير غالب بعدده ، بل بأثره ووعيه بمقتضيات حركة الإسلام".
7- المؤتمر العام للمحافظة :
8- مجلس شورى المحافظة :
9- أمين عام المحافظة :
10- مسؤولون عن كل من : التنظيم العام ، والسياسة ، والفئات ، والطلاب ، والمال والاقتصاد ، والدعوة ، والنساء ، والسكرتارية.
11- الحلقة: وهي المرادف للأسرة.
نظرات في هيكل الحركة السودانية:
- اتساع السلطة التأسيسية.
- توزيع السلطة بعدل بين أعضاء التنظيم، التطور من البساطة إلى التركيب.
- التوسع الرأسي.
- النظام اللامركزي.
- حماية الوحدة بالشورى والمشاركة.
- سلامة البناء الحركي.
- تفريغ القيادة المركزية للهموم الكبرى بدلا من استنزافها في الجزئيات الإدارية، فالقيادة المركزية اتجهت إلى التخطيط الاستراتيجي والتوجيه العام أما الوظائف التقليدية (العضوية والاشتراكات والتجنيد) فقد تفرغت لها القيادات والمؤسسات المحلية.
- نقل الخبرة المركزية إلى الأطراف.
- توسع العضوية في المناطق البعيدة ، التي كانت خارج نطاق الكسب الحركي .
- التوسع الأفقي: أنشأت الحركة - ضمن نظامها اللامركزي - عددا من المحاور والواجهات ، المستقلة عنها إداريا ، المرتبطة بها استراتيجيا .
إفادات عظمى:

*التمكن من التفاعل مع فطرة الخير ، كلما كان التفاعل بعيدا عن الأطر الحركية الضيقة ، والعصبيات الحزبية المتحيزة، كان أقرب إلى قلوب عموم الناس ، الذين لا يتبنون خيارا سياسيا محددا .
* توسيع هامش المناورة السياسية: فقد قضت على الحركة علاقاتها وتحالفاتها الظرفية بنوع من المداراة في المواقف ، والغموض في الطرح السياسي أحيانا ، ثم وجدت في هذه المحاور المستقلة متنفسا ، عبرت فيه للناس عن موقفها الأخلاقي الأصيل ، متحررا من تلك القيود . ومن أمثلة ذلك أن دعم نميري للسادات في زيارته لإسرائيل كان إحراجا كبيرا للحركة الإسلامية ، التي بدأت لتوها نهج المصالحة معه ، وما كان في وسع قيادة الحركة أن تعارضه علنا ، لاعتبارات استراتيجية كثيرة ، فكان الحل أن "اجتهد الإخوان في تمييز موقفهم عبر الاتحادات الطلابية التي رفضت الاتفاقية" كما يقول الترابي. ولولا الاستقلالية التي يتمتع بها محور الطلاب عن هيكل الحركة وواجهاتها، لما استطاعت الحركة أن تحافظ على ماء وجهها وتميز خطابها السياسي .
* إتاحة منابر إضافية للعمل والمنازلة .
* تحقيق فعالية الأداء في عمل هذه المؤسسات.
* استيعاب الواقع من خلال الحضور في كل المواقع، وإتاحة الحرية لجوانب مخصوصة من العمل كالنشاط الفني.
* التوازن بين السلطات : التوازن بين المركز والأطراف، والتوازن بين السلطة التنفيذية والرقابية.
* حضور العمل التنظيري: وجود "مجالس استشارية" تهدف إلى الاستفادة من الخبرة النظرية لدى قدماء الإخوان ، وآرائهم في السياسات العامة التي تنتهجها الحركة تخطيطا وتقويما واستنطاقا لدلالات الواقع ، واستشرافا لاحتمالات المستقبل .
* نظام الأسر المفتوحة: التمييز بين نمطين من الأسر/الحلقات: نمط مغلق سري، خاص بالمبتدئين الذين يحتاجون إلى نوع من الحجز التربوي، ونمط مفتوح علني - في نشاطه على الأقل - وهو لغير المبتدئين، ممن أصبحوا قادرين على التأثير والتفاعل الإيجابي. أصبحت الثقافة نشاطا مفتوحا يمارَس خارج نطاق الأسرة لمصلحة المجتمع العريض، وإن قامت الأسرة بتنظيمه والإشراف عليه.
الفصل الرابع: البناء القيادي:
يتفق الخبراء المتتبعون لمسيرة الحركات الإسلامية -سواء بعين العطف أو العداء - أنها تعاني من مشكلات في القيادة كبيرة، وأن لهذه المشكلات أثر جدي على واقعها الحاضر ومستقبلها الآتي. يشير عمر عبيد حسنة إلى "تخليد فكر الأزمة"، والعجز وعدم القدرة على استنبات قيادات متجددة ومعاصرة بالقدر المأمول، تضمن القدرة على التواصل.
كما يقول "هرير دكميجيان" - وهو من أوسع الخبراء الأمريكيين اطلاعا على مسيرة الحركات الإسلامية - :"تطور الحركة الأصولية الإسلامية سيتوقف على نوعية قيادتها السياسية والثقافية. وفي الظروف الحالية ، تعاني الحركة بشكل جدي من القصور في قيادتها الفكرية والسياسية والتكتيكية" كما يضيف أنه "بغياب طليعة منظمة ، فإن الصراع الذي لا محيد عنه بين الحركات الأصولية والدولة ستميل كفته لصالح الدولة في المستقبل القريب على الأقل".
ويمكن أن نجمل أوجه أزمة القيادة في الحركات الإسلامية في النقاط التالية:
v أولا : الخطأ في تصور وظيفة القيادة: مهمة القيادة العليا في أي تنظيم ليست الإدارة اليومية ، بل أن يُرِيَ أتباعه الطريق ، وينظُر أبعد مما ينظُرون. ولذلك كانت القدرة التصورية أهم فيه من القدرة العملية . فهو مخطط استراتيجي ، ومشرف عام. كلما ارتقى الإنسان في سلم القيادة أصبح الجانب التصوري المتعلق بالتحليل والتقييم والتخطيط واستنطاق دلالات الحاضر واحتمالات المستقبل أهمَّ فيه ، وكلما نزل في السلَّم كان الجانب التنفيذي المتعلق بالإدارة اليومية وحل المشكلات المعترضة أهم فيه . ولذلك كانت أنجح التنظيمات هي تلك التي تديرها قيادة جماعية تضم كلا من الفريقين : فريق التنظير والتخطيط ، وفريق الإدارة والتنفيذ ، مع مراعاة السلم المشار إليه الذي يجعل للفريق الأول اليد العليا في شؤون القيادة العليا . لاحظ "روبرت غرينليف" بان "التنظيم يحتاج إلى قادة تنفيذيين ، إذا كان يرضى بالسير ضمن النمطية السائدة ، أما إذا كان ثمة طموح إلى التغيير والاستدراك ، فلا بد من قادة منظرين" وانه "من العسير على الرجل التنفيذي أن يكتشف الرجل المنظر ، أو يدرك قيمة جهده فبينما يحس القادة التصوريون بالحاجة إلى القادة التنفيذيين ، فإن التنفيذيين - غالبا - لا يحسون بالحاجة إلى التصوريين". لقد أنتج هذا الخطأ في فهم مهمة القيادة العليا ، والغفلة عن أهمية الجانب التصوري فيها ، نوعا من القيادات التي لا تحسن أكثر من إدارة اجتماع أو تحرير بيان ، وما أبعد ذلك من متطلبات حركة تغيير اجتماعي وسياسي هي أمل أمتها . وقد عبر الأستاذ عمر عبيد حسنة عن ذلك بقوله: "إن هذه التنظيمات - في معظمها ، إن لم نقل كلها - انتهت إلى لون من القيادات التي ظنت أن القيادة تعني الإشراف الإداري ... وعجزت عن إنتاج قيادات فكرية.
v ثانيا: محورية القائد الفرد: انعدام الحرية الداخلية والروح المؤسسية التي تفتح أبواب الصعود والنزول من القيادة وإليها بمرونة ويسر. وإذا كانت العلوم التنظيمية والإستراتيجية المعاصرة تجعل من آكد مهمات القائد "صناعة القادة" الذين يعينونه في حضوره ، ويخلفونه في غيابه ، حتى يظل الاطراد مضمونا في مسيرة التنظيم ، فإن قادة الحركات الإسلامية في الغالب لا يهتمون إلا ب"صناعة الأتباع" الذين يحسنون التلقي والتنفيذ الفوري ، والإيمان بأوامر القائد وحكمته "دون تعطيل ولا تأويل" .
v ثالثا : إفراغ الشورى من مضمونها: يقول دكمجيان: "تبدأ الحركة صغيرة سرية متحمسة، تقودها قيادة كارزمية . ثم تتحول مع الزمن إلى حركة عريضة، تعمل في العلن، ضعيفة الحماس، تقودها قيادة بيروقراطية". ومن أجل تحقيق استقامة التوجه (الأمانة) وفاعلية الأداء (القوة) في القيادة تبنت الحركة الإسلامية في السودان أربعة مبادئ تتحكم في تشكيلها وسير عملها. هذه المبادئ هي : "التوزع والتباين والتوازن والتضابط": * فالتوزع هو تجزئة السلطة وتفتيتها على هيئات القيادة المتعددة بنِسب منسجمة تراعي الاختصاص ، وتكفل القيام بكل المهام ، وتحقيق كل الأهداف التي لا تستطيع هيئة واحدة الاضطلاع بأمرها .* والتباين هو الفصل بين السلطات من خلال تنوع الهيئات المكونة للقيادة في شكلها وفي وظيفتها وفي صلاحياتها، فلا يكون واضع القانون هو منفذه، ولا منفذ الخطة هو المقيِّم للأداء.* والتوازن هو العدالة في توزيع الصلاحيات على الهيئات بما يكفل لكل منها ما يكفي من الحرية والفاعلية اللازمتين لأداء مهمته، دون أن تطغى على غيرها من الهيئات والأجهزة. فلا تكون الهيئات الشورية - مثلا - عبئا مقيدا للهيئات التنفيذية ، ولا التنفيذية قادرة على التنصل من المساءلة والمحاسبة أمام الهيئات الشورية ، أو الخروج على الخطة والتوجه العام . *والتضابط هو التبعية المتبادلة بين هيئات القيادة ، وقدرة كل منها على مراقبة الأخرى والتأثير عليها إذا رأت في مسلكها انحرافا في الوجهة ، بما يضمن نوعا من التناغم والتلازم فيما بينها ، ويمنع أيًّا منها من الاستبداد بالأمر أو الانفراد بالقرار.
v رابعا : الشمول والتكامل القيادي: لقد كان مبدأ التكامل القيادي من أهم المبادئ التي حرصت عليها الحركة، إذ هو المرادف العملي لمبدأي شمول الإسلام وعموم الدعوة، والتعبير التنظيمي عنهما. ولتحقيق الشمول والتكامل القيادي حرصت الحركة - بعد تجاوز طور التأسيس - أن تضم أجهزتها القيادية ممثلين للفئات السبع التالية:
- أولا: أهل السبق والخبرة: أن يُوجَد بعض السابقين في القيادة بشكل لا يحْرم الحركة من تجربتهم ، ولا يخل بالتوازن بين أجيالها . فوجودهم ضرورة ، إذ هم يعينون الحركة على التقيد بالمبدأ ، والتثبت في المسيرة . وهيمنتهم مضرة لعدم قدرة أكثرهم على التجديد والتطوير في الغالب .
- ثانيا : أهل الشباب والتجديد : "تغذية القيادة بعنصر الشباب ، يمثل القاعدة الأكبر ، ويحمل الموقف المناسب للاجتهاد والتجديد والتوكل ، ويبذل الطاقة المكافئة لحاجات الحركة وأعبائها".
- ثالثا : أهل الدعوة والخطاب : "هؤلاء هم الذين يباشرون نشر الدعوة بالخطاب والموقف العام كتابة وكلاما يتقنون لغتها ، وينصبون رمزها الظاهر ، ويمثلون الجماعة لدى الرأي العام". الأخذ من هؤلاء بقدْرٍ دون السماح لشهرتهم بالطغيان على عناصر الكفاءة القيادية الأخرى ، هو الأحسن والأليق .
- رابعا: أهل العطاء والتنظيم الداخلي:" وقد لا يُعرَف هؤلاء فيتعرضون للتزكية العامة بين الجماعة وهنا تكمن الحكمة في الانتخاب غير المباشر الذي يتولاه الفائزون في الانتخاب الأولي المباشر.
- خامسا : أهل السمت الديني التقليدي : أدرك " دكمجيان" بحق أن "واحدا من المعوقات [للحركات الإسلامية] يتمثل في غياب عدد كبير من "رجال الدين" عنها ، خصوصا في البلدان السُّنية". تظهر الحكمة فيما قرره الدكتور الترابي حين قال : "تحتاج الجماعة الإسلامية المجددة أن لا تنقطع عن مجتمعها المتدين أو تصادمه ، وأن تحفظ صورة ومصداقية دينية لتمد دعوتها وأثرها بيسر . ويلزمها من ثَم أن تبرز في صف قيادتها بعض من يمثلون الشرعية الدينية التقليدية".
- سادسا : أهل الثقافة الحديثة : النموذج المثقف الحديث بدرجاتهم العلمية النظامية ونسبتهم المهنية . هؤلاء قوام مراحل تأسيس الحركة [في السودان] ورموز قوتها في القطاع الحديث الرائد، وهم أيضا من أسباب هيبتها في القطاع التقليدي.
- سابعا : أهل التمثيل المخصوص : "الانتخاب العام مهما كان حرا راشدا لا يخلو من ثغرات في تمام التمثيل ، فكانت إجراءات الضم بالانتخاب التكميلي غير المباشر تتيح فرصة لاستدراك ذلك".
v خامسا : العوائق الموضوعية للشورى: لا تنحصر العوائق أمام الشورى في استبداد القادة وتفلت القاعدة، بل توجد عوائق موضوعية ناتجة عن طبيعة الحركات الإسلامية، من حيث عموم رسالتها، وظروف عملها. ومن هذه العوائق:
*"التفاوت البادي في الكسب العلمي والمراد به الانفصال الممكن بين جماهير القاعدة وبين طبقة المثقفين ثقافة حديثة عالية، والشورى تقتضي قاعدة خطاب موحد يدركها كل الشركاء. *سرعة البت والتنجيز في الأمور أحيانا ، بما لا يدع مجالا لاستشارة القاعدة أو إشراكها في صياغة القرار بشكل مُرْض.
* ضعف قنوات الاتصال التنظيمية ووسائل الاتصال المحلية مما يؤثر على حركة انسياب المعلومات والمشاورات بين القيادة والقاعدة في الوقت المناسب وبالصورة المناسبة .
*سرية الأوضاع الخاصة بالجماعة وحجب كثير من المعلومات، بل تقتضي احتجاب بعض القيادات عن القاعدة.
*ظروف استثنائية خاصة - كحملات القمع والاضطهاد - فزادت من أسباب الحيطة والتكتم. * خصوصية بعض الموضوعات ، بحيث لا تستطيع القيادة إطلاع الجميع عليها ، وبعض القرارات التي لا تستطيع شرح الحكمة منها ، لما في ذلك من إهدار قيمتها العملية والمصلحية، مثل بعض القرارات المتضمنة نوعا من المناورات السياسية والأمنية التي لا يمكن شرح حيثياتها .
* ضرورة الاقتصار على أهل الخبرة والاختصاص في بعض الأمور التي لا يحسن طرحها للمناقشة أمام الذين لم يلموا بأبعادها.
ومهما يكن ، فإن من آثار هذه العوائق الموضوعية التي تعوق الشورى :
- التأثير سلبا على مرونة التغيير القيادي ، وبقاء بعض القادة في مواقعهم فترة طويلة بحكم حساسية تلك المواقع .
- التأثير سلبا على حسن تفهم القاعدة لبعض القرارت التي تتخذها القيادة ، لتعذر الكشف عن حيثيات تلك القرارات ومراميها . وبذلك تصبح القيادة كأنما تجر قاعدتها إلى ما لم تحط القاعدة بعلمه ، ولا تستطيع القيادة شرحه . فتبدأ مخاطر الانفصال تظهر ، إلا أن تكون القيادة قد أعدت لذلك عدته من خلال الإجراءات الاحترازية التالية :
- توطيد الثقة وتعهدها : وهنا تظهر الحكمة من حرص الحركة الإسلامية في السودان على وجود بعض الرموز من السابقين وأهل الدعوة والخطاب في الهيكل القيادي ، مهما تكن كفاءتهم القيادية محدودة ، نظرا لدورهم الجوهري في تسويق أي قرار لدى القاعدة، حتى ولو لم يكونوا من صاغته .
- تنمية الوعي الحركي لدى القاعدة ، بما يجعل التابع يسلم بحكمة المتبوع في بعض الأمور التي لا يجد لها مسوغا ظاهرا ، ويعذره بما عساه يكون لديه من الاطلاع على بواطن الأمور . وقد عالجت الحركة ذلك بتعميق التكوين السياسي والأمني لدى الأعضاء ، بما يجعلهم قادرين على تفهم بعض القرارات التي لم يستطيعوا فهمها .
- تجديد قنوات الاتصال وتطويرها باستمرار ، طبقا لما توفره ظروف المجتمع الحديث من وسائل. وقد حرصت الحركة على الخبرة الفنية المناسبة ، بقدر ما تسمح به ظروفها والإمكانات المتاحة في بلدها .
- تعميق المعاني الإيمانية ، خصوصا مبادئ التوكل على الله ، وخشيته بالغيب ، والأمانة ، والوفاء ، والطاعة ...
إن مثل هذه القرارات الخاصة ابتلاء للقيادة وللقاعدة ، وإن بشكل مختلف ، فهي:
* ابتلاء لمستوى الأمانة والصدق بالغيب عند القيادة ، التي ستتخذ قرارات مهمة دون رقابة أو متابعة من القاعدة . فهذا من المواقف التي يستطيع من لا يخشى الله ربه استغفال الأتباع فيها واستغلال جهلهم .
* وابتلاء لمستوى الوفاء والطاعة والتوكل لدى القاعدة التي سيتعين عليها - أحيانا - التسليم لأمور غير مقنعة في ظاهرها ، ثقة في أمانة قادتها ، وإيثارا لمصلحة التكتم على إرضاء الفضول.
المراقبة والمحاسبة:
لا يكون البناء القيادي سليما إلا إذا كان باستطاعة القاعدة أن تتحكم في قيادتها، وتلجمها وقت الحاجة، وتستبدلها عند الضرورة. أن الثقة في القادة وقت اختيارهم قد تسفر عن خطأ في الاختيار، أو انحراف عن الوجهة التي عرف بها أولئك القادة.. ولذلك فإن أي إجراءات احتياطية سابقة على الاختيار لا تغني عن المراقبة والمحاسبة . ولكن الجماعة لم تكن واعية بهذا الواجب في شأنها العام ، حتى ترجمت معاني المحاسبة والتوبة الذاتية إلى نظام منهجي في التقدير المتجرد الناقد لأشكالها وأعمالها ، والمحاسبة الوثيقة الناصحة ، والاعتبار بذلك في استدراك القصور ، واتخاذ خطط الإصلاح.
صناعة القرار:
شرعية القيادة وقت تقلدها لمهامها لا تؤدي بالضرورة إلى سلامة القرار ، وحسن الإعداد له . فلا بد من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحسن صناعة القرار ، وحسن الإعداد له ، وصدق تعبيره عن توجه الجماعة ، حتى لا يستطيع قائد فرد أن يدفع بالحركة إلى اعتماد خيارات إستراتيجية وقرارات مصيرية ، تؤثر في مسيرتها تأثيرا جوهريا ، دون رجوع إلى أجهزة الشورى والرقابة .
نهينا عن التكلف:
من المشكلات القيادية التي تواجه الحركات الإسلامية ما يظهر من تباين بين العاملين، في الخبرة والتجربة والسبق والعمر والاجتهاد والجهاد. وما يترتب على ذلك من ضرورة تقديم المؤهلين - دون سواهم - إلى القيادة. علاج هذه الظاهرة بإحدى طريقتين:
* تبني نوع من التصنيف اللائحي للأعضاء يكون الرجحان فيه لعنصر الزمن ، وربما منح العضو العامل لقبا يعبر عن سابقته وتجربته في الحركة .
* التشدد في قبول الأعضاء وفي ترقيهم صُعدا بما يضمن عدم الوصول إلى الصف القيادي إلا بعد طول تجربة ومعاناة.
وقد بينت التجربة أن هذين المنهجين يتضمنان العديد من المساوئ، منها:
* أن منح تلك الألقاب الفخمة للسابقين، قد تتحول مع الزمن إلى هيبة زائدة، فتحجب حقائق الأمانة والقوة اللازمة للقيادة ، وتقضي لهؤلاء السابقين بالتقديم مهما كان حظهم من الكفاءة القيادية ضئيلا ، وتمنع الجدد من التقديم مهما اتصفوا به من أمانة وقوة.
* أن التشدد في قبول الأعضاء واشتراط فترة طويلة من الزمن لترقيهم في السلم القيادي تكلف وتعقيد، وحجر على المشمرين، وإبقاء على المتثاقلين، وقضاء على المرونة الداخلية، وتأسيس للجمود والركود.
صيغ نظام العضوية السائد لدى الحركات الإسلامية ثلاث صيغ:
* صيغة التنظيم الصفوي المعتمد على فكرة انتقاء نخبة ، ترى نفسها وحدها أهلا لتحمل أعباء الجهاد لنصرة الدين ، وتسد الباب أمام الجمهور . وهذه طريقة بعض الجماعات الجهادية الصغيرة، التي حكمت على نفسها بالعزلة عن عامة الناس .
* صيغة التنظيم الثنائي الذي يقسم الأعضاء إلى صنفين: أهل الثقة الذين هم عماد التنظيم، ومناصرون يزيدون العدد، ويظلون في عداد القصَّر طبقا لهذا المنطق، فلا تكون لهم حقوق العضوية. وتلك طريقة الجماعة الإسلامية في باكستان إلى عهد قريب .
* صيغة التنظيم الواسع القائم على درجة واحدة من العضوية ، ويرعى حق جميع أعضائه في حقوق العضوية ، بما في ذلك حقهم في الشورى ، ثم يترك الباب مفتوحا لمن شاء منهم أن يتقدم أو يتأخر .
تدارست الحركة السودانية الأنماط الثلاثة في تأمل مقارِن: وقع الاختيار - من بين الصيغ الثلاث المطروحة - التنظيم الصفوي / التنظيم الثنائي / التنظيم الواسع - على صيغة التنظيم الواسع الذي يقوم على قاعدة عضوية واحدة ، لا تتميز في طبقات لائحية ، ولكن قد تتفاوت مستويات الأعضاء في الالتزام والعطاء ، ومن ثم في أهلية القيادة وتولي المسؤوليات. وبذلك ضمنت الحركة السودانية أن لا تبدو مناصب القيادة منقطعة عن القاعدة كما يقع في بعض الأحوال ، حيث تتصلب المداخل إلى طبقة القيادة ، ويستمر الذين يتولونها بقوة التاريخ وهيبة المقام ، وينتهي إجراء الانتخابات إلى ظاهر شبه زائف ... وهذه المرونة في الصعود إلى مناصب القيادة أو النزول عنها ضمانة أخرى لصدق التمثيل وشرعية النيابة عن القاعدة.
الفصل الخامس: العمل في المجتمع:
منهج الحركة الإسلامية في السودان في التعامل مع القوى الاجتماعية المحلية.
اشترط "دكميجيان" لنجاح الحركات الإسلامية في ضمان مستقبل سياسي أربعة شروط ، هي :
* تقديم برنامج إسلامي عام ومرن، يتضمن خطابا قادرا على اجتذاب قطاعات واسعة من المجتمع.
* تنظيم "جبهة وطنية" مع الأطراف غير الإسلامية التي تعارض السلطة.
* بناء روابط قوية بين الحركات الإسلامية داخل وخارج الدول العربية.
* إفراز قيادات كفؤة قادرة على تفجير الثورة.
وتشمل القوى الاجتماعية التي نتناولها في هذا الفصل عشرة أصناف هي: الأحزاب، والجيش، والطلاب، والعلماء، والسلفية ، والصوفية ، والنساء ، والقبائل ، والمسيحيون ، والعمال .
لم تفقد الحركة الإسلامية السودانية أبدا الثقة في الجماهير المسلمة ، ولم تقف منها موقف عداء واستعلاء فهي تقدر كوامن الخير فيه وتشجعها ولو لابسها غبش ، وتقف في وجه الشر، ولا تترك له فراغا يتمكن فيه .
كما أدركت الحركة السودانية أن التغلب على مشاق الطريق يقتضي البحث عن رفقة ، مهما كان الخلاف مع تلك الرفقة كبيرا ، ومهما كان السير معها محدودا زمنيا . فالخلاف مع أي من السائرين لا يقتضي حتما استحالة قطع جزء من الطريق في صحبته ، والرفقة الدائمة أمر بعيد المنال . كما عبر عنه نلسون مانديلا بقوله : "لم أجد حاجة إلى أن أصبح شيوعيا ، كي أعمل جنبا إلى جنب مع الشيوعيين".
ويمكن إجمال تجربة الحركة في التعامل مع القوى الاجتماعية المختلفة في كلمتين ، هما "التفاعل" و"الانفتاح" .
أولا : الأحزاب: بالرغم من إدراك الحركة لسعة الهوة بينها وبين قيادات الأحزاب التقليدية في المنطلق والهدف الاستراتيجي ، فإن الحركة ظلت حريصة على التعاون مع تلك الأحزاب، والاحتكاك بقواعدها ، في محاولة لانتشال تلك القواعد من واقع التجهيل بالدين والاستغلال السياسي الذي يمارسه عليها قادتها . إن الحركة بحاجة إلى "الاستظهار" مرحليا بهذه القوى التقليدية ، تجنبا للانكشاف السياسي ، حتى تتحول إلى قوة مستقلة قادرة على المغالبة والأخذ بقوة . وقد ورد بيان لإستراتيجية الاستظهار هذه في وثيقة "العلاقات السياسية النظامية للحركة الإسلامية " الصادرة عام 1975، حيث جاء في الوثيقة: "ولا مناص للجماعة من الاستظهار باسم "الجبهة الوطنية"، ما دام نفوذها الفئوي - والجماهيري خاصة - ليس اليوم كافيا". وألمح حسن مكي إلى المغزى من هذه الإستراتيجية في إشارته إلى "محاولات الحركة الإسلامية للبحث عن الحلفاء المرحليين، لتخفيف الضغط، وتفادي المجابهة قبل أن يكتمل بناؤها". وقد أثمرت إستراتيجية الاستظهار بالأحزاب التقليدية تحقيق بعض المكاسب التكتيكية المهمة ، منها : التخلص من دكتاتورية الجنرال عبود وقد تجسد هذا التحالف فيما عرف حينها ب"الجبهة الوطنية المتحدة" التي تكونت من ممثلين عن الحركة الإسلامية والأحزاب السياسية الأخرى، ومحاولة إصدار دستور إسلامي نهاية الستينات ، دعت إليه "جبهة الميثاق الإسلامي"، وحل الحزب الشيوعي السوداني بقرار من الجمعية التأسيسية يوم 11/11/1965، وإسقاط عضوية النواب الشيوعيين الثمانية في البرلمان يوم 29/12/1965 وهو أمر ما كانت الحركة لتنجح فيه لولا دعم الأحزاب التقليدية ، خصوصا حزب الأمة، وتخليص النقابات من سيطرة الشيوعيين، ومحاربة نظام نميري والضغط عليه و تأسيس "الجبهة الوطنية"2/7/1976، والمشاركة في السلطة من خلال التحالف مع أحد الحزبين التقليديين.
ثانيا: الطلاب: نشأت الحركة الإسلامية في السودان على أيدي جماعة من الشباب الطلاب وكانت الحركة دائما أكثر تحيزا لهذه الطائفة"إذ استصحبتْ تقديرا بأن الطلاب هم رواد المستقبل، فالعمل فيهم ضمان لمستقبل إسلامي" كما يقول الترابي. ولم يخب ظن الحركة في شبابها وطلابها بعد تجاوز طور التأسيس ، واستقلال الطلاب الإسلاميين كيانا قائما بذاته ، ضمن هيئات الحركة ومحاورها العامة ، إذ أن "عطاء الحركة الطلابية للحركة الإسلامية العامة كان جليلا ... لأنها كانت الإطار الأمتن بناء، والأحكم تنظيما ، والأكثر استعدادا فكريا وتنظيميا لتطوير الاستجابات المناسبة لكل ابتلاء طارئ ". بل إن الطلاب "بلغوا من إحكام التدبير وإحسان الأداء وإنجاز الفعل مستوى أرقى بكثير من سائر الحركة".
الأهمية الكبرى للتركيز على الطلاب:
* يمثلون بذرة النخبة التي تتحكم في مصائر الناس مستقبلا
* وسيلة الحركة للولوج إلى بعض القطاعات الحيوية والقوة النوعية في المجتمع
* نزاعون إلى التجديد الجريء.
ثالثا : العلماء: دور بعض المؤسسات الدينية الرسمية: وزارات الأوقاف، وإدارات الإفتاء، وهيئات كبار العلماء، وروابط العلماء، والمجالس الإسلامية الرسمية..
رابعا : السلفية: تعتبر الحركة السلفية من أهم الحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي اليوم. لكن فكر الحركات السلفية المعاصرة اشتمل على مساوئ منهجية كبيرة ، منها :
* تحول مفهوم السلفية من منهج سليم في المعتقد إلى مذهبية في أمور الفقه والحياة المتغيرة تقيد الفكر والعمل .
* تحول السلفية المعاصرة إلى ما يشبه المدرسة الكلامية، التي تهتم بالجدل أكثر من العمل، وتطنب في الحديث عن العقائد دون داع شرعي، وهو ما لا ينسجم مع منهج السلف القائم على البساطة، وتجنب الخوض في تلك المباحث إلا لضرورة.
* جفاء أغلب السلفيين في إنكارهم على إخوانهم المسلمين المتلبسين ببعض البدع، دون لطف أو ترفق فلم ينتهج جل السلفيين منهجا عمليا.
* عدم التمييز بين كليات العقيدة التي لا اجتهاد فيها ، وبين جزئياتها التي جاءت النصوص فيها.
* خلط أغلب السلفيين - ضمنا - بين الوحي والتاريخ .
وانسجاما مع التشخيص للأولويات العملية ، فإن الحركة "ظلت تسعى لإقامة قواسم مشتركة مع الجماعات الصوفية والزعامات الدينية [التقليدية] وحركة أنصار السنة [السلفية] - على ما بين هذه الجماعات من تفاوت واختلاف في أمر العقيدة - لإقامة الشرع الإسلامي".
خلافها مع الحركة السلفية خلاف منهجي لا مبدئي ، ولذلك حرصت على تجنب الصراع والاستقطاب في علاقتها بالسلفيين
خامسا : الصوفية: إن الحركة تبنت إستراتيجية تجاه الصوفية، أساسها مبدأ الاستيعاب، لا المواجهة.
سادسا : النساء: أول ما بدأت به الحركة هو التأصيل لتحرير المرأة ومشاركتها في العمل الإسلامي، ووضع حد فاصل لا لبس فيه بين "تعاليم الدين وتقاليد المجتمع". وبفضل هذا التأصيل الذي فتح الباب أمام تحرير المرأة من مواريث عصر الانحطاط عبر الالتزام بالدين "أصبح الدين الإسلامي سبيل المرأة للتحرر ، والانعتاق من قيود التخلف وعهود الانحطاط". حيث طغى عدد الإناث في الحركة الإسلامية السودانية على الذكور خصوصا في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات.
سابعا : القبائل: منهج التوسع الكمي يقتضي الاهتمام بهؤلاء ، وأن لهؤلاء - كغيرهم - حقا في الدعوة. فكانت لها بعض المداخل إلى القبائل والعشائر تتناسب مع عقلية أبناء الريف ومستوى وعيهم :
*"فأحيانا يفلح أبناء الحركة من الطلاب والخريجين والحضريين - بفضل علمهم وقرابتهم - في أن يحوزوا ثقة أهلهم ، فيُدْلوا بهم إلى الولاء للحركة .
* وأحيانا تستجيب قيادة قبَلية أو قروية بما أوتيتْ من التدين لداعي الحركة ، فتتداعى بأهلها إليها .
* وأحيانا يواتي الحركة نمط الصراع القبلي ، فينحاز إليها البعض مجانبة للآخرين .
* وربما انجذب أهل الريف إلى الحركة رغبة في خدماتها الاجتماعية المبسوطة .. رجحت الحركة أن تصبر على هؤلاء وتتلطف بهم ، حتى يتجاوزوا بعقولهم حدود عالمهم الضيق ، إذ لا بديل عن ذلك سوى تركهم نهبة للشيوعيين والعلمانيين ، وضحية للحكام الفاسدين .
ثامنا : المسيحيون:
تاسعا : العمال: بدأت حركة الإخوان [السودانية] العمل وسط العمال متأخرة بعض الشيء. شاركت الحركة في تأسيس "اتحاد النقابيين الوطنيين" خلال مؤتمر 21/2/1965 النقابي "منافسة ل"اتحاد العمال" الذي سيطر عليه واستتر به الشيوعيون.

الفصل السادس: العلاقة بالسلطة:
لا تزال العلاقة بالسلطة السياسية معضلة من أكبر المعضلات التي تواجه الحركات الإسلامية عبر العالم. وتتجلى أبعاد هذه المعضلة في أمرين متناقضين:
* واجب مواجهة الحكم الفاسد، تحريرا للأمة من شروره، وقياما بالقسط بين الناس.
* ضرورة التعايش معه مرحليا، أخذا بدواعي المصلحة، وإقرارا باختلال ميزان القوة.
والترجيح يستلزم فقها خاصا ، مبنيا على إدراك مقاصد الشرع ومناط المصلحة، وفكرا استراتيجيا يحسن الموازنة في ظروف مرنة متغيرة ، طبقا للحكمة التي عبر عنها عمرو بن العاص منذ أمد بعيد ، بقوله : "ليس العاقل هو الذي يعرف الخير من الشر ، ولكن هو الذي يعرف خير الشرين". وليست الخيارات أمام الحركات الإسلامية متسعة ، نظرا لدكتاتورية الأنظمة القائمة ، ورفضها أي نوع من المنافسة السلمية النزيهة على السلطة ، وتواطئ القوى الاستعمارية في الوقوف أمام المد الإسلامي . لذلك تبدو الخيارات في الأغلب محصورة في أمرين:
*"التعاون مع الأنظمة القائمة..
* أو القبول بدور المعارضة غير القانونية.
على أن المشاركة المطلوبة قد تأخذ شكل "تعاون" محدود ، أو "تعايش" حذر ، أو مزيج من هذا وذاك . فالتعاون في حالة وجود مبادرات عملية من السلطة تخدم الأهداف الإستراتيجية الإسلامية، بغض النظر عن المقاصد، والتعايش من أجل تفادي الصراعات غير الضرورية أو السابقة على أوانها . إنها المعادلة الصعبة التي وصفها الدكتور جمال الدين عطية بأنها جمع بين "أسلوب العمل المتاح في ظل الأنظمة، وأسلوب العمل الرافض لأساس الأنظمة".
كما لاحظ ذلك الدكتور النفيسي في قوله: "ثمة خلط واضح في صفوف الحركة الإسلامية بين مفهوم المعارضة" للسلطة، ومفهوم "الصراع" مع السلطة". إن عدم شرعية أي نظام سياسي، لا يعني عدم شرعية أفعاله. فمسألة بناء السلطة تختلف عن مسألة أدائها . ولذلك فإن الشرع المبني على جلب المصالح ودفع المفاسد ، والحياة المعاصرة المتشابكة الأوجه والمظاهر ، يفرضان نوعا من الواقعية السياسية ، التي تتعايش مع الباطل سعيا إلى تغييره ، وتتغاضى عن بعض الشر تجنبا لما هو أشر .

عوامل نجاح المصالحة:

ويمكن إجمال أهم الأسباب التي أدت إلى نجاح الحركة الإسلامية في صلحها مع النميري ، وجنْيها ثمرة ذلك ، فيما يلي :
أولا : الاستعداد الفكري المسبق: في حالة النميري بالذات لم يكن من السهل تجاوز ماضي الصراع معه "نظرا لثأرات الحركة من تلقائه: ظُلمات في الأموال والحريات والعروض والدماء" كما يقول الترابي.
ثانيا : تجاوز طور النشوء: لم تعتمد الحركة السودانية خيار التحالف مع النميري إلا بعد أن تجاوزت طور النشوء ، ودخلت طور النضج . وقد أحسنت في ذلك ، لأن التحالفات السياسية بالنسبة لحركة ما تزال ناشئة خيار خطر ، كثيرا ما يؤدي إلى اختلاط في الصفوف، وبلبلة في القواعد .
ثالثا : وضوح المنطلق الاستراتيجي: وقد شرح الأفندي ذلك بقوله : "لقد نظر قادة الإخوان إلى صفقة المصالحة الوطنية باعتبارها خطوة في اتجاه تحقيق هدفهم الاستراتيجي ، المتمثل في احتلال موقع أساسي في الحياة السياسية السودانية، إن لم يكن أهم مواقعها . وفي هذا الإطار تم تحديد هدفين مرحليين:
* أولهما أن الحركة يجب أن تنمو بتسارع..
* والثاني أن أطر الحركة يجب أن يحصلوا على نصيب كاف من مناصب الدولة والمجتمع، ومن الخبرة في إدارة المؤسسات.
إن جوهر إستراتيجية الإخوان خلال أعوام النميري يمكن وصفه بأنه سباق مع الزمن لتحويل الحركة إلى قوة سياسية رئيسية قبل انهيار نظام النميري . يؤكد الترابي "وإنما دخلت تلك المشاركة مهتدية بإستراتيجية خاصة لا تعول على الوعد الإسلامي للنظام ، بل ولا على الأمل في إصلاحه، بقدر ما تبتغي اغتنام فرجة حرية بفضل الموادعة ، وتتوخى فرصة سانحة بفضل المشاركة ، لبناء صفها ، وتطوير حركتها الإسلامية التي هي معقد الآمال في الإصلاح الإسلامي الشافي".
رابعا : الاهتمام بالآثار الموضوعية لا بالمقاصد: إن مقاصد خصوم الحركة الإسلامية من حكام الفساد تسير دائما في اتجاه مناقض لمقاصد الحركة، لكن ذلك لا يعني أن الآثار الموضوعية لجميع أعمالهم ومبادراتهم تناقض مساعي الحركة وأهدافها.
خامسا: الصبر على مزاج "أمير المؤمنين": "كانت إستراتيجيتنا توجهنا إلى الصبر على العارضات ، ومد النظر والعمل نحو المقاصد الآجلة ، وللتعامل مع الظروف المتقلبة في الساحة السياسية من هذا المنظور ، حتى لا تستخفنا فتؤثر سلبيا على خطتنا ومسيرتنا نحو التمكن في المجتمع . ربما تكون القاعدة قد انشغلت أحيانا بعوارض العلاقة مع نميري ، لكن القيادة كانت مدركة لمسؤوليتها ، وكان العمل يمضي في مجمله إلى قبته المرسومة ، بتدابير ثابتة لا تضطرب بها تقلبات السياسة النميرية ، بل تحتاط لاحتمالات انقلابه على الحركة ، أو طروء طارئ على نظامه . ولذلك لما ثارت الانتفاضة، وطوحت بالنظام، ألفتْنا مستعدين للمرحلة الجديدة" كما يقول الترابي.
سادسا : الاستعداد لدفع الثمن: فقد كان منه :
* انحسار جزئي في شعبية الحركة الإسلامية وسط قطاعات المهنيين والطلاب.
* تشويه سمعتها من خلال تحالفها مع نظام سياسي فاسد ، وهي التي طالما وعدت الناس بالشورى والعدل في القَسْم والحكم .
* اتهام أعضائها بالحرص على مصالحهم الشخصية على حساب مصالح الشعب نظرا لما تقلدوه من مناصب ...الخ.
* جفوة وخصام من قبل رجال وقادة الأحزاب ، الذين شعروا بأن الحركة كسبت من وراء ظهورهم ، وتركتهم في العراء ... .
* تعرض قيادة الحركة للانتقاد من بعض قواعدها التي لا تنفك عن التبرم بالسياسات المشتركة، لجنوحها بالعادة لنقد السلطان من طول مجانبته ومعارضته ، ولتعلقها بالمثل المجردة.
* تحملها مسؤولية أخطاء سياسية فعلية ، حينما أصبحت بعد براءة المعارضة ومثالية الدعوة عرضة للخطإ والفشل في سياسات الأمور.
* تعرضها لسخط قيادات إسلامية في دول أخرى، لم تحسن تقدير الموقف، ولا أحسنت الظن بإخوانها.

سابعا : التخفيف من وقع الثمن وكلما ازدادت ملامح التدهور العام ، نأت الحركة بنفسها عن النظام ، حفاظا على مصداقيتها ، وتحسبا لما يجدُّ من أمور الحفاظ على علاقات مصالحة مع الأحزاب التقليدية ، احتياطا للطوارئ ، وتزهيدا لهم في مد التحالفات مع اليسار والجنوب والقوى الخارجية المعاكسة ، على أن يظل موقف الحركة مرحليا : الدفاع عن النظام ... مع التحسب اليقظ لأقدار الطوارئ غير المنظورة.

ثامنا : سيادة القرار الجماعي وإذ كان ما بطن من الحيثيات الداعية للمصالحة أكثر مما ظهر ، فقد بدت خلافية من كل وجه ، في أصل مشروعيتها وفي حكمتها السياسية. ساد الرأي بأن المشاركة الصادرة من شورى الجماعة لا من هوى الفرد ، المؤسسة على تقدير وتدبير يتوخى مقاصد الدين ومصالح تمكينه. كانت الصفقة تخضع للمراجعة والتقييم سنويا ، ويتم تقديمها لتصويت مجلس الشورى ، فكانت تحظى بالإقرار دائما.
تاسعا : استقلال الخيارات الأساسية: كانت الحركة حذرة من الاندماج والتذويب السياسي، ولذلك نأت بجانب كبير من قواعدها وأطرها عن التعامل مع السلطة ، حفاظا على المصداقية المستقبلية ، وحافظت على خياراتها وأهدافها الخاصة بعيدا عن توجه حليفها . لذا رأت في المصالحة فرصة للعمل ، وليس لمقاسمة السلطة مع النظام.
ومن مظاهر استقلال الخيارات الأساسية الحفاظ على الكيان الحركي بصورة ، ورفض التضحية به ثمنا للمصالحة . والواقع أن تنظيم الإخوان ظل موجودا في شكله التنظيمي ، رغم إعلانه على الملإ أنه قد حل نفسه، وكان على الفريقين أن يلعبا لعبة الذكاء والحصافة ، فكسب الإخوان المعركة . وكانت خبرتهم في إدارة "التنظيم الموازي" التي طبقوها قبل ذلك أيام "جبهة الميثاق الإسلامي" خير عون لهم على النجاح في تلك اللعبة . وهكذا ففي الوقت الذي كان النميري يتلقى نبأ حل الحركة بغبطة "طُلِب من الأعضاء أن يركزوا على موضوع إعادة بناء الحركة.
عاشرا: ضبط العملية والتحكم فيها وتظل ممسكة بزمام أمرها، من حيث توقيت الدخول فيه والخروج منه، وحدود ما تعطي وما تأخذ.
ثمرات المصالحة:
أولا: النمو والامتداد السريع: اتسعت عضوية الحركة ومؤسساتها في قطاعات المجتمع العام - مع مد وجزر في الطلاب والعمال - بفضل حرية العمل التي كسبتها من المصالحة. بروز عدد من واجهات العمل الإسلامي، مثل: "منظمة الدعوة الإسلامية" "جماعة الفكر والثقافة الإسلامية" "جمعية الإصلاح والمواساة" "الوكالة الإسلامية الإفريقية للإغاثة" "جمعية رائدات النهضة".
ثانيا : حرية العمل بطلاقة: تحقيق العديد من المكاسب منها :
*ظهور مؤسسات الدعوة وواجهات العمل الإسلامي .
* التحكم في مسار مؤسسات المال الإسلامي من بنوك ومؤسسات .
* زيادة وزنهم وسط قطاع الطلاب.
* بروز صوتهم في سياسات الدولة ومنابرها.
* انحياز حركة المرأة لداعي التوجه الإسلامي.
* توسع تنظيم الحركة على امتداد الداخل والخارج.
* إضعافهم لتيار العلمانيين في النظام.
ثالثا : إشاعة مناخ إسلامي عام.
رابعا : اكتساب خبرة سياسية ومراس إداري: الاحتكاك بمواطن التأثير، والمشاركة في صياغة القرار الرسمي.
خامسا : بناء قاعدة مالية قوية: المال هو أحد العناصر الثلاثة المكونة للقوة النوعية.
سادسا : نشر نموذج التفاعل والإيجابية.

خاتمة:

لكي تكون الحركات الإسلامية على مستوى التحديات ، فإن عليها الانتباه للمعاني التالية :
* استيعاب العلاقة الجدلية بين المبدأ والمنهج، والإدراك العميق لضرورة حسن إعداد الوسائل وشحذ المناهج.
* مزيد من المرونة والروح العملية، والابتعاد عن التنظير في غير طائل، ونبذ الأفكار الذهنية المجردة، التي لا تعكس واقعا، ولا تلبي حاجة موضوعية.
* استيعاب خبرات العصر، في مجال التنظيم والتخطيط والفكر الاستراتيجي والسياسي ، تجبنا لأي تخلف في المناهج يضر بالمبادئ .
* التحرر من أسر الأشكال التنظيمية، والحذر من الجمود على ما لم يعد مناسبا، ولا مواكبا لمقتضيات العمل وضرورات التجديد.
* تحقيق الشورى في أمر الحركة كله، وخصوصا في مجال البناء القيادي، واجتناب أي استبداد مادي أو معنوي.
* فهم الواقع المحلي والإقليمي والدولي، كما هو ، لا كما نريده ، والتزام روح المبادرة والإيجابية في التفاعل مع الدولة والمجتمع .
* التحرر من الروح الحزبية، والارتفاع إلى مستوى حمل الأمانة، وتمثيل الأمة، بدلا من التقوقع في أطر التنظيم وفكره.
* الاعتراف بالتنوع والاختلاف بين المجتمعات الإسلامية والتجارب الإسلامية، وبناء علاقات تناصر وأخوة، دون وصاية أو مصادرة.
تمّ بعون الله وفضله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.