أراد التونسيون البارحة (07 فيفري 2014) الاحتفال أو تدويل احتفالهم بمنجزهم "الثوري"، الدستور التونسي الجديد. فحضر إلى البلاد متضامنون مستبشرون ومشاكسون حاقدون، اختلط بعضهم ببعض لا تميّز بعضهم من بعض إلّا إذا كنت شاهدا على النّاس متابعا، كلّهم من رؤساء الدول ورؤساء الوزارات والوزراء والبرلمانين السامين...
لم أتابع الحدث، ولكنّ الأخبار نقلت اتّخاذ ممثّل إيران منبر المجلس الوطني التأسيسي وسيلة يُبدي بها "سطوته" على الكيان الصهيوني اللقيط وعلى مرضعه الرّئيسي الولايات المتّحدة الأمريّكية، مذكّرا - بما يعلم الجميع - أنّ الكيان الصهيوني جريمة بريطانيّة قديمة أسندها إجرام عصبة الأمم التي قرّرت في غفلة من العرب المجرمين الظلمة تقسيم فلسطين التاريخيّة بين أهلها ومحتلّيها، ما جعل اليوم أهلها غرباء فيها عند محتلّيها!... المسؤول الإيراني لم يكن متأدّبا مع مضيّفيه التونسيين عندما تجاوز موضوع الاحتفاليّة فأفسد عليهم احتفالهم... ولم يكن كريما عندما لم يحترم ضيوفا استدعاهم الذين استدعوه، ولا شجاعا عندما اختار الوداعة مع مخاطبيه الأمريكان زمن التباحث حول رفع العقوبات عن بلدهم واختار المواجهة لهم على أرضنا، يغضبهم حتّى يغادروا المجلس محتجّين علينا كيف نحضر احتفاليتنا أمثاله!... المسؤول الإيراني تجاوز لمّا استعمل "أخوّة" مكذوبة لم يراع بها حقّ الأخ على أخيه، وأخطأ لمّا ظنّ أنّ بلدنا مجالٌ لتسويق البطولات أو إكثار المعجبين به وب"آياته" الفاسدين الفاسدين!... وأمّا الوفد الأمريكي فإنّه لم يكن متأدّبا إذ لم يُراع المناسبة ولم يحترمنا في ديارنا، فقد كان يسعه الصبر لا سيّما وقد سمع سابقا من ذات الجهة أضعاف أضعاف ما سمع البارحة فتحمّلها من أجل دولار قد يُضاف إلى خزينه، ولو صبر لسمع ردّا من المسؤولين التونسيين يُنصِفه. والوفد الأمريكيّ لم يكن عادلا ولا شجاعا، ولو كان كذلك لقبل حقائق تاريخيّة قد عرفها الجميع ولاعترف بدور أمريكا المخزي في مساندة الاحتلال والظلم في المنطقة والعالم، بدءًا بإرضاع الكيان الصهيوني كما أسلفت (يرضعه حقدا علينا وقنابل ذكيّة وطائرات نفّاثة ومليارات دافقة وفيتو مسترسلا على منبر ما يسمّى الأمم المتّحدة) ومرورا بمساندة الدكتاتوريّة في بلادنا، قبل الثورة بتلميع صورتها وإسنادها سياسيا وبالمواقف الكاذبة والأسلحة الصدئة تستعمل لقتلنا وابتزاز خيراتنا، وبعد الثورة برفض أهل بلاد الرّبيع العربي في الحكم لمجرّد "تلوّثهم" بآثار عدوّهم الأوّل (الإسلام)، كما يحدث بجلاء في مصر الحبيبة وفي سوريا الجريحة النّازفة التي رضوا لها الإبادة مقابل إبعاد شبح قادم رأوه أخطر عليهم من بشّار على الإنسانيّة...
كان احتفالنا بالدستور البارحة كذلك، ولو كنّا نحن مشاركين في احتفالاتهم لكنّا شديدي الأدب منخفضي الصوت لا يؤبه لنا ولا حتّى عند إعداد الطعام مراعاة للحلال فيه والحرام!... كان احتفالنا مناسبة أظهرت تصلّب المتصلّبين وسوء أدب "الكبار" الذين عملنا في دستورنا على احترام "إفرازاتهم" أكثر من احترامنا ديننا الحنيف وأصلنا الضارب في العراقة وهُويتنا!... كان في كلمة احتفالا منبّها إلى ضرورة تدارك ما مرّ من نقائص حتّمها استعجال الاحتفال وتدويله ربّما لإرضاء مَن لا يرضى عنّا إلّا بالاتّباع!...
هذا، ولن نفلح إذا اتّبعنا من قلّ أدبه لمّا استدعيناه لاحتفاليتنا غير آبه لنا وهو في ديارنا!... والله من وراء القصد