ٍ لم تمضِ ساعات قليلة على تعهّد المهدي جمعة رئيس الحكومة المؤقتة للرباعي الراعي للحوار الوطني، بوضع حد لملف روابط حماية الثورة والجماعات العنيفة، حتى غزيت مواقعَ التواصل الاجتماعي طوال اليومين الفارطين. بخَبَرَين الأول «إلقاء القبض على عماد ديغاج» والثاني «أحزاب سياسية ونواب ينددون باعتقال عماد»، وما بين الخبرين تختزل قصة «العنف السياسي في البلاد». مساء الثلاثاء الماضي غادر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي قصر الحكومة بالقصبة، وعلى محياه ابتسامة الظافر، فقد انتزع مجدّدا هو وبقية شركائه في إدارة الحوار الوطني، التزاما جديدا من رئيس الحكومة المؤقتة المهدي جمعة بتنفيذ بنود خارطة الطريق لاسيما البند المتعلق «بحل روابط حماية الثورة»، عبر اعتماد منهج عمل اختزله العباسي ، اثر لقائه المهدي جمعة، بكلمتين «إجراءات قانونية» في إحالة مباشرة على التتبع القضائي الذي استهلته حكومة جمعة مجدّدا وهي المرة الثالثة التي تتجه فيها السلطة التنفيذية الى ملاحقة روابط حماية الثورة قضائيا، غير أن هذه المرة العباسي و»رفاقه» لم يغادروا إلا بعد أن قدّم لهم رئيس الحكومة المؤقتة «ما يفيد أنه ساع لإنهاء الأمر». بداية الحسم كما يقول المثل «الثالثة ثابتة» وما قالته أحداث ليلة الأربعاء الفارطة يؤكّد ان سعي الحكومة المؤقتة إلى «حل ملف روابط حماية الثورة نهائيا» أمر ثابت، فنحو يوم عمل، استغرقه إصدار قرار سياسي تلاه تطبيق فعلي والقاء القبض على عماد دغيج زعيم ما يعرف ب«رجال الثورة بالكرم»، وكأن بالمهدي جمعة لا يريد ان تطال حكومته المؤقتة مقولة «حكومة تعوّدت أن تقول ما لا تقدر على فعله». وما انتظره السياسيون والنقابيون والأمنيون، هو «قرار سياسي بحل روابط حماية الثورة»، بل وجعلوا من هذا المطلب احد «شروط القبول بحكومة المهدي جمعة «، وهم بالأساس أحزاب المعارضة-التي كان من بينها فريق كبير لم يتوقّع ان يفي جمعة بتعهده- التي تنظر إلى روابط حماية الثورة على أنها «ذراع العنف» لحركة النهضة، كما تتهمها بالتورط فى أعمال عنف ضد رموز من المعارضة ومثقفين وإعلاميين. ونقابيين لم يغفروا بعد لأعضاء روابط حماية الثورة «الصدامات» التي جدّت عند إحياء ذكرى اغتيال فرحات حشاد، في ديسمبر 2012 والتي خلفت جرحى فى صفوف النقابيين وفاقمت أكثر الأزمة التي مرت بها البلاد. نفذت قوات الأمن في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء عملية إيقاف زعيم مجموعة «رجال الثورة بالكرم» عماد دغيج، المعروف باسم «عماد ديغاج» وذلك اثر صدور إذن قضائي، على خلفية تصريحات أدلى بها «ديغاج» اعتبرت تحريضا على قتل الأمنيين وتحريضا على اقتحام المقرات الأمنية، وهي التهم التي وجهّتها له نقابة أعوان إقليم الأمن الوطني بتونس ، بعد ان نشر عماد دغيج شريط فيديو «هدّد فيه أعوان وإطارات الإقليم» بعد تنفيذ قوات الأمن عملية إخلاء مقر تابع لبلدية الوردية بالقوة العامة استولت عليه لجنة حماية الثورة .وهي تهم تنفيها «الرابطة الوطنية لحماية الثورة»، التي تطالب بالإفراج الفوري عن عماد الذي قالت ان قوات الأمن اعتدت عليه بالعنف خلال عملية الإيقاف التي تمت بإحدى مقاهي ضاحية الكرم، وفق ما ورد في بيان، صادر عن الرابطة. سياسة جمعة مع الروابط الآن بات يمكن القول إن حكومة المهدي جمعة اتخذت خطواتها الاولى في معالجة ملف روابط حماية الثورة، وان كان ذلك عبر عديد «المنافذ» القانونية، وانه لن يكون بمقدورها ان تتراجع، فهذا سيعني أنها وببساطة، «فشلت» في معالجة ملف خصّص له الرجل الأول فيها الكثير من الوقت ليصوغ مقاربة «التعاطي» التي تقوم على ثلاثة محاور بارزة. المحور الأول منها يتمثل في التتبع القضائي للرابطة الوطنية لحماية الثورة، على اعتبارها خالفت نظامها الأساسي وقانون الجمعيات، وهو ما انطلقت فيه حكومة المهدي جمعة مباشرة اثر تسلمها لمهامها (العودة للمقال الصادر بالمغرب بتاريخ 9 فيفري الجاري: المكلف بنزاعات الدولة يرفع قضية بحل الرابطة الوطنية لحماية الثورة)، حيث احيل ملف التتبع القضائي بشأن الرابطة الوطنية لحماية الثورة وفروعها ال187 للقضاء ليحسم فيها، ويتخذ بشأنها قرار الحل، بعد ان سبق واتخذت سابقا العقوبات الاولى ضدّها ومنها تعليق النشاط. والمحور الثاني، وهو تتمة للاول، يتمثل في تنفيذ القانون وحظر أي نشاط للجمعيات او المجموعات التي تحمل اسم رابطة حماية الثورة او أي اسم مشابه وتعمل دون تاشيرة، على غرار رجال الثورة بالكرم، التي يلاحق "زعيمها" بتهمة التحريض على العنف وهي تهمة يتقاسمها مع العديدين من "وجوه" الرّوابط، الملاحقين قضائيا بتهم مختلفة منها الشكاية التي وجهت اليهم باقتحام مقر المجلس الوطني التأسيسي والاعتداء على نواب، او التهديد والتحريض على اقتحامه. أما المحور الثالث وهو منتهي حتي قبل انطلاق العمل فيه، ويتمثل في الجمعيات المشابهة لروابط حماية الثورة المتحصلة على تأشيرات قانونية لكن لا وجود ميداني لها. انتفاضة الحلفاء منذ أشهر كان مطلب حلّ روابط حماية الثورة هو الأكثر تواترا في المشهد السياسي التونسي، و البعض جعل منه مطلبه صلب الحوار الوطني إضافة لمطالب أخرى، في حين آخرون تركوا لأنفسهم الهامش دون أن يصدروا موقفا واضحا من الأمر، ربّما حتى لا يتسرعوا في حساباتهم، فخيّروا سياسة «الاّ موقف»، لكنهم يوم أمس تبنوا موقفا أكثر وضوح مما سبق . فالعبارات المقتضبة التي زينت بها بيانات أحزاب سياسية او تصريحات لأعضاء في المجلس الوطني التأسيسي، التي تندّد بإيقاف عماد دغيج وتعتبره «انتكاسة للثورة» وعودة «للنظام القديم»، أعادت تغذية اتهامات سابقة تتمثل في «دعم سياسي توفره أحزاب الترويكا للروابط»، وهو ما دفع إلى النظر بعين أخرى للبيان الصادر عن حزب المؤتمر من اجل الجمهورية الذي تضمن تنديده بما اسماه « خطورة الكيل بمكيالين في التعامل مع ما يجدّ من خروقات تمسّ بأمن الأفراد وسلامة المؤسسات»، ليفهم منه وضع الحزب لممارسات الروابط والعنف الذي سلّطته ضد المعارضة في نفس الخانة مع أحزاب المعارضة التي المح حزب المؤتمر إلى أنها تتبنى خطاب يحرّض على العنف. ولم تتوقف تلميحات حزب المؤتمر من اجل الجمهورية- الذي يعدّ من اشدّ الأحزاب الداعمة لروابط حماية الثورة والأقرب إليها بعد تردي علاقتهما بحركة النهضة، ليشير في جزء آخر من بيانه إلى أن عملية إلقاء القبض على عماد دغيج هي «رضوخ لضغوطات» تمارسها «جهات تحمل عناوين نقابيّة ومن قوى سياسيّة تسعى إلى إرباك المنظومة الأمنيّة وإدخال تغييرات هيكليّة في صلب هذه الوزارة السياديّة خدمة لأجندات فئويّة ستردّ بما يجعل العدو يفهم أن أي محاولة لتغيير قواعد اللعبة مرفوضة». والتنديد بالإيقاف لم يكن حكرا على المؤتمر من اجل الجمهورية، فقد توجّه أعضاء من المجلس الوطني التأسيسي يوم أمس إلى مقر وزارة الداخلية للقاء بوزيرها لاستفساره عن عملية الإيقاف وللتنديد بها. لن تكفي «خطوة» واحدة لحل «ملف روابط حماية الثورة» واقفال فصل «العنف السياسي في البلاد»، اذ لا بدّ، في ظل دعم بعض الساسة المجموعات العنف السياسي، ان يستمر الامر ولعل القضاء بات مطالب بان يتخذ الخطوة القادمة، وان يسترسل في طرح السؤال، هل من الصدف أن من يدافع ومن يدعم ويحمي روابط حماية الثورة اليوم، هم من كانوا بالامس في الحكم؟ ولماذا اليوم « لا يتركون الحكومة تعمل»؟ كما كانوا دائما يردّدون. من المرسوم عدد 88 المنظم لعمل الجمعيات الفصل 3 تحترم الجمعيات في نظامها الأساسي وفي نشاطها وتمويلها مبادئ دولة القانون والدّيمقراطية والتعددية والشفافية والمساواة وحقوق الإنسان كما ضبطت بالاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف الجمهورية التونسية. الفصل 4 يحجر على الجمعية : أولا أن تعتمد في نظامها الأساسي أو في بياناتها أو في برامجها أو في نشاطها الدعوة إلى العنف والكراهيّة والتعصب والتمييز على أسس دينيّة أو جنسية أو جهويّة. ثانيا أن تمارس الأعمال التجارية لغرض توزيع الأموال على أعضائها للمنفعة الشخصية أو استغلال الجمعية لغرض التهرب الضريبي. ثالثا أن تجمع الأموال لدعم أحزاب سياسية أو مرشحين مستقلين إلى انتخابات وطنية أو جهوية أو محلية أو أن تقدم الدعم المادي لهم ولا يشمل هذا التحجير حق الجمعية في التعبير عن آراءها السياسية ومواقفها من قضايا الشأن العام.