غدا.. قطع الكهرباء ب3 ولايات    إحالة رجل أعمال في مجال تصنيع القهوة ومسؤول سام على الدائرة الجنائية في قضايا فساد مالي ورفض الإفراج عنهما    قرابة 144 ألف تلميذ يجتازون انطلاقا من يوم الإثنين المقبل امتحانات "البكالوريا التجريبية"    ورشة عمل دولية حول علوم المياه والبيئة يومي 15 و 16 ماي 2025 بقرطاج    دقاش: شجار ينتهي بإزهاق روح شاب ثلاثيني    تعيين مدير عام جديد على رأس "بي هاش" للتأمين    "البيض غالٍ".. ترامب يدفع الأمريكيين لاستئجار الدجاج    بعد منعهم من صيد السردينة: بحّارة هذه الجهة يحتجّون.. #خبر_عاجل    البنك الوطني الفلاحي: توزيع أرباح بقيمة دينار واحد عن كل سهم بعنوان سنة 2024    الكلاسيكو: الترجي يحذر جماهيره    بداية من الثلاثاء: انقطاع مياه الشرب بهذه الضاحية من العاصمة.. #خبر_عاجل    تنويه واعتذار    عاجل/ سرقة منزل المرزوقي: النيابة العمومية تتدخّل..    جلسة خمريّة تنتهي بجريمة قتل!!    وزير التربية يؤدي زيارة إلى معرض الكتاب بالكرم    سوسة: القبض على شخص مصنف خطير وحجز مواد مخدرة    الحج والعمرة السعودية تحذّر من التعرُّض المباشر للشمس    دراسة جديدة: الشباب يفتقر للسعادة ويفضلون الاتصال بالواقع الافتراضي    البطولة العربية للرماية بالقوس والسهم - تونس تنهي مشاركتها في المركز الخامس برصيد 9 ميداليات    عاجل/ ضحايا المجاعة في ارتفاع: استشهاد طفلة جوعا في غزة    الحكومة الإيرانية: نخوض المفاوضات مع واشنطن لأننا لا نرغب في نزاع جديد بالمنطقة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    عاجل/ البحر يلفظ جثثا في صفاقس    بطولة الكويت : الدولي التونسي طه ياسين الخنيسي هداف مع فريقه الكويت    جندوبة: استعدادات لانجاح الموسم السياحي    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    المأساة متواصلة: ولادة طفلة "بلا دماغ" في غزة!!    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    سعيّد يُسدي تعليماته بإيجاد حلول عاجلة للمنشآت المُهمّشة    السلطات الجزائرية توقف بث قناة تلفزيونية لمدة عشرة أيام    التلفزيون الجزائري يهاجم الإمارات ويتوعدها ب"ردّ الصاع صاعين"    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة    افتتاح مهرجان ربيع الفنون الدّولي بالقيروان    الولايات المتحدة توافق على بيع صواريخ بقيمة 3.5 مليار دولار للسعودية    التوقعات الجوية لليوم السبت    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    ترامب ينشر صورة بزيّ بابا الفاتيكان    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بمشروع مدني بيئي وثقافي    مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    تعزيز مخزون السدود وتحسين موسم الحبوب والزيتون في تونس بفضل الأمطار الأخيرة    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    طقس اليوم: أجواء ربيعية دافئة وأمطار رعدية محلية    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخلّفات الاستبداد وسبيل تجاوزها.
نشر في الحوار نت يوم 04 - 06 - 2014

إذا كان العدل أساس العمران كما يقول العلاّمة عبد الرحمان ابن خلدون فإن الظلم والاستبداد يعتبران أساس التخلّف والخراب. فالاستبداد كالسرطان، يظلّ ينخر في جسم الأمّة في صمت وتستّر وتخفّ منتهزا غفلة أو تغافل الأمّة. وإذ تنكشف الغمّة ويثور الشعب ويتمكّن من الإطاحة برأس الاستبداد يتكشّف الناس على مدى الخراب الذي حلّ بالبلاد : أمراض تسيطر على كامل الجسم وقنابل موقوتة في كل مكان وفي كل مجال. علما و أنّه خلافا لما يروّجه إعلام الاستبداد من أنّ حكّام ما بعد الاستقلال إنّما هم من بنوا البلاد وكذا الدولة العصرية، فإن الحقيقة الساطعة تؤكّد عكس ذلك، حيث أنّ حكّام الاستبداد إنّما خرّبوا البلاد طولا وعرضا، ولم يتركوا قطاعا أو مجالا إلاّ وأفسدوه ولوّثوه بأساليبهم الخبيثة و وممارساتهم الفظيعة والشنيعة.
ففي المجال الأخلاقي والقيمي سعى ونجح نظام الاستبداد في الوصول بالبلاد إلى درجة وضيعة لا نحسد عليها من الانحطاط الأخلاقي، حتّى أصبح المواطن، المحافظ على قدر أدنى من الخلق الحسن، لا يستطيع أن يجلس أمام الشاشة الصّغيرة مع عائلته مطمئنّا لهول ما يبث من منكرات وعري وفواحش على الفضائيات. ولكن -وللأسف- فقد غدت في المقابل، عديد العائلات التونسية لا ترى غضاضة في أن تجتمع على التلفاز وتتناول الطعام والمشروبات، بما فيها المحرّمة أحيانا، وهي تتفرّج على كلّ أنواع العري والمنكرات التي تروّجها بعض المسلسلات. إلّا أنّه قد يحدث أحيانا عندما تبثّ بعض اللقطات الفاضحة أن يشعر أفراد العائلة ببعض الحياء فيتوقّفون عن المشاهدة ويطأطئون رؤوسهم لبعض الثواني أو يغيّرون القناة ثمّ لا يلبثون أن يسترسلوا في المشاهدة لكي لا تفوتهم أحداث المسلسل. فالشعب أصبح مسلسلا ومستعمرا بالمسلسلات واللّقطات الخليعة. أمّا القبلات بين الجنسين والعري بأنواعه المختلفة والرقصات والكلمات المثيرة، كما هو الحال في مسلسلات "شوفلي حل" (القناة الوطنية 2) و"نسيبتي العزيزة" و"حريم السلطان" (قناة نسمة) ومنوعات "لاباس" و"عندي مانغنّيلك" (قناة التونسية) ومنوعات قناة حنّبعل ، فقد أصبحت أمرا عاديا بل ربّما تصنّف في باب الأعمال الجيّدة والمسلّية ! ! ! وأمّا من يحتجّ على هذه الأعمال وهذه الظواهر فإنّه ينعت -ولا شكّ- بالتعصّب والتحجّر ويتوجّهون له بالسؤال التقليدي الجاهز : في أي كوكب أنت تعيش ؟ ". والغريب في الأمر أن بعض هؤلاء المنشّطين والممثّلين والفنّانين،عندما يتمّ التطرّق إلى موضوع السّلفيين، فإنّهم يندفعون إلى اتهامهم بالتحجّر وبعدم فهم الدّين الصّحيح !! وكأنّ ما يأتيه هؤلاء المنشّطون والممثّلون والفنّانون من عري ومنكرات على المباشر يعتبر من صميم الدّين ! ! ! قال الله تعالى : "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون".

وفي المجال التربوي والاجتماعي لم يدّخر الاستبداد أي جهد في ضرب قيم المجتمع وكلّ القيم التي تدعو للحرّية والعزّة والكرامة والأنفة والتعويل على الذّات وتدعو للتراحم وللتكافل الاجتماعي والأخذ بيد الضّعيف والانتصار للمظلوم. وساهم في المقابل في نشر ثقافة المناشدة والتمسكن والتّذلّل والانبطاح بالإضافة إلى ثقافة حبّ الذّات والأنانيّة المفرطة. لقد انقلبت المفاهيم. فأصبح التمسكن والمناشدة يسمّيان سياسة وخبث ودهاء. وغدت السّرقة والرشوة والاستيلاء على المال العام تسمّى كياسة وفطنة. ورأينا كيف سطا المخلوع على أموال صندوق 26 26 بعد أن أوهم الناس بأنه يجمع هذه الأموال من الشعب لأجل تنمية الأحياء الفقيرة والمعدمة. هذا، وتابعنا إضراب أطباء الاختصاص عدّة أيام احتجاجا على عدم الاستعداد للعمل ثلاث سنوات داخل المناطق الدّاخلية ولم يراعوا ما صرفته المجموعة الوطنية من أموال الشعب وخاصّة من أموال الفقراء لفائدتهم إلى حين تخرّجهم. ورأينا كيف يستغلّ البعض مآسي الناس دون رحمة ولا شفقة من أجل إشباع رغباتهم وشهواتهم اللاّمحدودة. وآخر ما انتهى إلى أسماعنا في هذا الباب طلب أحد أعوان القناة الوطنية الثانية رشوة عاجلة ورشوة آجلة من مواطنة لتمكينها من عرض حالتها الاجتماعية الحرجة وحالة زوجها المصاب بالسرطان في برنامج تلفزي على المباشر.
وفي المجال الاقتصادي انطلقت دولة الاستقلال بدون ديون ولكن خيارات حكّام الاستبداد الخاطئة واعتمادها على قطاعات دون أخرى أوصلت البلاد إلى وضع مالي واقتصادي شبه كارثي وإلى مديونية رهيبة كان من نتائجها المباشرة استيلاء بن علي على السلطة لمدّة 23 سنة عانى خلالها الشعب الويلات.
وفي المجال الاجتماعي تسبّبت سياسة التمييز الجهوي وسياسة تمييز بعض القطاعات وبعض الفئات في اتساع الهوّة بين الجهات و القطاعات و الفئات ولا سيما في بروز التباغض والتحاسد بين الجهات المهمّشة المحرومة والجهات المحظوظة. ورغم أن العديد من الاعتصامات والاحتجاجات التي حدثت ضدّ حكومة الترويكا كان منطلقها حسابات سياسية وثورة مضادّة إلاّ أنّ الذي جيّشها إنّما هو بالتأكيد التفاوت المشار إليه.
وفي المجال الديني ساهم المخلوعان في محاربة الدّين وتجفيف المنابع وفي نشر الضّبابية الدّينيّة بين النّاس، بحيث يصبح الفرد مسلما ويمسي كافرا وهو لا يدري. وساهمت سياسة تجفيف المنابع في ظهور تيارات سلفية متشدّدة تسعى لنشر وبسط فهم قاصر للدين عن طريق التعصّب والتشدّد والقوّة. ولمزيد خلط الأوراق ومزيد إغراق المشهد الديني في الضّبابية أشرف المخلوع الثاني على صناعة وإبراز تيّارات ورموز دينية متشدّدة تأتمر إلى الآن بأوامر وكلاء الاستبداد المخفيين وأصحاب المال الفاسد المحلّي والأجنبي. ومن الصّدف العجيبة : كلّما اشتدّت المشاحنات والخصومات بين تياري الثورة والثورة المضادّة حول مسألة ما أو قانون ما كقانون تحصين الثورة مثلا إلاّ وبرز التيّار السلفي إلى العلن بجريمة قتل وتنكيل وآخرها قتل أربعة أعوان أمن وهم بصدد حراسة منزل وزير الدّاخلية بالقصرين، رغم وجود حراسة أمنية مشدّدة، ثمّ القيام بدورة شرفية واستعراضية في الولاية على مدى 45 دقيقة ؟ فهل لا يزال بعد هذا من شكّ ؟
ما هي الحلول لإصلاح ما أفسده المفسدون واقترفه المجرمون ؟ وما هي الحلول لطرق باب التغيير والإصلاح على كلّ المستويات ؟ كلمة واحدة هي عنوان و سرّ كلّ الحلول ألا وهي الحرّية. فالحرّية هي مفتاح كلّ حلّ وهي أمّ الحلول لكلّ مصائب وجرائم الاستبداد. وفي هذا الصدد فقد أبدع الفنّان سميح شقير كلمات ولحنا وأداءا في أغنية "قرّبنا يا حرّية – سوريا بدها حرّية". أجل، الحرّية للشعب وللوطن كالروح بالنسبة للجسم وبدونها يظلّ الوطن شبيها بجثّة هامدة لا حراك فيها. وبالحرّية نبني كلّ من المؤسّسات التشريعيّة والتّنفيذيّة والقضائيّة الهيئات الرقابيّة. وبالحرّية نبني العدالة الاجتماعيّة ونقضي على مظاهر الفساد والحيف الاجتماعي والتخلّف الاقتصادي. وبالحرّية تزدهر الشعوب. وهي أساس كلّ تقدّم وهي سرّ من أسرار الخلق. قال عمر ابن الخطّاب رضي الله عنه : "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا". ولذلك فلا غرابة في أن يقبل أحيانا من يمسكون بالسلطة، من المصلحين والمناضلين والمخلصين، بالتنازل عنها من منطلق الدفاع عن الحريّة ومزيد تكريسها في المجتمع.
منجي المازني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.