[... ثم اعتقل من جديد بتهمة الاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها، وذلك بسبب تصريحاته لوسائل الإعلام حول ظروف اعتقاله، والتعذيب الذي تعرض له وبقية السجناء السياسيين، وإعلانه تمسكه بحقه في التعبير والدفاع عن الحقوق الأساسية لجميع المواطنين. وفي يوم 13 ديسمبر 2008 صدر في حقه حكم قضائي بالسجن لمدة سنة، كما أبلغ بالتراجع عن قرار السراح الشرطي بما يعني وجوب قضائه لعام إضافي في السجن.] أصحيح هذا الكلام "تراجع عن قرار السراح الشرطي بما يعني وجوب قضائه لعام إضافي في السجن"!... أيأتي مسلم هذا العمل؟!...أيأتيه مؤمن بحقوق الإنسان منظّر لها؟!... أيأتيه كريم؟!.. بل أيأتيه لئيم؟!... أيأتيه حتّى "البهيم"؟!.. وبالمقابل أيقبل بهذا الأمر تونسي أبيّ عربيّ مسلم مستقيم؟!... من علّمنا الاشتراط؟!.. بل من علّمنا العيش بالاشتراط وتحت طائلة المشترط علينا؟!... من علّمنا قبول و"توقير" المشترط علينا؟!.. من ذا الذي وما الذي جرّأ المشترط علينا؟!... أهو القبول بغير ذات الشوك والشوكة أم هو الهوان الذي حدّث به خلق البشريّة صلّى الله عليه وسلّم؟!.. أنحن الغثاء إذن؟! أنحن المتنافسون في الدنيا إذن؟! أنحن من أهلكتنا الدنيا إذن؟! أمّ أنّنا مَن قد جافاه الإيمان بالكلّيّة؟!.. فالرّسول الصادق الأمين المحبّ لنا الخير صلّى الله عليه وسلّم قد قال: لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه (من الخير)... أفَسِجنًا أحببنا لأنفسنا؟! أفتضييقا أحببنا لأنفسنا؟! أفَحِصارا أحببنا لأنفسنا؟! أفبعدا عن الزوج والولد أحببنا لأنفسنا؟! أفكسرا لأنوفنا وقتلا لعزّتنا وقطعا لألسنتنا وتعطيلا لمدارك عقولنا أحببنا لأنفسنا؟! أفدنيّةً في الدين وفقدا للكرامة وتغييبا للرّجولة عن مواطنها أحببنا لأنفسنا؟!... إذن ما قيمة حياة قتلناها بقتل كلّ شيء فينا؟!...
الدكتور الصادق شورو الكريم الأبيّ المجاهد - ذاك الذي وصفوه بالنّحيف، وساقا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه النحيلتان قد رجحتا في وزنهما أحدا - يتعرّض لما يترّض له نتيجة خذلاننا له نحن جميعا.. وخذلاننا له يبدأ بقبولنا بالفساد فينا ينخر عظامنا ويسوّس عظام مجتمعنا التونسي العربي المسلم؟!.. إذ، كيف نبيح لآدميّ تسلّق في المراتب بإهراق الدّماء وذبح الفضيلة وإشاعة الفاحشة وإعاقة النسل الحلال وإسناد النسل الحرام وإذلال العزيز وإبراز التافه أن يفعل فينا فعله ونُجرّؤه علينا بهذا الشكل غير المسبوق؟!.. كيف نسمح له بالاشتراط علينا في كلّ جوانب حياتنا، حتّى صرنا إذا تنقّلنا في الشارع تنقّلنا متباعدين، وإذا تحدّثنا تحدّثنا فاحشين متنابذين متدابرين متباغضين، وإذا أنجبنا أنجبنا زانين، وإذا تزوّجنا تزوّجنا مهدّدين، وإذا لبسنا لبس النّساء منّا لباس العارين، وإذا بلغنا سنّ البلوغ بلغناه أمرادا وسيمين للتأسّي بالرّجال نابذين، وإذا أسلمنا أسلمنا تونسيين "زيتونيين"، وإذا صلّينا صلّينا كبارا شيوخا فانين، وإذا لعبنا الرّياضة لعبناه نسورا قرطاجنّيين، وإذا حاورنا حاورنا "وطنيين"، وإذا انتخبنا انتخبنا حُمرا بنفسجيين(*)، وإذا استُضِفنا في البرامج كنّا مدّاحين وضيعين، وإذا حضرنا المنابر حضرناها وإن تافهة مصفّقين مهلّلين!...
لماذا نقبل بشروطه هذه؟!.. بل لماذا لا نشترط نحن عليه؟!.. نشترط عليه أن يقلع عن الظلم وقد جاء لإفنائه (زعم وكذب)!.. نشترط أن يبتعد عن الحكم وقد دخله محدّدا لعدد دوراته ومدّة مباشرته (وعد وأخلف)!.. نشترط عليه الالتزام بالقانون وقد تبجّح بإرساء دولته (حبّر ونافق)!.. نشترط عليه احترامنا وقد بدأ فينا ذليلا معترفا ببلوغ مستلزماته (جائع وشبع)!..
لأنّنا لم نشترط فقد اشترط!.. ولأنّنا لم نكن صارمين في المراقبة: مراقبته ومراقبة حكومته وحزبه، فقد أحكم هو وسائل وطرق مراقبتنا!.. ولأنّنا كنّا كراما معه دون أن ننبش في أصله (والأصل مهمّ في الحكم، قال جعفر: منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته)، فقد كان لئيما إلى الحدّ الذي نسي معه قدره فاعتدى اعتداء الجاهلين على قدر الصادق وعلى أقدار علمائنا وساداتنا الأفذاذ الأبرار وعلينا جميعا...
أشهد الله على أنّ هذا العسكري – وأنا عسكري – قد أساء التصرّف في كلّ شيء، وأنّه لن ينجو من لعنة النّاس إلاّ بتوبة نصوح بينه وبين الله سبحانه وتعالى... على أنّ توبته لن تكون نصوحا إلاّ إذا ردّ الحقوق إلى أهلها، أو حاز العفو منهم إذا عجز عن الإيفاء... وإنّي لا أراه إلاّ عاجزا لكثرة ما حمل من الأثقال... وأمّا الصادق وأمثاله وزوجه وأولاده والمستضعفون أجمعون فإنّ موعدهم الجنّة... ولعلّ الصادق لمّا يرى فضل ربّه بإذن ربّه يتمنّى أن لم يكن قد سعى لمساعدته من أهل الدنيا أحد!...
(*): واللون البنفسجي كان لون المستقلّين التابعين للنهضة التونسية، يوم كان النّاس يردّدون: بنفسجي، بنفسجي، معاك ربّي والنّبي.. وربّما تغيّر الشعار اليوم إلى "لعنك ربّي والنّبي".. عياذا بالله تعالى..