مازال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم يحذّر من أكل الحرام، يُريه بشعا وقد تلبّس بالمطعم والمشرب والملبس والغذاء، مانعا استجابة الدّعاء [ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!]... عسى أن ينتبه المؤمنون إلى خطورته وقدرته على هدم الصلة بين العبد وربّه وتحطيمها وإفقادها ذلكم التناغم الذي ينمّيه الانكسار والاحتياج والحرص على الحلال!... ولازال المؤمنون يتهيّبون الوقوع في الحرام ويخشون آثاره الحاطمة ويسألون الله الثبات كي لا يقعوا في الشبهات المفضيّة حتما إليه حتّى كان في الدّانمارك أناس قال عنهم الحبيب صلّى الله عليه وسلّم وعن أمثالهم فيما رواه عنه أَبُو هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ: [لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ]... فقد سمعت أنّ استثمارات حرص على تنميتها مَن استأمنهم المسلمون في الدّانمارك على حلّية أغذيتهم، قد نمت كثيرا واخضرّت على دِمنة الحرام المهلك، النّتنة!... أختام حلال - بنات حرام (الأختام) - تأخذ شرعيتها من جرأة البعض على الحرام وسكوت الآخرين عليه من أجل ملايين تُكدّسُ في أمكنة مظلمة لا تصل إليها أعين المحاسبين ولا يثير وجودَها "الأتباعُ" أو العوامُ أمثالي، وقد ألجمتهم المجاملة وأخرست ألسنتهم الدّهشة!... فما كان النّاس يتصوّرون أنّ أحدا من القائمين على الذبح الحلال والمشرفين عليه بقادر على أكل فَلْسٍ حرام واحد ناهيك عن الاستثمار الفاحش في ملايينه الناريّة السوداء!... مراقبة الحلال ولجانه خضعت وخضعت للباطل وترعرعت في دهاليز الشبهة والقاذورات!... لن يسع المسلمون - والحال بهذه الخطورة المبعدة عن ربّ العالمين - إلّا مقاطعة "الحلال" حتّى يكون في حراسته أبناءُ حلال يفقهونه ويخشون الله تعالى!... لسنا بحاجة إلى من يحفظ بإتقان نصوص الحلال والحرام ولكنّا بحاجة إلى من يتقن التعرّف على الحلال وينهى وَجِلًا عن أكل الحرام!... لسنا بحاجة إلى "أختام حلال" ولكنّا بحاجة إلى الاطمئنان إلى أنّ الحلالَ حلالٌ لا يرقى إليه الشكّ ولا تجاوره الشبهات!... لسنا بحاجة إلى "لجان حلال" يتزعّمها "هيآت شيوخ" أثرَوا بالحرام من "الحلال" ولكنّا بحاجة إلى لجنة ترغب في مرضاة الله تعالى تساعد النّاس وتأخذ بأيديهم إلى أكل الحلال!...
لا بدّ من إعادة النّظر في رغبة في الحلال أوقعتنا بسبب المجرمين في الحرام!... لا بدّ ألّا نتحرّج من تسميّة هؤلاء "مجرمين" فإنّ الذي اجتهد في الإثراء بجعل مأكلنا من اللحوم حراما لهو حريّ بهذه التسميّة لا ينازعه فيها أحد!... لا بدّ أن تكون لجنة الحلال ربّانيّة غيرَ استثماريّة قد فقهت معنى الحلال ومستلزمات الذبح الحلال!... لا بدّ أن يكون "ختم الحلال" بدون ثمن ولا مقابلٍ نقديّ، بل لا بدّ أن يكون ثمنه مصداقيّة ومروءة ورغبة في الخير ودفاعا عن الدّين وحبّا للمسلمين تُلزِمَ السلطاتِ الدّانماركيّة الاستجابةَ إلى شروط المسلمين، فتكون الذبائح شرعيّة لا لبس فيها ولا شبهة!... لا بدّ من توفير الحجج الدّامغة على أفضليّة الذبح على الطريقة الإسلاميّة المرساة من طرف خير البريّة صلّى الله عليه وسلّم، وقد أرشد: [إنّ الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته]، فليس أحسن للحيوان من الذبح. ولو وُجد البديلُ الأفضل لأرشد إليه صلّى الله عليه وسلّم فإنّه لا يرشد إلّا إلى الأفضل، غير أنّ الذبح بحاجة إلى إحسان والإحسان فيه حدّ (شحذ) الشفرة!... لا بدّ من إقناع السلطات الدّانماركيّة بذلك ولا بدّ عند تأخّر الإقناع من تطوير وسائل الإقناع. والامتناع الكلّي عن أكل اللحم بجميع أنواعه لمدّة قد لا تطول لهو من أهمّ وسائل الإقناع، لا سيّما في وفرة العناد!... كما يلزم - عند تنطّع أهل الباطل آكلي الحرام باسم الحلال - فضحهم عند العامّ والخاصّ، كي لا يكونوا قادرين على فتنة المسلمين باسم انتماء كاذب للإسلام!...
في الختام لا بدّ من وضع حدّ لمن كان سببا في أكل ما خالطته الشبهات وإن انجرّ عن ذلك تراجع أرصدتهم، المعدّة لكيّهم يوم القيامة!... والله من وراء القصد!...