منذ بداية الثورة السورية واستخدام النظام العنف والقوة والحل الأمني معها، تحوّل لبنان إلى "قبلة" للنزوح السوري طلباً للأمن والاستقرار، خاصة للمدن والحواضر المتاخمة للحدود السورية اللبنانية، فقصده أبناء درعا وحوران والقنيطرة وريف دمشق بشكل عام، كما قصده أهالي حمص وحماه وريفهما فضلاً عن إدلب وغيرها من المناطق السورية، وفي بداية تطور الأحداث إلى صدام مسلح بين قوات النظام ومجموعات الثورة السورية تلقت مناطق البقاع والشمال موجات كبيرة من اللاجئين الذين دخلوا إلى لبنان عبر البوابات الحدودية بشكل رسمي، ثم بعد ذلك تطور الأمر إلى وصول موجات جديدة من اللاجئين الذين دخلوا إلى الأراضي اللبنانية بشكل غير قانوني خاصة من ريف حمص والقلمون وجوار دمشق، ومع الموجات الجديدة من اللجوء بلغت أعداد اللاجئين أرقاماً خيالية؛ فبحسب وثائق وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وبحسب إحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية بلغت أعداد اللاجئين المسجلين قرابة مليون وثلاثمائة ألف لاجئ، عدا عن آخرين لم يتم تسجيلهم في سجلات وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. لقد رفضت الحكومة اللبنانية مع موجات اللجوء الأولى إقامة مخيمات لهم قرب الحدود مع سوريا، وتذرّعت بعض القوى السياسية اللبنانية (التيار الوطني الحر وحزب الله) بأن هذه المخيمات ستتحول إلى معسكرات تكون تابعة للجيش السوري الحر، ما دفع اللاجئين إلى الانتشار في معظم الأراضي اللبنانية من الشمال إلى الجنوب فضلاً عن العاصمة بيروت، كما أن استمرار حالات اللجوء بشكل مستمر وأحياناً بشكل كبير دفع إلى إقامة العديد من المخيمات العشوائية في العديد من المناطق لا سيما في منطقة عرسال، وما لبثت بعض الهيئات والجمعيات العاملة في الحق المدني أن عملت على تنظيم هذه المخيمات بقدر المستطاع.
أوضاع اللاجئين الحياتية: اليوم وبعد مرور قرابة أربع سنوات على الثورة السورية، وأكثر من ثلاث سنوات ونصف على اللجوء السوري إلى لبنان يعيش هؤلاء أوضاعاً حياتية صعبة في العديد من المناطق اللبنانية. ففضلاً عن النقص الحاد في المواد الغذائية التي يتلقونها من المنظمات الإغاثية العاملة في لبنان، ومن وكالة اللاجئين، فإن ما يعتبر الأهم بالنسبة لهم ملفان أساسيان يؤرقان اللاجئين ويؤرقان حتى المنظمات الإغاثية. الملف هو ملف التدفئة في الجو البارد والصاقع الذي يمر عليهم خلال فصل الشتاء، خاصة وأن منطقة البقاع في لبنان تعتبر منطقة صاقعة وباردة بالنظر إلى وجود مخيمات اللاجئين على ارتفاع أكثر من 1400 عن سطح البحر حيث تتساقط الثلوج في فصل الشتاء، وقد غمرت العام الماضي المياه وغطت الثلوج مخيمات اللاجئين في عرسال والبقاع الأوسط، ما جعل معاناتهم مضاعفة، وهو ما يجعلهم بحاجة دائمة لوسائل التدفئة في فصل الشتاء، وقد أعلن اتحاد الجمعيات الإغاثية في لبنان قبل أيام وفاة طفلة بعد ولادتها بثلاثة أيام في خيمة ذويها جراء البرد القارس في منطقة عرسال. الملف الآخر الذي يؤرق اللاجئين السوريين غير ملف التدفئة هو ملف الدواء والاستشفاء، حيث يعاني اللاجئون بشكل عام من تفشي الأمراض في مخيمات اللجوء جراء النقص الحاد في النظافة والأدوية وحملات التطعيم، وقد توفي جراء تفشي الأوبئة عدد من اللاجئين في مخيمات اللجوء في عرسال والبقاع الأوسط، وقد انتشرت بالقرب من خيمهم مقابر ذويهم. وفي هذا السياق أيضاً ناشد اتحاد الجمعيات الإغاثية غير مرة الجمعيات العاملة على خدمة اللاجئين والأمم المتحدة والجامعة العربية الالتفات إلى هذا الملف وإيلائه الاهتمام اللازم خاصة في ظل تفشي الأوبئة والأمراض بين اللاجئين وفي مخيماتهم.
ملاحقة وتحقيقات: بعد أحداث بلدة عرسال حيث دارت اشتباكات بين بعض الفصائل السورية المسلحة والجيش اللبناني على خلفية اعتقال أحد المسؤولين في هذه الفصائل، وبعد "اختطاف" عدد من العسكريين اللبنانيين، صب الجيش والأجهزة الأمنية جام غضبها على مخيمات اللجوء باعتبارها تؤوي بعض المتعاطفين مع تلك الفصائل، ومنذ ذلك التاريخ باتت هذه المخيمات عرضة شبه يومية أحياناً للدهم والتوقيف والتحقيق وصولاً أحياناً إلى الاعتقال بحق من يتبيّن أن لهم ارتباطات مع فصائل محسوبة على معارضين خاصة من جبهتي "النصرة" "الدولة"، وهو ما جعل اللاجئين يعيشون حالة من القلق الدائم لأنها غالباً ما تترافق عمليات الدهم أو التوقيف مع ممارسات تكون خارج إطار القانون الذي يحفظ للاجئ حقه وكرامته.
عنصرية جديدة: بالإضافة إلى هذه وتلك فإن اللاجئين في لبنان بدأوا يشعرون بنوع من التمييز والعنصرية في العديد من الممارسات؛ فمع بداية العام الدراسي أصدر وزير التربية قراراً منع بموجبه تسجيل أبناء اللاجئين في المدارس الرسمية إلا بعد ضغط متذرعاً بأن الأولى بالمقاعد الدراسية الطلاب اللبنانيون. وكذلك بدأت العديد من المؤسسات التجارية والصناعية تسرّح العمال السوريين في أعمالهم فضلاً عن أن الدولة وضعت عراقيل كثيرة أمام الاستثمارات السورية في لبنان بحجة حماية المستثمر اللبناني. والأكثر خطورة من هذه وتلك الاعتداءات التي تعرّض لها اللاجئون السوريون في العديد من المناطق لا سيما تلك التي يعد ساكنوها من داعمي النظام السوري حيث مورست أعمال بشعة بحق الأطفال والنساء نشر بعضها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولاقت استنكاراً من قطاعات واسعة من اللبنانيين، كما أن بعض العمال السوريين العاملين في محيط العاصمة بيروت لا سميا في منطقة الضاحية باتوا عرضة للاعتداء اليومي لا لشيء سوى لأنهم سوريون. باختصار يمكن القول إن اللاجئين السوريين اليوم في لبنان باتوا بين فكي كماشة، الحرب الدائرة في بلدهم والتي تمنع الكثيرين منهم من العودة إلى بلداتهم وبيوتهم، والمعاناة اليومية في لبنان حيث تتقاعس الحكومة عن القيام بدورها بالنظر إلى مشاكل لبنان الاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها، وبين هذه وتلك لا يملك اللاجئون السوريون إلى لبنان سوى الانتظار والعيش في هذه المعاناة اليومية الصعبة على أمل أن تنفرج أزماتهم؛ إما بالعودة إلى منازلهم في بلداتهم، وإما برفع بكفالة حقيقية من المجتمع الدولي ترفع المعاناة التي يعيشونها يومياً.