اتفق الخصمان اللدودان النداء والنهضة في حلف المصلحة وتشبثا بالسلطة رغم أن نتائج الانتخابات باحت بغير ذلك وبعد أن خفنا من تغول الباجي وجماعته فقد أصبحنا في حضرة تغول التغول بعد أن التقت الأضداد وانتهت ببقية الأحزاب قليلة العدد والعدة إلى متاهة المعارضة. والاتفاق الذي تم بين الحزبين الكبيرين رغم إرادة الناخبين قسمت ظهر الديمقراطية الوليدة بحيث لم تعد للمواطن ثقة ومصداقية في الانتخابات وستزيد نسبة العازفين عن التصويت بما أنه لم تحترم إرادتهم وبالتالي لم يعد هناك من مبرر للذهاب للصندوق من أصله ما دام التوافق هو القانون اذي يطبق في نهاية الأمر وبذلك يمكن ربح الوقت والمال. فالمشكل الحقيقي الذي جعل النهضة تتشبث بالسلطة هو المحافظة على الرصيد الذي حققته في فترة حكمها والبقاء في المشهد السياسي كآخر قلاع التيار الاسلامي ومحاولة ربح الوقت فربما تكون هناك تحولات جيوسياسية تعيدها للسلطة من جديد بفضل ما تتسم به نخبها من حذق لفن المناورة والبراغماتية والتموقع. ورغم أن رصيدها الشعبي سيتأثر لا محالة بحكم مد يدها لمن كانوا لها أعداء في الماضي وربما تتحمل بعضا من وزر الفشل إذا حصل في المستقبل خاصة في ظل الظروف الكارثية التي وصلت إليها البلاد فإنها تستطيع التنصل من هذا الاستحقاق لضعف تمثيليتها في الحكومة وتماسك نخبها الماسكة بمفاتيح الأمور ومحاولة التغلغل في الطبقات الفقيرة والمهمشة. فالحكومة المنبثقة عن هذا التوافق لا يمكن إلا أن تكون هشة بحكم تركيبتها وشخوصها ويصعب أن تكون متجانسة وحاسمة في أخذ القرارات المناسبة وستصطدم بالحراك الاجتماعي في كل الأحوال لأنها تتجه من الناحية الاقتصادية والاجتماعية إلى اليمين والليبيرالية وتحرير السوق ورفع الدعم. فالمشهد السياسي الحالي تهيمن عليه الطبقات الغنية والمتنفذة والتي ستحافظ على امتيازاتها ورصيدها السابق في سباق محموم على الاستحواذ على السلطة والثروة بشتى الطرق الشرعية وغير الشرعية. وستترك للمهمشين السباق مفتوحا للركض خلف السراب والوعود البراقة ولغو الكلام وحرية جلد الذات والبكاء على الأطلال. فالعملية السياسية التي تدور رحاها حاليا هي ترويض للأفاعي وقلع لأنياب الذئاب الجائعة ورمي الفتات للكلاب السائبة وقد نفذ الشعير من البيدر والحليب من ضرع الشياه بعد صراع مرير مع العطش وقلة العلف والزرع. وليتكلم المتكلمون ويزبدوا ومن لم يبح صوته فيجرب الفجاج العميقة وأدغال السباسب وطواحين الريح لعله يجد صدى لصوته ويتلقى جوابا من وراء التلال. والتوافق الذي حصل غدر بالمعارضة بحيث أضعف وزننها وحضورها في المشهد السياسي وفتت أوصالها فهناك الجبهة والأحزاب الأخرى بأعداد ضعيفة من النواب. كما أن المزاج السياسي بين أطياف المعارضة نتيجة لأخطاء الفترة الانتقالية لم يكن معبدا بحيث يصعب تصور مواقف موحدة مسبقا يمكن لها أن تطرح بدائل مؤثرة وفاعلة مما يترك المجال للمبادرات الفردية والجدل العقيم ومحاولة الظهور على مسرح الأحداث دون التمكن من إيقاف اندفاع قطار السلطة بعجلاته الأربعة. ومن المنتظر أن تتجه هذه الحكومة نحو إصلاحات مؤلمة فعلا وبحكم أنها يمينية ليبيرالية فلا يمكن أن تنحاز بالضرورة للفقراء والمهمشين بل سيزداد وضعهم سوءا وستلتحق بهم الطبقة الوسطى في القريب العاجل ولا تجد لهؤلاء من يدافع عنهم إلا قلة قليلة بمجلس الشعب بزعامة الجبهة الشعبية. وبحكم ضعف المعارضة بتخلي النهضة عن مكانها الطبيعي حسب نتائج الانتخابات ومنطق الديمقراطية الحقيقية فلن يكون هناك عائق لتمرير كل القوانين المعروضة على المجلس ما دام سيد نفسه. وسينتج عن هذا التغول التشريعي تمرير قوانين غير مقبولة شعبيا ومؤثرة على حياة المهمشين والبسطاء والفقراء والطبقة الوسطى عموما وتكون بالتالي منحازة للأغنياء وأصحاب المال والنفوذ ولا تحاسب المفسدين والخارجين عن القوانين مما يؤثر في ظل حكمة هيبة الدولة على المناخ الاجتماعي ويعود الاستبداد من خلال الإصلاحات وكأنه حق أريد به باطل.