عاجل/ شخصية سياسية معروفة يكشف سبب رفضه المشاركة في "قافلة الصمود"    عاجل/ باكستان: المصادقة على مشروع قرار يدعم إيران ضد إسرائيل    بطولة برلين: أنس جابر تتأهل إلى الدور ثمن النهائي    فيليبي لويس: "أرقام الترجي الرياضي مبهرة حقا .. ولاعبوه يتميزون بروح قوية"    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    إجمالي رقم اعمال قطاع الاتصالات تراجع الى 325 مليون دينار في افريل 2025    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    عاجل/ هذا ما قرره القضاء في حق الكاتب العام السابق لنقابة قوات الأمن..    عاجل/ هذا موقف وزارة العدل من مقترح توثيق الطلاق الرضائي لدى عدول الإشهاد..    منوبة: الاحتفاظ بمربيّي نحل بشبهة إضرام النار عمدا بغابة جبلية    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    من هو الهولندي داني ماكيلي حكم مباراة الترجي وفلامينغو في كأس العالم للأندية؟    معرض باريس الجوي.. إغلاق مفاجئ للجناح الإسرائيلي وتغطيته بستار أسود    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    243 ألف وحدة دم أُنقذت بها الأرواح... وتونس مازالت بحاجة إلى المزيد!    كهل يحول وجهة طفلة 13 سنة ويغتصبها..وهذه التفاصيل..    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    اليوم الإثنين موعد انطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة بنزرت الشمالية    قصف إيراني يصيب مبنى للبعثة الأمريكية في تل أبيب (فيديو)    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    فجر الثلاثاء : الترجي يواجه فلامينغو وتشيلسي يصطدم بلوس أنجلوس: إليك المواعيد !    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    طقس اليوم..الحرارة تصل الى 42..    قتلى وجرحى بعد هجمات صاروخية إيرانية ضربت تل أبيب وحيفا..#خبر_عاجل    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    النفط يرتفع مع تصاعد المواجهة في الشرق الأوسط.. ومخاوف من إغلاق مضيق هرمز    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    إيران تعلن إعدام "جاسوس الموساد" الإسرائيلي إسماعيل فكري شنقا    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    بوادر مشجعة وسياح قادمون من وجهات جديدة .. تونس تراهن على استقبال 11 مليون سائح    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    المبادلات التجارية بين تونس والجزائر لا تزال دون المأموال (دراسة)    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بدائل محتملة أم "للثأر" من النهضة انتخابيا!
ملف "الأسبوعي" تكتلات على الخطّ...
نشر في الصباح يوم 05 - 03 - 2012

- يمكننا اليوم الحكم بكل تجرّد ومنطقية على تجربة التعدّدية الحزبية التي عايشناها قبيل انتخابات أكتوبر الماضية..
فبعد سنوات من التصحّر السياسي والتضييق المشط للعمل الحزبي أتاحت لنا الثورة لنعيش تجربة الطفرة الحزبية التي شهدتها الساحة السياسية قبل انتخابات التأسيسي إذ تجاوز عدد الأحزاب المائة..
ولا يمكن أن ننكر أن هذه الطفرة كما مثلّت علامة سياسية صحية، بحيث أتاحت الفرصة للجميع في المشاركة الفعلية في البناء السياسي ما بعد الثورة وفي التمتّع بالمناخ الديمقراطي غير أنها ولّدت انعكاسات سلبية لعلّ أبرزها «عجز» أغلب المواطنين عن الإلمام بتفاصيل العمل الحزبي المشتت تنظيميا وبرامجيا، ولم تصل الكثير من الأطروحات والرؤى الفكرية لبعض الأحزاب -رغم «تميّزها» النظري- إلى الناس، ومنيت بالفشل الانتخابي..
وبعد الانتخابات تأسّس واقع سياسي وحزبي جديد أصبحت له مميزاته وخاصياته، بحيث بتنا نعيش اليوم ائتلافا حاكما مكونا من أحزاب الترويكا يباشر الحكم ولا يتواصل بنجاعة مع باقي مكونات المجتمع السياسي، وينعته ملاحظون بالانغلاق..
وأحزاب داخل التأسيسي وخارجه اتخذت صفة المعارضة لكنها لم تخرج من بوتقة كونها ظلت احتجاجية تكتفي «بقرع طبول الحرب» على أحزاب السلطة وهو ما لا نجده في الديمقراطيات الكبيرة والنشيطة..
لكن برز في الآونة الأخيرة معطى جديد على الساحة السياسية، وهو اتجاه الكثير من الأحزاب والقوى السياسية نحو التكتل والعمل الجبهوي.. فما هي دوافع هذه التكتلات؟ وإلى أيّ مدى يمكن أن تنجح مستقبلا خاصّة وأنّنا غير بعيدين عن الاستحقاقات الانتخابية القادمة؟

اِتحاد الشغل في وضع المواجهة
نصير العمال «يستجيب» لشروط القوّة المضادة
منذ بروز الحركة النقابية في تونس بداية القرن الماضي ورغم الاستعمار الفرنسي الغاشم فإنها استطاعت أن تفرض نفسها كشريك «سياسي» خاصّة أثناء حركة التحرّر من الهيمنة الاستعمارية، وكانت بالإضافة إلى التحامها «الطبيعي» مع الطبقة الشغيلة والكادحة وتبنيها للمطلبية الاجتماعية والاقتصادية لم تتوان يوما من الانحياز للقضايا الوطنية العادلة، وكما دافع بشراسة عن حق البلاد في الاستقلال ساهم في إرساء أسس الدولة الوطنية..
وطوال الحكم البورقيبي شهدت علاقة المنظمة الشغيلة بالنظام السياسي فترات مدّ وجزر وصلت حدّ التأزم وانسداد قنوات التواصل، بحضور زعامات سياسية ونقابية تاريخية الحبيب عاشور وبورقيبة، غير أن حكمة هذا الأخير وتبصّره جعلته دائما ما يوفّق في نزع فتيل الصدام في اللحظة الأخيرة، إيمانا منه بأن الطرف النقابي بعراقته وتاريخه هو قوّة التوازن الاجتماعي الذي يتحقق من خلاله مفهوم السلم الاجتماعي الذي يساعد بدوره على تحقيق الاستقرار السياسي..
ورغم المؤاخذات التي لحقت الاتحاد إبان حكم بن علي، والمحاولات السياسية آنذاك لتدجينه وإلحاقه ببيت الطاعة النوفمبري، فإن الاتحاد ظلّ يناضل على مواقع نفوذه النقابي في أكثر من نقابة قطاعية، ونفّذ إضرابات كبرى وناجحة حقق من خلالها مطالب نقابية رغم التعسّف السلطوي..
ربّما توّج الاتحاد نضالات أجيال عبر عقود متتالية بالدور الكبير والمفصلي الذي قام به النقابيون في إنجاح الثورة التونسية والإطاحة بدكتاتورية عاتية ألجمت الألسنة زهاء ربع قرن من الزمن.. وبعد الثورة ظلّ الاتحاد وفيّا لنضالاته النقابية، وكان مؤتمره الأخير -الذي دفع إلى واجهة الأحداث بمكتب تنفيذي جديد- علامة فارقة ستكون بالتأكيد في تاريخه، لأنه ولد من رحم الحراك الثوري، ورغم الحكومات المتعاقبة والتطاحن الحزبي قبيل الاستحقاق الانتخابي، فقد نأى الاتحاد بنفسه عن الخوض في أيّة صراعات سياسوية..
لكن الإضراب الذي نظّمه أعوان البلدية وما نتج عنه من أزمة القمامة، التي كدّست بفعل فاعل أمام مقرات الاتحاد في مناطق مختلفة، وإدانة النقابيين لأطراف نهضوية تقف وراء هذه الفعلة المشينة، ورغم مسارعة حركة النهضة الى شجب هذا الاعتداء وتبرّؤها من هذه الفعلة، فان ذلك لم يحُل دون دعوة الاتحاد إلى مسيرة منددة بالاعتداءات ومطالبة بضمانات لحق الشغيلة..
وقد احتشدت الكثير من القوى السياسية ومكونات المجتمع المدني تؤازر الاتحاد، غير أن موقف رئيس الحكومة من هذه المسيرة والاتهامات التي كالها للاتحاد والمشاركين في المسيرة، شحنت المواقف بين النهضة والاتحاد، وباتا قطبيْ «صراع» معلن في الإعلام، بحيث يرى متتبعون أن الاتحاد برز في الأيام الأخيرة كقوة مضادة للترويكا بنواتها الأصلية حركة النهضة، خاصّة وأن مسألة رفع شعار في المسيرة المذكورة تطالب بإسقاط الحكومة -وهو شعار تبرّأ منه الاتحاد واعتبرته النهضة صراحة أن الهدف منه هو إسقاط الحكومة أو حياكة المؤامرات ودسّ الدسائس ضدّها مع أيّ طرف سياسي- دفعت بالموقف إلى أقسى درجات الاحتقان، ولعله بذلك وجد نفسه يلعب دورا ليس موجودا بذهنه أساسا، وهو القوة المضادة أو القوة القادرة على ضمان التوزان في المشهد العام، في غياب أحزاب «كبرى» أو تكتلات حزبية قوية تضمن التوازن السياسي وتعكس روح الديمقراطية الحقة..

خير الدين الصوابني :التوحد أو الانتحار السياسي..
حزب الطليعة العربي ذو النفس البعثي دافع دوما عن فكرة العمل الحزبي المشترك في إطار جبهة سياسية تقوم على برامج جادّة ونعتقد أنه في سياق ما نعيشه اليوم هو الأقرب إلى التحالف مع قوى تنسجم معه من حيث الرؤى والبرامج..
«الأسبوعي» التقت خير الدين الصوابني أمين عام حزب الطليعة وطرحت عليه جملة من الأسئلة ذات العلاقة بالموضوع المطروح وقد أكّد في مستهل حديثه معنا بالقول «نحن كنّا نعتقد أن البلاد لا تحتمل تشتّتا حزبيا على شاكلة ما قبل 23 أكتوبر وذلك التفتّت لا يقوم على أساس إيديولوجي ولا سياسي بقدر ما يقوم على أساس تفاصيل برنامجية أو نزاعات شخصية لا يمكن أن يخدم خيار التنمية السياسية والخيار الديمقراطي ولا الأطراف الرابحة ولا الخاسرة.
كنّا ضمن خيار تحشيد القوى وتجميعها على أسس برامجية ووفق نظرية عامة ممّا يسمح بوجود حدّ أدنى معقول من الخيارات الحزبية أو الجبهوية التي تعرض على الشعب وجمهور الناخبين ..»
ومع الحوار الذي يجري في هذا الاتجاه دون أن يكون ذلك نتاج حصيلة تشنجية أو انفعالية أو ضمن حسابات سياسوية مؤقتة هذا الخيار سوف لن يكون مفيدا للأحزاب الصغيرة والمتوسطة فقط بل سيكون جزءا من مشروع بناء تونس التعددية والتداولية والديمقراطية.
وسألت محدّثي عن موقع وواقع حزب الطليعة من هذه التكتلات المعلنة والتي بصدد الإعلان والتشكّل فأجاب «إلى اليوم لم ينضج الحوار بعد ولم تنضج مساعينا لكن من المبكر الحكم بالفشل، ونعتقد أن في كل الحالات سنجد أنفسنا والآخرين أمام خيار، إمّا التوحّد أو الانتحار السياسي إذ لا مكان لقوى تتعاطى بروحية المرحلة السابقة في النضال السرّي مع مرحلة الديمقراطية.

محمد القوماني: التكتلات المعلنة قد يقودها التوحد ضد النهضة أكثر مما تجمعها مقترحات عملية
رغم أن التكتلات والعمل الجبهوي موحّد الرؤى والبرامج قد يسهم بشكل مباشر في رفع كل التباس محتمل في ذهن المواطن حول أبعاد العمل السياسي ويجعله أكثر دراية واطلاعا على الحياة السياسية، لأن التشتّت الحزبي يولّد بدوره تشتّتا ذهنيا عند المواطن على مستوى تقييم هذا العمل الحزبي والحكم عليه بتأييده أو نقده.. ونحن أردنا في هذا المقال تشريح الأسباب الذاتية والموضوعية الكامنة وراء الاتجاه الحاصل الآن نحو التكتّل والعمل السياسي الموحّد مع الناشط السياسي وأمين عام حزب الاصلاح والتنمية محمّد القوماني..
سألنا محدّثنا عن توقيت هذا التكتّل والعمل الجبهوي الحزبي، بمعنى لماذا في هذا الوقت بالذات نرى أطياف المجتمع السياسي تتجه نحو التكتّل؟
فأجاب «ظاهرة ما يسمّى الآن بالتكتلات هي في علاقة بنتائج انتخابات التأسيسي الماضية وترنو الى أفق الانتخابات القادمة، تنطلق من حالة اللاتوازن الحزبي حتى بين أطراف الترويكا أنفسهم فالنهضة تتقدّم على باقي طرفي حزبيْ الائتلاف: التكتّل والمؤتمر، من حيث الأصوات والمقاعد المتحصّل عليها في التأسيسي.. بالإضافة إلى التشتّت الذي تعيشه القائمات الحزبية المستقلة.
ونحن في حزب الإصلاح والتنمية نادينا بضرورة إعادة تشكيل المشهد الحزبي لكن اليوم لا ننظر إلى التكتلات المعلنة بارتياح لأنها لم تثبت بعد أنها تكتلات فعلية، في رأينا أنها مجرّد إعلانات..
وفي رأيي، مشاكل الأحزاب في تونس ليست الأفكار بقدر ما هي الأشخاص، فالذي يهدّد الأحزاب والتكتلات هو ضعف النضج السياسي والديمقراطي والنزعة الى الخصومات والتمسّك بتلابيب الزعامة، ونخشى أن تستمر هذه المشاكل وهذه الخصومات الفردية داخل التكتلات الجديدة حاملة للأمراض السابقة..»
الزعامة قد تطيح بالتكتلات..
يرى متتبعون للشأن السياسي أن بعض الشخصيات السياسية وأمناء الأحزاب الذين أعربوا عن نيتهم في التكتل والتحالف مع قوى سياسية أخرى هم ممن يغريهم بريق وهالة الزعامة، وكثيرة هي إثباتات ذلك وفي هذا السياق يقول القوماني «أكيد أن هناك شخصيات سياسية اليوم تهتمّ بهالة الزعامة لكني أنا أنظر بمرارة للاستقالات داخل الأحزاب التي لا تنصفها القيادة وتقول أن من استقالوا لا صفة لهم، في حين أنهم ينسحبون بالآلاف..
ونحن نخشى أن الذين قادوا الفشل والتوترات والاستقطاب الحادّ للمراحل السابقة يتصدّرون الآن المبادرات الجديدة للوسطية والنجاح.. المفروض من أخذ حظّه في الزعامة وطرح الأفكار أن يفسح المجال لوجوه جديدة وعناصر شابة بأفكار تقدمية، حتى لا تعاود نفس الوجوه نفس الانقسامات.. مازلنا أمام وضع حركة النهضة -حسبما يُدّعى- التي مازالت موحّدة وتستفيد من ضعف الآخرين، في حين أن حالة التشتّت في بقية المشهد كبيرة، فبالتوازي مع التكتلات هناك انشقاقات.
ولعل أهمّ معطى نجده في المشهد السياسي الحالي هو انزياحه بعد الثورة تدريجيا الى نفس المشهد تقريبا قبل الثورة،إذ نجد ترويكا حاكمة منغلقة على نفسها، ومعارضة مشتتة واحتجاجية دون برامج ودون تأثير على مجريات الأحداث، لأن المعارضة والتكتلات المعلنة قد يقودها التجمّع ضدّ النهضة أكثر ممّا تجمعها مقترحات وأفكار لتطوير الواقع.. وقد كنّا أشرنا أن من أهمّ الثغرات في ما بعد الثورة هو التخلّف عن التنمية السياسية وغيابها تماما واقتصرنا على إعلان الحرية.

د.عبد اللطيف الحناشي : من شروط نجاح النظام الديمقراطي.. تكتلات كبرى
تشهد الساحة السياسية في الآونة الأخيرة تحشيدا وتكتلا لعدة قوى وأحزاب سياسية وشخصيات مستقلة من بينهم وزراء سابقون في حكومة الباجي قائد السبسي، وهو ما أسهم في بروز تكتلات حزبية على غرار الحزب الوسطي الكبير، وتوحّد تيار القوة والجبهة اليسارية الراديكالية، التي سيعلن عنها رسميا قريبا بالإضافة إلى تكتلات وجبهات ليبرالية ودستورية أخرى..
وتوجّهنا في هذا السياق إلى الدكتور عبد اللطيف الحناشي أستاذ التاريخ المعاصر لسؤاله عن قراءته لواقع هذه التكتلات ومستقبلها السياسي؟ وقد وافانا الدكتور الحناشي بالقراءة التالية.. حيث يقول:
عرفت الساحة السياسية التونسية مؤخرا عدّة محاولات قامت بها أحزاب وشخصيات سياسية بهدف بناء وتشكيل أطر تنظيمية جديدة اتخذت شكل تحالفات أو جبهة أو كنفدرالية أو ائتلاف حزبي، وصولا إلى اندماج مجموعة هامة من الأحزاب وانصهارها في حزب واحد، وتمظهر ذلك في الجبهة التي ضمّت دستوريّين وليبراليين وأطرافا «تقدميّة»، ومحاولة تشكيل حزب كنفدرالي، وجبهة يساريّة قيد التشكّل (حزب العمال الشيوعي والحزب الشعبي وحركة الوطنيين الديمقراطيين بمختلف تياراتهم والحزب القومي الموحد) بالإضافة إلى «حلف الجماعة» الذي تكوّن من أحزاب ذات مرجعية دينية (حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي والحركة الوطنية للعدالة والتنمية وحزب الكرامة والعمل وجبهة العمل والإصلاح وتيار المستقبل للإسلام).
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي خلفيات عمليات الاندماج والتوحّد تلك، وما هي أهدافها؟ ومدى قدرتها على الصمود والاستمرار، وبالتالي قدرتها على تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة؟
عرفت البلاد، زمن بورقيبة وبن عليّ، عدّة محاولات للتحالف والعمل الجماعي غير أن الفشل كان حليفها لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية. كما لم تتمكن الكثير من الأحزاب من الالتقاء حول برنامج الحدّ الأدنى، بعد الثورة، لتشكيل قائمات مشتركة لخوض انتخابات المجلس التأسيسي ودخلت بشكل منفرد مما أدّى إلى خسارة البعض، وعدم قدرة البعض الآخر على تحقيق النتائج المرجوّة.
بعد الانتخابات تمكنت ثلاثة أحزاب من الائتلاف وهي حركة النهضة والتكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهوريّة وشكلت ما يعرف ب»الترويكا» وهي الحكومة الحالية حاليا.
فزع المعارضة.. ومواجهة الخصوم «الاستراتيجيين»
ورغم ما تحقق للنهضة من نتائج إيجابية في الانتخابات كانت منتظرة، غير أن ذلك شكّل لأغلب الأطراف السياسية التونسية بمختلف تلويناتها السياسية صدمة كبيرة، خاصة بعد ممارسة «الترويكا» للحكم وبداية عمل المجلس التأسيسي بالإضافة إلى العديد من المواقف والممارسات السياسية التي عرفتها الساحة سواء من قبل «الترويكا» أو بعض الجماعات السلفية أو السياسية ذات الخلفية الدينية مما أدخل نوعا من الفزع في صفوف المعارضة ويظهر أن كل ذلك أقنع تلك القوى بعدم قدرتها على مواجهة الخصوم «الاستراتيجيين» وهي على حالة الانقسام والتشرذم تلك، فقام العديد منها بإجراء عمليات مراجعة وتقييم واقتنعت بضرورة البحث عن أفضل الصيغ والسبل التي بإمكانها مواجهة التيارات المنافسة وهو أمر يبدو طبيعيا ومن متطلبات النظام الديمقراطي ومبدإ التداول على السلطة الذي يتطلب وجود أحزاب وجبهات وائتلافات قوية لمواجهة الطرف أو الأطراف الحاكمة. غير أن أطراف المعارضة الحالية تبدو مترددة في الذهاب بتلك الصيغ إلى أقصاها نتيجة عدة عوامل موضوعية فكرية وتنظيمية (صراعات أو اختلافات داخلية) وذاتية تتمثل في تعنت بعض الشخصيات واستماتتها على «الزعامة» والتشبّث بالقيادة.
في الوقت الذي كان تحالف «الترويكا» ظرفيا وبراغماتيا لا يعكس بالضرورة الخلفيات الفكرية للأحزاب المكونة له بل قد يكون -حسب رأينا، رغم كل المآخذ ومنها الهشاشة التنظيمية لبعض مكوناته- ناجعا في فترة البناء هذه التي تعيشها بلادنا.
شروط أساسية لمواجهة الاستحقاقات القادمة
يظهر لحدّ الآن أن قوى المعارضة غير قادرة لتأسيس إطار سياسي موحّد لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة ولن يتحقق هذا الأمر، حسب تقديرنا، إلا بتوفر شروط أساسية نذكر منها عدم البحث عن التوافقات الأيديولوجية الكلية والتركيز على الحدود الدنيا للقواسم المشتركة العامة والعمل على تطويرها وتعزيزها والاعتراف بحدود إمكانياتها والتعامل مع حجمها الحقيقي، كما أظهرته نتائج الانتخابات، والعمل من أجل تطوير إشعاعها والابتعاد عن الطوباوية وذلك من خلال إبداع وسائل جديدة لكسب الجمهور والاقتناع بأن ما يجمعها أكثر مما يفرّقها والعمل على أن لا تكون الصيغ التنظيمية هذه ذات طابع ظرفي وآني وتكتيكي، بل أن تكون ذات بعد استراتيجي متحرّك إذ أن من شروط نجاح النظام الديمقراطي، وجود تكتلات تنظيمية كبرى عادة ما تكون على شكل كتلتين أو تكتلين حزبيين، تنصهر فيهما تيارات أو تعبيرات سياسية متقاربة حول برنامج حدّ أدنى، اقتصادي واجتماعي وسياسي، كما هو الحال في أغلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية والأمل أن يحصل ذلك في بلادنا وهو ما قد يساهم في تعزيز التجربة الديمقراطية الوليدة...

عبد القادر الزيتوني: الحكومة لا تتيح الفرصة للمعارضة للتعبير عن نفسها..
تتضافر العوامل الذاتية والموضوعية لتنتج تحالفات وتكتلات سياسية وحزبية.. وغالبا ما تفرض هذه الائتلافات السياسية نوعا من الانسجام والتناغم بين الأحزاب المختلفة.. اتصلنا بعبد القادر الزيتوني أمين عام حزب تونس الخضراء الذي أكّد «في الحقيقة نحن كحزب تونس الخضراء اتصل بنا عدد من الأحزاب وعرضوا علينا إمكانية التحالف، ونحن إن كنّا لا نرفض التحالف على أساس انتخابي عندما يحين موعد الاستحقاق الانتخابي لكن لا يمكن بحال أن ندفع في تحالف أو تكتّل طويل المدى أوّلا كحزب إيكولوجي لنا خاصية بيئية ولا نقترب كثيرا من باقي الأحزاب السياسي على الصعيد المرجعي الإيديولوجي خاصّة.
وبالنسبة للتحالفات والجبهات الانتخابية القادمة فانها تتنزّل في سياق الإعداد المبكّر للاستحقاق الانتخابي القادم بالإضافة الى الفشل الذريع للحكومة والتي نعيش تفاصيله يوميا وفي جميع الميادين ليس هناك إجراءات جادّة للتغيير والنهوض بواقع المواطنين.. ولكن عموما ماذا ننتظر من حكومة فيها مستشارون من عهد بن علي وفيها «انفجار» وزاري ناهز 60 وزيرا في بلد صغير لا يقتضي بالضرورة هذا العدد المهول من الوزراء بقدر ما يحتاج إلى خطط وبرامج عمل واضحة. وبالنسبة لفاعلية المعارضة فأنا أعتقد أن حكومة الترويكا التي تقودها أساسا حركة النهضة لا تفسح المجال للمعارضة للتعبير عن نفسها، فنحن اتصلنا بالحكومة وعرضنا عليها رؤيتنا ومقترحاتنا للوضع البيئي الذي نعيشه خاصّة بعد كارثة الفياضانات غير أننا صدمنا باللامبالاة، وتصرّفوا معنا كما كان بن علي يتصرّف بمعنى إلغاء الآخر والحرص على تمرير رؤية ذاتية قد لا تستطيع الاستجابة لتطلّعات الآخر. وبالنسبة الى تكتّل قوى المعارضة اليومية لا يبدو أن فيه بدائل واضحة ومنطقية بحيث أن الاستحقاق الانتخابي القادم يسيطر على المعارضة وحتى على الترويكا ويؤثّر في عملها.. وأشدّ ما نخشاه أن تتسع الهوة أكثر بين الشعب والحكومة وكذلك بين المعارضة والشعب ونعود إلى العزوف السياسي الذي كنّا نعيش فيه قبل الثورة».

الحزب الوسطي الكبير :طرح البدائل.. أو البحث عن «النفوذ السياسي» المضاد...
منذ أولى جلسات التأسيسي اختار الحزب الديمقراطي التقدّمي التموقع في صفّ المعارضة بالمجلس التأسيسي معتبرا أن ذلك من أبجديات الديمقراطية إذ كنّا فعلا نرنو الى إرساء نظام ديمقراطي فلا بدّ أن تكون هناك معارضة الى جانب الائتلاف الحاكم تعمل على توازن المشهد السياسي..
لكن ما لمسناه طوال أشهر عمل التأسيسي هو أن هذه المعارضة التي التفت حول التقدّمي لم تكن مؤثرة بشكل واضح في مشاريع القوانين والقرارات التي طرحت في التأسيسي باعتبار عدم توازن القوى بينها وبين أحزاب الترويكا وبقيت أقلية تكتفي بالمعارضة الاحتجاجية دون تأثير..
ولعلّ هذا ما دفع بزعيم الحزب الديمقراطي التقدمي نجيب الشابي الى البحث عن تحالفات أخرى خارج التأسيسي لأسباب قال عنها أنها تتمثّل في الضبابية التي نعيشها على مستوى المشهد السياسي في ظل عدم تحديد موعد الاستحقاق الانتخابي القادم إضافة إلى التعقيدات الناجمة عن هشاشة الوضع الأمني وغلاء المعيشة وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن وارتفاع مؤشرات البطالة.
ويضمّ الحزب الوسطي الكبير مبدئيا 3 أحزاب هي: الحزب الديمقراطي التقدّمي وآفاق تونس والحزب الجمهوري، بالإضافة الى عدد من الوزراء السابقين في حكومة قائد السبسي كعبد العزيز الرصاع وصلاح الدين السلامي وعبد الرزاق الزواري وإلياس الجويني وياسين إبراهيم وسعيد العابدي ورغم أن هؤلاء الوزراء أثبتوا كفاءة في الفترة الانتقالية السابقة إلاّ أن ذلك يجعلنا نطرح تساؤلا حول الدور الحقيقي الذي يقوم به الوزير الأوّل سابقا الباجي قائد السبسي في هذه الكتلة الحزبية خاصة بوجود هذا العدد الكبير من وزرائه؟
وهل أن هذا التكتّل الحزبي والجبهوي سيطرح بدائله المتماشية مع طبيعة المرحلة وسيواجه بمقترحات عملية لما تواجهه البلاد من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة وسيلعب دور المعارضة الحقيقية وينعتق من بوتقة الظاهرة الاحتجاجية؟

القوميون: تيار يبحث عن وحدته..
رغم عراقة التيار القومي والتحام رواده بحركة التحرّر الوطني فان القوميين و رغم نضالهم الطويل لم يجدوا بعد وتد خيمتهم التي تقيهم من التشتت الحزبي و الأفكار والرؤى.. عقد مؤخرا المؤتمر التأسيسي الموحّد للتيار القومي بين «حركة الشعب الوحدوية التقدمية «و»حركة الشعب» وحسب ما صرّح به قياديون من القوميين فان هذه الوحدة ستعمل على تعميق الوعي بالمسار الديمقراطي وعلى إرساء منوال اقتصادي يحقق التوازن بين الجهات والتقسيم العادل للثورة الوطنية؛ مضيفا أن الحركة ستستفيد كذلك من توحيد الصف النقابي بالنسبة للاستحقاق الانتخابي القادم بالنظر لصبغته وأبعاده الوطنية.
وتعتبر العائلة القومية من العائلات السياسية التقليدية في البلاد التي ينعكس توحّدها إيجابا على العملية الديمقراطية التي هي في بداية تشكّلها؛ كما أن القوميين شاركوا بفاعلية في الثورة وبالتالي يحق لهم اليوم أن يكونوا في وضع الشركاء الأساسيين في المسار الانتقالي الديمقراطي لكن بشرط تكوين جبهة موحدة تقضي على الشتات الداخلي الذي «فشل» انتخابيا وعجزت الأحزاب القومية في إقناع الناخب لأن الإيديولوجيا واحدة والطرح يختلف من حزب إلى آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.