عرفته في السودان سنوات التسعينات من القرن الماضي باسم (عبدالرحمان)، كان هادئ المزاج حسن السمت طيّب القول، وكانت مهمّته فيما تعلّق بالاجتماعي والمالي المعتبرين عصب حياة الاغتراب... لم نختلف أبدا ولم نرفع الصوت على بعضنا البعض أبدا بل لم نحدّق النّظر في وجوه بعضنا البعض أبدا، ثمّ تمكّنت من معرفته أكثر في ألمانيا حيث أطللت على جانب من عائلته الكريمة، فعرفت زوجته آمال، إحدى نساء الحوار نت الصابرات المجاهدات وإحدى نساء العمل الإسلامي عموما، كما عرفت عن كثب ابنتهما مريم حافظة كتاب الله الكريم... سألني حبيب ذات مرّة من سنة 1993 م لمّا كان في زيارتي وزيارة أخي رضا التونسي (علي وسليم إبّانئذ) سؤالا لم أحسن الإجابة عنه، سألني قراءة آية من سورة يونس، فقرأتها غير صحيحة مرّة ومرّتين وثلاث مرّات حتّى قلت ما أنا بقارئ يا حبيب فاقرأها لي بارك الله فيك!... فلمّا قرأها ازددت تصديقا للتجربة القائلة إنّ من أهمّ عقبات المعرفة هي المعلومة الأولى!... يقول تعالى في سورة يونس: قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ... كان خطإي في كلمة (يَهِدِّي) وكنت أقرأها (يَهْدِي)، وكان الحبيب يطلب منّي مبتسما الإعادة، فأعيد دون انتباه إلى الخطإ حتّى سلّمت واستنجدت به رحمه الله تعالى!... يتميّز حبيب (نحسبه) بربّانية صرفته عن دنيا النّاس دون تقصير منه في الاهتمام بشؤون النّاس، كما يميّزه هدوء استثنائي وابتسامة مرقّية لجمال سمته وحرص على الخير لعامّة النّاس واهتمام بآية دعت المؤمنين إلى الاعتناء بأهليهم!... غادرنا حبيب برتبة شهيد بإذن الله تعالى، فهو مبطون، وقد بشّر صلّى الله عليه وسلّم بشهادة المبطون، وإنّي مذ أصلح لي الآية الكريمة أذكر حبيب كلّما قرأت الآية، وسوف أذكره بإذن الله كلّما ختمت القرآن أو كلّما قرأت الآية!... رحم الله الحبيب وقد حادثته آخر مرّة في المستشفى فكانت معنوياته مرتفعة، وقد حدّث بنعم الله تعالى عليه وعلى عائلته، وقد أحسست من خلال ما أسرّ به إليّ بالمعاناة الكبيرة التي مرّ بها خلال مرضه، ما يجعل الطمع في الله كبير بأن يخرجه من هذه الدنيا كيوم ولدته أمّه أبيض الصفحة نقيّها!... أسأل له الرّحمة والمقام الرّفيع في جنّة الفردوس الأعلى، ولأختي وللأبناء ولنا جميعا إخوته صبرا جميلا والسكينة والعوض الحسن والأجر الوافر، وإنّا لفراقك يا حبيب لمحزونون، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون...