يخضع التنافس الخليجي الخارج عن السيطرة الى شبكة من الاهداف والاجندات والمصالح المعقدة ، تختفي الكثير من تفاصيلها وتطفوا العناوين الكبرى جلية ، يمكن من خلال حصرها الوصول الى حقيقة انفجار الحرب الباردة بين الاشقاء الى حرب شاملة برا وبحرا وجوا ، وبما ان مؤونة المعارك في الخليج ليست الرصاص وانما الدولار فقد اعتمد الفرقاء على التراشق بالعملة بدل التراشق بالنيران ، ولجأ خصوم النمس القطري الى خنقه عبر جميع المحاور املا في الاجهاز عليه ماليا او ارهاقه ومن ثم ابتزازه حين تنهار احتياطاته النقدية وتستسلم مضاداته الاقتصادية ، املا في تتويج كل ذلك بإعلان عودة الدوحة الى بيت الطاعة والانتهاء من الخصوصية القطرية التي افصحت عن نفسها ذات 1995 ، من خلال سلوك اعلامي ودبلوماسي لم تالفه الجزيرة العربية بدويلاتها امارة وسلطنة ومملكة ، وان كانت المحاور الاخرى على اهمية كبرى فان المحور الديني يعد احد اهم روافد الخلاف بين السعودية وقطر اذا استثنينا ابو ظبي التي وبخلاف الدوحةوالرياض لا تهتم كثيرا للمرجعيات الدينية بما انها تتبنى عقيدة انتهازية قابلة لهضم كل المرجعيات الرخوة الجاهزة للاستعمال والتمييع والتطويع ، ثم هي جاهزة لشن حرب بلا هوادة على أي مرجعية جدية عصية عن التفكيك والتركيب وفق الطلب وتحت ذمة المال وفي خدمة الخطط القذرة ، ذلك ما يفسر اعتمادها على نوعا من الصوفية الرثة الجامدة ثم قيامها بقفزة راديكالية لتعتمد على المداخلة وتصبح في زمن وجيز الممول الاول لهذه الفرقة ، بل وتقوم بتسليحها وتحويلها من ميليشيات فقهية الى ميليشيات عسكرية . منذ افصحت قطر عن انحيازها للطرح الوسطي واتضح انها انفصلت عن المجمع السلفي الذي هيمن على الجزيرة العربية لعقود طويلة ، ثم ومنذ حولت قطر هذه القناعات الى واقع ملموس من خلال التمكين لدعاة المنهج الوسطي في مساجدها ومنابرها الاعلامية وتسرب هذا المنهج الى مقررات وزارة التربية ، منذ ذلك الحين برزت معضلة المرجعية المزدوجة في مجلس التعاون الخليجي وبدا الخوف من تغول الطرح الوسطي الذي يتحول تدريجيا من طرح مطارد مهجر يطلب الايواء الى طرح خارج عن الاحتواء ، في الاثناء تعاظم الخوف من هذه الوسطية المؤطرة المؤثرة القادمة من رحم حركة اصلاحية اختمرت مع الافغاني ومحمد عبدو ثم حسن البنا لتنتهي بانتشار كاسح لمدرسة ازهرية قوامها الغزالي و القرضاوي التقت مع وسطية زيتونية في تونس متناغمة مع طرح جمعية العلماء في الجزائر والقرويين في المغرب ، ولأول مرة شعرت المرجعية السلفية انها مهددة بقوة بفعل نمو مرجعية واقعية مستقلة بذاتها ، ما دفع انظمة الخليج الى الفزع من وسطية يحركها الاجتهاد ومحاكات النصوص ومصالح الرعية على خلاف المنهج السلفي الذي يدور في فلك السلطة و تحركه مصالح الراعي دون أي اعتبار للرعية . احتضان قطر للمرجعية الوسطية التي تملك خصائص الانتشار بحكم تركيبتها وخطابها ، اصاب المرجعية السلفية بقلق بالغ خاصة وانها لم تتعود على المنافسات الجدية حيث احسنت ادارة الهيمنة على مرجعيات متناثرة في دول الخليج على غرار الاباضية والاثني عشرية والزيدية ، كما تعايشت المرجعية السلفية مع الوسطية المنظمة والمهجرة في دول مثل الكويت و المملكة العربية السعودية لكن ناقوس الخطر دق حين اصبحت للوسطية حاضنة رسمية واصبحت قطر لا تخفي انحيازها لهذا الطرح ، وتحول الامر من قلقل الى صراع بعد ان فشلت المؤسسة الملكية السعودية في تليين الخطاب السلفي الذي جلب لها الكثير من المتاعب ، كان ذلك حين قرر الامير عبد الله خلال ولايته للعهد في اواخر مرحلة الملك فهد ، ادخال اصلاحات جوهرية على المنهج السلفي ، بإيعاز من فريقه المرافق ، حينها استقر الامر على رموز السلفية الاصلاحية لإدارة المرحلة الانتقالية او اقله خلخلة الجمود الذي تلبس المؤسسة الدينية الرسمية واقترب القصر من رموز هذا التيار ما سبب حالة من التململ الغير مسبوق في صلب المؤسسة النافذة التي ومن خلال هيئة كبار العلماء وهيئة الامر بالمعروف عملت على اقناع المؤسسة الملكية ان القرني والعودة والعمر والحوالي ..ليس لهم أي علاقة بالسلفية وانهم دسيسة الاخوان في ارض الحرمين ، وتولى الثلاثي "محمد امان الجامي و ربيع بن هادي المدخلي وفالح بن نافع الحربي" قيادة المعركة ضد المدرسة الاصلاحية . انتهت تجربة الاصلاح بخيبة كبيرة ستقود المؤسسة الملكية لاحقا لاعتماد مقاربة علمانية متنافرة تماما مع تركيبة المجتمع السعودي ، وذلك بالاعتماد على مجموعة ممن اطلقوا على انفسهم "التنويريون" مثل خالد التويجري وعثمان العمير وعبد الرحمان الراشد وغيرهم ، حيث تمكنت ما تسمى بخلية التويجري وبدعم غير مشروط من بعض الامراء من الاشراف على تغييرات جوهرية داخل المملكة استهدفت السياسة الخارجية والداخلية كما استهدفت المؤسسة الدينية اين سعت الى اضعافها وتهميش دورها ، حتى قيل ان التويجري اضحى اقوى من آل الشيخ وهيئة كبار العلماء ، لكن التجربة انتهت برحيل عبد الله بعد اكتشاف خورها وتباينها الكبير مع الواقع . تجربة اخرى تنتهي الى الفشل ، وارتباك كبير يصيب اكبر الدول الخليجية رافقته انتقادات للمواقف المتذبذبة والسياسات العشوائية التي لا تليق بمقام دولة هي الاغنى والاكبر والاكثر نفوذا في المنطقة ، هذا الارتباك المخل والسلوك الارتجالي للقيادة السعودية دفعها الى البحث عن شماعة لا يمكن ان تجدها الى في قطر بما ان المارد الايراني تغول الى درجة اصبح اكبر بكثير من كبش الفداء المنشود ، وبما ان الكيان الصهيوني بمعمقه في واشنطن ومخالبه في اوروبا و ايضا وبحكم قدراته الذاتية ابعد ما يكون عن استعماله كشماعة تعلق عليها القيادة السعودية فشلها. عوامل كثيرة دفعت السعودية لتفريغ شحنات الفشل في قطر ، منها الديني والاقتصادي والاجتماعي، منها الجزيرة وثورتها الاعلامية ، منها الفزع الغير مبرر من تهديدات الكاوبوي الاشقر ، منها الملف المصري والملف اليمني والملف السوري ، منها الجزية الباهظة التي فرضها عنتيل البيت الأبيض وامتنعت الدوحة عن الاسهام فيها وايضا والاهم منها الطريقة المحترفة التي يوسوس بها اولاد زايد في آذان اولاد سلمان ! ..مشهد ارعن ذلك الذي نتابع فيه حشرة ذميمة توسوس في اذن فيل ابله ، والفيل يستجيب بإخلاص ، يدمر مربضه قبل ان يدمر مربض الآخرين. غزيرة هي شهوة الحمق لدى حكام الرياض ، واغزر منها شهوة الخيانة لدى حكام ابو ظبي ! نصرالدين السويلمي