تعرّض مواطن للطعن في عملية براكاج بمحطة ميترو الجمهورية الباساج    الفوترة الإلكترونية في تونس: خطواتك باش تكون في السليم    هل تحارب الفوترة الإلكترونية الاقتصاد الموازي أم تعمّق أزمة المؤسسات؟    حركية سياحية هامة بنابل–الحمامات خلال عطلة رأس السنة    السعودية تدعو الإمارات إلى الاستجابة لطلب اليمن بمغادرة قواتها    عاجل: هذه القناة العربية مفتوحة مجانية لنقل ماتش تونس تنزانيا    عاجل/ مناظرة هامة بالشركة الوطنية لتوزيع البترول (عجيل للطاقة)..    عاجل/ في أول تصريح لها: والدة الطفلة التي دهستها حافلة قرب شلالات بني مطير تكشف..    حمام الأنف: الكازينو التاريخي باش يترمّم ويرجع يلمع من جديد ...شوفوا التفاصيل    علاش نحسّو شهر ديسمبر طويل؟    عاجل: فطر قاتل مقاوم للدواء ينتشر في 61 دولة ويهدد الصحة...شنوا الحكاية ؟    المسدي تنشر إجابة رئيسة الحكومة في ملف الصحفيين القطاري والشورابي    خلال حملة مراقبة: حجز 100 خبزة مرطبات بهذه الولاية..#خبر_عاجل    كاس امم افريقيا (المغرب 2025) : برنامج مقابلات اليوم الثلاثاء    حصيلة أبرز الاحداث الرياضية لسنة 2025 (الثلاثي الثالث)    عاجل/ بعد فضيحة اللحوم الفاسدة التي تم توريدها..الملف يحال الى القضاء والرابحي يفجرها ويكشف..    تونس تحدّد سقف الفوائد على القروض الصغيرة: شنوا يعني هذا للمواطن؟    السجن لمنفذ عملية "براكاج" لطالبة..وهذه التفاصيل..    كونكت تطالب وزارة التجارة بتخفيض سعر القهوة وتحذّر من سيطرة المهربين على القطاع    أفلام عربية متفوّتهاش ليلة رأس العام    عاجل: شهر رمضان يتكرر للمرة الثانية في عام واحد    تونس من بين الدول المعنية به..تعرف على موعد أطول حالة ظلام دامس بالأرض خلال قرن..    لللمرة الثالثة.. تخريب مركز التربية المختصة "الحمائم 2" بنابل    عاجل : خبيرة أبراج تصدم هذا الاعلامي المشهور    كأس أمم اقريقيا: شوف شكون ضدّ شكون اليوم ووقتاش    تونس تحتفل بكأس إفريقيا للأمم مع مبادرات TotalEnergies لتعزيز الإدماج والمشاركة    عاجل: ''براكاج'' في البساج البارح...شنيا الحكاية؟    جندوبة: رحلات مدرسية لتلاميذ المناطق الريفية    عاجل : وفاة أول امرأة تقود بنغلاديش خالدة ضياء عن 80 عاما    طقس اليوم: أمطار متفرقة مع انخفاض في درجات الحرارة    غارات وقصف مدفعي على مناطق مختلفة من غزة    ساعة ماسية تخطف الأنظار.. معصم رونالدو حمل ثروة في حفل دبي... التفاصيل    راس العام في الدار؟ هذي أفلامك باش تضحك وتفتح العام الجديد بالفرحة    حضور مميز لمندوبية التربية بجندوبة في احياء الخط العربي    حجز منتجات بحرية فاسدة بمطعم فاخر في سوسة: صاحبه ق يُواجه السجن    عاجل/ خلال لقائه وزير الفلاحة ومدير ديوان الزيت: رئيس الدولة يدعو للتصدي لهؤلاء..    هروب جماعي من مصحة لمعالجة الادمان..ما القصة..؟!    عاجل : 6 منتخبات تودع رسميا الكان ...شوف شكونهم    ڤريب الشتاء: كيفاش تتعدى، قدّاش يدوم، ووقتاش يلزم تمشي للطبيب؟    مرطّبات ولحوم وأسماك فاسدة قبل ساعات من رأس السنة.. هيئة السلامة الصحية تكشف حصيلة رقابية مقلقة    ترامب: "حزب الله" يتعامل بشكل سيئ وسنرى ما ستسفر عنه جهود نزع سلاحه    «صاحبك راجل» في القاعات المغربية    سامي الطرابلسي: سنواجه تنزانيا من أجل الفوز وليس التعادل    حفل زفاف تيك توكر شهير يتحول لمعركة في مصر    الضحية طبيب نفسي تونسي مشهور في فرنسا .. يقتل والده ويدفنه في حديقة المنزل    "كان" المغرب 2025.. مصر تكتفي بالتعادل أمام أنغولا وتتصدر مجموعتها    طقس الليلة    بقرار قضائي.. هيفاء وهبي تعود إلى الغناء في مصر    الدورة 40 لمعرض تونس الدولي للكتاب: تواصل قبول الأعمال المرشحة لجوائز الإبداع الأدبي والفكري وجائزتي النشر إلى يوم 30 جانفي 2026    وزير التربية يعلن 2026 سنة مطالعة    حوالي 40 بالمائة من المساحة المحترثة مخصصة للزياتين وتونس تساهم عالميا ب30 بالمائة من التمور    رياض دغفوس : المتحوّر "K" المتفرّع عن فيروس H3N1 لا يشكّل خطورة أكبر من غيره ويجب الالتزام بالإجراءات الوقائية    عاجل: الأمن يُطيح بشبكة دعارة تتزعّمها امرأة ستينيّة في سوسة    ديوان البحرية التجارية والموانىء ينتدب تونسيين    هام/ 6 مؤشرات أساسية لتطمئن على صحة قلبك..    مع الشروق .. التاريخ يبدأ من هنا    استراحة الويكاند    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من قتل مرسي؟!
نشر في الحوار نت يوم 19 - 06 - 2019

تقول الوالدة رحمها الله تعالى (بين الرَّمْشة والرَّمْشة، يغيّر ربّي ألف شان وشان). صدقت أيّتها الكريمة، أليس سبحانه من يقول للشيء كن، فيكون. فلمّا أفقت من غفوة بسيطة، عصر الاثنين السّابع عشر من جوان 2019. فجعني عنوان أبى إلّا أن يتسمّر على شاشة قناة الجزيرة الفضائيّة، يحكي عن موت الرّئيس محمّد مرسي، رئيس مصر المدني المنتخَب. هكذا وبهذه البساطة التي هوّنت عند المجرمين قتل النّفس. كان الخبر ثقيلا جدّا ومحزنا جدّا ومحبطا جدّا ومشعرا بالضّعف وبعدم القدرة على ردّ الفعل. وكان المحلّلون الصّادقون يتكلّمون عن أمور دقيقة لا يستغربها مَن علم خبث الظّالمين وسعيهم إلى إيقاع الألم في البقعة التي يزداد بها شدّة وتأثيرا. قال أحدُهم لقد قتلوه يوم قتل الخليفة الثّالث عثمان بن عفّان رضي الله عنه، ويوم مات الشّيخ الشعراوي رحمه الله تعالى. وقال آخر لقد قتلوه يوم بشّرته صناديق الانتخاب الشفّافة بفوزه في الدورة الأولى لانتخابات رئاسة مصر العربيّة المسلمة. وقال ثالث ورابع أقوالا تزيد من عمق الأخدود الذي حفره الخبر في كلّ نفسِ مسلمٍ، تعرّض أحبّ الرّجل لصدقه وصلاحه وغيرته على مصر والمصريّين أو خبر أذى الحكّام. حزنت كثيرا وتجرّعت مرارة استثنائيّة، وأنا أرى الهدوء يخيّم على موتةٍ كان لها أن تُحييَ الموتى في مصر خاصّة. ثمّ تفكّرت محاولا ضبطَ قاتلِ مرسي، وكشف هُويته. فَسَحتُ المجال لقلمي ينطق بما ارتأى، دونما شيء يمنعه الحقيقة. تنصّتُّ، فإذا الصرير يشدّني. أأتساءل من قتله؟!
قتلته استقامتُه وصلاحه. فالنّاس لا يريدون استقامة ولا صلاحا، حتّى لترى العُربَ، أبناءَ الجلسات الخمريّة ونِتاجها، يفتتحون المراقص جوار الحرم الشّريف، يمنعون بها - مستقبلا - أذانا يؤذي رُوادها. حتّى لتراهم يغتالون الصّالحين. يخرصون ألسنتهم، يسجنونهم أو يخرجونهم أو يقتلونهم. يصنّفونهم إرهابيّين، لا يستطيعون حراكا في بلاد الله ولا يجدون حماية تقيهم وابل البراميل والقنابل الذكيّة، الملقاة عليهم إرضاء لصانعيها الفاتحين.
قتله إسلامُه. فالنّاس يناصبون الإسلام العداء ويعلنون الحرب عليه، حتّى لترى العُربَ يبارزون الله تعالى في عليائه، يكتشفون عدم صلاحيّة بعض آيات قرآنه للعصر؛ يرونها غير خادمة لمساواة بشّروا بها في حملة الانتخابات.
قتله حبُّه لبلده؛ إذ دعا لرقيّه ولاستغنائه عن أعدائه وعمّا في أياديهم؛ إذ دعا أهله إلى الترقّي والتعويل بعد الله تعالى على أنفسهم. يحرثون لطعامهم ومواشيهم وينتجون للباسهم وأدويتهم وذخيرتهم وأسلحتهم. فالنّاس من حولهم لا يحبّون من يستغنى عنهم أو يفقد خاصيّة الانحناء والرّكوع لهم.
قتلته غزّة؛ إذ أعلن مناصرته لها وأنّها ليست وحدها وأنّها خطّ أحمر لا يمكن تخطّيه؛ إذ العُربُ لا يرغبون في رفع حصار يكشف عوراتهم ويُري دناءتهم أو يبطل سطوتهم ويهدم تحصيناتهم المحاربة للأنفاق المقاومة للحصار.
قتلته الصّهيونيّة العُربيّة والصهيونيّة العالميّة النّشطة بالجوار وفي العالم. فالصّهاينة لا يمالئون من يوجّه إليهم أصابع الاتّهام أو يتقالّ دورهم أو يتجاهلهم ناهيك عمّن يبارزهم.
قتلته أمريكا الخارجة عن القوانين، المستهزئة بالعالم وبمن فيه، المؤدّبة للمتجاوزين من أصحاب الأنفة فيه، صاحبة الفيتو والفيتو على الفيتو، حامية "الشرعيّة الدّوليّة".
قتله الغرب المنافق، الدسّاس الماكر الخبيث، مهين مبادئه الديمقراطيّة والحقوقيّة والإنسانيّة. فقد كان يمكنه وأمريكا بالدّيمقراطيّة التي يتشدّقون بها، منع انقلاب العسكر أو منع استمراره، لو كانوا أهل مبادئ. ولكنّ المصلحة أعمتهم وشوقهم إلى تاريخهم الدّموي لعثم سلوكهم وأرداهم.
قتلته "الشرعيّة الدّوليّة"، هذه الكذبة التي لا بدّ أن ينبذها كلّ حرّ في عالم باتت تحكمه شريعة الغاب و"شرعيّة" الأقوى. فبالشرعيّة الدّوليّة تمرّر المظالم وبالشّرعيّة الدّوليّة يمنع الضّعيف من دفع الظّالم والمظالم. تغيّر الحقائق حتّى تمسي مجرّد بحث عن لقمة تسدّ الرّمق وكساء خرق يستر البدن الهيكل وخيمة تنزل ساكنها برك الماء الآسن أو مهابط القنابل الذكيّة.
قتلته الدّيمقراطيّة؛ إذ صدّق أنّ شفافيّة صناديقها قادرة وحدها على فرض الشرعيّة.
قتلته ثقته بالنّاس وظنّه أنّ الاسم يحمل الصفة. فلم يدر بخلده أنّ السيسي لعنه الله، قد ضمرت فيه مصر وشعبها وجيشها واشتدت في عوده الدّياثة والانتهازيّة وخدمة الأمّة الصّهيونيّة.
قتله حكّام العرب العُرب، فاقدو المروءة، الذين تعاملوا مع السيسي لعنه الله ومالؤوه، وكسَوْه وفرشوه وأغروه بمالهم النّجس، ينفقونه ليكون عليهم حسرة، ويشاركونه ظلمه وينازعونه لعنة طرحها الله تعالى على الظّالمين.
قتله المطبّعون مع السيسي لعنه الله، من صحافيّين وسياسيّين و"فنّانات" و"فنّانين" وشعراء ورياضيّين.
قتله المصريّون الذين لم يسمعوا توجيهاتِه وتنبيهاتِه ولم يتجاوبوا مع تطلّعاته ولم ينكبّوا على دراسة استشرافاته وأبوا أن يكونوا كما أراد لهم، مصريّين يرغب كلّ ذي لبّ في الاقتداء بهم. أبوا أن يكونوا كما أراد لهم رجالا وأبوا أن يكونوا كما أراد لهم شرفاء وأبوا أن يكونوا كما أراد لهم أهل مروءة وأبوا أن يكونوا كما أراد لهم أسيادا. فكانوا بالاستكانة للظّلم لئاما وضيعين تافهين، عبيدا إلى منازل الذلّ والهوان مُسوقين.
قتلته المنظّمات الحقوقيّة والصليب الأحمر الدّولي، فقد كانوا قادرين على فرض زيارته والاطمئنان عليه
ومداواته وفكّ الحصار الإعلاميّ عنه.
قتله "الإسلاميّون" المنافقون، أحذية الظّالم، الذين لم يستطيعوا قول كلمة الحقّ ولا حتّى الصمت دون كلمة الباطل، فعليهم من الله ما يستحقّون.
قتلته المليارات السّوداء النّجسة، تسوقها سّعوديّة وإمارات نزلتا في مراتع الضّلالة وبحبّب إليهما الدّم المسلم يشربونه حتّى الثمالة في سوريا والعراق وفلسطين واليمن وليبيا وغيرها من البلاد الإسلاميّة، على وقع الخطب الرنّانة والأصوات اللاحنة المنبعة من الحرم المكّيّ بالأدعيّة وبالقرآن الكريم.
قتله كلّ من شعر يوما باطمئنان لوجود السيسي لعنه الله تعالى في البلاد، وقَتله كلّ من شعر يوما أنّ مرسي وأمثاله ليسوا ضرورة لصلاح البلاد، وأنّ موته لا يقابل حتّى بفاتحة الكتاب أو بالترحّم عليه في البرلمانات العربيّة.
رحمك الله يا سيادة الرّئيس... يا أخي... يا أنا... وتقبّلك الله قبولا حسنا وبوّأك منازل الشّهداء الأبرار، وجعلك سببا لتحريك الجامد وتيسير العسير وتقريب البعيد، وجعل موتك قرين نصرك ونصر مصر ونصر أمّتك من المسلمين.
ثمّ لا بدّ أن يغتنم المصريون هذه الموتة فينتفضوا انتفاضة مدوّية تهزّ عروش الظّالمين وتثبت أنّهم رجال وأنّهم موجودون، قبل أن يغشاهم التطبيع مع الوضع، فيحكي أبناء أبناء أحفادنا مصر، وكيف كان أجدادهم الأوائل مسلمين غيورين لا ينكّسون رؤوسهم ولا للظلمة ينصاعون!.

عبدالحميد العدّاسي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.