شعرت برجفة سرت في جسمها فجأة عندما شاهدت لقطة من مسلسل على التلفاز يحكي عن معاناة الشعب الفلسطيني وتهجيره وما مر به المهاجرون من مصاعب ومصائب ونكبات، هذا المشهد القصير المشحون بالكثير من الصعاب اخترق كيانها قادها إلى هناك حيث الزمن البعيد.. إلى الخوف من ظلام الليل وهدير الطائرات والمجنزرات والدبابات المصاحب لأصوات جنود الاحتلال وهم يكسرون سكون الليل بعربيّتهم المكسّرة الثقيلة أثناء اقتحامهم لحيّهم الصغير الهادئ ومن ثم طرقهم الهمجي على الأبواب أو كسرها واقتيادهم لبعض لشباب المقاوم من بيوتهم.. بل من فراشهم بملابس النوم!.. تسمّرت في مكانها وبدأت تتذكّر أشياء كثيرة أخرى.. أسندت نفسها على الحائط ومسحت دموعها الساخنة التي باغتتها، حدّثت نفسها مؤكدة لها: إنّنا نحمل في كل خليّة وذرّة من ذرّاتنا كل ما عشناه وحصل معنا وما درجنا عليه منذ نعومة أظافرنا وليونة أيدينا وسلامة صدورنا حتى وإن نسيناه لزمن فإنه يعود إلينا مع أول فرصة يطرق أبواب عقولنا ويتسلل إلى أفئدتنا.. يعترض أمننا وسلامنا.. يأخذ بأيدي مشاعرنا ويقتادنا بقوة حيث الذكرى مهما ابتعدت عنا بكافة شقوقها وثقوبها، يقتادنا فنفتح نوافذها وأبوابها رغما عنا ونطل على أحداثها وكأنها حدثت للتو.. نطل من جديد على حال لم يتغير بل ازداد سوء.. نطل على وجع القضية التي كبرنا وكبرت معنا.. لكننا رغم كل ما حصل ويحصل سنبقى على أمل أن الحال سيتغيّر والوجع سيتبدد والظلام الحالك سينزاح والأمّة ستعود لها أمجادها بمشيئة الله! تمام محمد قطيش