الإدارة السريعة التونسية: بين نقص الخدمات...وعقليّة المواطن هيكل سلامة تونس/الوطن منذ سنة 2005، انطلقت الإدارة التونسية في تجربة جديدة وهي تجربة الإدارة السريعة، وهي إدارة بلدية تقدم خدماتها داخل الفضاءات التجارية الكبرى من استخراج مضامين وتعريف بالإمضاء ومطابقة الوثائق للأصل. وتم اللجوء إلى هذا الخيار بهدف تقريب الإدارة من المواطن وتمكينه من قضاء حاجياته وتجنيبه الانتظار في شبابيك وصفوف المصالح البلدية العادية .وقد حققت هذه الإدارات السريعة غايتها خاصة أن مكان تواجدها كان استراتيجيا ومدروسا وتركز في المراكز التجارية الأكثر إقبالا سواء وسط العاصمة أو في بعض الفضاءات التجارية بتونس الكبرى وكذلك داخل الفضاءات التجارية في عديد مدن داخل الجمهورية. بيد أن اليوم بدأت العديد من نقاط الإدارة السريعة تفقد صفتها السحرية السريعة وبالتالي نجاعتها في الاضطلاع بالمهام والدور الذي بعثت من أجله، ذلك أن الإقبال الكبير الذي أصبحت تعرفه نقاط الإدارة السريعة وما نلاحظه اليوم من اصطفاف للمواطنين أمام هذه النقاط، يطرح الكثير من الضغط على منظومة الإدارة السريعة شبيهة في بعض ملامحها بتلك الموجودة في المصالح الإدارية العادية. كثرة الإقبال الذي أصبحت تشهده هذه الإدارات السريعة،جعل الصفوف أمام نوافذها تزداد طولا يوما بعد يوم مّما جعل المهمة الأصلية التي بعثت من أجلها تتراجع وتغيب بحيث غابت السرعة عن هذه الإدارات وحل محلها البطء والانتظار والصفوف الطويلة وملل الانتظار ...فالبعض ممن يختار في البداية التحول إلى إحدى الإدارات السريعة في إحدى الفضاءات التجارية سرعان ما يتراجع ليحول وجهته نحو مقّر احد البلديات العادية لعله يتمكن من قضاء حاجته في وقت أقل وفي ظروف انتظار أحسن على الأقل. لكن لماذا عادت هذه الطوابير أمام شبابيك الإدارة السريعة بالرغم من أن هذه النوعية من الإدارات وجدت للتقليل من الضغط على البلديات العادية؟ العديد من المواطنون تحدّثوا عن أسباب تلك الطوابير، وقالوا أنه يكمن في ضعف الربط بالشبكة العنكبوتية وثقلها مما يساهم في تعطيل المواطن وبالتالي بروز عبارات مثل "استنّى شوية" بتعلّة "ما فمّاش connexion"، وعليه طالب العديد بضرورة تطوير نظم الاتصال والربط بالشبكات وتحسين البنية التحتية التكنولوجية من ناحية النوع لا الكمّ وتأهيل الموارد البشرية الضرورية والكافية، وهي نقطة هامة وأساسية تساعد على تأهيل الإدارة السريعة، حيث أن الاقتصار على شبّاك واحد لكلّ خدمة لا يكفي لتلبية حاجيات المواطنين إذا أخذنا بعين الاعتبار العدد الهائل من الموظفين الذين ينتهزون فترة الراحة لقضاء شؤونهم الإدارية. على مستوى آخر تبيّن أن الفضاء الذي يضمّ هذه الإدارات السريعة داخل المراكز التجارية وحتى تلك في محطّات النقل لم تهيأ بالكيفية المطلوبة من حيث المساحة، فبمجرد تكوّن طابور واحد على خدمة ما يضيق المكان بالمواطنين. هدفنا خدمة سريعة...والمواطن يعطّل نفسه.. !! من جهة أخرى كان لنا حديث مع بعض أعوان الإدارة السريعة الذين أكّدوا لنا نجاح تجربة الإدارة السريعة في خطواتها الأولى، من ذلك توفير الوقت الكافي للموظفين والعمل خارج الأوقات الإدارية وأيام العطل والآحاد، وهو ما كان له أثر طيب لدى المواطنين. وأضافوا أن المواطن نفسه قد ساهم بشكل أو بآخر في بطء وتراجع مردود الإدارة السريعة وذلك من اعتماده الكلّي على هذه النوعية من الإدارات وتخلّيه الكامل عن المصالح البلدية العادية. وقالوا أيضا أن المواطن لم يستوعب بعد أن الإدارات السريعة قد جعلت بالأساس للعمليات البسيطة كاستخراج مضمون الولادة ونسخ مطابقة للأصل وخاصة التعريف بالإمضاء لعدد قليل من الأوراق حتى تتم هذه العمليات بصفة سريعة. واختتموا قولهم بأنه إذا تمّ التخلّي عن دور المصالح البلدية العادية ويتمّ التعويل بشكل أساسي على الإدارات السريعة فإنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلبّي حاجيات المواطنين نظرا لقلّة الموارد البشرية والتجهيزات المخصصة للإدارات السريعة.
الأكيد أن الإدارات السريعة حلّت العديد من الإشكاليات لكنها لم تقض على ظاهرة الصفوف وعلى الانتظار بل انتقلت عدوى الصفوف والطوابير من البلديات العادية إلى الإدارات السريعة والحل يبقى في تطوير الإدارة الالكترونية، فمع التطور العلمي والتكنولوجي والثورة الرقمية التي تعيشها البلاد كان من الأجدى تمكين المواطن من الحصول على مضمون الولادة مثلا عبر الإنترنات، وذلك عبر تمكينه من الدخول إلى موقع البلدية الراجعة إليه بالنظر، قسم إسداء خدمات، والحصول على الخدمة المطلوبة بعد خلاص معلوم الخدمة الكترونيا مما من شأنه أن ينهض بقطاع الدينار الالكتروني، وبذلك نفسح المجال أكثر للبلديات وللإدارات السريعة بالتركيز على التعريف بالإمضاء ومطابقة النسخ لأصولها فيخف الاكتظاظ وتحافظ الإدارات السريعة على الصفة التي منحت لها .