أن يخالف الدّكتور المرزوقي الإسلام ولا يقتنع به كحلّ لمشاكل البشرية فهذا من حقّه وكلّ امرئ بما كسب رهين... أمّا أن يستهزئ بهذا الدّين العظيم وبمبادئه وقيمه فهذا أدهى وأمرّ وهو ممكن أيضا وقد فعله كثير من قبله فحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون وهو أمر يفسد الكثير بين حلفاء تحالفوا على مقارعة الظّلم وعلى العمل السياسي المشترك ويعتبر ما أقدم عليه الدّكتور منعرجا كبيرا في خياراته السياسية له بالتّأكيد تبعاته وتأثيراته على التّحالفات القائمة رغم الشّعبية المتواضعة جدّا لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الّذي يظلّ مع ذلك فصيلا سياسيا كامل الحقوق والواجبات. كنت دائما أعتبر أنّ الدّكتور المرزوقي رجل شجاع وصاحب خطاب صريح وقد عبّرت له أكثر من مرّة عن ذلك، ذكر ذلك أم لم يذكر، ولكن في السّنة الماضية وأثناء انعقاد مؤتمر حقّ العودة في جونيف صدر من الدّكتور تصرّف استغربته كثيرا منه وهزّ عندي الصّورة النضالية للرّجل. هذا التّصرّف لا يمسّ الأخلاق الحميدة وإنّما يتعلّق أساسا بالسّلوك السياسي النّضالي. أسررت ما وجدت من الدّكتور في نفسي ولم أبده ولكنّ كتابته اليوم وتهجّمه وتهكّمه على الإسلام أعادت إلى الذّاكرة ذلك السّلوك (السياسي النّضالي وليس الأخلاقي حتّى لا أمسّ من ذمّة الرّجل) ورسّخت لدي مبدأ أنّ المرزوقي لن يكون حليفا للإسلاميين في معركة الحرّية. لقد ردّ الكثير من الإخوة على تهجّمات المرزوقي على الإسلام وقالوا ما يحقّق المعني ويغني عن الزّيادة وأسجّل هنا تحفّظي على بعض العبارات الواردة في الرّدود مع تفهّمي الكبير لدوافعها وأودّ في هذه المساهمة أن أحاول فهم ما كتبه الدّكتور المرزوقي. إنّ المتأمّل في السّاحة العالمية وفي صراع الأمّة مع خصومها يجد أنّه كلّما مرق مارق عن هذا الدّين وجرّد قلمه لمهاجمته إلاّ واحتضنه الغرب وأعلى له المقام وصنع منه رمزا وأغدق عليه من الجوائز العالمية وأيّده وناصره... وتونس بدأت خماسية جديدة ستنتهي بعدها حتما إلى تداول في هرم السّلطة سواء كان ذلك ضمن الفريق الحاكم، وهذا هو الأكثر احتمالا، أو عن طريق من يسانده الغرب ويوصله للحكم عن طريق "دبّابة شفّافة ناعمة لا تثير الحفيظة" ليواصل عملية الاستعمار غير المباشر وارتهان القرار السيادي والحيلولة دون أن تنهض بلادنا وتنعتق وتتحرّر فهل يكون الدّكتور المرزوقي قد رشّح نفسه طواعية لهذه المهمّة القذرة؟ لا أرتضي ذلك لرجل!!! أم أنّ المرزوقي كان منذ البداية مغالطا لحلفائه لمصلحة ما وقد خانته لحظة صدق فباح بما حوى صدره وعبّر عن موقفه الصّحيح من الإسلام والإسلاميين؟ إن كان ذلك كذلك فهي رعاية ربّانية لحركة النّهضة نحمد الله عليها ونسأل الله الهداية للدّكتور المرزوقي. بعد بضع سنوات منذ تأسيس التّجمّع من أجل الجمهورية يكون قادته قد وقفوا على مدى تغلغل خطابهم في الشّارع التّونسي وحقيقة وزنهم وشعبيّتهم وبالتّالي فرصهم الحقيقية في أن يأخذوا موضعا مؤثّرا في عملية سياسية ولو جزئية مفترضة فأراد أن يخلط الأوراق عملا بقاعدة "الفوضى الخلاّقة" فبدأ بالحليف الذي لا يرتضيه الغرب وبالتّالي يكون هو الحلقة الأضعف في السّلسلة ولا بأس أن نكسب على حسابه مكسبا ولو كان نظرة بعين الرّضا من العم سام أو أمثاله من "السامات" الأخرى ومن يدري قد يصل الأمر إلى زعامة مدعومة بكلّ قوى الغرب ولا وزن ولا قيمة للمساندة الشّعبية وللشّرعية ولتذهب الهوية والأصالة إلى الجحيم فهذه كلّها غثاء لا يسمن ولا يغني من جوع؟ بلغة أخرى هو رجوع إلى بداية الثّمانينات حيث سكت الجميع، وبالتالي تآمر، على ضرب الحركة الإسلامية واستئصالها. أم أنّ الدّكتور المرزوقي قد تأمّل وقيّم كلّ المشاكل والتّحديات فخلص إلى أنّ مشكلته الأساسية هي الإسلام فاختزل دونها كلّ المشاكل وجادت قريحته بما جادت فأفصحت عن مرزوقي آخر غير الذي عرفنا؟ بكلّ المقاييس، ما أقبل عليه الدّكتور المرزوقي ضرب في الصّميم من حق وواجب حركة النّهضة أن تطالبه فيه بتوضيحات وأن تتخذ من المواقف والإجراءات ما يتماشى مع هذا الهجوم غير المبرّر. الأستاذ المرزوقي نعم: الإسلام هو الحل ولا حلّ في غيره وفي التّاريخ صدق ما أقول. يوم أن احتكمت الأمّة إلى الإسلام واتّخذته منهج حياة عزّت وعلى شأنها وسادت الأمم وملأت الدّنيا عدلا ورحمة ولا خلاص لأمّة الإسلام إلاّ بما خلص به أوّلها ولا عزّة لها إلاّ بما عزّ به أوّلها. تأمّل السّاحة العربيّة والإسلامية وستجد أنّ الإسلام يقاوم ويقهر أعداء الأمّة بينما تقعد القومية والاشتراكية والعلمانية وووو متفرّجة بل وتتواطأ وتخون وتغدر. أين غير الإسلام في معركة فلسطين وجنوب لبنان وأفغانستان والعراق...؟ كلمة أخيرة وأنت العروبي الأصيل: إن الرائد لا يكذب أهله، والأمين لا يخون قومه، وأخشى أن يكون تهجّمك على الإسلام واستهزاؤك به قد أوقعك في هذه المثالب ولا أحسب أنّ المرازيق يفخرون بما كتب. العربي القاسمي / سويسرا في 06.01.2010