أقمت ببلدةعربية اللسان بضع سنين،ذقت خلالها نعمة الإستبداد وتأصيلاته وهرطقات دعاته وتجلياته في حياة قبائلها وساكنتها،وكيف يتم سوق الطلبة إلى المدارس وتطعيمهم ضد جرثومة التنوع وتصوير العقل المبدع جرادا صحراويا لايبقي ولايذر .ولاتسل عن تشويه كل التيارات الفكرية على الأرض واعتبارها لعنة فرعونية،والويل كل الويل لمن يثني على غير الزعيم وفكره الأوحد ،والطريف أن هذا الفكر اختير له لون من ألوان الطبيعة المحببة للنفوس بفصل الربيع, ووجدتني كغيري أصاب برهاب هذا اللون دهرا من الزمن بسبب إلصاقه بكل الكوارث والعاهات الفكرية التي ابتليت بها تلك البلدة المظلوم أهلها, وتجرعت كغيري ألوانا من العذاب النفسي حتى كدت أنسى أن الطبيعة ملونة و أن هناك نعمة ربانية إسمها :قوس قزح... إن إحدى آثار الإستبداد ونزوعات التملك الفرعونية عند كثير من ولد آدم , خشيتهم وفزعهم حين يوجد التنوع ويميلون كل الميل على حرية الرأي والفكر ويرون الفضل كل الفضل في إلزام الناس بطريقتهم الأولى،غير أن مدد السماء ينزل ثجاجا عذبا على صحاري تلك العقول: { إناخلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا }،يسعى المتألهون إلى تحويل الناس علبا تحشى بماء آسن وإنشاء بشر آليين يرددون كالببغاء سجع الكهان فلاترى إلا مسوخا ونسخا ,مؤمنين بالتناسخ الفارسي وكأني بهم طائف أهل الجنة ..أقسموا أن يصرموها مصبحين ولايستثنون . من يهوون محو الغير يتجاهلون –قصدا- فطرة الله التي فطر الناس عليها وجذور الخلق .فالإختلاف سنة كونية حتى في عالم الأشياء : {ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء } وترى التنوع في اعتقادات الناس ومايتبنونه, فنهى أن يكرهوا على اعتناق ما تأباه نفوسهم وإن كان حقا, بل وجعل الإختلاف أحد أسرار خلقه .ففي سورة هود } ألا ترى كيف يرزق الباري ،إلا من رحم ربك ولذلك خلقهمولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين{ تعالى من ألحدوا وعصوا وكفروا ,ففصل قضية الإنعام على الناس بمايعتقدونه, فهو أدرى الخلق بالخلق, بل وقد يتمكن فريق الباطل من السيادة حين يأخذ بالسنن الكونية, ولأن الإختلاف قيمة كونية تجد قوله تعالى حاسما بينا {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ* وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخرةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } , إن هذا التنوع إما صيب طيب أو وابل يترك العلائق الإنسانية صلدا كأن لم تغن بالأمس, ماحدث من التقتيل الممنهج والأعمى عبر التاريخ حين سعت أمم لمحو أمم أخرى بدعاوي مختلفة , صنيع المغول ببغداد وتقاتل الأعراب بينهم في البسوس وداحس والغبراء, والحروب الصليبية وشعار الدين المزيف, والحروب الأهلية من إسبانيا إلى أنغولا والعراق والصومال وإيرلندا والقائمة طويلة...سعي بشري محموم لتلوين الدنيا بلون عرق واحد أو طائفة أو مجموعة فكريةواحدة.. في تحد بين لقانون السماء, إن التنوع والإنفتاح يفضح الفكر المتطرف ويذيبه فلم يستطع الفاطميون الصمود بالمغرب ومصر وحافظت على سنيتها رغم كل وسائل الترهيب, وكل الأفكار التي توسلت بالسلاح والإرهاب لتقتل غيرها انتهت إلى مقابر التاريخ غير مأسوف عليها, وإن كانت قد بقيت آثار لفرق اشتهرت بدمويتها في فترات مختلفة, لكنها انعزلت في الجبال والصحاري لكونها تدرك أن الإنفتاح يعني موتها السريري فهي لاتملك مقومات البقاء فمصدر نأتها مصانع الدم وحيث الخضرة والحية ثمة موتها, لايحتاج الفكر المتنور لجمارك تمنحه تأشيرة العبور ولا لرخصة موظف ,فسنة الله الماضية أن يشيع بين الناس ويسري عليه ناموس الكون , ول أن الإسلام كان قهرا للغير لما وجد بين ظهراني المسلمين نصراني أو يهودي أو صابئي ...والمسلمون ليسوا لونا واحدا في التعاطي مع الأزمات فأنت ترى في بعض البلدان كيف لجأت المعارضات الإسلامية للسلاح في مواجهة أنظمتها, {الصومال أنمودجا }وبعضها اختار الحكمة والسلاسة والنفس الطويل مثل تركيا فحصل لهم التمكين وتلك من عجائب التركيبة النفسية لكل شعب, فالصومالي والتركي مسلمان لكن رد فعلهما يختلف, وبالحج لمست هذا بين حجيج جنوب شرق آسيا وبين الباكستان والأفارقة العرب والسود, بين عقلية هادئة منظمة أثناء أداءالمناسك, وبين تدافع أهوج قد يودي بك إن لم تكن صاحب سواعد قوية. ويؤسفني أن ترى فريقا من الناس بإيطاليا لايؤمن إلا بسيادة منهجه داخل المسجد ويسعى دون كلل أو ملل لحمل الناس عليه فتراه يزبد ويرغي فوق المنبر متبنيا رؤية واحدة ضيقة وفهما خاصا لبعض فروع الدين وجزئياته جاعلا إياها كليات وواجبات وينسى أن المصلين متنوعوا النحل العرقية ثم يلوي عنق الخطبة ليا في شتم نظامه او مخالفيه, ولا أعجب حين أرى الناس ينفرون من تلك المساجد وتجد كثيرا من الأعاجم يبنون مساجدهم المستقلةفرارا بأرواحهم المعذبة من الإرهاب الفكري المعمم, وبالمقابل تنتصب فئة متعصبة من سياسيين محليين يتنكرون لمبادئ الحرية فيتنادون بالذوبان وضرورة أن ينسلخ الناس من عقائدهم ويتبنون وجهات نظرهم في الدين والحياة فكونك مقيما بأرضهم عليك أن تنسلخ من جذورك وهو دليل بين أن ثقافة محو الآخر لا وطن لها ولاعقيدة , وبين هؤلاءوهؤلاء تنتصب فئة من المتنورين تحاول أن تشق دربها وسط شعاب البراكين وتزرع سفوح الجبال غارسة على قممها نبتة الحرية والتنوع. إن ألق الحدائق وبهجتها كامن في اختلاف ألوانها وتأثير ذاك ان تنشأ نفسية سوية تعشق الحياة وتنظر للعالم من الباب لا من ثقبه. وختاما أورد هذه الحكاية تدليلا على مقالنا: تروي كتب الادب أن اعرابيا جلفاً وبادر - مجهداً مجتهداً – إلى أمير بقوله انت كالكلب في الوفاء *** وكالتيس في قراع الخطوب فتواثب اليه الحرس يريدون ان يضربوه على هذا القول المنكر حيث وصف الخليفة بالكلب والتيس فمنعهم الأمير بإشارة من يده وقال لجلسائه: ذروه فقد مدحنا بمايعرف , اسكنوه القصر بين حدائق وجواريه, وعاد بعد شهر منشدا : يا من حوى ورد الرياض بخده ................... و حكى قضيب الخيزران بقده دع عنك ذا السيف الذي جردته................ عيناك أمضي من مضارب حده كل السيوف قواطع إن جردت .................و حسام لحظك قاطع في غمده إن شئت تقتلني فأنت محكم.................. من ذا يعارض سيدا في عبده لله در االشاعرودر البيان , أذركم ونشوة الأبيات فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون .فقد دنت ساعة الإفراج عن قوس قزح... مع خالص المحبة والتقدير. الأستاذ . عبد الحق محمد الحبيب إكوديان