هذه الاسئلة طرحتها «الصباح» على السيدين طارق بن الحاج محمد الاخصائي في علم الاجتماع ورافع بن عاشور أستاذ القانون بالجامعة التونسية.. وقال الاول إن الفراغ القيمي الذي يعيشه المجتمع وإفراغ الوطنية من فحواها الحقيقي أديا إلى هذا الخلط في الاذهان. وتحدث الثاني عن ارتداء الرياضة جلباب السياسة ومعضلة تسييس الرياضة.. موقف.. إحساس.. وتربية في تعريفه بالوطنية قال الاخصائي في علم الاجتماع إنها «موقف وإحساس وتربية».. فهي موقف حينما يعطي الفرد الاولوية المطلقة لوطنه مهما كانت حالته على جميع الاوطان الاخرى. وهي إحساس من حيث أنها شعور غريزي بالانتماء إليه. ثم أنها تربية يتلقاها الفرد في الاسرة والمدرسة والجامعة وغيرها من مؤسسات التنشئة.. لكن أن تحصر الوطنية والاحساس بها في مباراة كرة قدم فهذا دليل على وجود مشكلة. وتعود هذه المشكلة إلى إفراغ المفهوم من مضامينه الاصلية ووضعه في إطار غير إطاره.. لان الوطنية لا تتجسم فقط في رفع علم في مباراة رياضية ولا في الذود على «المريول» بل هي إحساس قار ودائم ولا يرتبط فقط بمناسبات. كما أن الفراغ القيمي الذي يعيشه المجتمع له دور كبير في بروز هذا الخلط في الاذهان بين الوطنية بمفهومها الحقيقي والوطنية المفرغة من المحتوى.. ولئن اعتبر الاخصائي في علم الاجتماع أن ربط الوطنية في أذهان الناس بالانتصار في مباراة رياضية ناجم عن فراغ قيمي، فإن أستاذ القانون رافع بن عاشور يرجع الامر إلى «تسييس الرياضة». قال رافع بن عاشور «لقد طغت منذ مدة في عدة بلدان ومنها تونس السياسة على الرياضة سواء كانت جماعية أو فردية، وبرز ذلك خاصة في الدورات القارية والدولية والألعاب الاولمبية.. لأنه عند التتويج ترفع الاعلام.. ويبث النشيد الوطني. وأصبحت الرياضة منفذا للمزايدات السياسية بين البلدان للضغط على بعضها البعض، وخرجت بالتالي عن الفكر الاولمبي وأصبحت قضية دولة. لذلك تنفق الدولة أموالا طائلة من أجل الرياضة التي أضحت أشبه ما يكون بالنضال في المعارك العسكرية». وأضاف: «تفاقمت هذه الظاهرة في دول أكثر من أخرى واستفحلت في دول العالم الثالث لأنه ليست لها مجالات كثيرة تبرز بها على الساحة الدولية.. لا من حيث التأثير على مجريات الحياة الدولية ولا من حيث القوة العسكرية. وبالتالي لم يبق لها غير الرياضة ومجالات أخرى محدودة تبرز بها على الساحة الدولية فتجدها تحرص على الحصول على كأس أو ميدالية أو لقب وهي تنفق من أجل ذلك أموالا طائلة.. وبالنسبة للرياضيين فالمفروض أنهم يمارسون هواية وموهبة ليس إلا.. لكن تغير الأمر وأصبحت الرياضة مورد رزق يدر على البعض أموالا كثيرة لذلك لما تقع دعوة اللاعب وانتخابه في المنتخب الوطني الذي سيمثل البلاد في المحافل الدولية تسلط عليه ضغوطات أكبر من طاقته، وإذا لم يقم بدوره على الوجه المطلوب تكال له اتهامات شتى كالتخلي عن الواجب الوطني وعدم الدفاع عن الراية وكأنه جندي فر من ساحة الحرب. وقال السيد رافع بن عاشور إن الرياضة مدعوة للتخلص من طغيان السياسة عليها.. لان الفريق حينما يربح كأسا والعداء الذي يحرز ميدالية ليس في ذلك أية علاقة بالدفاع عن الوطن واستقلاله وسيادته. كما لاحظ أن الرياضة في مثل هذه المناسبات أضحت تمثل خطرا على العلاقات الدولية ولعل أبرز مثال على ذلك ما حدث مؤخرا بين الجزائر ومصر. وبيّن السيد رافع بن عاشور أن الإعلام وخاصة التلفزيون يتحمل مسؤولية كبيرة في التلاعب بمشاعر الجماهير وأكد على أن تسييس الرياضة لا ينفع الرياضة بل يضرها.. ودعا المسؤولين عن القطاع الرياضي والرياضيين والإعلاميين إلى إرجاع الرياضة إلى إطارها الحقيقي القائم على مبادئ الفكر الاولمبي الصحيح وهو تنمية الطاقات البدنية والتعارف بين الرياضيين و بين الشعوب حتى يحب بعضهم البعض.. فكرة القدم «لعبة لا أكثر ولا أقل ولا علاقة لها بالسيادة». وفي المقابل أشار طارق بن الحاج محمد إلى أن مقدمي البرامج فعلوا ذلك من منطلق الغيرة على الوطن وهذه الغيرة شعور نبيل ومن حقهم أن يحسوا مثل هذا الإحساس ولا يمكن تجريمهم عليه.