إهانة السفير التركي في إسرائيل.. ثم تقديم اعتذار لتركيا.. فاستقبال لوزير الدفاع الإسرائيلي في أنقرة.. ثلاثة مشاهد وقعت في أسبوع واحد، بدأت متصاعدة بأشد أزمة سياسية بين الجانبين ثم انتهت إلى محاولة لتحسين العلاقات، كثرت واختلفت حولها التفسيرات لحقيقة ومستقبل العلاقات بين أنقرة وتل أبيب اللتين ما تخرجان من أزمة حتى تبدآن أخرى. وفيما فسر ذلك خبير تركي ل"إسلام أون لاين.نت" بأنه مجرد "استهلاك إقليمي" تغطي به تركيا على مشاكلها الداخلية وتسعى به لكسب ود جيرانها العرب، أكد مسئول بالحزب الحاكم في تركيا على أنه "علامة على انتهاء عصر العلاقات الذهبية غير المشروطة بين الجانبين بعد ظهور تركيا الجديدة التي باتت تدرك أن لها جيراناً آخرين غير إسرائيل في المنطقة يستحقون أن توليهم اهتماماً". ورغم المتابعة الإعلامية الضخمة لكل أزمة تنشب بين الحين والآخر خلال العام الأخير بين تركيا وإسرائيل فإن الكاتب السياسي التركي فايق بولوت يرى أن العلاقات بينهما "أعمق من أن تتفاقم"؛ فهي قد تفتر أحيانا بسبب سياسة إسرائيل "الحمقاء" خاصةً بعد مجيء وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيجدور ليبرلمان، لكنه من المستبعد "قطعها". وفي حديث مع "إسلام أون لاين.نت"، قال بولوت: "إذا تم عزل ليبرمان ونائبه داني أيالون (الذي أعد الاستقبال المهين للسفير التركي الإثنين قبل الماضي)، فأعتقد أن قادة الحكومة الإسرائيلية تريد بذلك توصيل رسالة تتضمن تحسين العلاقات مع تركيا"، مؤكدا أن "العلاقات بين تل أبيب وأنقرة لن تقطع إلا إذا مارسات إسرائيل ممارسات غاية في الحماقة". ولم يبدو أن وزير الجيش الإسرائيلي، إيهود باراك، حقق خلال زيارته لأنقرة الأحد 17-1-2010 أهدافه من الزيارة، فقد رفضت تركيا طلبه باستضافة مفاوضات مباشرة بين إسرائيل وسوريا، كما لم يعلن عن التوصل إلى مشاركة إسرائيل في مناورات نسر الأناضول الجوية التي ألغت تركيا مشاركتها فيها أكتوبر الماضي ما تسبب في أزمة بينهما، وإن اتفقا على أن تعلن تركيا عن أسماء الدول المشاركة فيها قبل إجرائها بوقت كاف "لغلق الباب أمام سوء الفهم بين الجانبين". كذلك لم يستقبل كل من الرئيس التركي، عبد الله جول، ورئيس وزرائه رجب طيب أردوغان، باراك؛ رداً على الإهانة التي تعرض لها السفير التركي بإسرائيل حين أقعده داني أيالون على مقعد منخفض ورفض مصافحته وتقديم واجب الضيافة له، وذلك رغم الاعتذار الرسمي المكتوب الذي أرسلته إسرائيل إلى تركيا. الداخل والخارج ورأى فايق بولوت أن التوتر الإسرائيلي التركي الأخير يعد "استهلاكا إقليميا" استغلته تركيا للتغطية على مشاكل داخلية من ناحية، وتحسين العلاقات مع الدول المجاورة من ناحية أخرى. ودلل على ذلك بأن: 1- تركيا تريد أن تمارس سياسة شعبوية، تغطي من خلالها علي الأزمات الداخلية مثل الإضرابات، والبطالة، ومشكلة الأكراد. فهي بذلك تستغل الأجندة الخارجية؛ كي تصف الشارع التركي في صفها. 2- تحسين العلاقات مع الدول المجاورة العربية والإسلامية، فهي تعزف بنغمة الجماهير العربية والإسلامية، ومن خلالها توصل رسائل معينة؛ كي تتقوى بالدول المجاورة. 3- الدوافع الدينية، فهي رغم علاقتها مع إسرائيل، تهتم الحكومة التركية الحالية بخلفيتها الدينية الإسلامية، كما أنها تؤمن بأنها وريثة التقليد العثماني حتى اشتهر عن كثير من أفرادها صفة العثمانيين الجدد. وجعلت هذه الأزمة -بحسب الخبير- وسائل الإعلام تتوحد مع الحكومة التي يعارضها نحو 50% من الشعب. وفي رأي الخبير التركي فإن تفاقم العلاقات بين أنقرة وتل أبيب لا يمكن أن يتم من جانب واحد؛ لأن علاقة الجانبين ليست "ثنائية". وأوضح قصده بأن "العلاقة رباعية وأطرافها هم: تركيا، إسرائيل، الولاياتالمتحدة، الحلف الأطلسي (الناتو).. وتركيا لا تستطيع أن تقطع علاقتها مع إسرائيل بدون مشاورة الولاياتالمتحدة والأطلسي". "ولَّى وانتهى" غير أن وجهة نظر بولوت لا يتفق معها سياسي ذو منصب رفيع داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم هو النائب البرلماني سيوت كينكيلوغلو، مساعد رئيس العلاقات الخارجية في الحزب، الذي قال في مقال نشرته صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية، إن على إسرائيل أن تعتاد على ما سماها "تركيا الجديدة"، في ظل ما وصفه بالتناطح غير المستغرب بين الدولتين، خاصة حول الشأن الفلسطيني. وأضاف أن تركيا ستبقي على نهجها ما لم يتخلص أهل غزة من حصارهم، وما لم تقم إسرائيل بتجميد فوري لبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مضيفا أنه "لا سلام مع إسرائيل ما لم تنته وتكف عن سياساتها العدوانية للفلسطينيين". وعن تأثير علاقة بلاده مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي بعلاقتها مع إسرائيل قال كينكيلوغلو إن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي "يدركان جيدا الدور التركي الحيوي الجديد في المنطقة، ويدركان جيدا أيضا أنه بات على الغرب التعامل مع تركيا وفق ذلك الأساس". وأضاف: "بعض دول أوروبا وإسرائيل ربما لم تزل غير مدركة للوضع التركي في الشرق الأوسط، فتركيا عدلت سياساتها الخارجية، وباتت تلعب دورا جديدا في المنطقة يتخذ صفة الديمومة، لا محالة". وبحسب المسئول التركي فإن "الوضع الذهبي الذي حظيت به إسرائيل في المنطقة في تسعينيات القرن الماضي قد ولى وانتهى، ولن يتكرر حتى لو خرج حزب العدالة والتنمية من سدة الحكم في تركيا". ومضى كينكيلوغلو يقول: "السياسة التركية الأصلية تقوم على دمج تركيا مع جيرانها في الشرق الأوسط، وعلى أنها أحد أعضاء مجموعة العشرين، وأنها عضو غير دائم في مجلس الأمن (الأعضاء غير الدائمين الآخرين في مجلس الأمن هم اليابان والنمسا والمكسيك للعامين 2009 و2010)، وكونها مستمرة في سعيها للانضمام للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى دورها المؤثر في الساحات الدولية المختلفة". وبرزت أولى ملامح الأزمة بين تركيا وإسرائيل يوم 30-1-2009 من خلال الموقف الشهير لأردوغان حين انسحب من جلسة جمعته بالرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز، في مؤتمر دافوس الاقتصادي بسويسرا؛ احتجاجا على عدم إعطائه الوقت الكافي للرد على كلمة بيريز بشأن عدوان إسرائيل على غزة. وتوترت العلاقات بشكل أكبر العام الماضي عندما منعت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) إسرائيل من المشاركة في مناورة "نسر الأناضول" العسكرية التابعة للحلف، وأرجع أردوغان هذا الموقف إلى القلق العام بشأن العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة.