دعا فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم") إلى الاحتكام إلى قانون واضح في معاملة السجناء من أجل احترام إنسانيتهم. مؤكدًا أن ضبط أوضاع السجناء وحفظ حقوقهم ورعايتها مما يحفظ السجن ويجعله يؤدي دوره فعلاً، وأنّ شدّة العقاب أو التعذيب وطول السجن ربما لا ينفع مع النفوس الكريمة، وإنّما ينفعها الكرم والتسامح والعفو. وأوضح فضيلته، في حلقة أمس الجمعة من برنامج "الحياة كلمة" والتي جاءت بعنوان "سجناء"، أنّ الفقهاء اتفقوا على إمكانية إقامة السجون والحاجة إليها، لكنّهم اختلفوا في المدة التي يقضيها السجين في الحبس فبعضهم يقول يومًا، وبعضهم يقول يومين، وبعضهم قال أسبوعًا، وبعضهم قال شهرًا، وبعضهم قال ليس لها حد. وقال الشيخ سلمان العودة: أنا أفهم من هذا الخلاف الفقهي أنّ ذلك يدعو إلى أن تكون عملية السجن عملية قانونية بمعنى أن تكون عملية منضبطة، ففي بعض البلاد ليس هناك قانون يحكم السجن، فقد يسجن الشخص وأمره إلى المسئول، وإن هذا المسئول يتأثر بالظروف، أو الضغوط والأوضاع المختلفة داخل المجتمع، وقد ينشغل، وينسى.. لكن لما يكون هناك نظام يحتكم إليه بحيث لا يمكن أن يَمْكُث السجين أكثر من أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين دون محاكمة يخرج بالكفالة، وهناك وسائل لإمكانية السيطرة عليه، أما إذا حوكم بموجب حكم صحيح فهنا يخضع لهذا الحكم إلا أن يعفو أو يتجاوز عنه. لبّ الحقوق وأكّد فضيلته أن لبّ حقوق السجين هو احترام إنسانيته، فهناك قوانين تتعلق- مثلاً- بالاعتبارات الإنسانية وما يتعلق بالثقافة، بالتعلّم ومواصلة التعليم، قراءة الكتب، الاطلاع على الأخبار، على الجرائد.. إلى آخرها، وكذلك ما يتعلق بالغذاء الطيب، والرعاية الصحية، وما يتعلق بالزيارة والعلاقة بالأسرة والاطمئنان عليها. موضحًا أنّ القصة أولاً عبارة عن أنظمة وقوانين صارمة ولوائح واضحة ينبغي أن يُعرّف بها السجين، فهناك دول تقرأ على السجين حقوقه، ويقولون حقوقك واحد اثنان ثلاثة أربعة، بحيث يستطيع أن يُطالِب ويتمسك بها. وهناك ناحية أخرى وهي تدريب وتأهيل الذين يتعاملون مع السجين؛ لأنه من ملاحظتي ومن زيارتنا القسم المثالِي في سجن بريدة ومن تجربتي أنه أحيانًا أجد المشكلة أن الذي يتعامل مع السجين كثيرًا ما يتعامل معه كمجرّد رقم وفي حدود كلمة سجين، ولا يجد مشكلة في أن يخطئ على هذا السجين أو يحتقره أو أن ينظر إليه شذرًا، وهناك علاقة ثنائية يمكن أن يوصل إليه هذا الضرر حتى لو لم يكن رسميًا أو قانونيًا لكنه يحدث من الناس الذي يتعاملون مع السجين بشكل مباشر؛ لأنه يقول (هذا سجين!) وذلك في نظره أنّه مجرم مع أنه قد لا يكون كذلك". وأكّد الدكتور سلمان العودة أنّ "الإسلام جاء ليحفظ حقوق الإنسان لذلك يقول الفقهاء إن الإنسان مسلَّط على نفسه وعلى ماله، فالأصل أن الإنسان حرّ في نفسه وماله وولده وليس لأحد عليه رقيب أو سلطان إلا بموجب الشريعة". وأضاف العودة: "في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يكن هناك سجن بالمعنى الصحيح، لكن كان هناك لحاق الغريم بغريمه، كان هناك القيد أحيانًا مؤقتًا بالمسجد مثل قصة ثُمامة بن أثال وهي في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: رَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِن سَوَارِي الْمَسْجِدِ فخرَج إليه رسول اللّه-صلى الله عليه وسلم- فقال: "ماذا عندكَ يا ثُمامة". فقال: عندي يا محمد خيرٌ؛ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِم تُنْعِمْ على شَاكِرٍ، وإن كُنْتَ تُرِيدُ المالَ فَسَلْ تُعْطَ منه ما شِئْتَ. في اليوم الثالث قال رَسُولُ الله- صلى الله عليه وسلم- "أطلِقوا ثُمَامَةَ". فانطلق إلى نخلٍ قريبٍ من المسجدِ فاغتسَل ثُمَّ دخَل المسجدَ فقال: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أَنَّ محمدًا عبدُه ورسوله".
السجن الواسع وأوضح الشيخ سلمان أنّه يوجد معنى أوسع للسجن؛ لأن السجن قَيْد، "فهناك المرأة التي في بيتها وهي محرومة من حقوقها عند زوج يظلمها ويبخسها حقها ويجور عليها، هذا نوع من السجن، وهناك الفتاة المحرومة من حقها في الزواج والتي يصرف وليُّها عنها الخطّابَ بسبب وبغير سبب طمعًا في مالها أو تحكمًا أو لخدمته، هذا نوع من السجن". وأشار إلى أنّه يوجد الكثير من الناس الذين يعيشون مثل هذه السجون، وهناك ما نعبّر عنه بالسجن الواسع ففي بلد مثل غزة مليون ونصف مليون سجين من خلال هذا السجن الكبير الذي ساهمت فيه إسرائيل بدرجة أساسية لكن حتى دول الجوار أصبحت تقيم الجدران العازلة التي تساهم في خَنْق هذا الشريط وفي مأساة كارثية لمليون ونصف مليون إنسان من النساء والأطفال والشيوخ وغيرهم. ولفت فضيلته إلى أن هناك نوعًا آخر من السجن وهو "السجن الفكري"، مؤكدًا أنّ هذا مشكلة كبيرة "فكثير من الناس يحملون أثقالاً وأغلالاً في عقولهم في عجزهم عن الاستيعاب، والعجز عن الفهم، العجز عن التجدُّد من خلال القيود والسجون الفكرية التي يحملونها، وأذكر أن أحد الحكماء كان يقول: "إنّ أقسى السجون هي تلك السجون التي لا جدران لها".