دأبت الحركات الإسلامية في العالم العربي و الإسلامي و بكل شقوقها و ألوان طيفها المذهبي و الإيديولوجي و الفكري على نقد الآخر وتكفيره إذا تطلبّ الأمر . فالآخر في عرفها خارج عن الإسلام شكلا ومضمونا , و لذلك وجهت هذه الحركات سهامها إلى الحركات السياسية و الفكرية و الثقافية التي لا ترتكز في رؤيتها على الإسلام , و قد نالت التيارات العلمانية قسطا وافرا من سهام تلك الحركات التي وضعت نفسها في موقع الممثل الشرعي و الوحيد للإسلام , فهي وحدها تملك فهم نصّه و آليات إسقاط هذا النص على الواقع , و لها وحدها حق تصنيف الناس بين مؤمن و كافر , بين موحّد ومشرك .. وعلى الرغم من أن هذه الحركات قد دخلت في صراعات وحروب داخلية فيما بينها و لجأت إلى تكفير الآخر الذي يدين بهذا المذهب أو ذاك , إلا أنها لم تتجرأ على محاكمة نفسها وتقييم مسارها و أدائها السياسي والثقافي و الفكري و هي بذلك كانت تنفذّ حذو القدة بالقدة ما قاله الزعيم الصيني ماو تسي تونج : "علينا أن نرفض كل ما يقبله العدو، وأن نقبل كل ما يرفضه العدو"! . و من أهم أسباب تراكم الأخطاء في العالم الإسلامي و داخل الحركات الإسلامية على وجه التحديد هو عدم إجراء مراجعة نقدية لمسار حركات الإسلام السياسي ,فكل الحركات مقدسة , و كل الحركات ربانية , و كل الحركات تأسست لملأ الأرض عدلا وقسطا , و تهدف لأن تكون بديلا عن النظم العلمانية العسكرية الفاشلة ..وقد أوقع مبدأ الغرور و تمثيل السماء و الإدعاء بأن هذه الحركات إمتداد للوحي و حركة النبوة – وهذا زعم تتقاسمه كل الحركات الإسلامية و المستندة إلى كل المذاهب الإسلامية – في تراكم الأخطاء و التي بدورها أفضت إلى تحولت هذه الحركات إلى جثت ضخمة بدون بصيرة عقلية و بدون وعي ونضج فكري وثقافي يعقلن مسارها ..وقد أدركت الأجهزة المتلاعبة بالتناقضات الإجتماعية هذه الحقيقة في الحركات الإسلامية فراحت تسخرّها لمشاريعها الراهنة و المستقبلية و رسمت لها مسارات تحركت وفقها , مستغلة عدم قدرتها على نقد الأداء الذي يجنبها الوقوع في هذا الفخ أو ذاك .. فربّ حركة إسلامية رسم لها مسار السير فسقطت في الهاوية و هي تدعّي أنها أنتجت النصر الرباني , و ربّ حركة ضخمت من قبل ماكنة إعلامية متربصة فأحدثث شروخا في المشهد الإجتماعي تبددت بموجبه قوى المعارضة بالكامل , ومع ذلك تدعيّ أنها أنتجت الوعد المقدس .. لقد وقعت الحركات الإسلامية في نفس الأخطاء السلطوية التي نددت بها في بداية تأسيسها , فقد نددت بالسلطوية و الديكتاتورية فأصبح قادة الحركات الإسلامية أربابا من دون الله يديريون جماعاتهم من المهد وإلى اللحد , ونددت بسرقة المال العام فأصبح أمراء هذه الحركات و حواشيهم يتلاعبون بالمال العام المجبى من هنا وهناك بطريقة شرعية وغير شرعية , بالزكاة أو بالخمس لا فرق , ونددت هذه الحركات بالجهل المطبق الذي يميز الحاكم العربي , ونفذت مبدأ توظيف وتوزيع المناصب على الحمقى و الجهلاء على قاعدة الإخلاص أولا , لأن الثقافة تجلب المحن والبلاء .. فما هو الفرق بين حركة فتح وحماس , و ما هو الفرق بين أمبراطوورية الراحل ياسر عرفات المالية , و أمبراطورية حماس المالية , فحركة فتح عندما تلتقي مسؤولين غربيين يعتبر ذلك عمالة وخيانة , و عندما يلتقي قادة حماس مسؤولين غربيين يعد ذلك نضالا ومقاومة .. وقتل حركة فتح لعناصر من حماس يعد كفرا , و قتل حماس لعناصر إسلامية متشددة في غزة يعتبر فتحا مبينا و نصرا من الله العزيز الجبّار .. لقد كانت الحركات الإسلامية تعيب على الحاكم العربي إقدامه على حب الدنيا و إرساله لأولاده لإكمال دراستهم في الغرب , و معظم قادة الحركات الإسلامية يتجنبون الذهاب إلى جبهات الجهاد , ويوفدون أولادهم إلى الغرب لإكمال الدراسات العليا , فيما الراغبون في الجنة من أبناء المستضعفين فليسعوا إلى ملاقاة الحور .. وتعيب الحركات الإسلامية على النظم الوضعية تأسيسها لأجهزة أمنية قوية , و هي تملك أجهزة أمنية تحصي حتى على الأتباع أنفساهم وتراقب حتى دخولهم إلى المراحيض ... لكن هل يكفي قرن هذه الحركات عنوانها السياسي بالإسلام , ليصبح كل شيئ لها مباحا, و لتصبح معصومة بعيدة عن الجرح و النقد والتعديل ؟ لقد أدى تضخم هذه الحركات و إنتفاخها إلى تساهلها مع المعصية السياسية و الذنب الإجتماعي , و أصابها بعناد فتاك زاد في تعقيد المنتظم السياسي و الإجتماعي . و ما دامت غير راغبة في مراجعة الذات ونقد الأداء السياسي و تحديث المشرب الفكري فسوف تزداد تضخما ثمّ تنفجر تلقائيا لتكون وبالا على الإسلام و عبئا على الحضارة الإسلامية , و تضاف إلى القائمة الطويلة للحركات الإسلامية التي ظهرت منذ عصر الفرق و إلى يومنا هذا ...