لا بدّ أن أعتذر في بداية هذا الجزء الثاني والأخير من مقال "يحبّ يكسّر" لأخواتي الحرائر التونسيات أصحاب الحقّ في حلق الوادي، أولئك المستهدفين من قِبل المتيّم ب"التكسير" والهدم... فإنّ حرفي لم يرتق إلى حرفهم ولا كلماتي إلى كلماتهم... ولكنّي أردت بذل الوسع من أجل إنعاش التفاعل معهم، فلعلّ الخبر لم يحظ بما يجب أن يحظى به، ولعلّ ترديده يزيد من عدد السامعين والمهتمّين فيقع تثمين ما قامت بنشره "كلمة" مشكورة، فيُعمد إلى ثني الظالم عن ظلمه أو الشاذّ عن شذوذه؛ وقد رأيت حبّ الهدم والتكسير من أخطر أنواع الشذوذ!... وسوف أتوقّف اليوم عند بعض النّقاط، عسى من يهمّه الأمر أن يفحصها فيسمع أهلنا من خلالها فيسعى إلى إصلاح ما فسد ويسعى إلى عدم تكرار ما يُفسد!...
راهو قهر كبير [لقد طفح الكيل، فالقهر كبير لا يُحتمل]:
كلمات صريحة جريئة وصادقة اتّفق عليها كلّ الذين ظهروا في الشريط تصريحا كما في العنوان أعلاه أو تلميحا كما في الدموع الساخنة التي غلبت الرّجل الذي يقصّ قصّة ماسح بطون الحوامل - شلّ الله يديه -، مفادها أنّه لم يعد بالإمكان تحمّل الظلم المسلّط على النّاس!.. الفساد الذي ليس آخره تهديم البيوت على رؤوس أصحابها!.. مفادها أيضا أنّ النضج - الذي حكى عنه الرّئيس المستلم الحكم سنة 1987 – لدى المواطنين قد بات حقيقة لا منازعة فيها؛ فأخواتي قد ناقشوا في حديثهم الكثير من الشعارات المرفوعة منها على سبيل الذكر لا الحصر: "لا ظلم بعد اليوم"، "دولة القانون والمؤسّسات"، "قدسية القانون"، وهذا يعني أنّ النّاس قد بدأوا يحاسبون الخطيب ويسائلونه عمّا جاء في خطبه، فهُم منتبهون لكلّ كلمة ينطقها؛ وعليه إذن أن يتحوّط من الآن فصاعدا للسانه فلا يقول إلاّ ما يقدر على إنجازه وفعله.. ويعني كذلك أنّ استعمالات "دولة القانون" قد حرّضت النّاس على قراءة القانون وفقهه، وعليه فقد لا يسمح لشيء أن يحدث خارج القانون (نتمنّى ونسأل الله ذلك)، فقد قالت أختنا المتحدّثة الأولى أنّ لديها مكانا آخر للسكن ولكن على هذا المغرم بالهدم والتكسير أن يُريَها ما يسوّغ له ذلك الهدم؛ لاسيّما وهي تعلم أنّ السبب المعتمد للهدم سبب واهٍ وأنّ الحكم القضائي في قضية الهدم حكم مساند لها ولجيرانها!.. فمن أين جاء هذا المتيّم بالهدم وكيف له سَوْق "القوّة العامّة"؟!... وكيف ل"قوّة عامّة" أن تكون عامّة إذا كانت مسخّرة لخدمة جهة خاصّة؟!...وكيف ل"قوّة عامّة أو خاصّة أو استثنائية" أن تتجاوز القضاء؟!.. وهل يمكن - إذا تجاوزت هذه القوّة القضاء - لأيّ كان في البلاد مهما علا شأنه أن يتحدّث عن القضاء ناهيك باستقلاليته؟!...
مانيشي مسلّمة لآخر دقيقة!... ما انسلّمش فيها ودمّي يجري فيها!...[سأظلّ صامدة حتّى آخر رمق من حياتي.... لن أتنازل عن داري ولو كلّفني ذلك حياتي!..]:
الحديث هنا عن المنازل (الدّيار) التي يُراد هدمها و"تكسيرها"... والحديث لا بدّ أن يثمّنه كلّ غيور على أرضه وعرضه... ويثمّنه كلّ الذين أخذوا على عاتقهم الدّفاع عن الحرمات... ويثمّنه كلّ المؤمنين الذين يفقهون الحديث الصحيح القائل: "من قُتِل دون ماله فهو شهيد"، والبيت أو المنزل من أرفع أصناف الأموال: ففيه السكن وفيه تُحفظ العورات وتُصان الأعراض ويؤمَن الخوف ويُجتنب الحرُّ والقرُّ إلى غير ذلك من المنافع التي لا ينكرها أو يستغني عنها أحد... فلزاما على التونسيات والتونسيين نبذ الظلم والظُلاّم (بضمّ الظاء) و"أبناء الحرام" ومحاربته ومحاربتهم بكلّ ما يملكون... وإذا كانت إحدى أخواتي قد طالبت بما يثبت إقرار الهدم، فيما يشبه الاكتفاء به لتمريره، فإنّ واجب وليّ الأمر – فيما أرى – لا يمكن أن يتوقّف عند إصدار الهدم، بل يجب عليه – حتّى مع تأكّد المصلحة العامّة التي تستدعي الهدم – أن يتبع مراحل إجباريّة لا بدّ منها: لعلّ منها التوجّه بخطاب استرضاء لمن يهمّه الأمر مع بيان السبب والمصلحة العامّة المحتّمة للهدم (طريق عام لا يمكن أن يمرّ إلاّ من تلك النّاحية... وجود مصانع تبيّن إضرارها بالمواطنين القاطنين بجوارها... إقامة خطوط دفاعيّة أو مصالح استراتيجية لا يمكن أن تكون إلاّ في تلك المنطقة...إلخ). واقتراح المكان البديل أو الأصلح والأعدل دعوة المعني بالأمر إلى اختيار المكان البديل. وبناء مساكن مطابقة للتي يُراد هدمها أو أحسن منها. ثمّ الترحيل إلى المسكن الجاهز المجهّز. وأخيرا الهدم... فهذه مراحل ضرورية لكلّ من احترم نفسه واحترم مواطنيه وخاف ربّه!... أمّا أن يأتي الهدم مستبقا كلّ هذه المراحل وغيرها ممّا أغفلت؛ فهذا ما لا يقترفه إلاّ مستهتر بالدين والقيم والإنسان – وإن تبجّح بحبّ الوطن –، ظالم، لامسؤول، لاإنساني، غير حضاري!...
تمزيق العلم
تمزيق رمز البلاد هو أكبر دليل على أنّ الذي يريد الهدم "هدم منازل حيّ البراطل" لا ينتمي للتشكيلة التونسية... ومع ذلك فقد قام هو وأمثاله بالأمس واليوم وغدا (إن كان لليوم غد) بحشر الذين احتضنوا العَلم ودرّبوا على احترامه وعلى حبّه وعلى فدائه في قوائم طويلة لل"مفسدين" الذين منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر... ولقد رأيت التونسين والتونسيات قد انكمشوا ولم يخرجوا في الشوارع يطالبون باسترداد أبنائهم المخطوفين والمسجونين والمقتّلين فجرّؤوا بذلك عليهم "الوطنيين" حتّى طالوهم في بيوتهم بجرّافاتهم شقيقة الجرّافات الإسرائيلية تهدم بيوتهم كما تهدم تلك بغيظ وحمق شديدين بيوت المقدسيين والفلسطينيين العزّل!...
الهدم والحجاب
ما يلفت الانتباه في الشريطين اللذين تابعتهما، هو الحجاب!.. فكلّ النسوة إلاّ واحدة أو اثنتين متحجّبات!... فهل أنّ الهدم إذن هو للتنقيب عن الحجاب؟!... أم أنّه للثأر من "بوبرطلّة" (كناية عن المستعمر) لوجود شبهة في اسم الحيّ (البرطال)!... أيّ كان السبب الظاهر أو الخفيّ فإنّ منزلا فيه حجاب قد يهدم!... ولكن لن يهدم بإذن الله بلد ناصر أهله ربّا عزيزا حكيما شرع للمرأة فيه الحجاب، فقالت بثبات أسّسه الإيمان الصادق: لن أتنازل عن داري ولو كلّفني ذلك حياتي!...
مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=4356&t="يحبّ يكسّر" الجزء الثاني والأخير&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"