الحبّ إذا احتفل بحرفيه فكان بحكمةٍ حسب حائه وكان ببرٍّ حسب بائه كان أمرا محمودا، وكانت غاياته ونتائجه محمودة كذلك... فقيمة الحبّ - حبّ الوالدين وحبّ الزوجة والأبناء وحبّ الأهل والنّاس وقبل ذلك حبّ ما افترض الله على عباده وحبّ النوافل التي بها يجد العبد الطريق إلى التقرّب من الله سبحانه وتعالى وإلى حيازة حبّه الذي به يُوضع له القبول في الأرض فيحبّه النّاس - قيمة رفيعة!... وببعض التدقيق يمكن القول أنّ الحبّ عمل فيه الصالح وفيه غير ذلك تماما كبقيّة الأعمال الأخرى!.. بل لعلّه يكون العمل التحضيري الذي بصلاحه يصلح العمل (وإنّما يصلح بحسن الوجهة والاختتيار: اختيار المحبوب)، وبفساده يفسد العمل (وإنّما يفسد ببشاعة الوجهة والاختيار: اختيار المحبوب)!... وقد أماطت "كلمة التونسية" يوم 7 فيفري 2010، اللثام عن "آدميّ" توجّه حبّه إلى التكسير والهدم!... فقد روت تلك المرأة التونسية الحرّة - القاطنة بحيّ البراطل التابع لمعتمديّة حلق الوادي (أحواز العاصمة التوسية)، في شريط فيديو أبرزته صحيفة تونس نيوز الصادرة يوم 8 فيفري - أنّ تقدّم أبيها في السنّ وتعكّر حالته الصحّية وصعوبة ظروفه الاجتماعيّة وحراجة الفترة الزمنية (فصل الشتاء) وتأكيدات السيّد الرّئيس على أنْ "لا ظلم بعد اليوم"، واستصدار حكم قضائي ببطلان الإخلاء وهدم منزلها ومنازل سبع عشرة عائلة أخرى من ذات الحيّ، لم يثن كلّ ذلك؛ ذلك "الآدمي" المتمثّل في ما أسموه "القوّة العامّة" عن الاستجابة لحبّه الذي وصل به درجة الهيام والعشق المعمي للأبصار والبصائر... فقد كان يزمجر بجنون: "أخرجوا... نحبّ نكسّر"!... طيّب وأين نذهب؟!... ما يهمّنيش؛ نحبّ نكسّر!... وفي غمرة هيستيريا الحبّ يمزّق "القوّة العامّة" العلم المفدّى - رمز البلاد - لأنّهم سامحهم الله قد استخدموه للحيلولة بينه وبين محبوبه؛ وقد سمعوه يردّد بوضوح "نحبّ نكسّر" وما سمعوه أبدا يردّد "نحبّ العلم"!..
- كنت أحسب أنّه يمكنني الاطمئنان في بلدي، في ظلّ دولة القانون والمؤسّسات – تقول المرأة المعتدى عليها وعلى أهلها ومنزلها - ولكنّ ذلك كلّه تبخّر مع "القوّة العامّة" الحريصة على الهدم... هذي داري... هذا حقّي!... صرت أرى نفسي غير تونسية، إذ لا يعقل أن يُعامل التونسي بهذه الطريقة الهمجيّة الفضّة الغليظة... لا بدّ أن يصل صوتي إلى سيادة الرّئيس، فقد بتنا مهدّدين في أمننا ومعيشتنا، وبتنا مستهدفين من طرف أناس لا يرقبون فينا إلاّ ولا ذمّة... إنّه (البيت) مسقط رأسي!.. ولن أغادره أبدا (هاذيكا داري ومانيش متحرّكة منها بالكلّ بالكلّ)!..
- أريد أن أعرف؛ أنحن توانسة أم لا!... تساءلت المرأة الثانية بمرارة... يقولون إنّها آئلة للسقوط، ولكنّ المهندس والقضاء قالا غير ذلك؛ فهي غير آئلة للسقوط. فلماذا الهدم إذن ولماذا يخرجونا من ديارنا وإلى أين نذهب؟!... ضربوني على حنكي (دقنونتي)... ليس عندنا مشاكل مع أيّ كان... أولادي حسان الخلق بشهادة الجيران... فلماذا يقع إخراجنا من بيوتنا (أيدينا على روسنا) كالمجرمين؟!.. لم يعد بوسعنا أن نثق في حاكم بلادنا!.. إذ كيف نثق به وقد هجم علينا بكلابه يخرجنا من بيوتنا بدون موجب حقّ، وقد آذانا واعتدى علينا بالكلام الفاحش والضرب والهدم والرمي في العراء!... (توّ ما عادش عندي ثيقة في الحاكم... كلام كبير وكلام ما يتقالش!).. هذا ليس معقولا!.. نحن توانسة!.. ليسنا مجرمين!.. ليسنا قتلة (ماناش عاملين حاجات خارجة على الموضوع... ماناش مجرمين قتّالة أرواح)!..نحن منتجون نعمل بانتظام ونحمد الله على نعمه!.. لم يجُل بخاطري أن يقوم أربعة رجال بسحل امرأة فاقدة الدعم... لو كان أولادي حاضرين لسقط ضحيّة من هذا الجانب أو من ذاك (جاب ربّي أولادي في الخدمة وإلاّ راهي طاحت روح)!... تصوّروا أنّ ابن الجيران – رحم الله والديه - تدخّل بالقول: "اتركوا سبيلها لماذا هذا التصرّف!"، فجوبه المسكين "من أنت حتّى تتدخّل فيما لا يعنيك، احملوه إلى المركز!" (أشكونك أنت!!! هزّوه للمركز!!)...
تقول كما قالت جارتها الأولى: لن أترك بيتي ولو مشوا بزناجيرهم على جثّتي!.. (ما انسلّم فيها ودمّي يجري فيها)، ثمّ تعقّب: كنّا موحّدين فصرنا متفرّقين متدابرين متنافرين!... ثمّ تتوجّه إليهم وهم "غائبون": أخرجونا من ديارنا!.. أطردونا من بلادنا!.. ابقوا أنتم فيها!... خذوها!... ولكن أخرجونا إلى مكان نعيش فيه بكرامة!...
- تداول الرّجل وزوجه في العائلة الثالثة على الكلام: قالت: ما الذي فعلنا حتّى نُعامل بهذه القسوة؟!.. معاملة كلاب!... نحن في تونس وتوانسة!... قانون!!! أثمّة قانون؟!.. ثمّة ربّي فقط وهو الوحيد القادر على إظهار حقّنا!... قال: المرأة حامل؛ ولكنّهم مع ذلك سحلوها (المرا حبلى كركروها)... نبّهتهم: إنّها حبلى!... جاء الجواب: آه إنّها حبلى؛ وطفق يمرّر يده على بطنها يقول: حبلى!... حبلى!.. انقطع الرّجل عن الكلام وطفق يبكي مغلوبا مقهورا ويد الفاسق لا تغادر عينيه يمرّرها على بطن زوجه!!!... قلت وأنا أشاهد المقطع وأكتبه: شلّت يدا هذا الكلب ولعنه الله!...
يتبع بإذن الله...
عبدالحميد العدّاسي الدّانمارك في 14 فيفري 2010 مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=4324&t="يحبّ يكسّر"&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"