الاستهلال: قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}[سورة إبراهيم: 28] المراد ب{نِعْمَتَ اللَّهِ} هنا الرسول عليه الصلاة والسلام كما قال أكثر المفسرين, ولا غرو فقد أطلق الله وصف "نعمة" على الأنبياء باعتبار أنهم كذلك -عليهم صلوات الله وسلامه- فقال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِين} [سورة المائدة :20] فعد الله بعثة الأنبياء نعمة على أقوامهم , فالرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الاعتباربل بكل المقاييس نعمة نحمد الله عليها وقال -جل شأنه- {... وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } وهذا تحقير للدنيا، والمراد برحمة ربك هنا النبوة. { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [سورة الأنبياء: 107] 1- وجوب طاعة النبي -صلوات الله وسلامه عليه- والمراد بها. ورد الأمر الصريح في القرآن الكريم بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- 14 مرة أغلبها مقرون بطاعة الله عز وجل من ذلك { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سورة آل عمران :137] بما يشعر أن الله -عز وجل - أراد يبينها كمهج للمسلمين وليست كحكما شرعيا فقط مما يكسب هذه الطاعة وصف الثبات والاستمرار. 2- من مزايا وخصائص طاعة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-: أولا: طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- طاعة لله تعالى: لقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80 ] ، قال ابن جزي في تفسيره "هذه الآية من فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما كانت طاعته كطاعة الله لأنه يأمر وينهى عن الله " وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصرالسعدي -رحمه الله-: وفي هذا عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الله أمر بطاعته مطلقا، فلولا أنه معصوم في كل ما يُبَلِّغ عن الله لم يأمر بطاعته مطلقا، ويمدح على ذلك. .. ثم يبين معنى الطاعة المرجوّة: فيقول: لا بد أن تكون طاعة الله ورسوله ظاهرًا وباطنًا في الحضرة والمغيب فأما مَنْ يظهر في الحضرة الطاعة والالتزام فإذا خلا بنفسه أو أبناء جنسه ترك الطاعة وأقبل على ضدها فإن الطاعة التي أظهرها غير نافعة ولا مفيدة وقد أشبه من قال الله فيهم { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ } أي يظهرون الطاعة إذا كانوا عندك { فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ } أي خرجوا وخلوا في حالة لا يطلع فيها عليهم { بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ } أي بيتوا ودبروا غير طاعتك ولا ثَمَّ إلا المعصية . ثانيا: طاعتة الرسول صلى الله عليه وسلم من لوازم الإيمان: قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء:65] قال الشوكاني في الفتح: وفي هذا [من] الوعيد الشديد ما تقشعر له الجلود ، وترجف له الأفئدة ، فإنه : أولا أقسم سبحانه بنفسه مؤكدا لهذا القسم بحرف النفي بأنهم لا يؤمنون ، فنفى عنهم الإيمان الذي هو رأس مال صالحي عباد الله ، حتى تحصل لهم غاية هي تحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال : { ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ } فضم إلى التحكيم أمرا آخر ، وهو عدم وجود حرج ، أي : حرج في صدورهم ، فلا يكون مجرد التحكيم ، والإذعان كافيا حتى يكون من صميم القلب عن رضا واطمئنان وانثلاج قلب وطيب نفس ، ثم لم يكتف بهذا كله ، بل ضم إليه قوله : { وَيُسَلِّمُوا} أي : يذعنوا ، وينقادوا ظاهرا وباطنا ، ثم لم يكتف بذلك ، بل ضم إليه المصدر المؤكد ، فقال : { تَسْلِيمًا} فلا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه هذا التحكيم ، ولا يجد الحرج في صدره بما قضي عليه ، ويسلم لحكم الله وشرعه ، تسليما لا يخالطه رد ، ولا تشوبه مخالفة . ثالثا: طاعته تجمع المطيع مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين قال تعالى: {مَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا . ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا} [سورة النساء:69، 70] رابعا: طاعته سبب في الفوز و دخول الجنة قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} النساء:13 ، وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سورة النور:52] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " ، قالوا : يا رسول الله ، ومن يأبى ؟ قال : " من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى" [صحيح البخاري - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم - حديث:6872] خامسا: إتباعه علامة حب العبد لربه وسبب في حب الله لعبده ومغفرة ذنوبه، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة آل عمران:31] 3- نموذج لالتزام نهج النبي صلى الله عليه وسلم: قال ابن كثير رحمه الله وهو يسرد أحداث ردة القبائل العربية بعد وفاة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- " لما وقعت هذه الامور أشار كثير من الناس على الصِّدِّيق أن لا ينفذ جيش أسامة لاحتياجه إليه فيما هو أهم، لأن ما جهز بسببه في حال السلامة، وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطاب، فامتنع الصديق من ذلك، وأبى أشد الإباء، إلا أن ينفذ جيش أسامة، وقال: والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أن الطير تخطفنا، والسباع من حول المدينة ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لاجهزن جيش أسامة وآمر الحرس يكونون حول المدينة فكان خروجه في ذلك الوقت من أكبر المصالح والحالة تلك، فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب إلا إرعبوا منهم، وقالوا: ما خرج هؤلاء من قوم إلا وبهم منعة شديدة " [البداية والنهاية لابن كثير تحقيق: علي شيري ط/ دار إحياء التراث العربي ج6 ص335 ] فانظر رعاك الله كيف كان حرص الصديق على إنفاذ أمر عزم عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمجرد العزم دون وصية , والحظ خوفه من عدم انفاذ ما اعتزم فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وبأبي هو وأمي- فكان الخير والبركة الكثيرة فيما اختاره أبوبكر رضي الله عنه حيث حفظ للدولة هيبتها في عيون أهل الجزيرة العربية بتوفيق من الله تعالى. كتبه الشيخ إسماعيل محمد رفعت نقلا عن موقع الشيخ اسماعيل محمد رفعت