النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    تعرفش شكون أكثر لاعب سجل حضوره في دربي الترجي والإفريقي؟    سحب وأمطار بالشمال وانخفاض طفيف في الحرارة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تركيا: 6 قتلى في حريق بمستودع للعطور والسلطات تحقق    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    الأحد: أمطار رعدية والحرارة في انخفاض    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    وزارة الصحة: 1638 فحص أسنان: 731 حالة تحتاج متابعة و123 تلميذ تعالجوا فورياً    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    منتدى تونس لتطوير الطب الصيني الإفريقي يومي 21 و22 نوفمبر 2025    إعداد منير الزوابي .. غيابات بالجملة والبدائل جاهزة    الجولة 12 لبطولة النخب لكرة اليد :سبورتينغ المكنين وجمعية الحمامات ابرز مستفيدين    تونس تحتضن ندوة دولية حول التغيرات المناخية والانتقال الطاقي في أكتوبر 2026    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    رئيس الجمهورية يكلّف المهندس علي بن حمودة بتشكيل فريق لإيجاد حلول عاجلة في قابس    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025: فضية لجميلة بولكباش في سباق 800 متر سباحة حرة    ربع التوانسة بعد الأربعين مهدّدين بتآكل غضروف الركبة!    تونس - الصين: 39 طالبا وطالبة يحصلون على "منحة السفير" في معهد كونفوشيوس بجامعة قرطاج    الرابطة الثانية – الجولة 8 (الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    لمرضى السكري: عشبة إذا شربتها صباحًا ستخفض السكر في دمّك    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    حريق في مستودع للعطور بتركيا يخلف 6 قتلى و5 مصابين    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    العلم يكشف سر في المقرونة : قداش لازمك تحط ملح ؟    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    عاجل/ محاولة اغتيال سفيرة إسرائيل بالمكسيك: ايران ترد على اتهامها..    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    مفزع/ نسبة الرضاعة الطبيعية في تونس أقل من 18 بالمائة..!    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    عاجل: حدث نادر فالسماء القمر يلتقي بزحل ونبتون قدام عينيك..هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تكامل الإنسان في مدرسة الأنبياء
نشر في الخبير يوم 17 - 02 - 2012


خطبة الجمعة...

تكامل الإنسان في مدرسة الأنبياء
الحمد لله الذي خلق فقدر، و حكم فعدل، و تفضّل فأجزل، و الصلاة و السلام على سيّدنا محمّد الذي بلّغ الرسالة، و أدّى الأمانة، و بيّن و فصّل، و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، لسان الصدق، و عقل الإسلام، صلى الله عليه و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين. أمّا بعد:
فيا إخوة الإيمان: يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" مثلي و مثل الأنبياء من قبلي كمثل قوم بنوا دارا فأحسنوها و جمّلوها إلاّ موضع لبنة، فجعل الناس يدخلون إليها و يقولون: ما أعظمها و ما أجملها لو أكملت هذه اللبنة.. فكنت أنا تلك اللبنة و أنا خاتم الأنبياء ".
نتصوّر أنفسنا أمام بناء حضاري كبير، متين في أساسه، شامخ في عظمته، مرصوص في بنيانه، رائع في هندسته، متناسق في ألوانه، جميل في مناظره، استغرق بناؤه أحقابا طويلة، و تعاضدت في إنشائه خبرات المهندسين، و جهود البنّائين، و أيدي العاملين على مرّ العصور، و تعاقب الأجيال، كل جيل يبني فيه لبنة، و يزيد فيه حسنة حتى تكامل البناء من جميع جوانبه.
هذا البناء الشامخ المتكامل هو الإنسان الذي جعله الله خليفة في الأرض، و سخّر له ما في الأرض جميعا، من بحار و أنهار، و جبال و أشجار و طير و حيوان، و سماء و هواء، و مخلوقات و كائنات، ليقوم بواجب عمار الأرض و بنائها، و يحسن أداء الأمانة التي حمّلها الله إياها بمقتضى عبوديته الخالصة لله تبارك و تعالى.
و قد زوّد الله هذا الإنسان بقدرات هائلة، و وهبه صفات عظيمة، و منّ عليه بالعقل و الحرّية، و أودع فيه ملكات تعينه على أداء مهمّته. و أرسل له الرسل ليجعلوا منه الإنسان الخليفة الفاضل، فقاموا ببناء عقيدته و أخلاقه، و تهذيب سلوكه و صفاته، و تنمية عقله و ملكاته، و استغلال طاقاته و قدراته، و الحدّ من عنفوانه و كبريائه، ليصبح الإنسان الخليفة الذي يبني و لا يهدم، و يعمّر و لا يدمّر، و يصلح و لا يفسد.
و إنّ الدّارس لسير الأنبياء – صلوات الله عليهم – يجد أنّهم قد تعاونوا جميعا على بناء الإنسان، إذ قام كل نبيّ بما أوحى الله إليه ببناء لبنة في صرح الإنسان بدءا من آدم عليه السلام الذي وضع أول لبنة، و انتهاء بخاتم النبييّن محمد بن عبد الله الذي وضع آخر لبنة اكتمل بها البناء، و لم يعد بعده من حاجة إلى أنبياء و مرسلين، لأنّ الهدف من إرسال الرسل هو البناء، و قد اكتمل بناؤه فانقطع الوحي، و ختمت الرسالات بالإسلام..
و قد بنى آدم لبنة التوبة، و بنى نوح لبنة الولاء للعقيدة، و بنى هود لبنة الشكر، و بنى صالح لبنة الإقتصاد، و بنى إبراهيم لبنة الطّاعة، و بنى لوط لبنة العلاقة الجنسية السليمة، و بنى يوسف لبنة العفّة و الطّهارة، و بنى شعيب لبنة العلاقات المادية المستقيمة، و بنى موسى لبنة اللّين في مجابهة الطغيان، و بنى داود لبنة الحكم العادل، و بنى سليمان لبنة الصناعة الحربية و المدنية، و بنى عيسى لبنة التسامح و الإحسان، و استفاد خاتم النبيين محمد صلى الله عليه و سلم من بنائهم جميعا، و درس تجاربهم مع أقوامهم، واقتدى بكمالات أفعالهم، و تعلّم من مدارسهم ما ينبغي لبناء الإنسان، كما قال تعالى له: " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ".. ( الأنعام 90 ). و وضع لبنة العقل و العلم و الحكمة و التزكية فتكامل البناء و ختمت النبوّة..
و يلاحظ من خلال حياة الأنبياء أنهم جميعا يشتركون في تأسيس العقيدة الحقّة، و يتشابهون في أسلوب البناء، و طريقة الدعوة، المتمثّلة في الحوار الهادئ، الذي يوقظ العقل و يؤثر في السلوكيات العامة، و ينفض غبار الجهل، و يحارب التقليد الأعمى، و يدعو إلى التجديد، و يصحّح مسار الإنسان..
و مهما بحث الإنسان في سيرة أي نبيّ من الأنبياء فلن يجد إكراها على العقيدة، ولا إجبارا على الإتّباع، ولا عنفا في الدعوة، ولا استخداما للقوّة في نشر الأفكار..
و سنعرض في جريدة الجمعة – إن شاء الله تعالى – رؤية لهذا التكامل في بناء الإنسان من خلال تجربة كلّ نبيّ على حدة، في مدرسة النبوّة متّبعين في ذلك استعراض حياة النبيّ و دعوته و عاقبة قومه من خلال القرآن الكريم.. ثم تسليط الضوء على فقه الدّعوة و فقه الحياة في سيرته و دعوته، و ما يستفيد منه مجتمعنا اليوم من هذه التجارب لترميم شخصية الفرد و تهذيب سلوك المجتمع..
قصّة نبيّ الله آدم عليه السلام
إذا علمنا أن الله تبارك و تعالى، حتى يهدي الخلق، و يعرّفهم المهمّة التي خلقوا من أجلها، كان لا بدّ أن يرسل إليهم رسولا من مدرسة النبوّة، بالمنهج الذي يريده.. و بغير هذه الطريقة، و بدون الرسل لم يكن للبناء أن يكتمل، و لا للعقل البشري أن يهتدي إلى مراد الله من الخلق..
و لكن الذي خلق هو وحده القادر على أن يقول لنا كيف تمّ الخلق، إنّه وحده الذي يعلم يقينا كيف حدث ذلك، الله تبارك و تعالى يقول لنا: إنّ ه خلق آدم عليه السلام، ثم خلق من آدم زوجه حواء، مصداقا لقوله سبحانه: " و خلقَ منها زوْجَهَا ". ( سورة النساء الآية:1 )
و قد اختلف العلماء في ذلك.. بعضهم قال: إنّ الله أخذ جزءا من آدم أو ضلعا منه، و خلق منه حواء، و قد يكون هذا صحيحا.. بينما البعض الآخر يقول: خلق منها زوجها، أي من جنس آدم عليه السلام، و الله تعالى ذكر لنا قصّة خلق آدم، و اكتفى بها عن ذكر خلق حواء، على أساس أنّها من نفس الجنس وهو البشر.. و يقص علينا الحقّ تبارك و تعالى قصّة الخلق الإنساني فيقول في سورة البقرة: " و إِذْ قالَ رَبُّكَ للملائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَليفَةً قالوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها و يَسْفِكُ الدِّماءَ و نحنُ نُسَبِّحُ بِحمْدِكَ و نُقَدِّسُ لَكَ قال إنّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمونَ ". ( سورة البقرة الآية: 30 )
هنا تكون بداية التأمل، هي قوله تعالى: " و إذ قال ربُّك للملائكةِ "، إنّ التنبيه هنا لكلّ قارئ للقرآن الكريم أنّ له خالقا و ربًّا، هذا الخالق الربّ اسمه: " الله "، إنّه اسمٌ لواجِد الوجود المالك لطلاقة القدرة في الكون و الخلق، و من رحمة الله بنا أنّه أخبرنا بوجوده و اسمه لأنّ اسم " الله " لا يدركه العقل، إنّ العقل يدرك فقط وجود قوّة هائلة وراء الكون، و إنّ الكون بإبداع صنعه لا بدّ أنّ وراءه قوّة خارقة و صانع جبّار..
إنّ الموقف هنا يوضّح الخلق و الإنشاء و التربية و الإيجاد على قدر، لذلك يقول تعالى كلمة : " رَبُّكَ " ليوضّح أنّه ربّ كلّ شيء.. أمّا عن الملائكة فهذا هو الإخبار الأوّل عنهم في الترتيب المصحفي، لقد خلق الله الملائكة و أخبرنا بذلك و وصفهم في أكثر من موضع بالقرآن الكريم، بل و حدّد أنواعا منهم، إنّهم: " لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ و يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ". ( سورة التحريم الآية: 6 )، و منهم الحفظة، و منهم الرقيب على أقوال و أفعال الإنسان، و منهم المدبّرات أمرًا تلك الملائكة المسخّرة لأقدارٍ أرادها تبارك و تعالى..
مادة خلق الملائكة:
الملائكة غيب كالجنّ تماما، إنّهم أجناس تختلف في شكلها و مادتها و تصويرها عن الإنسان، و الملائكة غيب لا نراه و لا بدّ أن نؤمن بوجودهم كما أمرنا الله.. فالملائكة هم من خلق الله و من جنس يختلف عن البشر و عن الجنّ، و على الإنسان أن يؤمن بوجودهم إذا كان مؤمنا، فليس كلّ ما خلق الله يحسّ به الإنسان، إنّ الإنسان لا يرى " الميكروب " أو الفطريات أو الإلكترون، و لم يصل إلى رؤية هذه الأشياء المخلوقة إلاّ بعد التقدّم العلمي السريع و المتميّز..
و عندما نتأمّل قول الحقّ تبارك و تعالى: " و إِذْ قالَ رَبُّكَ للملائِكَةِ إنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَليفَةً قالوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها و يَسْفِكُ الدِّماءَ و نحنُ نُسَبِّحُ بِحمْدِكَ و نُقَدِّسُ لَكَ قال إنّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمونَ ". ( سورة البقرة الآية: 30 ). نجد أنّه يتضمّن:
أوّلا: بلاغا من الله تعالى للملائكة أنّه جاعل في الأرض خليفة..
ثانيا: أنّ الملائكة لم يسألوا عن الأرض كأنّهم على علمٍ مسبّق بها، و لم يسألوا عن الخليفة بل فهموا مراد الله سبحانه بقوله عن الأرض و الخليفة..
ثالثا: إنّ استدراك الملائكة كان على الإنسان نفسه الذي أخبرهم الله أنّه خليفته، فهم يرون أنّه سوف يفسد في الأرض و يسفك الدماء.. و من ذلك نستنبط أنّ الملائكة كانوا على علم بوجود الأرض.. و من ذلك نستنبط أيضا أنّ الملائكة رأت خلقا آخر عاش على الأرض و أفسد فيها، فكأنّهم عاشوا التجربة من قبل و لكن عليهم أن يذعنوا لأمر الله الذي يأمر فلا يعصيه أحدٌ.. الملائكة أخبرهم الله تعالى بأنّه: " جاعِلٌ في الأَرْضِ خَليفَةً " ( سورة البقرة الآية: 30 ). لأنّهم سوف يخدمون هذا الخليفة و سوف يكونون مسخّرين لخدمته حتى ينجح في مهمّته على الأرض..
الملائكة لم تعترض، و لكنّها سألت على وجه الاستكشاف و الاستعلام و عن الحكمة، لا على وجه الاعتراض و التنقيص لبني آدم و الحسد لهم كما يتوهّم البعض، قالوا: " أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها و يَسْفِكُ الدِّماءَ ".( سورة البقرة الآية: 30 ). ثم أضافوا: " و نحنُ نُسَبِّحُ بِحمْدِكَ و نُقَدِّسُ لَكَ ". أي أنّنا نعبدك دائما لا نعصيك، فإن كان المراد بخلق هؤلاء أن يعبدوك، فها نحن لا نفتر عن عبادتك ليل نهار..
اللهم اغفر للمرمنين و المؤمنات، و المسلمين و المسلمات الأحياء منهم و الأموات. اللهم يسّر أمورنا، و اغفر ذنوبنا، و توفّنا مع الأبرار، و لا تسلّط علينا بذنوبنا من لا يخافك و لا يرحمنا، و أصلح ذات بيننا، و وفّق ولاّة أمورنا، و صلّى الله على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه و سلّم..
يسألونك قل... Encadré
السّؤال: لماذا حرّم الإسلام على المرأة المسلمة أن تتزوّج المسيحي، مع أنّه يجوز للمسلم أن يتزوّج المسيحية ؟..
( شكري ع . م - من تونس )
الجواب: يقرّر العلماء أنّه يجوز للمسلم أن يتزوّج من امرأة مسيحية إذا رضيت بذلك، و كانت تؤمن بعيسى عليه السلام و الإنجيل، و كذلك يجوز للمسلم أن يتزوّج من امرأة يهودية، إذا كانت تؤمن بموسى عليه السلام و التوراة، لأنّ كلاّ من المسيحية و اليهودية تعدّ امرأة " كتابية " أو " من أهل الكتاب "، و معنى الكتابية التي تؤمن بدين إلهي..
و بقاء هذه المرأة على دينها لا يمنع حِلَّ زواجها من المسلم شرعا..
و قد استدلّ العلماء على جواز هذا الزواج بقول الحقّ تبارك و تعالى في سورة المائدة الآية 5: " اليومَ اُحِلَّ لكُمُ الطَيِّباتُ و طَعَامُ الذين أُوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لكُمْ و طَعَامُكُمْ حِلٌّ لهُمْ و المُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِناتِ و المُحْصَنَاتُ مِنَ الذينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذا أَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ و لا مُتَّخِذي أَخْدانٍ وَ مَن يَكْفُرْ بالإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ ".
و أما زواج المسلمة من غير المسلم – يهوديّا كان أو مسيحيا – فهو حرام. و قد روي عن جابر أنّ النبي صلى الله عليه و سلم قال: " المسلم يتزوّج النصرانية، و لا يتزوّج النصراني المسلمة ". و لعلّ السرّ في ذلك هو أنّ المسلمة تؤمن باليهودية و النّصرانية كما جاءنا من عند الله تعالى، و المسلمة أيضا تؤمن بموسى و عيسى عليهما السلام، و أمّا اليهودي و المسيحي فإنّهما لا يؤمنان بالإسلام و لا برسوله صلى الله عليه و سلم..
و لذلك يُخاف الخطر على دين المسلمة لو وقعت تحت قوامة غير المسلم عن طريق الزواج، لأنّ غير المسلم لا يحترم مبادئ الإسلام و لا يخضع لأحكامه.. كما أنّ الزواج فيه نوع من الولاية على الزوجة من الزوج، و الله سبحانه يقول في سورة النّساء الآية 141: " و لَنْ يَجْعَلَ اللهُ للكافِرينَ على المُؤْمِنِينَ سَبيلاً ".. وكذلك يُخْشى من الزوج غير المسلم أن يغرّر بزوجته المسلمة ليخرجها عن دينها، أو يغرّر بأولادها حتّى يخرجوا عن دينهم.. و الله تبارك و تعالى أعلم.
السّؤال: إذا كان لشخص خمسة و عشرون ألف دينار دَيْنًا على شخص آخر، هل تجب عليه الزّكاة عن هذا المال في مذهب المالكية ؟..
( عبد الله ب . م . ت من العمران الأعلى )
الجواب: جاء في مذهب المالكية أنّ الإنسان يزكّي الدّيْن بعد قبضه، و يدفع زكاته سنة فقط و إن بقي عند المَدين سنوات، و تعتبر السنة من يوم تملّكه لأصل الدّيْن، و هذا إذا لم يتعمّد صاحب المال إبْقاء الدَّيْن عند المدين فرارا من الزكاة، و إلاّ كان عليه أن يدفع زكاته عن السنوات التي بقي فيها المال عند المدين..
و لزكاة الدّين هنا شروط منها: أن يكون أصل الدَّيْن نقودا بيده فيسلّفها، أو عروض تجارة يبيعها بثمن معلوم إلى أجل، و أن يقبضه صاحبه المدين، و أن يقبضه نقودا من المدين، و أن يكون المقبوض من الدَّيْن بالغا النّصاب الذي تجب فيه الزكاة، فلو كان المقبوض أقلّ من هذا النّصاب لم تجب فيه الزكاة حتّى يبلغ نصابه.. و الله تبارك و تعالى أعلم.
الجمعة في الحديث النبوي
فضل صلاة الجمعة و وجوبها
عن أبي هريرة، رفعه: " من اغتسل يوم الجمعة غُسلَ الجنابة، ثم راح فكأنّما قرّب بدنةً، و من راح في الساعة الثانية فكأنّما قرّب بقرة، و من راح في الساعة الثالثة فكأنّما قرّب كبشًا أقرن، و من راح في الساعة الرابعة فكأنّما قرّب دجاجةً، و من راح في الساعة الخامسةَ فكأنّما قرّب بيضةً، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ".
( أخرجه الستّة )
الدّعاء في الساعة التي في يوم الجمعة
عن إسماعيل بن إبراهيم، عن محمّد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم: " في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلّي يسأل الله خيرا إلاّ أعطاه ". و قال بيده. قلنا: يقلِّلُها، يُزَهِّدُها..
في روضة السنّة
مكانة الأمّة في الجنّة
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسند ظهره إلى قُبّةٍ من أدم، ثمّ قال: " أمّا بعد: أترضون أن تكونوا رُبُعَ أهلِ الجنَّةِ ؟ " قلنا: نعم يا رسول الله، قال: " و الَّذي نفسي بيده، إنّي لأرجو أن تكونوا نصفَ أهلِ الجنّةِ، و إنَّهُ لا يدخُلُ الجنَّةَ إلاَّ كُلُّ نفسٍ مسلمةٍ/ و إنَّ مَثَلَ المسلمينَ يومَ القيامةِ في الكُفَّارِ في العدد كَمَثَلِ الشعرَةِ البيضاء، في الثَّوْرِ الأسْوَدِ، أو الشعرة السوداء في الثور الأبيض ".
( أخرجه ابن حبان ).
لكلّ نبيّ دعوة مستجابة
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " لكلّ نبي دعوة مستجابة يدعو بها، و أريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمّتي في الآخرة ".
( أخرجه البخاري في الصحيح 6304 و مسلم 339 ب86 )
و قال معتمرٌ: سمعتُ أبي عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه و سلم قال: لكلّ نبيّ سأل سُؤْلاً ". أو قال: " لكلّ نبيّ دعوةٌ قد دعا بها فأُسْتُجيبَ، فجعلتُ دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة ".
( أخرجه البخاري في الصحيح 6305 و مسلم 334 ب86 )
كلمات
* الصّبرُ على أداء الواجب درجة رفيعة من درجات الأخلاق الإنسانيّة.. و أرفع منها، الصّبر على أداء واجب لا يطلبه أحدٌ منك، و لا يحاسبك أحدٌ عليه.. و أرفع من هاتين الدرجتين، صبر الإنسان على واجب يضار بأدائه و ينتفع بتركه..
و تلك، درجة الأئمّة من المصلحين..
( عبّاس محمود العقّاد رحمه الله )
من دعاء الأمّ
بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على نبيّنا محمّد و على آله و صحبه و التابعين..
اللهمّ يا ذا الجلال و الإكرام، يا حيّ يا قيّوم، ندعوك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت، أن تبسط على أمّي من بركاتك، و رحمتك، و رزقك..
اللهمّ ألبسها العافية حتّى تهنأ بالمعيشة، و اختم لها بالمغفرة حتّى لا تضرّها الذنوب، اللهمّ أكفها كلّ هول دون الجنّة حتّى تبلّغها إياها، برحمتك يا أرحم الراحمين..
و صلّى الله على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه أجمعين..
آية و معنى
وحدة الإنسانيّة
قوله تعالى: " يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا ربَّكُمُ الّذي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ و خلق منها زوْجَهَا و بَثَّهُما رِجَالاٌ كثيرًا و نساءً و اتّقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام ".
( سورة النّساء الآية: 1 )
الشرح:
من حكمته تعالى، أنّه جعل العالم بمثابة الأسرة الواحدة المترابطة العناصر، المتعاونة فيما بينها، المتحابة المتواددة بين أفرادها.. يحبّ كلّ انسان أخاه، و يريد الخير له، فالإنسان أخو الإنسان أحبّ أم كره، لأنّ المعيشة واحدة، و الهدف و المقصد واحد، و المصير المحتوم هو واحد أيضا حينما ينتهي هذا العالم، و يعود لعالم آخر للحساب و الجزاء، و تحقيق العدل و الإنصاف التام بين البشر..
و القرآن الكريم نصّ صراحة على وحدة الإنسانية، و وحدة الأسرة، و وحدة الأخوة الإيمانية بين المؤمنين بالله و رسله و كتبه و اليوم الآخر.. أمّا الوحدة الإنسانية التي تجعل البشرية بمثابة الجسد الواحد و النّفس الواحدة، فقد جاء الإعلان عنها في مطلع سورة النساء المدنية النزول..
قوله تعالى: " يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم "، هذا نداء إلهي عام لكلّ البشر، كافرهم و مؤمنهم، من كان موجودا يوم نزول هذه الآية، و من كان غير موجود، إلى يوم القيامة، إذ البشرية كلّها عبيد له وهو أرحم بها من أنفسها، لذا أمرها بتقواه، و تكون تقواه بالإيمان به، و طاعته و توحيده في عبادته و الإيمان برسوله الخاتم محمّد صلّى الله عليه و سلم و طاعته في أمره و نهيه..
و قوله تبارك و تعالى: " الذي خلقكم من نفس واحدة " وهي آدم عليه السلام.. و قوله عزّ و جلّ: " و خلق منها زوجها "، يعني خلق من آدم عليه السلام حوّاء إذ خلقها من ضلعه، و زوّجه بها فكانت زوجا له.. و قوله سبحانه: " و بثّ منهما رجلا كثيرا و نساءً "، إذِ النّاس كلّهم رجالا و نساءً من ذريّة آدم و حواء.. و معنى بثّ: أي أنشأ و فرّق..
في هذا الجزء من الآية، تنبيه واضح على وجود الإله الخالق الصّانع المدبّر المتقن، و على افتتاح الوجود الإنساني بخلق العالم في الأصل من نفسٍ واحدة، هي آدم عليه السلام أبو البشر الذي خلقه الله و سوّاه بيديه و قدرته من طين، و نفخ فيه من روحه، فكان إنسانا كامل الخلقة و التكوين.. ثم خلق الله تبارك و تعالى حواء من جنس آدم في الطبيعة و التركيب، و البنية و الغريزة، و الأخلاق و الصفات المتشابهة..
و قوله تعالى: " و اتّقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام "، يدلّ على تأكيد الأمر في صلة الرحم، و المنع من قطيعتها، وهي اسمٌ لكافة الأقارب من غير فرق بين المَحْرَمِ و غيره.. و قد صحّ أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال لأسماء و قد سألته: أأصل أُمّي ؟: " نعم صلي أُمَّكِ " فأمرها بصلتها وهي كافرة..
و الله تبارك و تعالى أعلم.
* * *
حديث و معنى
استوصوا بالنّساء خيرا..
قوله صلى الله عليه و سلّم: " استوصوا بالنّساء خيرا فإنّ المرأة خُلقت من ضلعٍ، و إنَّ أَعْوَجَ شيءٍ في الضلعِ أَعْلاَهُ، فإذا ذهبْتَ تُقيمُهُ كَسَرْتَهُ، و إنْ تَرَكْتهُ لم يزلْ أَعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنّساء ".
( أخرجه البخاري: 5186 و مسلم: 1468 )
الشّرح:
استوصوا: أي ليوص بعضكم بعضا بالنّساء خيرا، فلا تعاملوهُنّ بحسب سلوكهنّ لكثرة إساءتهنّ لما فطرن عليه من ضعف الخَلْقِ و الخُلُق.. و قوله صلى الله عليه و سلم: " فإنّ المرأة خلقت من ضلعٍ " أي خلقها تبارك و تعالى من ضلع آدم بكلمة التكوين، أي بقوله: كونين فكانت.. و في هذا القول: فإنّ المرأة خلقت من ضلع، إشارة إلى علّة ضعف المرأة الملازم لها بحسب الفطرة..
و قوله صلوات ربّي و سلامه عليه: " فإنّ أعْوج شيء في الضلع أعلاه "، إشارة إلى ضعف المرأة في خلقها الملازم لها: سلاطة لسانها، و عليه فإن من ذهب يقيّمها كسرها، أي طلّقها و حرُمَ أنسها و السعادة معها.. و من ترك ما فطرت عليه من الاعوجاج و تحمّل إساءتها دامت عشرته معها و سعِدا بذلك..
و الله تبارك و تعالى أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.