السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا يفتح باب التسجيل للمشاركة في النسخة الثانية من برنامج "تبنّى شاطئاً"    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استفتاء سويسرا أحدث شرخا في الديمقراطيّة :متابعة فوزي الشعباني
نشر في الحوار نت يوم 27 - 02 - 2010


الأستاذ كمال ضيف
الدّكتور مصدّق الجليدي

متابعة فوزي الشعباني
أحدث الاستفتاء على منع المنارات الإسلاميّة شرخا في الديمقراطيّة السويسريّة
لأنّه جعل من سويسرا البلد الأوروبي الوحيد الذي يمنع حقّا لمجموعة دينيّة يُمنح لغيرها!
في سياق حركة المدّ والجزر والهزّات القائمة بين "داري الإسلام والغرب" والتي تتخذ تمظهرات عدّة ومختلفة تسوناميّة أحيانا وقشريّة أخرى برز في السنوات الأخيرة ما اصطلح عليه ب "الإسلاموفوبيا" Islamophobia/Islamophobie أو "الخوف من الإسلام". وهي ظاهرة ليست بالجديدة لذا تحدّث غربيون عن "الإسلاموفوبيا الجديدة"*. ويبدو أنّ هذه الظاهرة غير الجديدة والمتجدّدة أضحت تشكّل "متخيّلا" ما وأُلعوبة إعلاميّة** تُثار كفزّاعة كلّما أُريد تشكيل عُصبويّة ما في مواجهة آخر (المسلم...) أصبح بفعل المواطنيّة بعض الأنا الغربي.
وفي ضوء هذا تندرج مسألة منع بناء المآذن بسويسرا وما أثارته من اختلاف في المواقف ما يشي بأنّ سوء الفهم نظريّا والتّفاهم عمليّا مردّهما إرادة في تحويل الإخلاف إلى خلاف. وتفكيكا للمسألة بعيدا عن ضغوطها استقبل منتدى الجاحظ يوم 23 جانفي 2010 الأستاذ كمال الضّيف محرّر القسم العربي بوكالة "سويس أنفو"، وصديقنا الدّكتور مصدّق الجليدي ليدلي كلّ بدلوه في المبحث المثار.
الأستاذ صلاح الدّين الجورشي تساءل في مفتتح اللّقاء: ما الذي يجعل لمحليّ، ممثّل في الاستفتاء السويسري، تداعيات أوروبيّة وإسلاميّة من شأنها تجديد الصّدام بين الرّأيين العامين الإسلامي والغربي؟ سؤال حاول المتدخّلان كلّ من زاوية نظره ومواطنيته الإجابة عنه.
الأستاذ كمال ضيف التونسي-السويسري وبعين الصّحفي المراقب والمواطن المعايش للحدث انتحى مدخلا دستوريّا في التعاطي مع المسألة وبغرض توضيح المجريات. فالنّظام السّياسي السّويسري يقوم على دستور أسّس للكنفيدراليّة السويسريّة وذلك بعد حروب طويلة بين البروتستانت والكاثوليك. وقد منح الدّستور لكلّ "مجموعة سويسريّة" الحقّ في رفض قانون ما و/أو استبداله بآخر وإن صادق عليه البرلمان بشرط عرضه على الاستفتاء الشّعبي.، بعد تقديم طلب كتابي مضمّن 100 ألف إمضاء راغب في التعديل أو الإلغاء أو السّنّ.
وأوّل مبادرة شعبيّة صادق عليها السويسريون في القرن19 تمثّلت في الاستفتاء على مشروع قانون يمنع اليهود من الذّبح على طريقتهم الشّرعيّة (كاشير Cachir)، وقد تمّ إقراره فعلا.
ومنذ البدء إلى اليوم شهدت سويسرا ما يربو عن 1700 مبادرة شعبيّة دعي لها الشّعب للاستفتاء ولم تحض بالموافقة سوى 10 مبادرات. هذا ويمكن معارضة مبادرة مصادق عليها بأخرى فتُسقط بذات الآليّة. ومن ثمّة فالسويسريون يدعون خارج المنظومة الانتخابية للتّصويت على مبادرات من هذا النّوع 4 مرّات في السّنة.
وعن مسألة المآذن ومنعها أفاض الأستاذ ضيف في عرض أطوارها وملابساتها. وخلاصتها أنّ مجموعة من الجالية إسلاميّة من أصول تركيّة تقدّمت بطلب بناء صومعة وأجيز رسميّا غير أنّ مجموعة يمينيّة، قوامها "حزب الشّعب" مؤيّدا ب"اليمين الشّعبوي" تقدّمت بمبادرة اعتراض وجمعت لأجله 113000 إمضاء تأييد مكّنها من الحقّ في إجراء استفتاء في الغرض. واللافت أنّ أغلب المنظّمات المسيحيّة واليهوديّة والسياسيّة والجمعياتيّة وحتى الحكومة الفيدراليّة عارضت خطوة الاستفتاء على منع ذاك البناء.
لكن، وعلى الرّغم من ذاك التحالف الواسع، تمكّن المبادرون من تحقيق غرضهم بوقف قرار البناء بل ومنع المسلمين مستقبلا من التّمتّع بحقّ هو لباقي المجموعات الدّينيّة مضمون. ويعوز الضيف ذاك إلى أنّ "اليمين بارع جدّا في اقتناص الفرص". فقد أطلق حملة انتخابيّة انفق عليها الكثير كرّسها في سياق إستراتيجية "صناعة الخوف" تجسّدت رمزيا في مُلصق دعائي صوّر علم سويسرا كأرضيّة مغروسة فيها مآذن على شكل صواريخ بمحاذاة منقّبة مكفهرّة! ما يعني أنّ الحملة وظّفت فزّاعة "الإرهاب" و"دونيّة المرأة" في موضوع حقوقي بغرض حرمان الحالية من حقّ بجريرة عمل مجموعات لا تمثّلها خارج التراب السويسري.
لا يبرّئ الأستاذ المحاضر طائفة من الجاليّة من سلوكيات غير حضاريّة إذ أنّ الأخيرة المتكوّنة من 400 ألف نسمة نسبة الأتراك والبلقانيين منها ما بين 75 و80 % ولأنّ الذين عاشوا في ظلّ أنظمة شيوعيّة وانفرطت عانوا من البطالة فكثر فيهم الإجرام فكان أن وظّف اليمين هذين العاملين لصالحة، خاصّة وقد تكثّفت الهجرة البلقانيّة إذ هرب من أتون الفقر وجحيم الحرب ما يناهز ال200 ألف منذ 1990.
فضلا عن ذالك أحكم اليمين ببراعة توظيف الأزمة الليبيّة-السويسريّة بإثارة قضيّة "الرّهينتين" وعدّت محاولة منع البناء عقابا للمسلمين بجريرة النّظام الليبي!
ومع صعود اليمين وتراجع الخطاب الحقوقي بكسب الأوّل رهان الاستفتاء بنسبة 57.5 % عدّ كمال ضيف، فيما نراه لافتا، نسبة التصويت لصالح الخيار الثاني بنسبة 42.5 % مهمّة "نسبة ليست بالهيّنة إذ تمثّل عمق الشّعب السويسري الذي يعرف كيف يهضم الأقلّيات".
وعلى العكس أمكن للمبادرين تجميع ما أسماه المحاضر ب"كوكتال متفجّر" لم يتوقّعه أحد حتى أصحاب المبادرة نفسها جمّع لفيفا من "العلمانيين المعادين للدّين"، و"اليمينيين المعادين للمهاجرين"، و"المعادين للإسلام". والمعاداة للإسلام في سويسرا غير مبرّرة، بحسب ضيف، إذ "أنّ المسلمين في سويسرا هم أكثر اندماجا وانضباطا مقارنة بنظرائهم بباقي الدّول".
وعبرّ الأستاذ عن قلقه من إنّ الاستفتاء ولئن كان خصوصيّة دستوريّة سويسريّة لكنّ الحالة المدروسة أعطت مثالا لباقي الأوروبيين وإن بتفعيل أساليب مغايرة ومتوقّعة. وإن قال الحقوقيون أنّ الاستفتاء أحدث شرخا في الديمقراطيّة السويسريّة لأنّه جعل من سويسرا البلد الأوروبي الوحيد الذي يمنع حقّا لمجموعة دينيّة يُمنح لغيرها!
وثمّن كمال ضيف دور السّلطات السويسريّة الفيدراليّة السياسيّة منها والدبلوماسيّة في الحؤول قبل الاستفتاء دون إجرائه ثمّ الدّعوة للتّصويت ضدّ المنع، ومحاولة الحدّ من تداعياته بعد إقراره. وعلى العكس من ذلك يرى أنّ المسلمين قصّروا في التّعريف بأنفسهم، وبغرض تدارك ما فات نوّعوا في أساليب تقديم صورة عنهم كما في آليّة الإعلانات مدفوعة الأجر التي أُستُغلّت مؤخّرا في شكر من صوّت بالرّفض.
الدكتور مصدّق الجليدي نظر للمسألة من زاوية مغايرة متّخذا بحكم الإقامة مسافة أوسع نقلت السّامع من حيّز "الميكرو" و"السنكوني" الذين تحيّزت فيهما المداخلة السّابقة مكانا وزمانا، إلى مجال "الماكرو" و"الدياكروني" الشاسع. ذلك أنّه بحث المسألة في ضوء "الخلفيات التاريخية والأسس الفلسفية للتجاذب بين الغرب والإسلام".
حلّت الإسلاموفوبيا في الغرب محلّ العداء للسامية في نسختها اليهودية، عُبّر عنها في وسائل الإعلام، كما ترجمت قرارات من أهل القرار السّياسي والدّيني. فقد تعدّدت في الفترة الماضية حالات التجاذب بين الغرب والإسلام في أوروبا. فمن الرّسوم الدانماركيّة إلى خطاب البابا في راتسبون وقتل المرأة المصرية المسلمة على يد أحد العنصريين الألمان، مرورا بقضيتي الحجاب فالنقاب بفرنسا، والفيلم المعادي للرسول محمد بهولندا وقبل ذلك مضايقة الجالية الإسلاميّة بأمريكا منذ ما بعد أحداث 11 سبتمبر، لتُتوّج بالاستفتاء السويسري وهو ما يؤشّر على صدور نزعة يمينيّة قد تزرع بذور فتنة تلهب صراعا في منطقة تنمو فيها تيارات سلفية إسلامية متشددة.
لا يُبرّئ الدكتور بعض مكونات الجالية الإسلامية في الغرب من دور ما يبرّر ما حدث من ردود فعل الغربيين ضدّهم عبر ما اعتبر استفزازا لمشاعرهم القومية ومناهضتها لقيم الحداثة عبر رغبة في اكتساح الفضاءات العمومية بحضور رمزي لافت في الزّيّ والمعمار وأشكال الاحتفال الديني وغيرها من أشكال الحضور اليومي في حياة المواطنين الغربيين.
غير أن المؤكد، بحسب الجليدي، أن ردة الفعل الأوروبية العفوية كانت في عديد الحالات مبالغ فيها جدا، تراوحت بين الازدراء والاهانة الاستفزازيين. وللبحث في أسباب "ردّ الفعل" هذا غير المتناسب طرديّا مع "التحدّي" تساءل الجليدي بغرض الحفر فيما وراء الحدثي: هل يوجد في داخل المنظومة الفكرية الغربية ما يعوق دون تعامل موضوعي مع الإسلام دينا وثقافة؟

ونحى في ذلك قراءة ذات مسلكين قال أنّهما متكاملين: الأوّل تاريخيّ يتقصّى علاقة الغرب بالإسلام والثّاني فلسفيّ يُجلّي رؤية الغرب لذاته وللآخر. رانيا ببصرنا مستشرفا بتفاؤل أفقا كونيا مفقودا في الماضي والحاضر منشودا لغد تعدّدي يُحترم فيه الاختلاف التدافعي غير الإقصائي.
يمكن تلخيص مآل تعاطي الغرب مع الإسلام وتعاطيه معه نظريّا وعمليّا فيما أسماه الدكتور مصدّق بالانتقال "من سرديةِ الازدراء والهيمنة إلى سردية صدام الحضارات"، سرديّة تخرج من النّص، لا عنه لتزرع "عقدة الموت والنّفي" عبر تصديرها من الأنا الغربي إلى الآخر. ومع أنّ تيار العداء الموجه حديثا للإسلام ورموزه، لا يمثل موجة عابرة، بل له سوابقه التاريخية وأسسه الفلسفية المنهجية في الثقافة الغربية بحسب تحليله، وبالتالي فهو مرشح للاستمرار والتعاظم. ومع ذلك، يتفاءل لوجود مثقفين ومفكرين في الغرب أمثال كلود جيفري في فرنسا وجون هيك وبول كنيتر ونعام تشومسكي في أمريكا وجورج غلاواي في بريطانيا وغيرهم كثير من مناهضي العولمة والليبيرالية المتوحشة يشاطرونهم الرأي في ضرورة تنسيب الغرب والمسيحية ومستعدون لحوار جدي مع النخبة وقوى المجتمع المدني في العالم الإسلامي، بل وحتى مع المسلمين في الغرب أو مسلمي الغرب. غير أنّ ذلك يبقى قاصرا إن لم يرتقي المسلمون، بقوله، "بمستوى فهمنا لضرورات اللحظة والواقع وغوصا أكبر في ممكنات التأويل والتجديد في دينا وثقافتنا، بحيث لا نخطئ الموعد في الالتقاء بهذا الآخر في مساحة المشترك الإنساني العالمي".
النّقاش:
تعرّض النّقاش لقضايا عدّة تتعلّق في مجملها بمدى إيمان الغرب بالديمقراطيّة كقيمة تحفظ للآخر الأقلي حقوقه. وكذا بقدرة المسلم على التعايش والاندماج في غير دياره. ولأنّ ما عاد، في ظلّ الحراك التكويني في السّاحة الغربيّة، من حديث فقط عن "جالية مسلمة" كما هو الحال مع الجيل الأوّل للهجرة بل عن "مواطنين غربيين مسلمين" من مواليد تلك الدّول فإنّ هذا المستجدّ يفرض على الجانبين مراجعة قيميّة للمعتقدات المتبنّاة بما يؤسّس لعد مجتمعي جديد من شأنه استيعاب فسيفساء الأقلّيات. فسيفساء تستوعب ب"ديمقراطيّة القيم" وتقصر "الديمقراطيّة كآليّة إجرائيّة" عن ذلك بل على العكس تُسهم في إقصاء مكوّنات اجتماعيّة ما عادت طارئة عنه بحكم المواطنيّة المكتسبة.
ويرى البعض أنّ "الإسلاموفوبيا" تجد تبريرها في ممارسات المسلمين بالبلدان الغربيّة ومنها استفادتهم من الاندماج الاقتصادي ورفضهم الاندماج الثّقافي، والإسلاميّة (مشاهد "تطبيق الشريعة" في الصومال...) على السّواء. ومع التّسليم بأنّ كلّ بلد/مجتمع يضع قيودا على الأقلّيات، وأنّ القيد الذي سُنّ يتعلّق بعنصر لا يتعلّق بجوهر العبادة، فإنّ السؤال الفارض نفسه: ألا يعتبر ذلك بدوره قيدا على الحريّة، وهي قطب الزاوية في المسألة الديمقراطيّة؟
آخرون يرون أنّ مردّ الخوف من الإسلام وسائل الإعلام التي تنتهج سياسة التّخويف والتهجين عبر تلاعب بآليّتي التّضخيم والتقزيم. فتلك التكتّلات الإعلاميّة تنتهج سياسة إعلانيّة مضادة للإسلام والمسلمين هي التي توجّه الرّأي العام عبر "صناعة الخوف".
لفت انتباه الحضور مداخلة السيّدة منيرة العرفاوي التونسيّة الأصل والمواطنة السويسريّة المتطرّقة لمسألة الاندماج فهي ترى أبناء المهاجرين ليسوا جيلا ثانيا للهجرة وإنّما هم مواطنون سويسريون. وعبّرت عن مفاجأتها باهتمام المسلمين في العالم بمآذن مساجد مسلمي سويسرا بدل الاهتمام بحالهم!. وأكّت أنّ معتقدها وعباداتها ما مُسّت، وهي تحترم رأي الشّعب السويسري في رأيه لأنّه من غير المعقول أن نقبل القيام باستفتاء ثمّ نعترض على نتائجه. وهي ترى أنّ المهمّ من كلّ ما جرى أنّ الجدل أحدث حراكا عرّف بالمسلميين السويسريين من جهة، وبالإسلام للسويسريين من جهة أخرى.
الرّدود:
الأستاذ كمال ضيف وفيما يخصّ ديمقراطيّة الآليات والاستفتاءات ألمح إلى أنّ كبار أساتذة القانون السويسريين يرون ضرورة عدم طرح الثّوابت المكرّسة في المواثيق الدّوليّة لحقوق الإنسان على الاستفتاء. غير أنّ ثمّة من يعارض هذا بأنّه حريّ ألاّ تُقيّد حريّة الشّعب في طرح ما يراه صالحا، وفي معارضة الحكومة والبرلمان بما أنّ "الشّعب هو السيّد" في النظام البرلماني. والرّأي الأخير "مثالي" بحسب ضيف إذ الإشكال الذي يعترضه مزدوج أوّلا: أنّ سوسيرا وقّعت على مواثيق لها العلويّة على قوانين الدّولة، وثانيا: يعدّ ذلك ضربا في الصّميم لمرجعيّة العقد الاجتماعي ذلك أنّ عدد السويسريين المسلمين، المواطنين لا المهاجرين، يتراوح ما بين 60 و80 %.
لا يهوّن كمال ضيف ممّا جرى إذ يعتبره "رجّة" غير أنّها في ظلّ النظام السويسري عاديّة، تتطلّب معالجة من داخله، وعبر آلياته الدّيمقراطيّة الكفيلة بتصحيح الوضع، وها أنّ الخضر والاشتراكيين، والديمقراطيين المسيحيين، وحتّى الرّاديكاليين من اليمين يعملون على ترشيح مسلمين سويسريين على قوائمهم في قادم الإنتخابات.
وفيما يتعلّق بالاندماج نبّه الأستاذ المحاضر أنّه وإن كان همّ الجيل الأوّل كمهاجر فردي (عمل، سكن...)، فإنّ ما يسمّى ب"الجيل الثّاني" بدأ يعبّر عن ذاته كجماعة سويسريّة، غير أنّ الواجب توضيحه، بحسب ضيف، هو أنّ الفيدراليّة السويسريّة قائمة على منح الأقليات حقوقها لا الذّوبان في المجموع.
الدّكتور مصدّق الجليدي أشار إلى أنّ ما آتاه بعض المسلمين من أفعال لا يمكن قبولها كانت حالات معزولة وفرديّة عكس الاستفتاء الذي من شأنه رسم سياسة دولة وتحديد استراتجياتها. ونبّه الجليدي من مخاطر "ديمقراطيّة خاضعة للشّعبويّة" في واقع لا يعرف فيه المصوّت عن الإسلام والمسلمين الكثير والدّقيق.
ولتعلّق مداخلة الجليدي السّابقة وفي جزء أساسي منها بالأسس الفلسفية للتجاذب بين الغرب والإسلام، فقد واصل في سياق ردوده مقالاته وخاصّة صلة "موت الإله" النيتشويّة ب"ختم النبوّة" الإقباليّة.
وختم المحاضر ردوده بالتنصيص على أنّ الإشكاليات التي يتعرّض إليها المسلمون بالغرب وفي علاقة الأخير بالإسلام لا تحلّ بشكل ديني، وإنّما بآليات على رأسها تكوين لوبي إسلامي في أروبا وأمريكا.
وختم النّدوة رئيس المنتدى الأستاذ صلاح الدّين الجورشي مؤكّدا أنّ الحوار الذي أدرنا لا يبتغي عدوانيّة مع الشّعب السويسري، أو تعميق الخلاف مع الغرب، وإنّما الغرض منه الفهم. فثمّة ردود أفعال يجب فهم خلفياتها. كما أضحت دعوات القطع مع الغرب، التي تتجدّد كمطلب مع كلّ إشكال وفضلا عن أنّها مرفوضة، مستحيلة بحكم الكونيّة الصّانعة لحضارة واحدة.
وانتهي الجورشي إلى أنّ إدارة الاختلاف والتعدّد صعبة، والأصعب لمّا يتعلّق الأمر بإدارة مجتمع متعدّد الأعراق والأديان والآراء. فكيف ندير التعدّد في الدّول، بما يرعى الاختلاف ويفكّ اشتباك الخلاف ملف معقّد ومؤلم؟!
* Vincent Geisser, La nouvelle islamophobie - Editions La découverte, 2003
**Thomas Deltombe, L'Islam imaginaire : la construction médiatique de l'islamophobie en France, 1975-2005 - Editions La Découverte

نقلا عن موقع منتدى الجاحظ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.