تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قمة سِر مكانك في سِر(ت) بقلم الدكتور : محمد الرمادي
نشر في الحوار نت يوم 28 - 03 - 2010


« قمة سِر مكانك في سِر(ت) »
دون مكبرات للصوت سمعَ الساري في ليل القدس العتيق الجريح اعتراف أمير دولة قطر بالعجز عن القيام بشئ، والمتأمل للشأن العربي يلاحظ تدني مستوى الاهتمام العربي الشعبي والعالمي بالقمة العربية التي بدأت اعمالها في مدينة سِر(ت)؛ مسقط رأس العقيد، وهذا يُعد مؤشراً واضحاً على مكانة العرب وزعمائهم، على الخريطتين الاقليمية والدولية معاً. ويرى المتأمل العديد من الحقائق؛ مثل عمومية الموقف العربي الرسمي تجاة كل القضايا التي طرحت وضبابيته، والتراجع والتدهور في الموقف العربي الرسمي أمامها.
لا شك ان مؤتمرات القمة تعد آلية فاعلة أو المفروض أن تكون كذلك لجمع شمل العرب واتخاذ قرارات هامة في القضايا المصيرية. ونذكر عقب إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945 بايعاز من بريطانيا أن عقدت قمة عربية مصغرة في زهراء انشاص بمصر عام 1946، كانت قضية فلسطين علي رأس جدول أعمالها. ومر عقد من الزمن لتنعقد القمة المحدودة في بيروت عام 1956 ثم التحف العرب بالبيات الشتوي حتي أول قمة موسعة بالإسكندرية عام 1964.
أما عن دورية انعقاد القمة في نهاية مارس من كل عام فقد كان ذلك أحد القرارات التي توصل إليها القادة العرب في قمة عمان بالأردن 28/3/2001 ليتجمعوا في دولة عربية يتم تحديدها وفقاً للحروف الأبجدية لكل دولة لبحث القرارات الهامة والمصيرية. ومنذ قمة انشاص 1946 وحتي قمة سِر(ت) 2010 وصل الرقم إلي "34" قمة عربية ما بين مصغرة ومحدودة وموسعة وسداسية وغير عادية ودورية، وقمة الكويت الاقتصادية، وقمة الدوحة السياسية تعهدتا بتحقيق المصالحة العربية، وخصصتا حوالى الملياري دولار لاعادة اعمار قطاع غزة. قطاع غزة ما زال محاصرا، ولم يدخل دولار واحد الى اهله من المبالغ المخصصة للإعمار، وهناك اكثر من ستين الف منزل مدمر يعيش سكانها فوق او تحت انقاضها، اما مبادرة السلام العربية فما زالت على الطاولة نفسها، وبحث البدائل عنها في حال لم يتم التجاوب معها اسرائيلياً وستبقى كذلك على الحال نفسه في القمم العربية القادمة، مع فارق اساسي، وهو ان كمية الغبار المتراكمة عليها ستزداد كثافة، وحجم الاحتقار الاسرائيلي لها ولاصحابها سيتضخم. وقبلها وقف العرب جميعاً مكتوفي الأيدي حين قتلَ بدمٍ باردٍ صهيوني أكثر من 1400 شهيداً، دماؤهم لن تجف وهي في أعناق المتخاذلين، يضاف إلى ذلك جرائم الإبادة الإنسانية بحق المدنيين العراقيين الذين تجاوز عددهم المليون ونصف المليون وجرائم التعذيب في سجون الإحتلال الأمريكي والصهيوني.
قرارات القمة.. وعنها حدِث ولا حرج
صدرت مئات من القرارات التي لاحقت الأحداث في حينها وواكبت التطورات المتلاحقة وتفاعلت مع التغيرات على الساحتين العربية والدولية. لكن القرارات في أغلبها ظلت رهينة الدارين: إرادة الفعل المشلولة، والتجاهل المتعمد وغض البصر المقصود. كما بقيت حبيسة الملفات المتكدسة والمتكلسة لتستقر نهاية المطاف وترقد آمنة مطمئنة فوق الأرفف المتهالكة التي أكل عليها الزمان وشرب وقد غطتها الأتربة لتصبح الغذاء الشهي اليومي للفئران والحشرات القارضة في مخازن جامعة الدول العربية المطلوب إعلان وفاتها من قبل البعض. لكن الدماء مازالت تجري في شرايينها حيث ان أمينها العام المصري الصابر المثابر الطيب عمرو موسي يعمل بكل طاقته لمدها بأنبوب التنفس الصناعي وأبقائها في غرفة الإنعاش. وتظل قرارات القمة حبراً علي ورق بالي أو مصقول. مع ملاحظة انخفاض سقف مطالب العرب الذي صار سمة لهم. الرأي العام العربي ينظر بإشفاق أو لا مبالاة نحو القمم، ويرى البعض أنَّ التحديات أعلى بكثير من القدرات التي يمكن حشدها فتبرعت دول الجامعة العربية ب 500 مليون دولار للقدس ويصرف الكيان الصهيوني 14 مليار دولار على تهويده.
يمكن تقسيم القمم العربية التي انعقدت على مدى الاربعين عاماً الماضية الى نوعين: قمم ناجحة، وآخرى باهتة، فاقدة الاهمية. ومن المفارقة ان جميع القمم الناجحة التي شكلت علامة فارقة في التاريخ العربي، هي تلك التي اتخذت موقفاً صلباً على صعيد الحروب، من حيث اللجوء اليها او تأييدها او الاستعداد لها، اما القمم الفاشلة عديمة الاهمية والتأثير فتلك التي تبنت مبادرات سلام أو طالبت بتجديد الالتزام بها. القمم الناجحة، والنجاح هنا مرتبط بالفاعلية والتأثير، تنقسم بدورها الى قسمين:
الاول: قمم عربية وطنية، مثل قمتي الاسكندرية والقاهرة عام 1964 اللتين انبثقت عنهما قرارات تاريخية مثل تأسيس منظمة التحرير والقيادة الموحدة والتصدي لمشاريع تحويل مياه نهر الاردن، او قمة الخرطوم التي انعقدت بعد هزيمة عام 1967 وصلّبت الموقف العربي، وقررت دعم دول المواجهة، ومهدت لحرب اكتوبر عام 1973. وقبلها حرب الاستنزاف التي استمرت لاكثر من الف يوم، وتكبدت خلالها اسرائيل خسائر مادية وبشرية كبيرة.
الثاني: قمم انعقدت بهدف تبني المشاريع الامريكية في المنطقة، مثل تلك التي تداعى اليها القادة العرب بعد اجتياح القوات العراقية الكويت، واستضافتها القاهرة، وقررت مباركة استدعاء نصف مليون جندي امريكي الى الجزيرة العربية، في سابقة هي الاولى من نوعها، لاخراج القوات العراقية، وتدمير العراق، ومن ثم حصاره لاكثر من 13 عاماً، وقتل مليون من ابنائه، معظمهم من الاطفال. هناك عدة ملاحظات حول سلوك ومواقف الزعماء العرب فيما يتعلق بالقمم بشكل عام، والعربية منها بشكل خاص، يمكن ايجازها في النقاط التالية:
اولا: معظم الزعماء العرب يلتزمون بالكامل بأي قرارات تصدرها القمم العربية اذا جاءت من خلال املاءات امريكية، وخاصة تجاه العراق وفلسطين، الاولى بشأن الحرب، والثانية بشأن السلام، وكانت هذه الاملاءات تأتي من خلال رسائل رسمية ترسلها الادارات الامريكية المتعاقبة الى الزعماء العرب قبيل انعقاد القمم؛ وقد ابرز الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إحداها لأجهزة الاعلام قبل ان يلتحق بمحور الاعتدال العربي ويصبح لاعباً أساسياً فيه.
ثانيا: يلتزم الزعماء العرب بأي قرارات تصدر عن قمم عالمية، اقتصادية او سياسية، يشاركون فيها، خاصة اذا جاءت بدعوة امريكية، مثل قمة الدول العشرين الاقتصادية، او قمم مكافحة الارهاب في افغانستان واليمن، مثلما حدث اخيراً في اليمن، ولكن من النادر ان يلتزم هؤلاء بأي قرارات تصدر عن قمم او اجتماعات عربية.
السيد عمرو موسى امين عام جامعة الدول العربية خبير في نحت التسميات والمصطلحات المخدرة للأمة العربية، فقد نجح في تحقيق انجازين في هذا الاطار لتغطية عورات القمة والمشاركين فيها، الاول باطلاق اسم القدس عليها، والثاني في انشاء مفوضية باسم المدينة المقدسة في الجامعة العربية. اطلاق اسم القدس على القمة لن يمنع عمليات التهويد المستمرة لها، وخلق مفوضية لها في الجامعة يعني المزيد من البيروقراطية والمصاريف وعدم الفاعلية، تماما مثل مفوضيات الاعلام والبرلمان العربي ومراقبة البث الفضائي، كلها حجج وذرائع لتوظيف بعض ابناء المسؤولين الحاليين والسابقين. ولعل الهروب إلى الإمام خديعة يحسنها العرب فإقتراح أمينها العام بإنشاء منطقة جوار عربي تنضم إليها تركيا وفي المستقبل إيران كرابطة إقليمية، إقتراح لا معنى له سوى ترحيل المشاكل على اكتاف الآخرين، أضف لذلك وجود منظمة المؤتمر الإسلامي والتي تضم 54 دولة، بيد أن الحضور القوي لرجب طيب اردوغان منذ قمة دافوس وقبلها وتحركه في الشارع العربي/الإسلامي اراد الأمين استثماره، وسلوك رئيس الوزراء التركي يدل على ذهنية رجل يفهم كيف يخاطب غيره، ودولته مازالت عضوا في خلف الناتو وترغب الدخول إلى النادي الأوربي المغلق أمامها شكليا حتى الأن. هذا مثال والثاني دعوة فارغة من المحتوى والمضمون من رئيس اليمن إلى إيجاد اتحاد عربي، وكما عبر سيادته بقوله :"في الإتحاد قوة"، فهل الفكرتان بديلتان عن الجامعة أم مكملتان لها !! .
فعن أي عرب نتحدث والعراق محتل أمريكيا منذ سبع سنوات عجاف بأكثر من 250 ألف جندي ومرتزق وبالرغم من إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مازال عدم الإستقرار السياسي مخيم على البلاد وتدهور أمني وقتال طائفي يهدف إلى تقسيم العراق إلى عدة دويلات، والخلل الذي أصاب منظومة الأمن العربي يعود لسنوات خلت والمثال الواضح الصارخ: فلسطين منذ أجيال وعقود، ومواصلة الأنشطة الإستيطانية وتهويد القدس وضم المقدسات الإسلامية والمسيحية وعدم إتمام المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح، وتقسيم اليمن السعيد الذي يعاني حراكا سياسيا متصاعدا في الجنوب يطالب بالإنفصال بعد أن هدأت الحرب، وتقسيم السودان ومحاولات التمهيد لتقسيم مصر، وأحتلال إسرائيل للبنان ومنطقة بأكمالها من سوريا الجولان.. كل هذا ونتحدث عن عرب؛ أي عرب!! وبلادهم مناطق نفوذ غربي أو قواعد عسكرية لدول حليفة، مع بقاء الخلافات العربية العربية على حالها، المصالحة العربية متعذرة، وستظل كذلك، وربما تتفاقم الخلافات بعد القمة الحالية، فالأجندات مختلفة، بل متصادمة متضاربة، فهناك من يضع ايران على رأس قائمة اعدائه، ويريد التحالف مع الغرب لهزيمتها، تماماً مثلما فعل مع الرئيس الراحل صدام حسين، وهناك من يرى ان اسرائيل التي تحتل الارض وتنتهك العرض وتهوّد المقدسات، هي العدو الاكبر للأمتين العربية والاسلامية، والهوة واسعة بين المعسكرين، وستزداد اتساعاً في الايام او الاشهر المقبلة. فلم تتحسن العلاقات بين مصر وسوريا أو بين مصر وقطر وخلافات متنامية بين دمشق وبغداد فضلا عن الخلاف المغربي الجزائري حول قضية الصحراء... التمنيات وأطلاق المبادرات والإقتراحات تلو الآخرى مع عدم وجود آلية لتفعيل السابق منها خيانة للقضية، فالعجز عن التجديد والاستغراق في الماضي قريبه وبعيده أحد المداخل الأكثر ملاءمة لفهم المأزق العربي في تجلياته كافة؛ ثقافية كانت أو فكرية وسياسية، ومأزق النظام العربي الرسمي اليوم ليس استثناء، هو الذي تعيد قمة سر(ت) العربية إنتاجه بإخراج ليبي يتقنه العقيد، فقد بلغ مبلغه مأزق النظام العربي الرسمي الراهن نتيجة العجز عن التغيير والتجديد كما صرح أمير دولة قطر في يوم افتتاح القمة الحالية، وافتقاده بالتالي رؤية واضحة للمستقبل فجمود اقترن بالعجز عن التجديد. النظام العربي في حاجة إلى تجديد منذ أن هزت هزيمة 1967 أركانه. المخجل حقاً أن النظام العربي اكتسب مناعة ضد التجديد بالرغم من أن «الزلازل» الاستراتيجية التي تعرض لها كانت تفرض تغييراً جوهرياً في مقوماته، وخصوصاً الغزو العراقي للكويت 1990 وتداعياته، والغزو الأميركي/البريطاني للعراق 2003 وما اقترن به من مشروع لتغيير المنطقة. فكانت مناعة النظام ضد التجديد أقوى من الأفكار والمشاريع التي طُرحت لتطوير بعض هياكله وفي مقدماتها جامعة الدول العربية أو لتحسين أدائه منذ أن صدم الغزو العراقي للكويت بعض الأسس التي قام عليها. فقد بدا لأشهر بعد غزو العراق، أن خوف دول عربية رئيسية من المشروع الأميركي لتغيير المنطقة يمكن أن يضعف المناعة ضد التجديد ويقوّي مركز الداعين إلى تغيير فيه، وتحقيق إصلاح ما. فقد قدمت سبع دول مشاريع لإصلاح الجامعة ومراجعة ميثاقها في ما بين الغزو وقمة تونس مايو 2004 التي أقرت وثيقتين كان ممكناً أن تفتحا الباب صوب مرحلة جديدة في مسار النظام العربي. ولكن الوثيقتين، اللتين وضعتا مبادئ عامة لإصلاح هذا النظام ولتحسين الأوضاع في الدول الأعضاء، سرعان ما حُفظتا في أدراج الأمانة العامة للجامعة بعد أن تجاوزت هذه الدول صدمة الغزو وتبين لها أن المشروع الأميركي للتغيير يشبه نمراً من ورق.
ولا نبالغ اذا قلنا ان العالم يهتم بشريط يصدره زعيم تنظيم القاعدة اكثر بكثير من اهتمامه بمشاركة 22 زعيماً عربياً ووزراء خارجيتهم في قمة عربية، يصدرون فيها القرارات نفسها، في بيانات مكررة فاقدة القيمة، ومعروف مقدماً انها ستحفظ في ملفات النسيان بعد الانتهاء من تلاوتها في المؤتمر الصحافي الختامي. الاهتمام بأشرطة زعيم تنظيم القاعدة يأتي من كون التنظيم ما زال يلعب دوراً مؤثراً في السياسة الدولية، حتى لو كان هذا الدور سلبياً في نظر الكثيرين، بينما تبدو الحكومات العربية جثة هامدة دون اي حراك وغائبة عن دائرة الفعل والتأثير، اللهم إلا اذا جاء تحركها مرتبطاً بمشاريع امريكية، وبتعليمات من البيت الابيض. واذا كان البعض ينفر من الاشارة الى تنظيم القاعدة كمثلٍ في هذا المضمار؛ وهذا من حقه، فإننا نعيد التذكير بالاهتمام العالمي بانعقاد المجالس الوطنية الفلسطينية بحضور فصائل منظمة التحرير قبل اتفاقات اوسلو، حيث كان يتهافت على تغطيتها اكثر من الف صحافي على الاقل، يشدون الرحال من مختلف انحاء العالم. والسبب هو التمسك بخيار المقاومة.
المواطن العربي فقد الاهتمام كلياً بالقمم العربية، لانه بات يشعر بحالة من الغثيان تجاهها، ومن بات يتابعها فمن قبيل البحث عن مفاجآت او مفارقات مثيرة بين اروقتها، مثل وصلات من الشتم العلني بين بعض الزعماء مثلما حصل في قمة شرم الشيخ عام 2003 بين الزعيمين السعودي والليبي، او بين رئيسي وفدي العراق والكويت في القمة الاسلامية عام 2003 عزة ابراهيم نائب الرئيس العراقي والشيخ محمد الصباح وزير الخارجية او تبادل القصف بمنافض السجائر بين اعضاء الوفدين العراقي والكويتي اثناء قمة القاهرة صيف عام 1990. وحدث أحياناً ما هو أنكي وأشد مرارة.. وعلي سبيل المثال: بعد ساعات من قمة بيروت 2002 التي اعتمدت مبادرة السلام العربية التي طرحتها السعودية قام ارييل شارون باجتياح رام الله ومحاصرة ياسر عرفات. وكانت قرارات قمة شرم الشيخ قوية ومدوية في رفضها للحشود العسكرية الأمريكية والبريطانية حول العراق في أوائل عام 2003. ولم يتأخر الرد الانجلوأمريكي علي قرارات القمة.. فقد تم غزو العراق بعدها بأيام قليلة!!! ومن المضحك أن القمم العربية في السنوات التالية أدانت الوجود الأمريكي في العراق.. والاحتلال غير الشرعي له إلا أنها لم تطالب بأي انسحاب أمريكي من بلاد الرافدين!!! القمة الحالية.. "قمة درء الأخطار" "قمة إطفاء الحرائق" "قمة رأب الصدع" "قمة ترميم الشرخ في الجدار العربي" "قمة مواجهة التحديات" "قمة المصالحة العربية".. سمها ما شئت.
تنعقد القمة والخلافات بين الدول العربية وبعضها تزداد وتتسع. خلافات بين ليبيا ولبنان والحكومة اللبنانية رفضت دعوة من ليبيا للمشاركة في القمة لأنها وصلت إلي جهة غير مخولة تسلمها هي السفارة اللبنانية في دمشق. وخلافات بين ليبيا والسعودية وبين ليبيا والسلطة الفلسطينية. وبين سوريا ومصر وبين سوريا والعراق وبين الجزائر والمغرب. خلاصة القول.. قمة سِر(ت) منعقدة ومشاكلنا معقدة وأزماتنا متعددة والصراع العربي العربي كما أسلفنا يتصدر الساحة بامتياز حيث يتقهقر إلي الخلف الصراع العربي غير العربي. والأشد قتامة وكآبة وغرابة هو تصاعد الصراع داخل القطر العربي الواحد. فالعراق ضد العراق. لبنان ضد لبنان. فلسطين ضد فلسطين. السودان ضد السودان جنوبه وغربه. الصومال ضد الصومال. وجزر القمر ضد جزر القمر. أضف إلي ذلك الصداع المزمن في معظم الدول العربية من المحيط إلي الخليج حيث اتباع الحوثي في اليمن وجبهة البوليساريو في المغرب العربي والإرهاب الذي يضرب الجزائر وغيرها. ومشاكل الحدود بين بعض الدول العربية وبعضها الآخر.. كل ذلك في ظل احتلال أمريكي مازال جاثما فوق أرض الرافدين وانتهاك تركي لشماله. واحتلال إسرائيلي للجولان السورية. واحتلال إيراني لثلاث جزر إماراتية. وتطلعات إيران الإقليمية علي حساب الدول العربية. والملف النووي الإيراني.. ناهيك عن ضياع فلسطين ومعاناة شعبه وتهويد القدس والحفريات المتواصلة تحت المسجد الأقصي. وافتتاح كنيس الخراب اليهودي في القدس الشرقية المحتلة. وقرار حكومة نتنياهو ببناء 1600 وحدة سكنية استيطانية بالمدينة المقدسة وأطرافها.. وإزاء كل ما يعانيه الشعب الفلسطيني اليائس البائس يتصاعد الصراع بين جناحيه الأساسيين فتح وحماس. أضف إلي ذلك كله تخلفنا العلمي والاقتصادي والسياسي عبر ركب الحضارة واستهلاكنا لمعطياتها المادية بتهافت وشراهة وتكالب دون المشاركة في انتاجها. واستقرارنا الواضح والفاضح خارج إطار الزمن واستدعاء الماضي وإعادة إنتاجه وتشبثنا بالخرافات والشعوذة...
هذا هو المشهد العربي صبيحة قمة سر مكانك.. فأنت في سر(ت)
ملف من إعداد
الدكتور محمد الرمادي ~ فيينا
الأحد 28 مارس 2010م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.