أمام المجهودات الكبيرة التي ما فتئت تبذلها السلطة التونسيّة في استدراج "بعض" العناصر المحسوبة على حركة النهضة إلى القنصليّات لتفريغها من إرثها النضاليّ والدعويّ ومن ثمّ تسريبها إلى أرض الوطن لتلج بوابات ومكاتب ضيّقة أعدّت خصيصا لاستقبال مثل هؤلاء لكي تمعن في نفضهم ممّا يكون قد علق في أكمامهم وجيوبهم وثنايا أثوابهم من "درن" النضال وشبهة الثبات وفتافيت الوفاء... ثم تسرّحهم تحت الطلب وليس بعيدا عن عيونها!!
أمام هذا ، ولأنّ السلطة تقتسم مع شعبها هامشا من الجغرافيا والفضاء، يستحب إبداء النصيحة لها حتى لا تنهك طاقتها في الوهم والسراب..
منذ مدّة والنظام التونسي يلاحق بعض المهجّرين ملوّحا لهم بالوثيقة الخضراء وشيء من رائحة الوطن، وقطعا هذا ليس لوجه الله تعالى.. فوجهه جلّ وعلا أولى به المصاحف الملقاة في قمامات السجون، ثم أولى به ضحايا منشور 108 وأوكد به الشباب ضحايا قانون الإرهاب وقوارب الموت التي تُحَمِّل اللحم البشريّ من الشواطئ وتسكبه في قاع البحر وجبة دسمة للقرش والسردين وما بينهما.. وجرائم أخرى كثيرة تستّر عليها النظام، وسترها الليل البهيم إلى حين يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود..
حين يتلهى السجّان بفتل عضلات جسمه ويفرد لها فضل وقته يكون قد غفل عن عضلات فكره، فتصاب بالبلادة.. وهذا ما حصل ويحصل لسلطة 7 نوفمبر التي تحاول جاهدة فكّ شفرة حركة النهضة من حواشيها وليس من عمقها.
لقد سخّر النظام جانبا هامّا من مقدرات الدولة لتفكيك الحركة، فاضطرت السلطة للهجرة وتغربت من أجل ذلك، ولا ندري كيف يلاحق النظام عبر أرجاء المعمورة هوامش! هامش الفعل لديها ضئيل ويترك القلب والزبدة والجذع والأصل الذي هو تحت يديه وبين فكيّه.
ليعلم الغافل والمتغافل أنّ معشر المهجّرين وبعد عقدين أو ثلاثة من التهجير لا يمكنهم اليوم إذا ما عادوا إلى تونس أن يذهبوا بمفردهم من المطار أو محطة القطار إلى منازل ذويهم وأنّهم مجبورون على أن يستقلوا سيّارة أجرة أو الاستعانة بدليل طريق، فإذا تداخلت عليهم ساحات العمران فكيف لا تتداخل عليهم ساحات الفكر والدعوة والثقافة، فليت شعري كيف يقول من لم يتعرف إلى ملامح حيّهم أنّه ذاهب لإثراء المشهد السياسيّ والقيام بواجبه الدعويّ وترشيد الصحوة!!. حتى لا نغالط أنفسنا هيّا نتقرّب إلى واقعنا ونجسّه بجرأة.. حينها سنعرف أنّ العالم تتحكم فيه التفاصيل الصغيرة والمتابعة الدقيقة المتنبهة والمتواصلة والعينيّة، ولا يمكننا في عالم اليوم صناعة الحدث إذا فوّتنا على أنفسنا بعض جزئياته فكيف بنا والأحداث تتوالد تنسخ وتستنسخ نفسها في دقائق ونحن ولعقود مغيبون لا نفقه من حراكها شيئا، إذا ما موقعنا أنفسنا ووصَّفنا حجمنا بدقة سنتوصل إلى أنّ عقود الهجرة القسريّة نحّتّنا من الواجهة ولا يمكن إلا أنّ نكون روافد للأصل يستعين بنا في تخصّصات ومحطّات ومتطلّبات...
إنّ أصحاب الفعل والمبادرة والقيادة والقرار هم وحدهم الذين يقفون هناك على اليابسة الملتهبة في أرض الوطن ، المحاصرين، المجوّعين والمراقبين ..، القرار بيد ذلك الزعيم السجين النحيف البارز قفص صدره كقفص سجنه، هو وحده من يملك القرار.. ذلك الذي يعرف وزن الخبزة وحجم البيضة وطعم "الراقو" ولون القفة وموعد الزيارة وبلاط الزنزانة،، وحدهم أصحاب القرار الذين يجيدون التفريق بين سيارات الأمن ومهامها.. ويعرفون الفرق الأمنيّة ورتب أصحابها ويفرّقون بين مخبر الشارع ومخبر النهج ومخبر الزقاق ومخبر باب البيت.. وحدهم الذين يتبينون وقع الأحذية وطَرقات الأبواب وماهيّة زوّار الليل والفجر، وحدهم أصحاب القرار الذين ومن كثرة احتكاكهم به يتعرّفون إلى نوع السجائر من صفرة أسنان السجّان، وحدهم أصحاب القرار الذين يعرقون من عرق الشعب ويمشون تحت شمسه ويتعرّضون لغباره ويشرّقون بتفاصيله ويقاسمونه السجن والمقبرة، يشربون من مائه ويأكلون من طعامه، يمرضون لمرضه ويغصّون لغصّته...
إنّ الأمر الريادي والقرار اليوم للذين تتعرض عقولهم للحراك اليومي ويدسّون أنفسهم مع جموع المارّة في الشارع الطويل، لهذا لم تعد تجدي كثيرا تلك النظريات الباردة الثقيلة، لم تعد تجدي تلك الأفكار الغليظة المترهلة المنهكة بشحم البطئ المسجونة داخل قمقم النظري، سقطت تلك المجلّدات الضخمة الصارخة بالأنا، وتنحّت لصالح المراكمة البسيطة والفعل اليومي المتواصل الممسوك بالصبر والرضا.. يا بني السابع من نوفمبر لقد حاولتم مع الداخل، قتلتم.. سجنتم.. عذّبتم.. جوعتم.. وحاصرتم.. لكن الداخل انحنى على بقيّته!!. وحَده الأدنى يحميه بلحمه وعمره وشظف عيشه، ولما يئستم توجهتم إلى خارج فتحت عليه الدنيا ونخره الرخاء استمرأتموه وخيّل إليكم أنّكم أخيرا انغمستم في صنصرت حركة النهضة، لكن رأس الأمر غاب عنكم وهو أنّ ما تقومون به صنصرة كاذبة مثل ذلك الحمل الكاذب لأنّه وببساطة يا معشر السذّج من هنا وهناك.. رأس "الكُبة" عند الداخل، وأكفان الشهداء أفصح من مجلدات الكُتَّاب والدم أصدق انباء من الحبر. مصدر الخبر : الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=5896&t=حركة النهضة ورأس "الكُبّة" ؟!!..&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"