سعيد يجتمع بعدد من الوزراء ويؤكد على اهمية اصلاح التربية والتعليم    سلطات مالي تعلن تحرير 4 سائقي شاحنات مغاربة    من مسبح المرسى الى سماء العالمية ..أحمد الجوادي قاهر المستحيل    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    دراسة.. مواد غذائية بسيطة تقلل خطر السرطان بنسبة تقارب 60%    شبهات التلاعب بالتوجيه الجامعي ..فرقة الجرائم المعلوماتية تلاحق الجناة    سفنه تنطلق من تونس يوم 4 سبتمبر .. 6 آلاف مشارك في أسطول الصمود إلى غزّة    عاجل/ واشنطن تعتزم فرض شرط جديد للحصول على تأشيرة عمل أو سياحة..    أخبار الحكومة    بلاغ رسمي للملعب التونسي    أخبار النادي الصفاقسي .. حصيلة ايجابية في الوديات.. وتحذير من الغرور    بنزرت الجنوبية: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    المدير الجهوي للتجارة بنابل ل«الشرق» استقرار في التزويد.. وجهود لضبط الأسعار    تونس: تجميع أكثر من 11,7 مليون قنطار من الحبوب إلى غاية نهاية جويلية 2025    النجم الساحلي يتعاقد مع الظهير الايسر ناجح الفرجاني    النادي الصفاقسي يعلن رسميا تعاقده مع علي معلول الى غاية 2028    الدكاترة المعطلون عن العمل: ضرورة توفير خطط انتداب ب5 آلاف خطة    ليلة الاثنين: بحر مضطرب بالسواحل الشرقية والشمالية    القصرين: العثور على جثة كهل تحمل آثار عنف    المنستير: تظاهرة "فنون العرائس على شاطئ روسبينا" في دورتها الثانية بداية من 15 أوت 2025    مهرجان العروسة: جمهور غاضب وهشام سلام يوضح    وزير السياحة: سنة 2026 ستكون سنة قرقنة    التعاون بين تونس وإيطاليا : طاقة التفاوض وفوائض الطاقة    بطولة افريقيا للشبان لكرة الطاولة بنيجيريا: المنتخب التونسي يختتم مشاركته بحصد 8 ميداليات منها واحدة ذهبية    القصرين: سواق التاكسي الفردي يتوجهون نحو العاصمة سيرًا على الأقدام تعبيرا عن رفضهم للقائمة الأولية للمتحصلين على رخصة "تاكسي فردي"    مهرجان نابل الدولي 2025... تكرار بلا روح والتجديد غائب.    رونالدو يتحوّل إلى صانع القرار في النصر... ويُطالب بصفقة مفاجئة    488 تدخل للحماية المدنية في 24 ساعة.. والحرائق ما وقفتش!    التوجيه تحوّل لكابوس: شكون تلاعب بملفات التلامذة؟    أمطار وبَرَدْ دمّرت الموسم: الزيتون والفزدق والتفاح شنيا صار؟!    عاجل: ''تيك توك'' تحذف أكثر من 16.5 مليون فيديو ودول عربية في الصدارة    ماء في الكميونة يعني تسمم وأمراض خطيرة؟ رّد بالك تشرب منو!    التوانسة حايرين والتجار زادا مترددين على الصولد السنة!    عاجل: الاتحاد العام التونسي للشغل يردّ على تهديدات الحكومة ويؤكّد حقّ الإضراب    الدلاع راهو مظلوم: شنوة الحقيقة اللي ما تعرفهاش على علاقة الدلاع بالصغار؟    في بالك ...الكمون دواء لبرشا أمرض ؟    والد ضحية حفل محمد رمضان يكشف حقيقة "التعويض المالي"..    نواب ديمقراطيون يحثون ترامب على الاعتراف بدولة فلسطين..#خبر_عاجل    سليانة: رفع إجمالي 275 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية    وزارة الأسرة تؤمن مواكبة 1200 طفل من فاقدي السند ومكفولي الوزارة عرض La Sur la route enchantée ضمن الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي    استشهاد 56 فلسطينيا برصاص الاحتلال خلال بحثهم عن الغذاء    بنزرت: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    القبض على "ليلى الشبح" في مصر: سيدة الذهب والدولارات في قلب العاصفة    "روبين بينيت" على ركح مهرجان الحمامات الدولي: موسيقى تتجاوز حدود الجغرافيا وتعانق الحرية    إصابة عضلية تبعد ميسي عن الملاعب ومدة غيابه غير محددة    جريمة مروعة تهز دمشق: مقتل فنانة مشهورة داخل منزلها الراقي    عاجل/ خلال 24 ساعة: استشهاد 5 فلسطينين جراء الجوع وسوء التغذية..    محمد عادل الهنتاتي: مصب برج شاكير كارثة بيئية... والحل في تثمين النفايات وتطوير المعالجة الثلاثية    البحر ما يرحمش: أغلب الغرقى الصيف هذا ماتوا في شواطئ خطيرة وغير محروسة    جريمة مروعة: امرأة تنهي حياة زوجها طعنا بالسكين..!!    تحذير طبي هام: 3 عناصر سامة في بيت نومك تهدد صحتك!    عرض "خمسون عاما من الحب" للفنانة الفرنسية "شانتال غويا" في مهرجان قرطاج الدولي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    من بينها السبانخ.. 5 أطعمة قد تغنيك عن الفيتامينات..تعرف عليها..    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الرد على الأخ فاضل البلدي: المشكلة في السلطة وليست في النهضة بقلم فتحي الناعس
نشر في الحوار نت يوم 27 - 04 - 2010


فتحي عبد الله الناعس : باريس
السلطة مازالت لم تعالج الملف الانساني المعاجة الحقيقية
مع احترامي لما قدمه الأخ الفاضل البلدي في المداخلة المصورة التي عرضت على هذا الموقع منذ شهر تقريبا ولكنني لم أجد شيئا جديدا ذا بال فيما تفضل به في مداخلته التي تمحورت حول كيفية حل أزمة الاسلاميين في بلادنا وأجد هذا طبيعيا والحال أنه لم يتحدث عن الذي بيده الحل والعقد والمتمثل في السلطة والتي من الواضح أنها وكعادتها مازالت لا ترفع إلا شعار العقد والاغلاق فلا فائدة إذا يا أخي الفاضل في المبالغة في جلد الذات فحالة السلطة المتغلبة في بلادنا والتي مازالت تخشى كلمة نقد في قناة من القنوات أو تقريرا من التقارير أو جمعية صحفية تحضى بحد أدنى من الحرية أو عقد ندوة لبعض الأطراف المعارضة أو السماح بجواز سفر لمعارض دون ابتزاز أو ترك سجينا سياسيا سابقا وحاله يعيش كسائر الخلق فوق أرض بلاده وغيرها من المشاهد فهي بذلك أبعد ما تكون عن فتح أي باب من أبواب الحوار مع أي طرف اسلامي وخاصة النهضة ولذلك فلا داعي لجلد الذات و تنزيل السقف الى الحد الذي نعلن فيه عن هزيمتنا وتوبتنا وحل أنفسنا حتى تقبل بنا كأفراد يعيشون من أجل كسب القوت وأكبر دليل على ما أقول هو ما تقوم به من اجراءات أقل ما يقال فيها أنها لا انسانية ضد اخوة لا لانهم ينشطون وينتقدون بالاسلوب الذي وصفته فهم أبعد ما يكونوا على ذلك بل هم يبحثون فقط عن لقمة العيش لابنائهم وأسرهم بعد أن خرجوا كالأشباح نتيجة سنوات طوال من السجن وما أدراك ما السجن؟؟ فهل تركتهم السلطة لحالهم ؟؟
الحقد والتشفي لازالت هي السياسة الأكثر وضوحا لدى السلطة
أخي الفاضل المسألة أكبر من الاسلاميين وخطابهم واختيارهم اسلوب اللين والمهادنة وحسن الخطاب فنحن أمام سلطة تطرح سقف واضح و لم تتزحزح عنه وهو ان يعلن الاسلاميون عن توبتهم وحل انفسهم كإطار جماعي مهما كان هذا التشكل وليعيشوا أذلاء من الدرجة الثالثة أو الرابعة ليكفروا عما اقترفوه في حق هذه السلطة كما تراه هي
إذا هناك عقلية من التشفي والحقد لا مثيل لها في أي بلد شهد صراعا بين السلطة وحركة معارضة فالحقود والمتشفي لا يصلح معه اللين والمخاطبة بالحسنى ما دام في حالة من القوة والحصانة وهنا ولمزيد من الوضوح فهذه الصورة من الحقد والتشفي لا تقتصر على السلطة الحاكمة بالمعنى الضيق أي في شقها السياسي وانما وللاسف الشديد تطال جزءا كبيرا من نخبة البلاد ومؤسساتها الاعلامية والثقافية فهي تعبر وبوضوح في كثير من المناسبات بطريقة مباشرة وغير مباشرة أنها لن تسمح ولن تساعد على عودة الحركة الاسلامية على الساحة مستظلة بذلك بما حققته آلة البوليس من ازاحة هذا ال"الخصم " الثقافي والتي تبين مدى هشاشتها أمامه في ظل توفر حد أدنى من الحريات !!
رفض القبول بالسقف الذي تطرحه السلطة لا يعني بالضرورة مواصلة الاشتباك
كما أنه في المقابل لا يعني طرح هذه الحقائق أن نعلن الحرب ونواصل في التشابك مع هذه السلطة أبدا فالمسألة ليس اما أبيض أو أسود فعدم المضي في مغامرات مسايرة السلطة والقبول بالسقف الذي تطرحه والذي من الواضح أنه اعلان وفاة بالكامل للمشروع الاسلامي على الأقل مرحليا يعني أن نواصل في المناكفة والمغالبة والتشابك بما يزيد في انهاك هذا الجسم الاسلامي الذي يحتاج الى أن يلتقط أنفاسه ويفكر بعمق في مستقبل المشروع في مناخ يحمل أقل ما يمكن من مظاهر التوتر مع السلطة
ولذلك فأنا أعتبر أن وضع بلادنا الحالى لا يتوفر على لحضة تاريخية سياسية وكل محاولة للالتفاف عليه في كلا الاتجاهين هو مزيد في انهاك هذا الجسم والدخول به في متاهات خاسرة بالضرورة وعليه فالأسلم لنا جميعا هو الصبر ومزيد من الصبر وتحويل نهمنا وطاقاتنا في العمل السياسي الى مجالات أخرى ذات بعد داخلي هادئ يركز على بناء الطاقات والامكانيات العلمية خاصة والمالية والفكرية وتمتين علاقاتنا الخارجية مع مواصلة رصد واقع البلاد عامة وترصد اللحضة التاريخية والتي نحسب أنها لن يطول غيابها كثيرا والتي من خلالها سنستعيد تموقعنا في الفضاء السياسي والثقافي والاجتماعي في بلادنا فالافكار لن تموت مهما طال طمسها وكبتها والتوهم من الانتصار عليها فلحضة التغيير فيها الى مساحة من الحرية والديمقراطية ستنبعث تلك الأفكار التي غيبت وطحنت بفعل الظلم والجبروت وكأنها ولدت لحينها
يقول شهيد الاسلام سيد قطب رحمة الله عليه وهو ينتظر حبل المشنقة "هناك أشياء كثيرة أود أن أعملها إذا مد لي في الحياة ولكن الحسرة لن تأكل قلبي إذ لم أستطع إن آخرين سوف يقومون بها إنها لن تموت إذا كانت صالحة للبقاء فأنا مطمئن الى أن العناية التي تلحظ هذا الوجود لن تدع فكرة صالحة تموت"
لقد صدقت كلمات الشهيد فبالرغم من عتمة المكان وانسداد كل المجالات في الفعل والعمل أمامه ولم يبق له إلا دقائق معدودة في سلم هذه الحياة الفاني فإنه لم يغادرنا إلا وترك لنا حكما ودررا نتزود بها في زمن القحط والشدائد في زمن يكاد أن تبلغ فيه القلوب الحناجر فهاهي أفكارك ياشهيد تملؤ الآفاق شرقا وغربا فهي لم تمت ولكن في المقابل أين الذين حكموا عليك بالموت وأين الذين تفننوا في عذابك لقد اندثروا وانحسر ت أفكارهم وتهاوت عروشهم.
رغم الجراح : نحن دعاة مصالحة منذ البداية ولازلنا على كذلك
إذا لا داعي لحالة اليأس لما نراه من انتشار للباطل وتغوله وسيطرته على أغلب مناحي الحياة فإذا كان المسلم وهو فرد مطالب بما يستطيع ولم يكلفه الله بما لا يتحمل فالمسألة عندما نكون جماعة تتأكد أكثر فعادة الجماعة ما تأخذ بالرخص في حين يأخذ الأفراد بالعزائم وعليه فنحن مطالبون ونحن نعالج نتائج هذا الباطل المستحكم في بلادنا بما نستطيع تحقيقه دون افراط ولا تفريط دون جلد للذات ودون المبالغة في تزيين مسارنا.
لقد قضينا سنوات طويلة من السجن والتنكيل ولا يزال زعيمنا الصابر الدكتور الصادق يقضي ما تبقى له من العقدين في هذه التجربة القاسية صابرا محتسبا كما انتقل الى الرفيق الأعلى عدد غير قليل من الاخوة الأحبة ونحسبهم عند الله شهداء عنده وطلقت عشرات الاخوات من أزواجهن ظلما وعدوانا وتشفيا وأصيب الميئات من أبنائنا وأمهاتنا وآبائنا بعاهات نفسية دائمة جراء الترويع وما عانوه على امتداد سنوات من الجمر ثم بدأت الأفواج من الاخوة يخرجون الجماعة تلو الأخرى ولكن دون تغيير كبير في السياسات تجاههم فسلط عليهم سيف المراقبة الادارية الذي جعل الأخ يقضي أغلب أوقاته بين مراكز الشرطة والحرس والأمن حتى تحولت حياة العديد منهم الى شبه جحيم لا يطاق فأصيب عدد منهم بأمراض نفسية خطيرة أودت بحياة البعض منهم.
لقد وقع كل هذا وأهوال وأهوال أخرى كثيرة كلنا يعلمها ولا داعي في مزيد فتح الجراح وبالرغم من كل هذا كان أول مؤتمر يعقد للحركة في الخارج في 95 طالب بالمصالحة والتجاوز وأوصى بنشر التقييم الذي تم اعداده على امتداد السنوات الثلاث التي سبقت ذلك المؤتمر وهو حسب علمي التقييم والنقد الذاتي الوحيد الذي صدر عن جهة تونسية سياسية حول ما حصل في بلادنا في العقد الأخير من القرن الماضي الى حد الآن وفعلا فقد نشر هذا التقييم بعد سنة من المؤتمر المذكور وقد حملنا فيه الحالة بالدرجة الأولى الى السلطة المتعنتة صحيح ولكنه كذلك لم يخلو من تحمل لجزء من هذه المسؤولية لأنفسنا وما اقترفته أفكارنا وخططنا وأعمالنا.
لقد قمنا بهذا العمل التاريخي في ذلك الظرف ونحن واثقون بأن السلطة لن تستجيب لنا ولن تبدي أي اهتمام بما حبرناه وبما خرجنا به في ذلك المؤتمر وبالرغم من ذلك فقد تحملنا مسؤولياتنا التاريخية واعلنا عن أخطائنا أو ما استطعنا أن نتفق عليه من اخطاء في ذلك الظرف والدماء تسيل من أطرافنا والحرائق لازالت تشتعل في أهلنا وعائلاتنا في كل الاتجاهات وأبنائنا الذين هجروا عدد غفير منهم غير آمن على نفسه في البلد الذي وصل اليه بعد معاناة الاختفاء داخل البلاد.
السلطة تتجاهل كل الأيادي الممدودة، في المقابل تنجح النهضة في اعادة لملمة جراحها
أخي الفاضل لماذا السلطة في ذلك الظرف وما تلاه لم تبدي أي اهتمام أو ردة فعل لما أقدمت عليه الحركة واعلنته من قرارات ونتائج لمؤتمرها الاول ولم يكن شغلها الشاغل البحث والجري وراء البعض من أجل تسفيه الحركة وقياداتها أو نقد مسارها كما تفعل الآن وتجتهد؟ لأنها وبوضوح كانت حينها تتحدث في كل المحافل ولدى كل الأوساط أنها اخترعت الدواء الشافي للقضاء على ما تسميه"بالتطرف" وبأنها لا تحي الموتى وأن النهضة انتهت فلا داعي للعمل الأمني لخلط الأوراق والتشويش عليها فالميت موقعه القبر وهذا أخي الفاضل ليس تحليلا اجتهدت في استنتاجه لا بالعكس فهذه حقائق وممارسات عشناها ولدينا عليها أدلة مكتوبة ومسموعة والكل يعلمها.
بالرغم من سياسة التجاهل التي قابلتنا بها السلطة وهي منتشية بما حققته من "معجزة" القضاء على حركة النهضة قيض الله لهذا الشتات المنتشر على عشرات الدول رجال نحسبهم صادقين ولا نزكي على الله أحد فتفرغوا لاحياء هذا الميت وجعل المعجزة الموهومة الذي يدعي النظام بتحقيقها اكذوبة وتحويلها الى معجزة معكوسة باحياء هذا الميت وبث الروح فيه من جديد واهبين أنفسهم لهذه المهمة بالرغم من الاغراءات التي كانت متوفرة وخاصة الرخاء المادي والاقتصادي الذي كان عليه الغرب عموما في ذلك الوقت والذي كن بامكانهم أن يستفيدوا منه كما فعل غيرهم!!! ولكنهم اختاروا ضنك العيش المضاعف المادي من جهة والتعامل القاسي من عدد من اخوانهم آنذاك الذين عاشوا لسنوات عديدة يؤكدون معجزة النظام ويثبطون العزائم والجهود ضد اخوانهم فهم كذلك اقتنعوا بأن النهظة قد ماتت فلا داعي لتحقيق المعجزة فالمعجزة قد حققها النظام وأعوانه
ولكن والحمد لله بكثير من الصبر وشيئ من الحكمة استطاعت هذه القيادات الشابة في مجملها آنذاك أن تلملم الجراح وتخمد الحرائق وتبعث الأمل من جديد في أن هذا الجسم لا يزال يتوفر على فرص حقيقية للعيش وأصبح هذا الأمل يكبر وينمو ببطئ صحيح ولكنه بثبات وعزيمة حتى تحولت المعجزة الى حقيقة وهي أن النهضة لم تمت وان تأثرت كثيرا بما أصابها ولكنها والحمد لله تعالى قد خرجت من غرفة العناية المركزة.
وعلى نفس المنهج واصلت الحركة التعاطي مع ملف علاقتها بالسلطة بأقدار كبيرة من الاعتدال والانفتاح دون غرور منها نتيجة التحولات التي صاحبت انعاش جسمها بانطلاق الحركة الحقوقية والسياسية في البلاد فتواصل الخطاب الباحث عن نقطة التقاء مع السلطة متوازيا كذلك مع خطاب الكشف عن الاعتداءات والتجاوزات والانتهاكات التي واصلت السلطة اقترافها في حق اخواننا وأهلنا في تونس
الاخوة السجناء المسرحون يدعمون خطاب المصالحة ويؤكدون طرحه
كما تواصل هذا الخطاب الباحث عن التجاوز وطي صفحة الماضي مع بداية خروج بعض القيادات النهضوية من السجون في بداية الألفية الثالثة فكانت تصريحات الأخ عبد اللطيف المكي وعبارته المشهورة "العفو القلبي" أي أن قيادات وأعضاء النهضة بالرغم مما عانوه من تعذيب وتنكيل في السجون وقبل ذلك في المعتقلات فإنهم والحمد لله تعالى خرجوا دون حقد على أحد ودون طرح فكرة الثأر والانتقام وانما طرحوا العفو القلبي وما تعنيه هذه العبارة من اعتدال ونكران للذات وتسامح قل نظيره في التجارب المشابهة ثم تواصل الخطاب مع بداية خروج القيادات التاريخية وما عبرت عنه من بحث عن سبل التجاوز وارسال رسائل معلنة وغير معلنة للسلطة من أجل تجاوز الماضي وجراحاته وتثمين الخطوات التي حصلت في اخراج المساجين فكان تصريح الاخ علي لعريض في قناة المستقلة وما أبداه من مرونة تجاه هذه السلطة وكم من رسالة مررها من أجل التجاوز وكذلك تصريحات الأخ حمادي الجبالي في بداية اطلاق سراحه وغيرها ... وفي مقابل كل هذه الرسائل وهذه التصريحات كيف تعاملت السلطة ؟ لقد رفضت السلطة أصلا من البداية أن يكون اطلاق سراح هؤلاء المساجين يحمل أي معنى أو بعد سياسي وواصلت في منطقها الاقصائي الذي يتحدث عن أفراد "أجرموا" في حق البلاد ومارسوا العنف والارهاب وقد خرجوا طبقا للقانون وماذا يعني هذا يا ترى ؟ هل هذا منطق جهة تريد أن تفتح الباب؟ وتقابل اليد الممدودة ولو باصبع واحد!! كما واصلت في تعاملها مع هؤلاء القيادات بالرغم من المعاناة التي عاشوها في السجون والزنزانات الانفرادية بسياسة المراقبة على تحركاتهم ومواصلة التنكيل بأسرهم وأقاربهم ( وحادثة منع ابنة الأخ حمادي الجبالي من حقها في عقد زفافها في قاعة عمومية في آخر لحضة إلا دليل ساطع على مواصلة هذه السياسة) وكذلك منع أغلب القيادات التاريخية في كثير من المناسبات من المشاركة حتى في بعض الندوات الفكرية.
السلطة مازالت بعيدة عن منطق المصالحة فلا داعي لجلد الذات
كل هذا وغيره أخي الفاضل يؤكد بأن النظام في تونس مازال بعيدا كل البعد عن فتح ملف الاسلاميين وقبول مناقشته بأي شكل من الأشكال ومع أي جهة من الجهات حتى وإن كانت هذه الجهة بعض من أبناء النهضة القدامي أو الحاليين خرجوا عنها وأبدوا رغبة في ذلك . إذا لماذا كل هذا الجلد المبرح للذات والحال أننا قدمنا كل ما يمكن أن يقدم ولكن الخصم الذي يملك المفتاح غير معني بجلدنا لذاتنا ومازال لم يطرح الموضوع أصلا على طاولته فالخطاب مازال هو نفسه والممارسات تكاد تكون نفسها كذلك
إذا المشكلة ليست في النهضة بأي شكل من الأشكال بل في السلطة التي مازالت تتعامل معنا بمنطق البوليس والأمن وبمنطق المنتصر والمتغلب على المنهزم والمنسحب بالرغم من حصول قناعة مؤكدة لديها أنها قد فشلت فيما كانت تضن أنها نجحت فيه وهو القضاء التام على النهضة أفرادا وأفكارا ولكن كبرياء التسلط وانعدام الشخصيات السياسية العاقلة والمتعقلة داخلها جعلها تكابر في تغيير نهجها والتعامل مع هذا الخصم بما يطرحه من حلول للتجاوز وطي صفحة الماضي ولو بشكل تدريجي
بل على العكس من ذلك فنراها وبكل تبجح وانتهازية تحاول وبنفس الآليات دائما بوليسية وأمنية أن تستغل بعض ممن لا يشك أحد في اختلافهم مع النهضة بل قل معاداتها(منذ بداية المحنة بالرغم من انهم كانوا أعضاء فيها وهنا أقصد الخارج) وهذا أمر حصل في عديد الحركات التي مرت بتجربة مشابهة مثل حركتنا (علمانيا واسلاميا) فآلة البوليس ومن خلال رصدها للافراد تاريخيا تستطيع أن تحول اختلاف فرد أو مجموعة من الأفراد مع القيادة الشرعية الى محامين جيدين يدافعون عن سياستها ضد اخوانهم نكاية في العلاقات الغير جيدة التي سادت بينهم وليس اقتناعا حقيقيا بما يطرحون أو عمن يدافعون فتتحول التراكمات التاريخية للبعض من هؤلاء الى عقد نفسية ومن ثم مبرر للتشفي من اخوان الأمس ولو كان الأمر يصب في مصلحة السلطة الظالمة والمغلقة لكل ابواب التصالح فتراهم يشيعوان مناخا في صفوف الصف المهاجر بأن المتسبب في هذا الانغلاق في البلاد وتواصل حالة التشابك وانعدام وجود حل لمشكلة تهجيرهم هي النهضة وقيادتها "المتصلبة" واللعب في الفترة الأخيرة على موضوع فيه دغدغة للعواطف ألا وهو موضوع العودة للبلاد لتبث البلبلة في الصف المهاجر حتى تحول وبسحر ساحر ساحة الصراع من داخل الطرف المتكلس والمتشدد والرافض لكل أشكال التجاوز وهي السلطة نفسها الى ساحة الطرف الباحث عن المصالحة والساعي اليها دون أن يجد آذانا صاغية او تغيرا في التعامل وهي النهضة لتصبح المعركة الموهومة بين من يريد المصالحة وبين من لا يريدها وبين خطاب معتدل مقبول وخطاب مغالب متشنج في حين انزوت عناصر البوليس تنظر وتراقب ولكن و بالرغم من ذلك يبقى الطرف الوحيد الذي يرفض المصالحة بل لا يبدي أي مؤشرات نحوها هي السلطة بالرغم من الجهد الكبير الذي بذله ويبذله محامييها الذين انتدبتهم دون عقود عمل رسمية!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.