عفوا أميمتي.. لقد أفزعتكم عفوا لقد أقلقتكم وفي خريف العمر ما نفعتكم ماكان لي غير الرّحيل تفقّدي ثوبي..على حبل الغسيل
ضميه..ضميه.. فلي مرسومة فيه حكاية العمر الحزينة عليه آثار دم لم يفلح الغسل مرارا أن يزيلها وثقبة في كمه الأيمن لا ترتقيها فتلك من حرق السجائر..ولي أخت لها في معصمي ومصحف قديمة أوراقه ..لا تتلفيها فوق رفوف المكتبة وفيه صورة لا تحرقيها في فجر يوم دسّه في سترتي أخٌ أحببته ونحن في غياهب السجون في غفلة من مرصد العيون قبيل بدء حصة التحقيق وقال لي خذ مصحفي وضمّني ضمّ الحبيب المشفق من يومها لم أره..أخي من قسوة التعذيب مات وكلّما ذكرته ..ذكرت في عينيه نظرة الثّبات وبسمة في ثغره وشيبة في شعره
كنا نغالب الكرى معا في ثلث الليل الأخير ونكتب التاريخ سطرا بعد سطر وندرس العلوم ونحلم بالمجد في أوطاننا وفرحة النجاح وننثر المشاعر الرقيقة في وثبة الصباح وعلى جدار غرفة "المبيت"صورة كبيرة للقدس ... وراية صغيرة مرسومة عليها مشاهد..لوقفة الشبان في "بيكين" وآية كان أخي يحبها..بخطّ ثلث داكن تؤكد التمكين تبشر بالنصر للمستضعفين
وفي شوارع المدينة.. تظاهرنا كان الشعار "الله أكبر" كنا ننادي بالعدالة وفضح كل القائمين بالعمالة وفوقنا حوّامة البوليس لم تثننا قنابل الدموع ولم تكن تخيفنا عصيّهم وبطشهم وقوة الدروع
كانت كذا أيامنا كانت كذا أحلامنا وفجأة تبعثرت وصودرت أقلامنا وفتّحت جهنم التحقيق والسجون
وبعدها الحصار آآآهٍ من الحصار وحصة السؤال في مخافر البولبس عن لفتة في الشارع ..لمن؟ عن مصدر العيش عن نشرة الأخبار في "الجزيرة" عن حلم ليل مزعج في الساعة الأخيرة قد عفت عيشي في سجون الذلّ فاخترت بعدا قد يطول عفوا أميمتي لقد كان اختيار في زمن ليس لنا فيه اختيار او انه في لحظة الضيق اضطرار خُيّرت بين العيش تحت الخوف والذل المهين أو أن أكون مخبرا أوسارقا أو كافرا أومارقا أو تائبا في "شعبة" أو ورْقة في لعبة أو جثّة بلا ملامح... أو لا أكون وبين أن أكون فاخترت أن أكون فغربتي وبعدكم خمسين ألف مرة خير لنا جميعنا والله خير حفظه.. قد ردّ يوما يوسفا هذا قضاء ربنا..قد كان دوما منصفا والصبر صبر ساعة .فحافظا أو متلفا عفوا فقد لا نلتقي..﴿*﴾ ﴿*﴾الى الأخ بو كثير بن عمرمع التحية والإكبار