السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا يفتح باب التسجيل للمشاركة في النسخة الثانية من برنامج "تبنّى شاطئاً"    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد النقاب؟ بقلم فيوليت داغر
نشر في الحوار نت يوم 21 - 05 - 2010

حاول الباحث جاهداً ألا يغوص في معارك السطح ليبحر في عمق الحدث علّه يتمكن من الوقوف على ما ينطوي عليه من معاني والخروج باستنتاجات، خاصة عندما يراقب لسنوات عديدة أحداثاً بدت كحلقات في مسلسل كان له تداعيات كثيرة على النفوس والعقول.

دوافعها لم تختلف لكن أماكنها وعناوينها تنوعت، بدءاً من حجب الحجاب على من تدثرن به في المؤسسات العامة بحجة مخالفته لروح الدولة العلمانية، إلى الترويج للرسوم الكاريكاتيرية المستفزة للمشاعر في الدانمارك باسم حرية التعبير، إلى الاستفتاء الشعبوي الذي أذن بمنع المآذن في سويسرا لعدم تقبلها عند الرأي العام، إلى استهداف المرأة التي ترتدي النقاب مؤخراً تحت ذريعة الدفاع عن حريتها هي نفسها، أو محاربة التطرف، أو لدافع أمني يتطلب كشف الوجه في عالم ينتابه عصاب الخوف من القريب والغريب. الأمر الذي يتيح لكائن من كان أن يطرح السؤال المشروع: ما السيناريو القادم وماذا سيكون بعد الذي كان؟
في الوقت الذي يُصدر البرلمان البلجيكي أحد أسرع قراراته القاضي بمنع تغطية الوجه سواء للمتظاهرين ضد العولمة أو للذاهبات إلى المسجد، يصّر ساركوزي على أن المعركة هي مع التطرف الإسلامي الذي يزداد خطره يوماً بعد يوم على قيم الجمهورية الفرنسية
ففي حين يُصدر مثلاً البرلمان البلجيكي أحد أسرع قراراته القاضي بمنع تغطية الوجه سواء للمتظاهرين ضد العولمة أو للذاهبات إلى المسجد، ولا ينطق بكلمة عن المعتقد أو الإسلام أو حرية الملبس والاختيار والحركة، يصّر الرئيس الفرنسي -الذي للتذكير يمر بأسوأ انخفاض له في استفتاءات الرأي- على أن المعركة هي مع التطرف الإسلامي الذي يزداد خطره يوماً بعد يوم على قيم الجمهورية الفرنسية.
فهل هناك حقاً تطرف إسلامي في أوروبا؟ وهل توجد مشكلة مجتمعية اسمها النقاب؟ وهل تتناسب الضجة المفتعلة حوله مع حجم الظاهرة وتأثيرها في المجتمعين الفرنسي والأوروبي؟ ألا يبدو التناغم شديداً مع تحركات جبهة الرفض لتشكيل جالية عربية ومسلمة ذات تأثير سياسي ومدني واقتصادي واجتماعي يتناسب مع حجمها في أوروبا؟
لنعد للوراء ثلاثة عقود ونيف من عمر وجودي في المنطقة الباريسية، عندما كان غطاء الرأس التقليدي هو السائد للنساء المغاربيات المتقدمات في السن خاصة، ولم يكن ما يسمى بالحجاب محسوباً بعد الإبن الطبيعي لصعود النشاطية الإسلامية الاجتماعية والسياسية. إلى أن جرى الانعطاف بعلاقة مع ظاهرتين: الأولى، صعود عام في التدين، لا يخص المسلمين فقط، عبّر عن نفسه بشكل واضح، من ناحية، في الجالية اليهودية التي تتشابه مع الجالية المسلمة في التعبير الخارجي عن تدينها، سواء بطقوس يوم السبت أو الكيبا (زي متدينين يهود) للأطفال واللبس المحافظ للمرأة وفتح أماكن تجارية لبيع المنتجات اليهودية "الكاشير".
ومن ناحية ثانية، بروز جماعات مسيحية تدق أبواب مساكننا داعية للعودة للنقاء والطهارة النصرانية الأولى، علاوة على الاهتمام بالفاتيكان والبابا.
أما الظاهرة الثانية فكانت تدهور ظروف الحياة والعمل إثر الأزمة الاقتصادية في منتصف السبعينيات وإقفال الحدود وزحف البطالة وما ترتب عن ذلك من انحسار في العلاقة مع شبيبة خرجت لسوق العمل لتجد أفقاً تسده عليها رأسمالية متأزمة.
ثم لا ننسى أن ذلك حصل بتناغم مع وسائل إعلام لا تنأى عن وصف أحياء المهاجرين بالصعبة ورؤية الأمر مدعاة للخطر على الجمهورية، بدءاً من بيع المخدرات وتعابير العنف وانتهاء بما يصور على أنه تطرف ديني.
فشل المجتمع الغربي المستقبِل للآباء المهاجرين، في منح الأبناء فرص الكرامة عبر العمل وشروط الحياة المقبولة، كان له أن يفتح الباب واسعاً لكل أشكال الرفض لأنموذج أوصل المراهق المسلم للتعرف على قاضي الأطفال والبوليس باكراً.
فأكثر من ثلث المراهقين عموماً يخرج في نهاية كل سنة دراسية دون شهادة أو تحضير جدي للحياة العملية. وقد كانت مطالبة بعض الأحزاب والجمعيات الفرنسية لأبناء المهاجرين بإحداث قطيعة قاسية مع أهلهم، كما كان لعدم احترام المجتمع الغربي للثقافات الوافدة وإتاحة المجال للتعبير عن نفسها أن يترك بالضرورة نتائجه السلبية على الشبيبة.
فمن خلال نظرة الآخر له وضمن علاقة جدلية، يرى المرء نفسه ويكوّن صورة عن ذاته. الأمر الذي وضع الجيل الصاعد في مواجهة رد فعلية مع المجتمع الفرنسي، مقابل علاقة أكثر قرباً من الإسلام والدين الذي يطالب بإقامة العدل ومناهضة التمييز ورفض الظلم، فيما يشبه الإنعتاق الروحي الكفيل بتخفيف وطأة التناقض والتوتر بين مجتمعين متداخلين.
كان لتصاعد وتيرة الأيديولوجيات العنصرية والمواقف العدوانية المناهضة للإسلام أن يخلق الأرضية الموآتية لإنتاج التطرف في قلب جماعات ذات بنيان هش تشعر بالتهديد والتهميش
ضمن هذه الظروف، كان لتصاعد وتيرة الأيديولوجيات العنصرية والمواقف العدوانية المناهضة للإسلام أن يخلق الأرضية الموآتية لإنتاج التطرف في قلب جماعات ذات بنيان هش تشعر بالتهديد والتهميش.
وقد ذهب الأمر لأبعد مما يجب عندما غدا المسلم مسؤولاً عن ما آل إليه وضعه، وبات مصدر خوف لا يمكن الاطمئنان له إلا بعد إثبات ولائه ليس فقط للجمهورية، بل لمواقف الساسة ولجماعات الضغط الكبيرة في البلاد.
لقد غطت السياسة الرسمية الفرنسية على فشل سياسة إدماج المهاجرين عندما اختزلتها بالاندماج الديني للمسلمين أنفسهم. ولا ننسى في ذلك مسؤولية من يعتبرون أنفسهم حماة قيم الجمهورية الفرنسية ويناصبون العداء من يرونه مهدداً لروحها، مقابل غياب مفكرين كبار ومتخصصين من وسائل إعلام ساهمت في خلق مناخٍ معادٍ للإسلام، عندما ركزت على صورة الإسلاموي الإرهابي والملتحي وجعلته الفزاعة وعممت الجزء على الكل واختصرت غنى وتنوع القضية ببعض الكليشهات.
فإذا كان وجود المهاجر يسهم في تنمية مشاعر الخوف من هذا الآخر المختلف، فهو في زمن الأزمات يمكن أن يغدو مهدداً للهوية الوطنية في خطاب اليمين ومن يصطادون في الماء العكر ويعملون على تسويق عالم مطمئن وآمن.
أصحاب الرؤوس الحامية يعمدون كما هو معروف لزرع الفوضى في الخارج وإشاعة الخوف منها في الداخل، وتحويله لنوع من الرهاب الجماعي بتغليب العواطف على العقل والمنطق. ولضمان استمرار تحكمهم بالسلطة ولسنّ التشريعات التي يريدون وتعزيز دولة الأمن بدلاً من دولة القانون وتغليب قانون القوة على قوة القانون، يلجؤون لتحريك اللاوعي وكوامن النفس البشرية بتحويل هذا الآخر وما "لا يمكن أن أكونه" إلى "ما لا أريد أن أكونه".
فتستكين الأنا للنحن، بما يسهّل الذوبان بالجماعة التي يفترض أن تتميز بقيمة إيجابية عالية، بمواجهة هذا الآخر الذي يوضع في موقع دوني، ويحمّل المسؤولية عن ما آل إليه وضعه بما يبرر انتهاك حقوقه وكرامته. أما انعدام المحاسبة فيعزز الشعور بتضخم الأنا، ويسهّل الخروج عن القوانين الناظمة والأعراف المتداولة، ويطيل من عمر شريعة الغاب التي يتغوّل فيها القوي على الضعيف.
وإذا كان جزء من المسؤولية يقع على الضحية، بلجوء البعض لتصرفات انطوائية أو رد فعلية وتغذية ثقافة الغيتو وتهميش الذات والانفصال عن المجتمع المحيط، علاوة لنظرة بعضهم للغرب كمجتمع كافر يجب اتقاء شره -بما يقدم للتيارات العنصرية المناهضة مادة تستفيد منها لتحريض الرأي العام عليهم- فالتواجد العربي الكمي الذي لم يصبح بعد نوعياً على المستوى السياسي والثقافي يشكو من وجود أفراد تستهوي بعضهم المناصب وتحركهم المنافع الشخصية أكثر منه العمل للجالية.
لا بل هناك من اتُخذ وسيلة لتجميل صورة المسؤولين السياسين دون أن يستطيع أو حتى يشاء تجيير منصبه وقوة الأصوات العربية للضغط باتجاه ما تمليه مصالح جاليته.
باسم النضال من أجل تحرير المرأة تحتقر المرأة المختلفة وخياراتها، وباسم الجمهورية يُحترم دين ويُؤلب على دين آخر, بل يغدو من الصعب استيعاب رفض فتيات استخدام المرأة كجسد في الدعاية والتجارة
كذا، وباسم النضال من أجل تحرير المرأة تحتقر المرأة المختلفة وخياراتها، وباسم الجمهورية يُحترم دين ويُؤلب على دين آخر. لا بل يغدو من الصعب استيعاب رفض فتيات، معظمهن ممن اعتنقن الإسلام حديثاً، استخدام المرأة كجسد في الدعاية والتجارة وردّهن بإعلان القطيعة مع المجتمع المشهدي.
منهن من يرين في هذا الزي ليس فقط ترجمة لانتمائهن لثقافة أهلهن، وإنما أيضاً نوعاً من التعبير عن الحرية الفردية، لدرجة أن التخلي عنه هو بنظرهن نوع من العنصرية غير المعلنة.
تقول إحدى المنقبات الفرنسيات: "لقد تركت قيم الجمهورية للسيدين ساركوزي وكوشنر، لم يعد عندي أكثر من القرف من بلدي الذي سرقوه واتهموا المسلمين بإخفاء الغنيمة".
القرف مضاعف عند الكثيرات أيضاً من إغماض العين عن جرائم قوات الناتو في العراق وأفغانستان وجرائم الجيش الإسرائيلي اليومية والمتعددة الأشكال ضد الفلسطينيين والعرب الآخرين.
فحين يصدر قرار عسكري إسرائيلي مثلاً بتحويل سبعين ألف فلسطيني إلى متسلل غريب في وطنه، لا يكتفي الغرب الرسمي بالصمت عنه، بل يكرم إسرائيل، بفضل النشاطية المعهودة لكوشنر ورئيسه، بترقيتها في مؤسساته المالية والاقتصادية والسياسية. أما عندما يجري تهويد القدس على قدم وساق وفي وضح النهار، فيتهم من ينتقد ذلك بإيقاظ النوازع المعادية للسامية.
بالتأكيد، لا يغيب عن أحد سعي جماعات الضغط المعادية للعرب والمسلمين لتهميش الجالية الحديثة التكون والتي ستعيد، عاجلا أم آجلا توزيع الأوراق والحصص والأوضاع، لتصبح يوماً طرفاً في السياسة والمجتمع والقرار.
لكن يجدر التذكير هنا بأن أوروبا هذه سبق وأن حشرت الجاليات اليهودية القوية الشكيمة اليوم في غيتو كان يغلق كما تغلق أبواب السجون، ثم لم تلبث هذه الأخيرة إلا أن أخذت حقوقها كاملة بالنضال المدني للمحرومين منها كما للمفكرين لرفع الظلم الواقع عليها.
بين الساسة هناك للأسف من يبحث عن شعبية رخيصة ويتكئ على مهووسين بإشعال الحرائق في بقعة متأزمة تتخلى يوماً بعد يوم عن أجمل ما نادت به الثورة الفرنسية (الحرية والمساواة والإخاء)، وأقره إعلان حقوق الإنسان والمواطن (1789)، ونص عليه برنامج المقاومة الفرنسية للاحتلال والدستور الفرنسي وتعديلاته، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ومهما تكن المسوغات، نجد أنفسنا أمام توظيف سياسي شعبوي يتدثر بالقانون، ولم يكن للأغلبية البرلمانية والحكومة أن تقوما بهذا العمل لولا ضمان تواطؤ إعلامي وصمت مراكز قوى وجماعات ضغط أساسية.
بالتضاد مع هذه المواقف، أظهرت وجهة نظر المفوضية الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان (التي تم تبنيها في 21/1/2010 بأغلبية 34 صوتا ضد صوتين فقط)، وجود أغلبية في وسط حقوق الإنسان ترفض أي شكل من أشكال التعسف والظلم والتمييز بحق المسلمين، وتقف ضد أية مسوغات للمساس بالحريات عبر تشريع قوانين.
ولا يختلف موقف هؤلاء عن رأي مجلس الدولة ومواقف مناضلين يساريين وعلمانيين ديمقراطيين رفضوا -رغم اختلافهم مع فكرة النقاب شكلاً ومضموناً- أن يتحول الموضوع إلى منع قانوني وحظر قسري في تعارض مع قيم حقوق الإنسان.
الدعوة ملحة لتكوين حركة من أجل عقد اجتماعي جديد لمجتمع تعددي الثقافة يعتبر ضمان حق الاختلاف الأساس لقيام دولة القانون المؤسسة على احترام حقوق الإنسان والمواطنة
لذا نجد ضرورة لتعاون واسع الأفق على النطاقين القانوني والثقافي لمواجهة عمليات التوظيف الرخيصة للعداء للإسلام، ولتعزيز دور جالية تشكل جزءاً هاماً من النسيج المجتمعي، لا يجوز تحت أية ذريعة تهميشها وإبعادها عن الحياة العامة (نذكّر بأنهم ستة ملايين مسلم، أي ما يقارب 10% من السكان، يتحدرون من 53 بلداً ويتكلمون 21 لغة إلى جانب اللغة الفرنسية).
والدعوة ملحة لتكوين حركة من أجل عقد اجتماعي جديد لمجتمع تعددي الثقافة يعتبر ضمان حق الاختلاف الأساس لقيام دولة القانون المؤسسة على احترام حقوق الإنسان والمواطنة.
حركة تضم في صفوفها مناضلين من أجل الحقوق الإنسانية والثقافية والبيئية، ومدافعين عن حق العمل واحترام الدستور والالتزامات المتعلقة بالشرعة الدولية والأوروبية لحقوق الإنسان، ومناهضين لما يسمى بالحرب على الإرهاب ولضرب القيم الديمقراطية والحريات، وللعنصرية والإسلاموفوبيا، ولوحشية العولمة وعنف الرأسمال المالي وسيطرة أقلية على المال والإعلام.
فتحركات المجتمعات المدنية الواعية والجسورة كفيلة بقطع الجسور تحت أقدام المتصيدين في الماء العكر وتسميم أجواء التقارب بين الشعوب والثقافات، والتقاعس خطيئة لا تغتفر.

------------------------------------------------------------------------


ولدت فيوليت داغر في تنورين- لبنان في منتصف الخمسينيات وتعيش في فرنسا منذ أكثر من ثلاثة عقود، وهي متزوجة ولها ابنة.
تلقت دراستها الجامعية في فرنسا حيث حازت على دكتوراه في علم النفس الاجتماعي ودبلوم دراسات عليا مختصة في علم النفس السريري.
درّست عدة سنوات علم النفس في معهد تخصص لعاملين اجتماعيين في الضاحية الباريسية ولطلاب الليسانس في جامعة أفري. وأنتجت على مدار سنة برنامجا لحقوق الناس على قناة الحوار الفضائية.
إضافة لعملها التطوعي في اللجنة العربية لحقوق الإنسان التي هي من مؤسسيها وحاليا رئيستها (اللجنة العربية لحقوق الإنسان جمعية غير حكومية مسجلة في فرنسا تعمل على العالم العربي ومؤلفة من متطوعين يعملون باستقلال عن الحكومات وعن منظمات التمويل).
لفيوليت داغر كتابات عدة في مواضيع مختلفة منها: كتابها الأخير الذي صدر بالعربية وقريبا بالفرنسية عن ظاهرة الهجرة وإشكالياتها انطلاقا من النموذج الفرنسي.
لها أيضا كتاب عن جريمة العدوان وآخر عن الطائفية. شاركت في كتب جماعية، وأشرفت على بعضها من مثل "الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا"، و"المرأة والأسرة في المجتمعات العربية"، و"اللاجئون الفلسطينيون في لبنان"، و"الحق بالصحة"، و"موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان"، و"التعذيب في العالم العربي، سلامة النفس والجسد" وغيرها.
إلى جانب المساهمات الفكرية، تنشط ميدانيا حيث كتبت تقارير عدة عن العقوبات الاقتصادية على العراق وأوضاع اللاجئين العراقيين في سوريا، وعن حقوق الإنسان الفلسطيني، وحقوق الإنسان في لبنان، إلخ.
ساهمت بمحاضرات في ندوات، وقامت بمهمات مراقبة قضائية في عدة بلدان عربية، كما نشرت عشرات المقالات في عدة صحف ومواقع إلكترونية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.