بقلم ظاهر المسعدي " أنام ملء جفوني عن شواردها... ويسهر الخلق جراها ويختصم " هذه الكلمات المعبرة هي للشاعر أبو الطيب المتنبي ويمتدح بها نفسه وأبيات شعره، وكأن بالمتنبي يقرر حقيقته الشعرية إلى الأبد، شاعرا خالدا، بل لعله الشاعر الأكثر خلودا في تاريخ أمة قدّر لها أن تكون أمة للشعر والبلاغة ، فيسهر الخلق في سبيل تفكيك أبياته ويختصمون وهم يحاولون الوصول إلى سدرة منتهاها، التي ينام المتنبي على قمتها سادرا ( ملء جفونه ) في لا مبالاته. ولأن بلدي تونس هو من البلدان القلائل التي نهلت كثيرا من تراث حضارتها العربية الإسلامية الأصيلة ولكن بشكل حداثي يتماشى مع روح العصر بما يحقق لتونس المناعة والرقي والازدهار، وعملا بهذا المبدأ وتأسيا بأقوال السلف الصالح، ينام هذه الأيام مرشحي حزب الحاكم ملء جفونهم عن شوارد الانتخابات التشريعية ويتلقون التهاني بصعودهم للبرلمان قبل بدء الانتخابات، بل وقبل بدء الحملة الانتخابية، حيث فاز 161 فارسا من الفرسان الذين لا يشق لهم غبار ضمن القائمات " المضمونة الصعود " قبل المبارزة وهذا ليس على تونس بعزيز، وإن كان في الأمر عجبا وغروا وغرابة ، لكن الارتقاء إلى زمرة الدول المتقدمة يقتضي منا بالضرورة دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية وتحقيق بعض المعجزات والعجائب السياسية. تحصل الحزب الحاكم على " الدوبلي " ( الرئاسية والتشريعية ) قبل انطلاق المباريات، بعد أن وجه الحَكم " الحكم والخصم " ورقة حمراء للمنافس أحمد نجيب الشابي وأبعده من سباق الرئاسة لعدم امتثاله لأوامر الخصم، ليتصدر ترتيب البطولة ب 99,99 نقطة ويتقاسم باقي المنافسين 0,01 نقطة ، كما أقصى أكثر من ثلاثة أرباع لاعبي منافسه الديمقراطي التقدمي درءا لإمكانية استعمال لاعبيه الخطاب " الخشن " وحمله على الانسحاب من البطولة التشريعية أو القبول بخوض المباريات منقوصا من لاعبيه وبالتالي التسليم بالهزيمة وبأمر الواقع. هكذا تُحصد الألقاب في تونس العهد العجيب وتُحقق الانتصارات الوهمية وتُغتصب إرادة الجماهير مرة أخرى بطريقة عارية ومفضوحة لتبقى تونس مضربا للأمثال التسعينية الساخرة يشار إليها بالبنان في انتخاباتها الرئاسية والتشريعية والبلدية. هكذا يداس القانون ويسود الظلم الصارخ والقهر الواضح في دولة وُعد شعبها ذات فجر منذ أكثر من عقدين ونيف بأنه لا مجال للظلم والقهر بعد اليوم ! ولا مجال لرئاسة مدى الحياة ! كم تمنينا أن تُستثار همة الحزب الحاكم هذه المرة ليتحلى بالشجاعة ولا يهرب من ساحة المعركة، لكن هيهات ففاقد الشيء لا يُعطيه !