رمضانيات 1431 لسان الذي يلحدون إليه أعجميّ ( 18) الدكتور عثمان قدري مكانسي منذ القديم وإلى هذه اللحظة يفتري الكافرون على نبي الإسلام ما يفترون ، ويدّعون ما يدّعون ، ويرمونه – عليه الصلاة والسلام – بأنه افترى هذا القرآن حين تعلّمه من غيره ! ومما يضحك له الإنسان – من ألمٍ – أن هذا الادعاء صبياني ، لا يقول به عاقل ، ومتى كان الكافرون عاقلين ؟. فالحجة التي بنَوَا عليها ادّعاءهم تافهة لا وزن لها – كبقية الاتهامات الأخرى – لكنّ تفاهة هذا الادّعاء ناتجة عن أن الصغير لا يقبل بها ، ويسخر من سردها . فقد روى ابن إسحاق أنه كان في مكة فتى أعجميّ قرب الصفا ، يبيع بعض السلع البسيطة ، يمرّ عليه الرسول صلى اله عليه وسلم كما يمرّ عليه الناس ، ويكلمه كما يكلمه الآخرون ، ولم يكن هذا الأعجمي ينطق من العربية سوى كلمات وجمل يكاد لا يبينها ، ولا يُحسن نُطقها ، ادّعى كفار مكة أنه علّم النبيَّ عليه الصلاة والسلام القرآن والحكمة !!. وعلى الرغم أنّ هذا الادّعاء لا وزن له إلا أنه ينبغي أن نشير إليه ، رادّين على تخرصات المتخرصين وادّعاء الكاذبين : 1- لو كان هذا الغلام ذا حكمة وفهم ما وضع نفسه في الموضع الذي هو فيه ، يمرّ عليه الجميع من كبار وصغار ، وينظر إليه الكثير نظرة ازدراء . 2- أنّى لهذا الفتى أن يعلّمَ رسول الله القرآن والحكمة – على فرَض وجودها عنده – وأداة التعليم واللغة وحسن البيان ليست فيه ؟! وفاقد الشيء لا يُعطيه . 3- كان أحرى بهذا الأعجميّ – الذي اتّصف بالعلم والحكمة على حد قول الكفار – أن ينسب القرآن إلى نفسه ، فيفخر بذلك على أهل مكة ومن حولها ، ويتبوّأ فيهم مركز الصدارة ، لا خانة النسيان !!. 4- ولِمَ تكاسلَ هؤلاء جميعاً ، فلَمْ يتعلّموا منه – إن صح زعمُهم – فأفادوا ، واستفادوا ، ونافسوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته؟!!. 5- وعلى فرض أنه صلى الله عليه وسلم – حسب ادّعاء الكافرين – تعلّم من ذلك الأعجميّ القرآن والحكمة ، ثمّ صاغ ذلك بأسلوب عربي مبين ... أما كان أهلُ قريش – وهم أفصح العرب – أن يصوغوا الأفكار بقالب سامٍ من البلاغة ، مثَلُهم – ف ذلك مثل النبي صلى الله عليه وسلم ؟!! لقد تحدّاهم القرآن أن يأتوا بمثله ، فعجَزوا ، وتحدّاهم أن يأتوا بعشر سور فقط من مثله ، فعجزوا أيضاً ، ثم تحدّاهم أن يأتوا بسورة من مثله فباءوا بالفشل . صدق الله تعالى إذ يقول في الآية 103 من سورة النحل : " ولقد نعلم أنّهم يقولون : إنما يعلمه بشر . لسان الذي يُلحدون إليه أعجميّ ، وهذا لسان عربيّ مبين " أمة مشهورة بالبلاغة والفصاحة يأتيها رجل منهم بكلام من كلامهم ، ويتحدّاهم أن يكونوا مثله في حسن البلاغة والبيان ، فلا يستطيعون ، وينبهرون حين يتلو عليه الآيات القرآنية ، ثم يصمتون إعجاباً ... أحرى بها أن تصدّق أنه كلام الله المنزّل على رسوله صلى الله عليه وسلم . ولئن اجتمع المادّيّون الملحدون في روسيا الشيوعية عام أربعة وخمسين وتسع مئة وألف في مؤتمر المستشرقين يدّعون أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من عمل فرد واحد – وهو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم – بل هو من عمل جماعة أدبية فكرية كبيرة ، وأنه لا يمكن أن يكون قد كُتِب في الجزيرة العربية وحدها ، بل إن بعض أجزائه قد كتبت خارج الجزيرة !!! . إنّ هذا الافتراء الجاهلي في القرن العشرين أقل خطأ من افتراء الجاهلين في مكة إذ ذاك . ولا شك أن أقوال هؤلاء وهؤلاء خطأ كلها . . لكنّ جاهليي القرن العشرين أقرّوا أن رجلاً واحداً بل رجلين أو أكثر لا يستطيعون تأليف كتاب يتضمّن قواعد الحياة كلها وأسسها إلى يوم القيامة . وغاب عن عقول ملاحدة القرن العشرين أن العالم كله – ماضيه وحاضره ومستقبله – لا يستطيع أن يأتي بمثله – إنسهم وجانّهم – لأنه كلام الله تعالى الذي " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد " .