درجات الحرارة لهذه الليلة..    صفاقس : خطأ عند الانتاج أم تحيل على المستهلك    رئيسة المفوضية الأوروبية تزورهذا البلد العربي الخميس    6 مليارات لتسوية ملفّات المنع من الانتداب…فهل هيئة المخلوفي قادرة على ذلك    الصحفي كمال السماري في ذمّة الله    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    وزير الثقافة الإيطالي: نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس    تامر حسني يعتذر من فنانة    ملكة جمال ألمانيا تتعرض للتنمر لهذا السبب    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط حفظ الصحّة    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    مصر.. تصريحات أزهرية تثير غضبا حول الشاب وخطيبته وداعية يرد    وزيرة الاقتصاد والتخطيط تترأس الوفد التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    وزير الخارجية يتناول مع وزير المؤسسات الصغرى والمتوسطة الكامروني عددا من المسائل المتعلقة بالاستثمار وتعزيز التعاون الثنائي    التعاون والتبادل الثقافي محور لقاء سعيّد بوزير الثقافة الايطالي    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    ملامحها "الفاتنة" أثارت الشكوك.. ستينيّة تفوز بلقب ملكة جمال    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة نجم المتلوي    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات مواليد 2007-2008- المنتخب المصري يتوج بالبطولة    استقرار نسبة الفائدة الرئيسية في تركيا في حدود 50%    فرنسا تعتزم المشاركة في مشروع مغربي للطاقة في الصحراء    وزيرة التربية تطلع خلال زيارة بمعهد المكفوفين ببئر القصعة على ظروف إقامة التلاميذ    عاجل: هذا ما تقرر في حق الموقوفين في قضية الفولاذ..    دورة مدريد للماستارز: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة 35 عالميا    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 27 أفريل    المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    عاجل/ نحو إقرار تجريم كراء المنازل للأجانب..    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    في علاقة بالجهاز السرّي واغتيال الشهيد بلعيد... تفاصيل سقوط أخطبوط النهضة    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    عاجل/ ايقاف مباراة الترجي وصانداونز    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    تونس تسعى لتسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لليونسكو    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    منظمات وجمعيات: مضمون الكتيب الذي وقع سحبه من معرض تونس الدولي للكتاب ازدراء لقانون البلاد وضرب لقيم المجتمع    تقلص العجز التجاري الشهري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لاوعي بدون ذاكرة، ولا إرادة بدون وعي
نشر في الحوار نت يوم 28 - 08 - 2010


حوار مع الدكتور أحمدُ بو عشرين الأنصاريُّ
الدكتورُ الفاضلُ أحمدُ بو عشرين الأنصاريُّ قامةٌ فكريّةٌ سامقةٌ مُنيفَةٌ .. وهامةٌ إنسانيّةٌ باسقةٌ شريفةٌ .. وشخصيّةٌ حركيّةٌ عليّةُ الهمّةِ .. قويّةُ الإرادةِ .. مع رجاحة في العقل واتّساعٍ في الرّؤيةِ وإحاطةٍ واسعةٍ بالشأنِ السياسيِّ في بلدهِ المغربِ الأقصى وبقيّة بلدانِ العالم الإسلاميِّ بشكلٍ عامٍّ.
تابعَ الدكتور بوعشرين كلَّ مجرياتِ الأحداثِ الكبرَى الَّتي عاصرَها -كما يقول في بعض مذكّراتِه التأمّليةِ- "بقلبٍ يحنُّ إلى التغيير الإيجابِيِّ من الظُّلْمِ إلى العدلِ ومن الاِستبدادِ إلى التَّدَاوُلِ ومن التجزئةِ إلى الوَحْدَةِ ومن التَّبَعِيَّةِ إلى الاِستقلاليَّةِ ومن الفقرِ إلى الكفافِ ومن الجهلِ والأمِّيةِ إلى العلمِ والمعرفةِ النافِعَيْنِ ومن التَّخَلُّفِ إلى النَّهضةِ ومن التَّطرُّفِ في الأفكارِ والمعتقداتِ إلى الوَسَطِيَّةِ والاِعْتِدَالِ" (والكلامُ مقبوسٌ من أحدِ مقالاتِهِ)
عَاصَر الدّكتورُ أحمدُ بوعشرين الأنصاريُّ العلاّمةَ المغرِبِيَّ الراحِلَ الشيخَ الدكتورَ "فريد الأنصاري" الّذي سَيَخْلُدُ اسمُهُ في سِفْرِ تاريخ العظماء وسِيَرِ النُّبَلاَءِ ومُذَكَّرَاتِ الصِّدِّيقِينَ والأَتْقِيَاءِ والّذِي كانَ لَهُ في التَّارِيخِ المغربيِّ الفكريِّ والسياسيِّ العامِّ تاريخُهُ الخاصُّ ولا سيّما في علاقته بحركة "الإصلاح والتجديد" الّتي تُعْتَبَرُ الوَرِيثَةَ الكُبْرَى لِحَرَكَةِ "الشَّبِيبَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ" والَّتِي كانَ لَهُ عَلَيْهَا مُؤَاخَذَاتٌ وتَحَفّظاتٌ ذَكَرَها في كتابِهِ المَعْرُوفِ: " الأخطاءُ الستّةُ للحركةِ الإسلاميَّةِ بالمغربِ" .
للدّكتورِ أَحْمَدَ بوعشرين الأنصاريِّ حُضُورُهُ السّياسيُّ والفكريُّ الفاعلُ وهو مؤمنٌ بهذا الحضور كما يؤكّدُ في مقالٍ له: " قَصْدَ تَقْوِيَةِ وتَمْتِينِ مُعَسْكَرِ قُوَى الإصلاحِ في ساحةِ التَّدافعِ المدنيِّ" ويرى أنّ الحوارَ هو السبيلُ المدني الراقي لتدبير الاختلاف في البرامج و الأطروحات لذلكَ أَسْهَمَ إلى جَانِبِ العَدِيدِ مِنْ إِخْوَانِهِ فِي دَوْلَةِ المَمْلَكَةِ المَغْرِبِيَّةِ في تأسيس حزب سياسي اختاروا له اسم "حزب الأمة" وقد أبطلت الحكومة بقرارٍ قَضَائِيٍّ جائرٍ تأسيسَ الحزبِ وهو ما سيكون له تفصيلٌ في هذا الحِوارِ كما رَبَطتْ بين الدكتور بوعشرين والأستاذَ محمد المرواني أُرومةٌ وعلاقةٌ تَعَانَقَ فيها الفكريُّ بالحركِيِّ بالإنسانيِّ ولذلك سيكون لنا وقفةٌ مع هذه الشخصيّةِ الفذّةِ الّتي ترزحُ الآن في المعتقلِ السياسيِّ بمدينةِ "سلا" ب "الرباط" بموجبِ حكمٍ قضائيٍّ جائرٍ في ما يُعرفُ بقضيّةِ "بلعيرج". وحتّى لا نُسهبَ في التّقديمِ فقد كانَ لنا مع المفكِّرِ والباحثِ الإسلاميِّ الدكتور بوعشرين مصافحةٌ جميلةٌ وحوارٌ رائقٌ يُعَدُّ بِحَقٍّ وثيقةً مهمّةً تستفيدُ منها الأجيالُ في معرفةِ الشّأنِ السّياسيِّ العامِّ والشّأنِ الإسلاميِّ الخاصِّ بالمملكة المغربيَّةِ.
س: نرحِّبُ بكَ أَخينَا الدكتور بوعشرين في برلمانِ تُونِسَ الافتِراضيِّ ونشكُرُكَ على قَبُولكَ لإجراءِ هذا الحوارِ المُبارَكِ معنا وصبْرِكَ على أسْئِلَتِنَا الكِثَارِ الّتي نَعْلَمُ أنَّنَا لا نَطرَحُ بَعْضَهَا إلاَّ ونحنُ نغبُنُ أسئِلَةً أخرى كثيرَةً.
وبعيدًا عن الأسئلةِ الحِواريَّةِ الاِحتِفاليّةِ المُستَهْلَكَةِ فإنّنا ندعوكَ لِتَعريفِنا بشخصيّتكَ الفكريّةِ والسِياسيّةِ ومختلفِ المنابعِ الّتي شَكَّلَتْ أو كوّنَتْ هذهِ الشَّخصيّةَ وما حَقيقَةُ اعتبَارِ فِكْرِ "النهضَةِ" في تونِسَ واحِدًا من هذه المنابِعِ؟
ج: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلى سائر أنبياء الله المرسلين، بداية أبارك لكم هذا الشهر المبارك ونسأل الله عز وجل أن يكون صيامنا وقيامنا إيمانا واحتسابا وأن يدخله على الأمة الإسلامية بالفرج والنصر والتمكين، إنه نعم المولى ونعم النصير ، ثم ثانيا أتقدم بالشكر الجزيل للإخوة والأخوات الساهرين على موقع "برلمان تونس الافتراضي"، وأحسب أن فكرة هذا الموقع فكرة جيدة للتواصل ولحشد الجهود وللتعريف بقضايا الأمة الإسلامية عامة وبقضايا بلدكم تونس خاصة، فشكر الله لكم جميلكم ودعوتكم الكريمة للحوار.
سؤالكم للتعريف بي، ففي أسطر قليلة أقول وبالله التوفيق: اسمي أحمد بوعشرين الملقب بالأنصاري نظرا لأن عائلتنا منحدرة من الأنصار وبالضبط من الخزرج، وبالمناسبة فقد أفادني الشيخ فريد الأنصاري رحمة الله عليه في آخر جلسة لي معه أننا في الغالب قد نكون من الأنصار الذين أتوا من الأندلس ليستقروا بالمغرب.
• أنا من مواليد مدينة مكناس التي توجد في المنطقة الجنوبية الوسطى بالمغرب،
• تابعت دراستي الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية بمكناس،
• خريج جامعة المولى إسماعيل بمكناس شعبة العلوم الفيزيائية،
• حاصل على دكتوراة في العلوم الفيزيائية من جامعة محمد بن عبد الله بفاس،
• خريج كلية الحقوق جامعة المولى إسماعيل بمكناس شعبة الاقتصاد،
• باحث في قضايا الفكر الإسلامي،
• رئيس سابق لجمعية منبر الحوار للتربية والثقافة والفن بمكناس،
• عضو منتدى الكرامة لحقوق الإنسان،
• مشرف عن القطاع الشبابي للحركة من أجل الأمة وعضو مجلس شوراها،
• عضو مؤسس لحزب الأمة المحالة قضيته على محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط.
كسائر أبناء الصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية بالعالم الإسلامي، كنت من الذين أنعم الله عليه بنفحات هذا الدين العظيم بفضله سبحانه وتعالى، وبفضل رياح الصحوة الإسلامية في بلدنا، وفي مرحلتي الجامعية كان احتكاكي كثيرا مع مختلف مشارب الحركات الإسلامية العاملة بالمغرب من خلال العمل الطلابي، وكنت آنذاك في مقتبل الشباب، وعشت آنذاك مع باقي شباب الحركة الإسلامية بعض الوقائع الكبرى في العالم،
• بدءا بآثار سقوط جدار برلين على المد التحرري عموما وعلى المد اليساري خصوصا،
• ثم مرورا بانطلاق شرارة الانتفاضة الفلسطينية التي أشعلتها قوى المقاومة الناهضة بفلسطين والتي استمرت لسبع سنوات، وكان لها أثرها البالغ على المد الإسلامي والتحرري بالجامعة بحيث عشنا لحظات مشرقة في التضامن مع الانتفاضة من خلال الأسابيع الثقافية والمظاهرات الطلابية المساندة للانتفاضة،
• كما أننا تابعنا بكل مرارة انطلاق ما يسمى بمسلسل المفاوضات الفلسطينية (السرية والعلنية) مع الصهاينة، والتي توجت باتفاق غزة أريحا أولا، وأتذكر الرفض الإجماعي داخل الحركة الطلابية لهذا،
• عشنا فرحة فوز جبهة الإنقاذ الإسلامية بالدور الأول للانتخابات التشريعية بالجزائر الشقيقة، وعشنا مأساة تدخل الجيش الجزائري لإلغاء هذه النتائج وحل الجبهة، وانطلاق مسلسل العنف الرهيب بالجزائر... كان هذا هو سياق الوقائع التي كان لها أثر في بناء شخصية جيل من الصحوة الإسلامية وكنت أحد أبناء هذا الجيل طبعا،
في تشكلي الفكري تأثرت ببعض الكتابات التي كان لها وقع على مسيرتي الفكرية وعلى صناعة الأفكار الكبرى الباصمة لشخصيتي، وأذكر خصوصا:
• كتابات الشيخ الغزالي رحمة الله عليه، والشيخ القرضاوي،
• كتابات منير شفيق و خصوصا كتابه القيم "الإسلام في معركة الحضارة"،
• كتابات سيد قطب وخصوصا كتابه القيم "معالم في الطريق" الذي أحسب أنه قرئ وفهم خطأ عند البعض، وكذا "التصوير الفني في القرآن" الذي كان كتابا رائعا في تدبر كلام الله المعجز،
• كتابات الشيخ راشد الغنوشي، وخصوصا كتاب "حوارات" لقصي صالح درويش" الذي كان كتابا قيما من حيث أفكاره التجديدية الجريئة وقد جعلني أنفتح من خلاله على أسئلة المشروع المجتمعي الإسلامي في مختلف تجلياته، ودفعني أكثر للاهتمام بتجربة حركة النهضة بتونس فكنت أقرأ كلما له علاقة بهذه التجربة، فقرأت عن تجربتهم الانتخابية التي أجهضت كذلك، قرأت عن محنتهم مع النظام التونسي سواء البورقيبي أو في عهد بن علي، اطلعت عن بعض أفكارها الكبرى في الديمقراطية وحقوق الإنسان والتحالف والإصلاح الديمقراطي، لكن حقيقة لم تتح لي الفرصة كي أطلع على وثائقهم ورغم ذلك خطابهم كان واضحا من خلال كتابات الشيخ راشد الغنوشي ومقالاته، وكذا من خلال تجربتهم الطلابية في الجامعة المتميزة التي وصلنا صداها، وكنت أقول دائما ولازلت أن تجربة النهضة لم تتح لها الفرصة مع الأسف لتبرهن عن أفكارها وتجلياتها العملية، فهي أحسب تجربة إسلامية رائدة انفتحت مبكرا على الأسئلة الكبرى لنوازل العصر من مثيل التعددية وحقوق الإنسان والديمقراطية...
• كتابات د.عبد الله النفيسي وخصوصا كتاب "عندما يحكم الإسلام" و مجهوده النقدي من خلال كتاب
"أوراق في النقد الذاتي" الذي جمع فيه وجهات نظر مختلفة حول نقد الحركة الإسلامية...
و لا يفوتني أن أذكر هنا بعض رواد الحركة الإسلامية والصحوة الإسلامية الذين تأثرت ببعض أفكارهم من مثيل د.حسن الترابي وأفكاره في تجديد أصول الفقه، و د.محمد عمارة وخصوصا كتابه "معالم في المنهج الإسلامي"، هذه مجمل الخطوط العريضة لخارطتي الفكرية التي أسهمت في صنع شخصية هذا العبد الفقير إلى الله، وأتمنى أن أكون قد أجبت بما فيه الكفاية..

س: لكَ مؤلّفاتٌ في أبْوابٍ شتّى؛ نَرْجُو أن تُحدِّثَنَا عنْ بعضِهَا وقدْ سَمِعْنَا عَنْ مُؤَلَّفٍ لَكَ قيْدَ النَّشْرِ قَدَّمَهُ لَكَ الأستاذُ المرواني. كمَا لمَسْنَا من خِلالِ مُتَابَعَتِنَا المُحْتَشَمَةِ لنَشاطِكُمْ الفِكري اهتمامًا خاصًّا بالقضيَّة الفلسطينيّةِ الّتي بدَا لنَا أنَّها تُمثِّلُ محورًا مُهِمًّا من هُمُومِكُم البحثيَّةِ ولَكُمْ بخُصُوصِها مؤَلَّفٌ لَمْ يُنْشَرْ بَعْدُ فأيُّ جديدٍ تُقَدِّمونَهُ من خِلاَلِ هذا العَمَلِ؟
ج: في الحقيقة هي مقالات متعددة وليست مؤلفات، فمرحلة التأليف في نظري هي مرحلة لاحقة تأتي بعض عرض أفكار عبر مقالات للتمحيص وللتدقيق وللنظر حتى يكون التأليف تأليفا أقرب إلى النضج، أما بالنسبة للمقالات فهي متعددة المجالات لكن اهتمامي المركزي في مختلف مقالاتي يظل متمحورا حول سؤال النهضة الإسلامية بمختلف تجلياتها ومجالاتها، أما فيما يخص التأليف فلي بعض المشاريع التي أسأل الله أن تنتفع بها الأمة، وهي الآن بصدد الإنجاز والتحضير وأترك لنفسي فرصة لتمحيص أفكاري وكلامي، فالكتابة والتأليف مسؤولية عظيمة، أما فيما يخص المؤلف الذي أنا بصدد إنجازه قريبا هو يدور حول الراهن السياسي المغربي، وقد اخترت له عنوانا مؤقتا "نظرات في الزمن السياسي المغربي" وهو كما قدمت له في مقدمة الكتاب: " يحاول أن يعرض من خلال المقالات طيه مكامن الخلل في الوضع السياسي الراهن، في أضلعه المتمثلة في بنية الدولة دستوريا وسياسيا وأداء، وفي بنية النخبة السياسية أحزابا وقوى سياسية، ... لننهي خطة الكتاب بالحديث عن المطلوب، بناء على خلاصات مآلات مسار الاختيارات الرسمية للدولة من حيث نتائجها وثمارها من خلال استدعاء مجمل ما رصدته التقارير الدولية وحتى الرسمية لتقويم هذا المسار، و مآلات مسار الفضاء الحزبي والسياسي خطابا وأداء، من حيث مدى تعبيره عن المطالب المجتمعية دستوريا وسياسيا ومؤسساتيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا."، أما فيما يخص القضية الفلسطينية، فهي تعتبر قضية محورية ومركزية لدى الأمة وإذن يمثل بالنسبة لي شخصيا تبني قضية تحرير فلسطين علامة فارقة لقياس مدى الانتماء لهذه الأمة أصالة، ونظرا لمجمل التحولات السريعة التي عرفها مسار هذه القضية في العقود الأخيرة فإن العمل على جبهة الذاكرة بهدف الحيلولة دون تحوير شعارات التحرير وتحريف مسارها يعتبر من الأولويات الثقافية الأساسية التي ينبغي أن يضطلع بها كل مثقف ملتزم بقضايا الأمة وقضايا التحرر عموما، فكما قلت وسأظل أقول: " هذه هي التذكرة التي ينبغي أن يدندن حولها في كل حين، وما أبلغها من تذكرة، تذكرة ابتدأت بحكاية شعب اغتصبت أراضيه، وشرعن احتلالها عبر قرار التقسيم الأممي الجائر، وتوهجت أشكال مقاومة هذا المحتل عبر أيام وسنين اغتصابه للأرض، وكانت الغاية العادلة والمشروعة من هذه المقاومة إزالة هذا الاحتلال الظالم، تنظمت فصائل المقاومة والتفت حول هذا الهدف، ورفضت الخنوع والخضوع للأمر الواقع الذي حاول المجتمع الدولي الظالم أن يفرضه بالقوة وبالتحايل وراء دعاوى نبذ العنف والإرهاب، ودعاوى توسل السلام العادل والشامل ودعاوى ضرورة التعايش السلمي، وكان من نتائج ذلك أن حاول بعض المخترقين والمستسلمين لهذا الأمر الواقع من داخل الأمة ومن داخل الفلسطينيين، أن يؤسسوا لمفاهيم انبطاحية ضدا على حقيقة الاحتلال وحقيقة التاريخ والذاكرة، فساروا على نهج المنتفعين أياما ودراهم ودولارات وسلطات محدودات معدودات، وعوض أن تستمر بنادقهم وخططهم وأقلامهم موجهة ضد العدو مقاومة له، حولوا وجهتها نحو شرفاء المقاومة فكان التنكيل والاعتقال والمحاصرة والتآمر ضدهم وضد التطلعات التحريرية للشعب الفلسطيني المحتل، وكان الانقسام الفلسطيني انقساما بين صف لازال قابضا على جمر استراتيجية التحرير الشاملة مقاومة ومفاوضة وسياسة وثقافة، وصف قزمها إلى استراتيجية تفاوضية متسلسلة بدون نهاية وبدون نتائج وبدون لاجئين وبدون قدس وبدون دولة وبدون تحرير... فلن نمل من الترديد، أن الصهيونية شر مطلق، لا خير فيها ولا في أصحابها أينما حلوا، وكيف يكون الخير فيمن يقوم وجوده أصلا على غصب الأرض وقتل الإنسان ونقض العهود والمواثيق...ولن نمل من الترديد، أن هذه الأرض الفلسطينية لن تتلقح بغير إرادة المقاومة الصامدة، ولن تنجب هذه الأرض الفلسطينية إلا المجاهدين والمقاومين..."
س: للذّاكِرَةِ في نَظَرِكُمْ مَعْنًى جليلٌ وهِيَ أَسَاسٌ لِبِنَاءِ الوَعْيِ التَّاريخيِّ فما مُعيقاتُ تَرْسيخِ هذا الوَعْيِ في نَظَرِكُمْ؟
ج : لاوعي بدون ذاكرة، ولا إرادة بدون وعي، ولا فعل بدون إرادة، هي معادلة واضحة المعالم، فالذاكرة تبني الوعي التاريخي الصحيح لأنه من وعى التاريخ أضاف عمرا إلى أعماره كما يقال، والوعي يؤسس للإرادة لأنه حين يغيب الوعي يحضر العبث وبالتالي تغيب الإرادة والإرادة هي المؤسسة للفعل لأن الفعل حين يكون لا واعيا ولا إراديا لا يثمر نفعا في الراهن وفي الآفاق، إن الوعي بالتاريخ مقصده الاعتبار منه والاعتبار يدفع إلى وعي بالأخطاء وبواجب الحال، وهو الذي يوجب فعلا ناضجا يصحح المسار، فالاحتلال الصهيوني حقيقة تاريخية، وحين نؤسس لها في خطابنا على هذه القاعدة التاريخية، نبني وعيا متجددا بخطورتها وبشرها وبحقيقة احتلالها المستمر، وهذا الوعي هو المعول عليه في صناعة جيل مؤمن بواجب التحرير متعلقة قلوب بنيه بأمل تحرير فلسطين من أيدي البطش الصهيوني، فالذاكرة هاهنا تفضح مأساة أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني، هجروا من أراضيهم وقراهم ومنازلهم في فلسطين، وتذكر بها، وتنبه المتغافلين الذين أرادوا تناسيها، والذاكرة هاهنا تصحح بدماء الشهداء والجرحى، وبأحلام المهجرين بالعودة بنود التحرير التي "عدلت" في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، إرضاء لمسلسل "السلام المزعوم"، فتقول الأرض كل الأرض، لا اعتراف بكيان صهيوني غاصب، والذاكرة هاهنا تستدعي كل من أراد أن يتناسى او يحرف حقائق التاريخ لزيارة أروقة النضالات الحقة عبر التاريخ ليتأكدوا بالملموس أن "المفاوضات وإلقاء السلاح" لا يلتقيان أبدا، في منطق تحرير الأرض من المحتلين.

س: لَوْ نَقْتَرِبُ أَكْثَرَ مِنَ الشَّأنِ المغربيِّ معَ حِرْصِنَا علَى ألاَّ نَسْتَزِلَّكَ منْ مَرَاقِي الفِكْرِ وعَلْيَائِهِ إِلَى عَواهِنِ السِّياسَةِ ولأوائِها فَسينصبُّ الحديثُ على اللِّقاءِ التَّواصُليِّ حوْلَ مضامينِ وثيقَةِ "الإصلاح الدّيمقراطيّ .. مُمْكِنٌ مَغْرِبيٌّ" للأستاذِ المروانيِّ والمعتقَلينَ المظلُومينَ مَعَهُ والّذي كان لكَ فيهِ إسْهَامٌ فاعِلٌ من خلاَلِ مُدَاخَلَةٍ قيِّمَةٍ سَمَحَتْ لَنَا بِتَحَسُّسِ رؤيَتِكَ الإصلاحيّةِ فَلَوْ تُحَدِّثُنَا أَوَّلاً عنْ ظُرُوفِ تَنْظيمِ هذا اللِّقاءِ والمشَارِكينَ فيهِ وَتقييمِكُمْ لهَامِش التفاعُلِ معهُ ومَا كَانَ لهُ من وقعٍ على مُختَلَفِ الأصْعِدَةِ .
ج: لقد كان لقاء مهما قل نظيره في زمن كثر فيه التنابز بالألقاب بين القوى السياسية، وغاب فيه معنى السياسة بما هي "قيام على الأمر بما يصلحه"، إن حاجتنا إلى الحوار داخل المجتمع الواحد وكذلك بين قوى الأمة الشريفة هي حاجة ضرورية ووجودية لتحرير اختلافاتنا ولتحرير ائتلافاتنا وللاتفاق على الخطوط الحمراء لهذه الأمة، والحوار يلزمه الإنصات و التناصت والتواصل، و هذه المناسبة كانت فرصة للإنصات إلى بعضنا البعض، وكان القدر الذي جمعنا هو مناقشة وثيقة سياسية خطها ذ.محمد المرواني في سجنه فرج الله عليه هو وإخوانه وجميع الأبرياء معهم، فكانت صراحة فرصة جيدة للاستماع لبعضنا البعض ولإزالة بعض الغبش عن الأفكار التي كثيرا ما تصل إلى الآخر أو إلينا عن بعضنا البعض بشكل مشوه أو غير دقيق، ونأمل أن تليها فرص أخرى بحول الله،
وفي تقديري أن يلبي طلب دعوة الحضور لهذه المناسبة ويجتمع في مائدة للحوار، اليساري والأكاديمي والإسلامي والإعلامي لمناقشة مثل هذه الوثيقة، فهو أمر يثلج الصدر، ومسيرة الألف ميل تبدأ بالخطوة الواحدة كما يقال، إن من شأن إطلاق مبادرات حوار مجتمعي جاد، أن يدرأ عن البلاد مفاسد كل التشويشات التي تظهر ولا زالت، والتي غايتها الأساس تمييع الفرز السياسي، والسياسة، والإصلاح وكل آمال تحرير المجتمع من ربق الاستبداد والظلم والتزييف والفساد وكل الكوابيس المجتمعية التي تنتهك الحقوق والإرادة الشعبية والمال العام، والحوار المجتمعي المقصود هو سابق للحوار الوطني الشامل، ذلك أنه يمهد الطريق له، من خلال الحرص على فرز سياسي سليم تتبين فيه المواقف والمواقع والأطروحات. ونقصد بالحوار المجتمعي، الحوار الذي ينبغي أن يتأسس بين كل قوى المجتمع الشريفة التي تلتقي حول مطلب تحريره وضرورة استعادة سلطته.
س: قدّمتَ في وَرَقَتِكَ البَحْثِيَّةِ قرَاءَةً مستَفيضةً لفكرِ الأسْتَاذِ المروانيِّ، فَرَّجَ اللهُ كَرْبَهُ وكرْبَ إِخْوَانِهِ المَظْلُومينَ معهُ، دافعتَ فيها على التّوازُنِ الفكريِّ والسِّياسِيِّ والمَوَاقِفِيِّ للرَّجُلِ فهَلْ لكّ أن تُجْمِلَ لنا وللقرّاءِ الرّؤيّةَ السِّياسِيَّةَ للأستاذِ المروَاني والمقتَرَحاتِ والأَفكار الكُبْرَى الّتي يطرَحُها في مشروعه الإصلاحي؟
ج: أولا لابد من تعريف مقتضب للأستاذ محمد المرواني، فهو أحد قيادات العمل الإسلامي بالمغرب، من مواليد 1959 بالرباط أب لثلاثة أطفال، زوجته السيدة عفاف الحاجي أستاذة التعليم العالي، عضو مؤسس للحركة من أجل الأمة وأمينها العام ، عضو مؤسس لحزب الأمة و أمينه العام، عضو بالمؤتمر القومي الإسلامي (شارك فعليا في ثلاثة من مؤتمراته) ، عضو سكرتارية المجموعة الوطنية لدعم العراق وفلسطين، شارك في عدد من المؤتمرات الدولية آخرها مؤتمر القدس الدولي باسطنبول بتركيا في نونبر 2007، ...

تتمحور الهواجس الفكرية للأستاذ محمد المرواني حول اهتمامين مركزيين في تقديري، أوله التعاقد بمنطلقاته وتجلياته المجتمعية، وثانيه الإصلاح بمختلف مجالاته وأولوياته، وتنطلق فكرة التعاقد عند الأستاذ محمد المرواني، من أصل عام يمكن استنباطه من خلال استقراء شامل للمفاهيم السياسية الإسلامية الأصيلة المثبتة في نصوص القرآن والسنة الصحيحة، وهذا الأصل العام هو "نبذ الإكراه على الاختيار" كيفما كان نوع هذا الإكراه أو جهته، فالإكراه هو ضد الاختيار الحر الذي يحاسب عنه المرء ويكون مسؤولا عنه في الدنيا وفي الآخرة، وغاية ما جاءت به الرسالة الإسلامية، تتمثل أصلا في إزالة كل ما يحول بين المرء وبين أن يختار بشكل حر عقيدته ودينه وطريقة تدبير حياته واختياراته وقراراته، وعلى هذا الأساس ينتصر فكر ذ.محمد المرواني إلى ترجيح الأطروحة التعاقدية في الفكر السياسي الإسلامي التاريخي على حساب الأطروحات الأخرى التي نظرت لموضوع تدبير الحكم والدولة والشأن العام ومنها أطروحة النص التي اعتبرت الخلافة قضية توقيفية نصية ولا تندرج في مباحث المصالح العامة، وأطروحة الضرورة التي مالت إلى ترجيح الصبر على الإمام المتغلب حيث ميزت بين الحاكم بالحق والحاكم بالفعل، وانتصار فكره لمدرسة التعاقد هو أيضا انتصار لمسألة الرضا المجتمعي، فالتعاقد له وجهان تعاقد أفقي بين حاكم ومحكومين، وتعاقد عمودي بين المحكومين و به يحصل تراضي مجتمعي حول الثوابت والمستندات الجامعة التي تؤسس لهوية المجتمع، والتي على أساسها تدار شؤونه وتراعى مصالحه وتحدد اختياراته، ومن هنا كان التأكيد عند الأستاذ على مبدأ الحوار سبيلا لحصول هذا التراضي بما يؤسس لتعاقد مجتمعي، شرطا أساسيا لنجاح التعاقد على مستوى علاقة الدولة بالمجتمع، أما الاهتمام الثاني في فكره فتركز على مسألة الإصلاح بمعنى الجواب عن سؤال أرق فقهائنا القدامى وهو التوفق في إيجاد موازنة حكيمة بين "الضرر الواقع والضرر المتوقع"، من حيث التأصيل والإفتاء للمسألة الإصلاحية عموما المرتبطة بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم، فمنهم من غلب في جوابه الحفاظ على وحدة الأمة على حساب القيام بتقويم للشرعية السياسية الفاسدة أو الناقصة أو المنعدمة، ومنهم من غلب العكس، وأطروحة الأستاذ المرواني التي يميل إلى ترجيحها هي على خلاف الأطروحة التي اعتمدت بالأساس على حضور وضعية الظلم والفساد والاستبداد شرطا في القيام بعملية تقويمية سريعة لا تراعي تدرجا ولا مآلا، وأيضا على خلاف الأطروحة التي بالغت، في استدعاء كل ما يمنع من التقدم في عملية تقويم هذه الوضعية، دون اعتبار لمآل هذا المنع الذاتي، ودون اعتبار لتدرج حكيم يقدم عملية التقويم نحو الأقرب إلى الصلاح والعدل وتصحيح الشرعية،وإذن نجد فكره ينتصر لأطروحة " التقويم التدريجي للاختلالات" من حيث المبدأ، إن أطروحة الأستاذ تقوم أساسا، على اقتناع أساسي مفاده أن الرهان التصحيحي والإصلاحي الذي يدافع عنه هو الذي يكون من الداخل، أي من قلب التدافع الاجتماعي المدني الذي تجري أطواره من داخل البلد، ولذلك تجده يركز على تفعيل الديناميكية الإصلاحية الداخلية، قصد تثبيت دولة المجتمع المعبرة عن اختياراته، واستدعاء كل ما يدعم هذا الهدف، من تفعيل للمجتمع المدني، إلى الرهان الثقافي والتربوي والقيمي، إلى الحث على ضرورة استقلالية العلماء وتفعيل دورهم الإرشادي والبياني للأحكام والتنموي للأخلاق والقيم، إلى الإيمان بحتمية الحوار الوطني، إلى التأكيد على الانتخابات النزيهة والديمقراطية والحرة، قصد إقرار تداول فعلي على السلطة والاحتكام إلى صناديق الاقتراع لكسب التأييد الشعبي ولممارسة السلطة، هذه في خلاصة مركزة مجمل الأفكار الكبرى التي تشكل دعائم مشروعه الإصلاحي في تقديري، وبالمناسبة يمكن الرجوع إلى مجمل ما كتب في هذا المجال، خصوصا بحثه القيم حول "السلطة في الفكر السياسي الإسلامي"، ووثيقة "نعم الإصلاح الديمقراطي مكن مغربي"، ومقالاته : -" التجربة الديمقراطية في المغرب: الآفاق، الممكنات والرهانات"، "الإصلاح الدستوري والمؤسساتي وصناعة القرار"، "في الحاجة إلى توقيع نقطة نظام سياسية من أجل مستقبل سياسي مغربي أفضل"، "الدولة الإسلامية دولة مدنية"، ومقالات أخرى وأغلبها منشور في موقعه الخاص.
س: لاحظْنَا أنَّكَ خَالفْتَ الأستاذَ المروانيَّ في مسألةٍ جزئيَّةٍ تفصيليَّةٍ ذاتِ أهمِّيَةٍ تتعلَّقُ بِحُسْنِ تَدْبِيرِ التَّعامُلِ مع مفهومِ الإعَاقَةِ الدِّيمقراطيَّةِ فَمَا سَنَدَاتُ كِلْتَيْ رُؤْيَتَيْكُمَا للمَسألَةِ وَمَا أَوْجُهُ الخِلاَفِ بَيْنَكُمَا حَوْلَهَا؟
ج: هو خلاف فقط في التسمية فقط في تقديري، فالأستاذ محمد المرواني سمى هذا "الجيب المقاوم" لأية هبة إصلاحية بالمغرب بتيار الإعاقة الديمقراطية وهذا التيار له نفوذه داخل دواليب الدولة، وسميته أنا تيار الارتداد الديمقراطي على اعتبار انه أسهم في تراجع المغرب على المستوى الحقوقي والسياسي القهقرى، وعاد الحديث بقوة عن "حاضر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" من اختطافات واعتقالات تعسفية ومحاكمات غير عادلة، و عن "حاضر الانتهاكات الجسيمة للإرادة الشعبية" من تزوير في الانتخابات وانتشار المال الانتخابي وصناعة الخرائط الانتخابية على المقاس والحرمان من الحق في التنظيم والمشاركة، و عن "حاضر الانتهاكات الجسيمة للمال العام" من فضائح اختلاسية في مالية بعض المؤسسات العمومية، و عن "حاضر الانتهاكات الجسيمة للخدمات الاجتماعية والقدرة الشرائية" من الارتفاع المهول للأسعار ولفواتير الماء والكهرباء وللولوج الصعب والمتعب والمكلف للخدمات العمومية،....إذن هو يرجعنا إلى هذا الماضي الذي حسبنا أنه في طريقه إلى الاندثار.

س: باعتِبارِكَ كُنتَ دَائِمًا ومُنذُ سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ علَى خَطِّ التَّماسِّ مَعَ الشأنِ السياسيِّ المغربِيِّ نَرْجُو أن تقدِّمَ لنا تَوْصيفكَ الخاصَّ للوضعِ السّياسي والحقوقي بالمملكةِ المغربيّةِ ولا بأسَ في أنْ تَعُودَ بِناَ إلى زَمَنِ بداياتِكَ الأولى.
ج: الوضع السياسي المغربي هو في تقديري في وضعية الركود و الانتظارية وغياب المبادرات السياسية الجادة، مع استمرار غياب أي مؤشر نوعي يشير إلى أنه ثمة إرادة رسمية للإقدام على إصلاحات سياسية ودستورية ومؤسساتية حقيقية، أما الوضع الحقوقي فهو يتسم بعودة الحديث عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حسبنا أنها قد ولت، والتقارير الحقوقية المحلية والدولية تحدثت راهنا عن عودة الاختطافات، وعن محاكمة الصحفيين، وعن المحاكمات الجائرة...صحيح أنه ثمة أوراش إصلاحية تقدمت بها الدولة في العهد الجديد )تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة، تنصيب هيئة تشرف على المجال السمعي البصري ، وإعادة هيكلة الحقل الديني، ثم إصدار مدونة الأسرة وإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية...)، إذا ما قسنا هذه المبادرات مع مستوى التطلعات المجتمعية، فسنجد في تقديري أنها تظل محدودة وغير مترابطة التأثير بشكل شامل في المجتمع، ذلك أنها تجيب جزئيا على مشكل هو في عمقه مؤسساتي ودستوري وسياسي، فالإصلاح له ترتيب، والترتيب أن يتم تدشين الإصلاحات السياسية والمؤسساتية والدستورية، بحيث توضع عربة الإصلاح في سكتها الحقة، ومادامت الانتخابات ليس لها معنى سياسي تنبثق منها حكومة مسؤولة وقادرة على تنفيذ برنامجها السياسي والانتخابي الذي وعدت به أغلبيتها، وبرلمان مسؤول يراقب ويحاسب ويشرع ويقرر، ومادامت المحاسبة التي هي أساس الحكامة الجيدة غائبة، بحيث لا يتمكن ناهبو المال العام من الإفلات من العقاب، كما يعترف التقرير التركيبي 50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب وآفاق 2025 في بعض من فقراته بذلك حيث يؤكد قائلا: "إن المحاسبة أو تقديم الحسابات وكذا تطبيق العقوبات الإدارية أو السياسية أو القضائية أو الانتخابية المترتبة عن نتائج تلك الحسابات لم تتحول بعد عملة متداولة في بلادنا، وفي المقابل فإن الإحساس بالإفلات من العقاب شجع على التلاعب بالمال العمومي..."، ومادامت شروط انطلاق إصلاح مؤسسي ودستوري لم تنضج القناعات بها، فستظل مختلف الأوراش الإصلاحية على إيجابياتها محدودة المدى والتأثير، هذه المحدودية التأثيرية أقرها ضمنيا تقرير الخمسين سنة بوضوح تام حينما عبرت بعض فقراته أن: " الأشواط المتبقية على طريق التنمية البشرية ما تزال طويلة : فالمغرب يحتل اليوم الرتبة 124 في سلم مؤشر التنمية البشرية، في الوقت الذي يحتل فيه الرتبة 108 على مستوى معدل الدخل الفردي. وبإمكان مواطن النقص المتعددة أن تشكل حصيلة سلبية ثقيلة، قابلة لأن تعيق، في أية لحظة، مجهود التصحيح." (وبالمناسبة فالتقرير الخمسيني هو تقرير صادر عن جهة رسمية)
س: عايَشتَ تلكَ الأزمةَ الّتي حصلتْ إثرَ خلافٍ حادٍّ بينَ المرحومِ العلاّمةِ الشيخِ الدّكتور فريد الأنصاري والأستاذ الفاضل الدكتور أحمد الريسوني فكيف حصلت هذه الفتنةُ بين فقيهين مقاصِديَّيْنِ جليلينِ وكيف تقيّمُ اليوم نقد المرحوم الدكتور فريد والّذي طالَ حركة "التَّوْحِيدِ والإصلاحِ" وجناحِها السياسيِّ "العدالة والتنمية" وكذا حركةَ "العدلِ والإحسانِ" والسلفيَّةَ بكُلِّ أجْنِحَتِهَا ؟
ج: في تقدري الذي يريد أن يفهم مجريات كل ما ذكرته، عليه أن يطلع على المشروع العام الذي تقدم به الشيخ فريد الانصاري رحمه الله عبر كتبه وإصداراته، فلا يمكن أن نفهم أقوال وأحكام الشيخ فريد الأنصاري رحمة الله عليه بدون ربطها بتصوره العام الذي أسس له، والذي تشكل مؤلفاته الأخيرة حصيلة شاملة لخلاصاتها، بدءا بكتاب "الفجور السياسي" والذي شخص فيه بعناية بالغة ما آل إليه المشهد القيمي والأخلاقي للمجتمع، حيث نبه إلى خطورة الفجور السياسي الراهن باعتباره "فسق مشتهر" مختلف بالطبيعة عن الفجور الطبيعي، فإذا كان الفجور الطبيعي هو "استجابة للرغبة الذاتية الحيوانية للفساد بصورة مستهترة، وانحراف قوي مع داعي الهوى في تلبية الشهوات"، فالفجور السياسي أخطر من حيث قوة تأثيره وطبيعته المتعدية فهو " لا يقصد إلى إشهار الفساد في المجتمع فحسب ولكنه يرمي بذلك إلى محاصرة قوى الخير منه والقضاء على (حاسة النقد) الضمير الاجتماعي". ذلك أنه يعتبر حسب منظور شيخنا رحمة الله عليه "إيديولوجية لحماية الوضع الفاسد وضمان استمراره واتساع رقعته وتعميق جذوره في المجتمع"،

ثم مرورا إلى كتابه "مجالس القرآن" الذي كان بمثابة الخطة العملية التي يقترحها شيخنا الفاضل لإعادة الارتباط بالقرآن تدارسا وتدبرا مع حصول التزكية التي هي غاية هذا التلقي،
ثم بكتابه "الفطرية" يكون قد أتم مجملا مشروعه التصوري في الإصلاح، فكان دفاعه المستميت على اعتماد الفطرية منهجا إصلاحيا عاما، إذ هي كما عرفها شيخنا رحمة الله عليه: " عملية إصلاحية وجدانية، تقوم أساسا على تصحيح ما فسد من فطرة الإنسان، المجبول أصلا على إخلاص التوحيد، وإصلاح ما أصابها من تشوهات تصورية وسلوكية، في شتى امتداداتها العمرانية"، وجعل حدها في : "إقامة الوجه للدين حنيفا، خالصا لله، وذلك بمكابدة القرآن ومجاهدة النفس به تلقيا وبلاغا، قصد إخراجها من تشوهات الهوى إلى هدى الدين القيم، ومن ظلمات الضلال إلى نور العلم بالله" والأستاذ الفاضل بتقعيده للفطرية بما هي "عملية إصلاحية وجدانية، تقوم أساسا على تصحيح ما فسد من فطرة الإنسان"، فإنه يذكر بالأبجديات الأولى التي من أجلها كانت الدعوة إلى الله، وعلى أساسها انطلق العمل الإسلامي عموما، وعلى هذا الأساس ينتظم ذلك التنظيم الفطري الذي دعا إليه الأستاذ رحمه الله باعتباره ذلك "النسق الجميل الذي ينظم العبادات، والمعاملات، وسائر بنى المجتمع في الإسلام، كما يتجلى ذلك مثلا في صلاة الجمعة والجماعة،..."، و بالتالي "فهيكلته هي هيكلة الشريعة نفسها، وإدارته هي نسيج العلماء والدعاة الحكماء، وسائر الفاعلين والمتفاعلين مع نظم الإسلام دينا ودعوة. كل يحل بالمحل الذي أحلته فيه أحكام الشريعة بصورة تلقائية طبيعية، تماما كما يتخذ المصلي-في الجمعة أو في الجماعة- مكانه من الصف،..." "وإنما خلايا التنظيم الفطري هي "مجالس القرآن"، من الفرد إلى الأسرة، إلى المجموعات إلى المؤسسات. وإنما رأيه العام هو "التداول الاجتماعي" التربوي للآيات والسور، وإنما مقراته هي المساجد ! وإنما قيادته هم العلماء العاملون، والحكماء الربانيون، المنتصبون للبعثة والتجديد" على حد تعبير شيخنا الفاضل رحمة الله عليه، إذن من هذا المنظور الواسع الذي يتضح فيه تصوره يمكن أن نؤطر أفكاره وأقواله، فالشيخ فريد الأنصاري لا ينبغي أن تختزل أفكاره في كتاب "الأخطاء الستة..." على الرغم من حدة الخطاب النقدي الذي شمله هذا الكتاب، والذي لست من الذين حبذوا أن ينشر بهذه الحدة، لكن يبقى فضل الشيخ فريد الأنصاري كبير في الدعوة وفي التحريض عليها، وفي إيقاظ الهمم، على الرغم من اختلافنا معه أحيانا، وأحسب أن تقويمنا لخطابه ومساره رحمة الله عليه ينبغي أن يظل منشدا إلى المنهج الإسلامي في التقويم الذي يحض على أن نذوب بعض "الفلتات" في بحر حسنات الشيخ الفاضل رحمة الله عليه.
س: لو نتقَدَّمُ قليلاً لنُلاَمِسَ الرَّاهنَ المغربيِّ .. فنرجُو أن تُحَدِّثَنا عن قضيّةِ "بلعيرج" وإلى أيِّ مدى تؤكّدُ القضيَّةُ تخبُّطَ المُؤَسَّسَةِ القضائيَّةِ المغربيّةِ وإخفاقِها في تصحيحِ أخطائِها؟ وهل صَدَرَ مُلَخَّصُ الحُكْمِ في القَضيَّةِ والّذي يُفْتَرَضُ أن تشرحَ فيهِ المحكمةُ تعليلها للأحكامِ الجائِرَةِ في حقِّ المتَّهَمينَ الخمسةِ وثلاثينَ (35) في القضيَّةِ؟ وما علاَقَةُ الأستاذِ المرواني و"حزبِ الأمَّة" بهذه القضيَّةِ؟ وما العيوبُ الإجرائيَّةُ أو المخالفاتُ المِسْطَريَّةُ الّتي لم تُراعَ من قبل المحكمةِ والَّتي صادرتْ بموجِبها حقَّ المُدَّعَى عليهم في محاكمةٍ عادلةٍ خلال المرحلَةِ الابتدائيَّةِ؟
ج: أجمعت كل الفعاليات الحقوقية المعتبرة وطنيا وكذلك دوليا أن ملف محاكمة ما سمي بأعضاء "خلية بليرج" تفتقد للحدود الدنيا من شروط المحاكمة العادلة، بدءا من مجريات الاعتقال وظروفه التي صرح جل المعتقلين أنها كانت منافية للقانون (اختطاف، اعتقال تعسفي، تعذيب...)، ومرورا من مرحلة تحقيق البحث التمهيدي وقضية تزوير نسخ محاضر الضابطة القضائية، ثم إفشاء سر هذا البحث التمهيدي سواء بإخراجه إلى الإعلام الرسمي أو باعتباره أساسا للرواية الرسمية لوزارة الداخلية من خلال الندوة الصحفية الشهيرة التي عقدها وزير الداخلية شكيب بنموسى في اليوم الموالي لإذاعة خبر الكشف عن هذه الخلية واعتقال القيادات السياسية ذ.محمد المرواني (أمين عام حزب الأمة) و ذ. مصطفى المعتصم امين عام حزب البديل الحضاري) و ذ. عبد الحفيظ السريتي (مراسل قناة المنار بالمغرب) وذ. الامين الركالة الناطق الرسمي لحزب البديل الحضاري) وذ.العبادلة ماء العينين عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية) و ذ.حميد نجيبي عضو الحزب الاشتراكي الموحد، وأعلن فيها عن أسماء بعينها وعن تفاصيل مخطط هذه الخلية حسب ادعائه وكان ذلك منقولا مباشرة عبر شاشات الإعلام العمومي المرئي ، وما تلى ذلك من تهديدات من طرف وزير الاتصال خالد الناصري من مغبة تكذيب هذه الرواية الرسمية، ثم أثناء انطلاق الاستنطاق التفصيلي ومحنة الدفاع مع عدم تمكنه من الحصول على نسخ من محاضر الضابطة القضائية بعدما رفض قاضي التحقيق ذلك، ثم بانطلاق أطوار المحاكمة بناء على محاضر البحث التمهيدي المسجل لدى الضابطة القضائية والذي تبين في أطوار المحاكمة أنه شمله التزوير الفاضح للترتيب الأمني المدبر لهؤلاء المعتقلين، ثم مع المحاكمة كان رفض أغلب الدفوعات الشكلية التي تقدم بها دفاع المتهمين، ثم مع مرافعات الدفاع والمعتقلين التي أوضحت بجلاء المؤامرة المدبرة ضد هؤلاء المعتقلين، (فضيحة متجر ماكرو التي اتهم فيها الأستاذ محمد المرواني ضمن لائحة الاتهامات الموجهة إليه، بينما هي قضية محكومة أدين أصحابها واعتقلوا، حيث أكد ذ.محمد المرواني أمام المحكمة بأن المحاضر تنسب إليه التخطيط لمحاولة الهجوم على متجر ''ماكرو'' بالدار البيضاء، في حين أن هناك بلاغات صادرة عن وكالة المغرب العربي للأنباء، تؤكد بأن المتورطين في الاعتداء الذي عرفه فندق أطلس آسني سنة 1994 وكذا متجر ماكرو بالدار البيضاء قد اعتقلوا وأحيلوا على القضاء، فضيحة الأسلحة المعروضة بدون ختم رسمي، ورفض المحكمة طلب هيئة الدفاع بمعاينتها بعدما لاحظ الدفاع أنها مختلفة عن الأسلحة التي عرضت في شاشات الإعلام الرسمي إبان الإعلان عن الكشف عن "خلية بليرج" حسب ادعاء وزارة الداخلية، ...)، وهذه أمثلة ضمن أخرى عديدة من فضائح هذه المحاكمة والتي تمكن الدفاع والمعتقلين في مرافعاتهم من كشفها وتجليتها، مما لا يدع شكا بأن هذا الملف كله مفبرك وفق تدبير أمني محكم.

أما فيما يخص سؤالك حول حزب الأمة وعلاقة محنته مع هذه القضية، فلقد كانت الحكاية بسيطة، ويمكن تلخيصها في الخطاطة التالية: تأسيس حزب سياسي اختار له مؤسسوه له اسم "حزب الأمة"، ينضبط تماما لمسطرة قانون تأسيس الأحزاب، ويتأسس على برنامج سياسي واضح، عنوانه العام "حزب المجتمع سبيلنا نحو دولة المجتمع"، حزب أراد منه مؤسسوه أن يكون متعاقدا مع المجتمع، ومستقلا عن أية جهة قد تجعل قراره مرهونا أو تابعا أو متحكما فيه عن بعد، حزب يطمح أن يلتقط حاجيات المجتمع من خلال الالتحام بقضاياه، ويسهم بقدر متواضع في بلورة هذه الحاجيات إلى رؤى وبرامج تكون هي أرضية تعاقده معه، حزب يتطلع أن يكون فاعلا لما يقول و قائلا لما يفعل، وأخيرا وليس آخرا حزب يصطف إلى جانب كل القوى الإصلاحية الشريفة التي لا تألو جهدا في تقديم مسيرة الإصلاحات الأساسية دستوريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، نحو تثبيت فعلي وتدريجي لدولة المجتمع المعبرة عن نبضه واختياراته وحاجياته، ومع كل الأسف والأسى تعقدت الحكاية مع محنة المنع والحرمان من هذا الحق في التنظيم والتأسيس، لتتحول بعدها إلى دراما حقيقية مع السلطات ثم بعدها مع القضاء في جولات "ماراتونية" للجلسات والمرافعات من أجل انتزاع الحق في التنظيم.
هكذا انطلقت هذه الدراما لتتحول إلى مأساة مع حكم قضائي مجحف يؤكد طلب السلطات المختصة في إبطال تأسيس هذا الحزب، ولتتحول المأساة بعدها إلى مسلسل استئناف الحكم القضائي، وبالتالي ليعود إلى دائرة دواليب القضاء مع الجلسات والمرافعات والمذكرات و المذكرات الجوابية، والمسلسل لم ينته بعد.
هذه المأساة تحولت في ظرف سنة تقريبا من حكاية المنع الممنهج قضائيا إلى فاجعة كبرى، نعم فاجعة الاعتقالات والمحاكمات والروايات الرسمية المغرضة التي بينت الأيام بعد ذلك تهافتها واهتزاز متانتها، وبعدها كانت فاجعة الوطن في اتهامات باطلة ومحاكمة غير عادلة ضد قيادات سياسية عرفت بتفانيها في حب الوطن، وبإرادتها في أن تسهم في نهضته، وبوضوحها السياسي وبتوجهها المدني السلمي الذي لا يقبل ريبة، وبفكرها الوسطي المعتدل وبأحزابها السياسية المعروفة، ومن ضمنها حزب الأمة، وبالنتيجة التابعة لهذه المحاكمة غير العادلة بإجماع كل الهيئات الحقوقية الوطنية والفعاليات السياسية والثقافية المتابعة للملف صدور : أحكام شرسة و ظالمة ضد هؤلاء المعتقلين السياسيين القادة ومن معهم من الأبرياء المظلومين.
س: لاَحَظْنَا في عَدَدٍ مِمَّا نُشِرَ لكَ منْ مقالاتٍ وخَوَاطِرَ تعبيرَكَ المَوْصُولَ عنْ خيبَةِ الأمَلِ في الرَّاهِنِ السِّياسيِّ الوَطَنِيِّ .. وَهُنَا نُعِيدُ طَرْحَ السُّؤَالِ المحوَريِّ لِلّقَاء التواصليِّ الأخيرِ: "هَلْ تَرَى، دُكتورُ أَحْمَدُ، أنَّ الإِصْلاَحَ الدِّيمقراطِيَّ يُمَثِّلُ مُمْكنًا مغْرِبِيًّا ؟...
ج: نعم الإصلاح الديمقراطي ممكن مغربي لأن الأمل هو سلاحنا مقابل ثقافة اليأس التي يريد البعض زرعها في قلوبنا، نعم الإصلاح الديمقراطي ممكن مغربي مادام فينا عروق إصلاحية تنبض، نعم الإصلاح الديمقراطي ممكن مغربي مادام هناك شرفاء في هذا الوطن يدافعون عن المظلومين وينافحون من أجل إرساء حياة سياسية سليمة، نعم الإصلاح الديمقراطي ممكن مغربي لأن قولنا: لا، يعني سد كل الآفاق وكل الآمال وتأبيد الاستبداد والتخلف والظلم وكل الكوابيس المجتمعية التي لا نريدها لهذا الوطن، نعم الإصلاح الديمقراطي ممكن مغربي لأن البعض أرادها فوكوياما مغربية حيث نهاية التاريخ السياسي المغربي باستواء الظلم على سوقه، ونحن في عقيدتنا التاريخ جولات، والأيام دول، والتدافع المدني السلمي سلاحنا الاستراتيجي في دفع هذا الظلم حتى يفرق الله بيننا وبين معسكر الظلم والاستبداد والتخلف...
الدّكتورُ الفَاضِلُ، أَحْمَدُ بوعشرين الأنصاريُّ، شُكْرًا علَى تواضُعِكُمْ الجَمِّ وصَبْرِكُمْ الكبِيرِ عَلَى إجْرَاءِ هذا الحِوَارِ المَاتِعِ الرَّائِعِ.

برلمان تونس الإفتراضي
منتدى الشؤون العربية و الدولية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.