قراءة في نصّ: "تمثيل الأنبياء بين غياب النصّ وحضور الفتوى أو التّجريب الاجتهادي" (الجزء الثاني والأخير)
كنت بصدد الإعداد للحلقة الثانية من "دراسة" نصّ "تمثيل الأنبياء بين غياب النصّ وحضور الفتوى أو التّجريب الاجتهادي"، للأستاذ سامي براهم لمّا صاحبتني فكرة الانتهاء عن ذلك، مراعاة لملاحظات وردت عليّ من الأخ "ملاحظ"، وأخرى قبلها وردت من أستاذي الأديب الشاعر المثقّف الفذّ الغنيّ عن التعريف أو ذكر الاسم... فاغتنمت الردّ تهانيَ بالعيد أوجّهها رأسا إلى الأستاذ براهم وعائلته سائلا الله أن يغفر لي وله وأن يتقبّل منّا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وأن يجعلني وإيّاه عند حسن ظنّ من رأوه مدافعا عن بيضة الإسلام وأعراض المسلمين، مؤكّدا على أنّ نصّي "ليس هناك مقدّس"، لم يكن إلاّ غضبة لله ضدّ قوم أساؤوا بأقوالهم وحركاتهم وأفعالهم لبنات تونس والتونسيين جميعا بتناول مقدّساتهم بالسوء... وتهانيَ لكلّ التونسيين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها سائلا الله أن يجعلنا جميعا ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، وأن يجعلنا جنودا مخلصين للدّفاع ضدّ ما يتهدّد الأمّة في ثقافتها وفي قيمها، فإنّ التقدّم التقني للصورة وآلياتها لا يخدم الإسلام إذا ما صاحبه انحدار خلقي كالذي تشهده الأمّة خاصّة في مجموعتها المثقّفة، بل إنّ ذلك يزيد من تزيين الباطل حتّى يُخشى منه الإغواء والإضلال فيُرى المعروفُ منكرا والمنكرُ معروفا... ولقد أحسن الأستاذ أنس الشابي (رغم اختلافي البيّن معه ومؤاخذتي له على ما اقترف في حقّ المسلمين والإسلام بالبلاد التونسية) في تناوله المسألة بما كتب في نصّه الذي استشهدت منه ببعض الفقرات، الصادر بالنشرة الإلكترونية لجريدة الشروق التونسية يوم السبت 4 سبتمبر 2010... وتهانيَ خاصّة للمثقّفين الذين هم نظريّا خاصّة الأمّة – إذا صلحوا - سائلا الله أن يهدينا وإيّاهم إلى الخير منبّها إلى أنّه إذا كان النّاس أحرارا في اختيار دينهم، "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"، فإنّ ذلك لا يغيّر من الأمر شيئا، فإنّ الدّين عند الله الإسلام، أي أنّ المؤمن الصادق هو من يُسلم أمره لله تصديقا واتّباعا، وفي بداية الآية قول الله تبارك وتعالى: "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ" ثمّ جاء قوله "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" ... وقد أرشدت سنّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إلى أنّ الدين النّصيحة وإلى أنّ القوّة في الاجتماع وليس العكس، فالمؤمنون في مجتمعهم المسلم يتناصحون ويتشاورون ولا يمرّرون إلاّ ما يقع عليه إجماع علمائهم... فلا يأتينا صاحب مشروع استثماري أو صاحب مشروع إغوائي قد اعتدى على الفهم الصحيح الذي لا يدركه هو بوسائله العلميّة الخاصّة فنقبل منه ذلك بحجّة الحريّة والمسؤولية... حرّيتنا "فرديّة" متى التزمت عدم التعدّي على الآخر، ولكنّ مسؤوليتنا جماعيّة...، ولذلك يُبدأ بالصالحين في الإهلاك إذا ما كانت قرية قد عاقرت الفساد... قالت زينب بنت جحش: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث... وقد وروى سفيان ابن عيينة قال: حدثني سفيان بن سعيد عن مسعر قال بلغني أنّ ملكا أمر أن يخسف بقرية فقال: يا رب فيها فلان العابد فأوحى الله تعالى إليه: "أن به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه في ساعة قط". أي أنّ وجهه لم يتغيّر لمنكر فُعل... وفي صحيح الترمذي: "إنّ الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده"... أسأل الله أن يعمّ بلادنا المعروف وأن يجعلنا من فاعليه الحريصين عليه وأن يجعلنا ممّن تتمعرُ وجوههم من حضور المنكر وأن نكون ممّن يغيّر المنكر باليد واللسان والقلم وبالوجه المتمعّر والقلب المنكر له... وأعاد الله العيد على الجميع باليمن والإيمان والسلامة والإسلام...
ولتكن بيننا "صافية حليب" يا استاذ براهم، حتّى نقتدي بذاك الصحابي الذي أنبأ عنه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه من أهل الجنّة، فقد قال مبيّنا السبب لابن عمرو رضي الله عنهما: "ما هو إلا ما رأيت غير أنّي لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه"(1)!...
(1): عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال. فلما كان الغد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى. فلما كان اليوم الثالث قال النبيّ صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى. فلما قام النبيّ صلى الله عليه وسلم، تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: إنّي لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم. قال أنس وكان عبد الله يحدث أنّه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنّه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عزّ وجلّ وكبّر حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله غير أنّي لم أسمعه يقول إلّا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن احتقر عمله قلت: يا عبد الله إنّي لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فاقتدى به فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ما هو إلا ما رأيت قال فلما وليت دعاني فقال ما هو إلّا ما رأيت غير أنّي لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه! فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهى التي لا نُطيق!...
مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=9841&t=قراءة في نصّ: "تمثيل الأنبياء بين غياب النصّ وحضور الفتوى أو التّجريب الاجتهادي" (الجزء الثاني والأخير)&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"