لقد بات واضحا أن أمر اختيار الرئيس القادم في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية ستحسمه الجبهة الشعبية وقواعدها التي تمثل في خضم الصراع ''الرئاسي'' قوة ثالثة سيدين لها الرئيس القادم بالكثير. واليوم يعقد قادة الجبهة الشعبية اجتماعا لتدارس استراتيجية الجبهة في الدور الثاني فيما يتعلق بدعم أحد المرشحيْن وينظر الكثير إلى اجتماع اليوم بشوق وفضول شديدين معتقدين أنه سيحسم أمر الرئيس القادم لتونس. ولكن هذا الرأي يبدو سطحيا إلى حد ما لسببين إثنين على الأقل. السبب الأول هو أنه واضح أن الجبهة الشعبية لن تدعم المنصف المرزوقي لعدة اعتبارات سياسية بالأساس أبرزها دم الشهيدين بلعيد والبراهمي إلى جانب إخفاقه الواضح في تقمص دور رئيس الجمهورية. وبالتالي يبقى أمام الجبهة الشعبية خياران يتعلقان بالمرشح الأول الباجي قايد السبسي دون غيره, إعلان دعمه أو البقاء على الحياد. وهنا يكمن السبب الثاني فالجبهة الشعبية ذات العمق النضالي الطويل والمتشبثة دوما بمبادئها رغم الانتقادات الموجهة إليها بأنها لا تجاري عصرها لا يمكنها أبدا البقاء على الحياد والتعامل مع قضية وطنية بالغة الأهمية بمنطق ''الحياد'' كما فعلت النهضة في الدور الأول رغم أن الواقع أثبت فيما بعد حيادا مقنّعا استفاد منه المنصف المرزوقي. أضف إلى ذلك عاملا مهما وفاصلا وهو أن جمهور الجبهة الشعبية ليس جمهور النهضة. فقواعد الجبهة الشعبية لا ينساقون كالقطيع ولا ينصاعون بكل تلقائية لأوامر القياديين مهما علا شأنهم لذلك لا ينتظر كثير من نشطاء الجبهة الشعبية ''كلمة السر'' من الرفيق حمة الهمامي لدعم هذا أو ذاك فالأمر بثوابته ومبادئه محسوم وتوجهات الجبهويين واضحة وأغلبهم حسم أمره في التصويت وهذا هو سر قوة الجبهة الشعبية التي يبدو أن ستصعد نحو المقدمة بثبات في السنوات القادمة. ومع ذلك شاءت أم أبت ستلعب الجبهة الشعبية الدور الحاسم في انتخاب رئيس تونس القادم وهذا سيحمّلها مسؤولية تاريخية وسيحدد موقعها في السنوات القليلة القادمة ارتباطا بمدى نجاح أو إخفاق الرئيس القادم في أداء مهامه.