على نفس الدرب وبنفس الطريقة التي فيها الكثير من المراوغات والتي ترتكز على ازدواجية الخطاب أعلن مجلس شورى حركة النهضة بعد اجتماعات متكررة أنه يتبنى الحياد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. ونعلم أن ''حياد'' حركة النهضة المزعوم في الدور الأول كلّف الباجي قايد السبسي حوالي 900 ألف صوت نهضاوي ذهبت مُكرهة لفائدة المنصف المرزوقي. السبسي احتج وطالب النهضة بتوضيح موقفها أكثر وتفعيل حيادها الإيجابي في الدور الثاني وهو ما حاولت النهضة الإيهام به هذه المرة ولكن النهضة لن تكون أبدا قادرة على الحياد فهل يُعقل أن يحجم حوالي مليون ناخب عن التصويت فقط لأن القياديات النهضوية أعلنت التزامها بالحياد. والحياد المفترض لدى النهضويين لا يعني أبدا وبأي طريقة من الطرق التصويت للباجي قايد السبسي, فهل يمكن لحركة كحركة النهضة الذي ظلت لثلاث سنوات وأكثر تشيطن الباجي قايد السبسي وتهاجمه وتهدده ''بالعزل السياسي'' وتعبّئ قواعدها ضده, أن تقنع قواعدها اليوم برواية الحياد المزعومة. ومن أزاح النهضة في الانتخابات التشريعية وحرمها من ''نعمة'' العودة إلى الحكم غير حزب الباجي وتلك لضربة لن تنساها النهضة ولن تتجاوزها القواعد النهضوية. في نهاية الأمر على كل الديمقراطيين والحداثيين وأولهم الباجي أن يستوعبوا أن قواعد النهضة ستصوّت للمرزوقي مهما قال راشد الغنوشي ومهما قرر مجلس الشورى فالأمر لا يزال بين أيدي الصقور داخل حركة النهضة الذين يرفضون رفضا إيديولوجيّا تولي الباجي قايد السبسي منصب رئاسة الجمهورية. ولا يخفي ''صقور النهضة'' دعمهم للمنصف المرزوقي الذي يرون فيه ''استمرارا لنهج الثورة'' ويرون في الباجي ''تكريسا للثورة المضادة''. وفي الحقيقة فالأمر لا علاقة له بالثورة ومبادئها التي صنعها الشعب وسيستمر فيها أيّا كان الرئيس, فالمرزوقي لدى صقور النهضة هو تلك اللقمة السائغة والدمية التي يسهل التصرف فيها وهو الذي سيكون مدينا للنهضة بوصوله للرئاسة – إن وصل – بفضل أصوات النهضة وهو يعلم كما نعلم جميعا أن رصيده ورصيد حزبه خاليان من قواعد انتخابية حقيقية ولنا في الانتخابات التشريعية الأخيرة خير دليل. وبالنسبة لصقور النهضة فإن صعود الباجي للرئاسة يعرّضهم لأخطار جمة أبرزها تكريس المحاسبة والمساءلة وهم الذين قادوا البلاد في السنوات الثلاث الماضية إلى الخراب وأوصلوها إلى حافة الانهيار. دموع عدنان منصر الأخيرة المصحوبة بتساؤل إبنته المفتعل ''هل حقا سنعود للسجون؟'' كانت كلمة السّر الذي وجهها منصر لصقور النهضة وفي طياتها يقول لهم حذار إن فاز السبسي فستعودون إلى السجون التي لم يعرفها في حياته ما عدا سجنه الأخير في قصر قرطاج والذي سينتهي قريبا, وقريبا كذلك ستفكّ العائلة الديمقراطية أسره وأسر سجّانه المسجون هو الآخر منذ أكثر من ثلاث سنوات وآن الأوان لأن يعود حرّا طليقا.