في ظل تواصل الحملة الانتخابية الرئاسية التي شهد تنسقا تصاعديا مع اقتراب الموعد الانتخابي تتجه أنظار المتابعين للشأن السياسي اليوم الى قرار مجلس شورى النهضة للحسم في دعم أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية. ويعتقد عديد الملاحظين ان النهضة الآن في مأزق حقيقي وفي مفترق طرق بين خيارين أحلاهما مر اما «مقاومة التغول» وتداعياته السلبية أو ما تقتضيه البراغماتية السياسية من عواقب غير محسوبة .وبين هذا وذاك تبدو الحركة في ورطة لن تمر دون خسائر أو تضحيات سواء اختارت هذا الاتجاه أو ذاك لان لكل اتجاه طريقه «الملغوم». وفي الوقت الذي أكد فيه عديد المتابعين للشأن السياسي ان عدة سيناريوهات تطبخ على نار هادئة وتحدث البعض عن مفاوضات سرية بين الطرفين ولقاء للشيخين قائد السبسي والغنوشي نفت النهضة ونداء تونس كل الأخبار التي روجتها أمس بعض المواقع حول إبرام «صفقة» بين الطرفين يتم بمقتضاها مساندة الباجي قائد السبسي في الرئاسية مقابل حقائب وزارية في الحكومة التي سيشكلها نداء تونس. «على نفس المسافة» ورغم تأكيده على انه لا مستحيل في السياسة وان الباجي قائد السبسي شخصية وطنية وليس عدوا للنهضة أشار القيادي في الحركة عماد الحمامي الى ان تزكيته مستبعدة لكنها ليست مستحيلة لان الحركة ليس لها «فيتو» على أي من 27 مترشحا. وقال الحمامي ل»الصباح» ان ما يمكن ان تمضي فيه الحركة هو ان تبقى على نفس المسافة من كل المترشحين بمن فيهم الباجي قائد السبسي لتترك لأنصارها ومن صوتوا لها في الانتخابات التشريعية حرية التصويت يوم 23 نوفمبر لأي من الشخصيات المرشحة لرئاسة الجمهورية .كما انه من الممكن ان يمضي مجلس الشورى في تزكية مرشح بعينه ويبقى القرار للمداولات وما سيوفره المكتب التنفيذي من معطيات على ذمة اجتماع مجلس الشورى كحصيلة للاتصالات التي يقوم بها الى حد أمس وربما الى ساعات قبل انطلاق دورة مجلس الشورى وما ستوفره استطلاعات الرأي المتعلقة بمختلف المترشحين. وعن إمكانية «تمرد» قواعد الحركة في صورة إعلان مجلس الشورى عن قرار لا يتماشى مع تطلعاتها وضد قناعاتها أوضح الحمامي ان النهضة لها هياكلها وقياداتها وأبناء الحركة سيلتزمون بقرار مجلس الشورى وحتى ان حصل عدم التزام بقرار المجلس فان ذلك سيكون بنسبة ضئيلة جدا لن يكون لها تأثير على إرادة الناخبين . «تمرد» القواعد ورغم ان اعلان مجلس الشورى عن دعم السبسي يبدو مستبعدا فان كل المؤشرات باتت توحي ان أي خطوة تتخذها الحركة في هذا الاتجاه قد تفضي الى تمرد نسبة هامة من القواعد وعدم التزامها بأي قرار لا يتماشى مع رؤيتها . وشبه النائب نجيب مراد امكانية هذا «التمرد» وعدم التزام قواعد الحركة بقرارات القيادة ما حصل تحت قبة التأسيسي حيث سبق ل18 نائبا من كتلة النهضة ان صوتوا مع اقرار الفصل 167 للقانون الانتخابي المتعلق بالعزل السياسي الذي كان سيشمل الباجي قائد السبسي رغم التوصية من قيادة الحركة بعدم اقراره بما يعني ان السيناريو قد يتكرر على حد تعبيره. وشدد مراد في حديثه ل»الصباح» على ان نسبة من قواعد النهضة قررت منذ مدة التصويت للمرشح المنصف المرزوقي وازدادت قناعتها بهذا القرار بعد الانتخابات التشريعية التي أفرزت نتائجها واقعا جديدا يجب التعامل معه.لذلك لا وجود لخيار آخر أمام قيادة النهضة الا مساندة المنصف المرزوقي رغم ما يسببه هذا القرار من احراج للحركة لأنه اذا تم انتخاب المرزوقي ستتغير كل المعطيات بالنسبة لجميع الأطراف . وتابع قائلا «حسب متابعتي لآراء ومواقف القواعد أرى ان هناك عددا كبيرا منهم ضد دعم السبسي وهذا لا يحتاج الى اثبات أو دليل» ومن جانبه كشف عادل العلمي رئيس حزب «الزيتونة» القريب من النهضة انه تحدث مع قواعدها في الكاف وقبلي والقصرين والعاصمة ووقف على حقيقة رفضهم لدعم السبسي لان المنصف المرزوقي يبقى أسوأ السيء على حسب قوله.وأوضح العلمي ل»الصباح» ان جانبا كبيرا من انصار النهضة أكدوا له عدم التزامهم بأي قرار اذا كان ضد قناعاتهم ليكون تمردهم منتظرا في هذه الحالة. «الحياد» يخدم السبسي وفي قراءته لهذه المسألة اعتبر المحلل السياسي سامي ابراهم ان لا أحد يمكن ان يشكك اليوم في ورطة النهضة وهي ورطة أخلاقية وسياسية ,والجانب الأخلاقي ان لديها التزاما سابقا مع الدكتور المنصف المرزوقي وجزءا من قواعدها يميل الى المرزوقي الذي بنى حملته على الحفاظ على الثورة . أما الشق السياسي لورطة النهضة فهو كيف ستكون المرحلة القادمة في مشهد بهذا الاستقطاب وقرارها لا يعني مساندة رئيس فقط بقدر ما يحدد نوعية المشهد القادم هل يقوم على الاستقرار أو على الاضطراب. وحول تأثيرات مواقف الحركة في ظل الفرضيات المطروحة أوضح ابراهم ل»الصباح» ان عدم اعلانها مساندة مرشح بعينه وأساسا الرئيس الحالي المنصف المرزوقي يخفف من حدة عدم مساندتها لمرشح نداء تونس لأنه ربما تختار النهضة الحياد لكن هذا الحياد سيكون في صالح قائد السبسي الذي سيستفيد منه باعتبار ان اصوات القاعدة الصلبة للنهضة ستتفرق بين المرشحين . «بين العقل والقلب» وفي سياق متصل أشار ابراهم الى ان بعض النهضويين يقولون «ان القلب مع المرزوقي والعقل مع مرحلة ليست فيها استقطاب حاد « واضاف «مهما كان الالتزام الحزبي فان الانتخاب سلوك فردي واذا كانت الاحزاب توجه قواعدها فانه لا يمكن مراقبتها .وفي تقديري ان النهضة سيكون لها تأثير في التوجيه السياسي لأبنائها في اطار المصلحة .ومصلحة النهضة اليوم في الاستقرار باعتبار ان عدم الاستقرار ستدفع ضريبته كل المكونات السياسية وأساسا الأطراف القوية نداء تونس والنهضة». سياسة «الأبواب المفتوحة» ورغم ان المؤشرات الأولية توحي بان النهضة ستختار في نهاية المطاف الحياد وأخذ مسافة من كل الأحزاب فانه من غير المستبعد ان تعمد الى سياسة «الأبواب المفتوحة» بتأجيل حسمها في هذه المسألة الى ما بعد الدور الأول من الانتخابات حتى تبقي كل الفرضيات واردة .ولعل هذا «التكتيك» الذي كانت وفية له قد يجعلها تخرج من ورطتها بأخف الأضرار ولو الى حين خاصة أمام ضغط قواعدها و»الحرب» الالكترونية التي يشنها انصارها للدفع في اتجاه دعم المنصف المرزوقي.