العملية الإرهابية الغادرة التي تمت أمس في وضح النهار في العاصمة الفرنسية باريس هي بالتأكيد تحوّل نوعي على مستوى العمليات الإرهابية التي نفذها التكفيريون والمتطرفون في فرنسا طيلة العقود الماضية. ففي الماضي كان الإرهابيون يفجرون إسطوانات الغاز أو يزرعون المتفجرات كما حدث في الثمانينات قرب مغازات ''تاتي'' الشهيرة, وفي أواسط التسعينات عندما تم استهداف مترو الأنفاق بباريس. وكما قالت الحكومة الفرنسية فإن المجزرة التي نفذها الإرهابيون أمس في مقر صحيفة شارلي إيبدو هي الأكثر دموية منذ أربعين عاما وهي الأولى من نوعها التي ينفذها إرهابيون بأسلحة رشاشة أوتوماتيكية. القضية تبدو متشعبة كثيرا فيها حرية التعبير وحرية الفنان واحترام الأديان والمقدسات والدور الذي تقوم به فرنسا في سوريا وليبيا وما يقال حول دعمها للإرهاب.. وإذا كنا سننطلق من القاعدة القائلة ''طبّاخ السّم ذائقُه'' فإن الذي تجرع سُمّ الإرهابيين هذه المرة هم الشعب الفرنسي أي المجتمع وليست الحكومة أو الرئيس هولاند لأن الذي حدث أمس صدم مجتمعا بأكمله في مناخ هم متعودون عليه ويعتزون به ويعتبرونه ديمقراطية في إبداء الرأي وحرية التعبير. كما أن المجتمع الفرنسي تعرّض أمس إلى شرخ كبير حيث يضم فرنسيين يعتنقون الديانة الإسلامية وخاصة أولئك الذين ينحدرون من أصول عربية ومغاربية تحديدا. كانوا يتعايشون مع بعضهم البعض ويربط بينهم خيط رفيع من الاعتدال بين المسيحية والإسلام فإذا بهذا الخيط يُقطع برصاصات غادرة لن تزيد المسلمين في فرنسا وفي أوروبا عموما إلا معاناة ونبذا. وستقفز بالتأكيد أسهم اليمين المتطرف الذي ينبذ أساسا الوجود العربي والمسلم على الأراضي الفرنسية. فالعملية الإرهابية الغادرة لم تقتل الصحفيين والرسامين في مقر ''شارلي إيبدو'' بقدر ما قتلت المسلمين وطمست صورة الإسلام ببٌقع الدم المسكوبة دون وجه حق.