محمد الباردي هو من أشهر الروائيين التونسيين والعرب،تجاوزت شهرة نصوصه حدود البلاد التونسية لتجوب الآفاق العربية ، ارتبط اسمه بمدينة "قابس "التي أحبّها وحنق عليها عشقا وهياما. كما يعتبر أحد أبرز الوجوه الثقافية في تونس و قد تولّى إدارة مهرجان قابس الدولي من سنة 1987 إلى سنة 1994 و معه أصبحت قابس ملتقى الروائيين والمفكرين العرب . "أسس جمعية مركز الرواية العربية" سنة 1992 وظلّ يقاوم صُلْبها لعقد ندوة دولية كل سنة تكون فيها قابس قبلة الأكاديميين والروائيين من مختلف الدول العربيّة. حصل على الكومار الذهبي في مناسبتين سنة 2005 عبر رواية "كرنفال" وسنة 2014 عبر رواية "ديوان المواجع. كان له حوارا مطولا مع "رأي اليوم" تحدّث فيه عن عشقه للمدينة قابس و عن اوجاع الكتابة و علاقته بالنقد و السرد و مسائل أخرى . الكتابة عند محمد الباردي هي حاجة نفسيّة بالنّسبة له ولا تتحقّق الكتابة الإبداعيّة إلّا عندما تلحّ هذه الحاجة فهو يكتب عندما يجد حاجة للكتابة و قد أعلن أنه ظلّ صامتا أكثر من 5 أعوام لأنّه لم يكن يجد ما يكتبه أو كان منشغلا ببحوثه العلميّة. و يضيف الباردي أنه "تغيّرت في حياتي أمور كثيرة ، فقد مررت تجربة صحّية عسيرة لا أزال أعاني من آثارها وهذا قلّص نشاطي الثّقافي ومع ذلك أحاول أن أمارس فنّ العيش وأواصل الكتابة مادامت الصّحّة تسمح لي بذلك، لكنّ كلّ شيء تغير فلا الوجوه هي الوجوه ذاتها ولا القضايا الّتي نثيرها هي القضايا ذاتها ولا الحكّام قادرون على تسيير دفّة الحكم وحلّ القضايا المطروحة. أجل كلّ شيء تغيّر فكيف لا أتغيّر؟ علاقة الباردي بمدينته قابس ترجمها في روايته و هو ما أكّده بنفسه حين تحدّث عن هذه المدينة قائلا أن أغلب رواياتي تسبح في أجواء مدينة قابس التي عشت فيها، ولم أتخلّ عنها، فقد منحتني كلّ الذكريات الجميلة الّتي عبّرت عنها في رواياتي و ما قلته عنها أحيانا يعبّر عن هذا العشق لهذه المدينة رغم ما يمكن ان توحي به هذه المواقف، فالانفعال أحيانا حتّى وإن كان سلبيّا هو وجه من وجوه الحبّ والعشق". و يعتبر أن "ديوان المواجع" رواية العمربالنسبة له فهو سعيد بأنّه توصّل إلى كتابة هذا النصّ الطّويل والجميل، الذي بدأه قبل الثّورة وأنهاه بعدها ،فهي رواية الأنين والحنين حسب تعبيره إذ تمازجت فيها المشاعر والمواقف ، فهي من ناحية " قراءة في تاريخ البلد طيلة قرن وهي من ناحية أخرى غوص في تحليل المشاعر الإنسانيّة المتدفّقة وهي من ناحية تحليل للأحداث العنيفة الّتي عاشها البلد ومن ناحية حنين إلى زمن رغم ما حفّ به من وقائع " و بعد ديوان المواجع كتب محمد الباردي روايتين ، مريم وشارع مارسيليا وهو بصدد كتابة رواية ثالثة، و يؤكّد أنه " سأكتب ما دمت أعيش" على قول حنا مينة وقد "أطلقها منذ السبعينات ثمّ تداولتها الألسن" ويستدرك " إنّ الإبداع الرّوائي يهيمن على الساحة الثقافيّة العربيّة على حساب الشّعر الّذي أفل نجمه برحيل شعرائه الكبار ولكنّ رداءة أغلب النصوص الّتي تكتب الآن لا تبشّر بخير ، فكلّ النّاس يريدون كتابة الرّواية ولكنّ هذا التراكم غير الطّبيعي لم يفرز نصوصا جيّدة دائما تهدّد مصير هذا الجنس الأدبي. ولا يجد الباردي نصّا أفضل من موسم الهجرة إلى الشّمال، فهذه الرّواية عنده أفضل رواية كتبها العرب إلى حدّ الآن. و يقول الباردي أنه كتب سيرته الذّاتية في كتابين، وأجمل ما في السيّرة "هذه العودة إلى الذّات عبر الذّاكرة، مشيرا إلى أنه لقد تعب عند كتابة هذين النصّين ولكنه في المقابل وجد فيهما لذّة كبيرة إلى درجة أنّه لم يعد يميّز بين ما عاشه حقيقة وتخيّله وبين ما تخيّله وعاشه لحظة الإبداع. ويعتبر الباردي أن المنعرج في حياته الابداعية كان في رواية "على نار هادئة" الّتي من خلالها مارس التّجريب الرّوائيّ ، في حين أن رواية الكرنفال وهي من السّرد الذّاتي كرّس فيها ثقافته السّرديّة كلّها وهي يمكن أن تعدّ درسا في الكتابة الرّوائيّة حسب قوله ، كما كانت في الوقت ذاته نوعا من السّرد الذّاتي الّذي تحدّث فيه عن نفسه بشيء من الألم والحزن. و عن تجربته مع دور النشر لم يخف الباردي سبب اختياره لنشر أعماله على نفقته الخاصة بل أنه يرى أن لا فرق بين أن يتكفّل المؤلّف بنشر كتابه في دار نشر تونسيّة أو على نفقتك الخاصة، لأنّ دروب التّوزيع في تونس محدودة بالنّسبة للنّاشر أو بالنّسبة إلى المؤلّف، فضلا على أنّ جلّ النّاشرين في تونس لصوص ولا يمنحون المؤلّف حقّه نقدا أو نسخا، والأفضل أن يتولّى المؤلّف العمليّة بنفسه حتّى لا يسرق.