في تصعيد جديد يعتبره المصريون "غير مبرر"، قرر رئيس الوزراء السوداني بكري حسن صالح، حظر دخول السلع المصرية الزراعية والحيوانية إلى بلاده مع إلزام القطاع الخاص باستيراد السلع مباشرة من بلد المنشأ دون عبورها بمصر. وقال مجلس الوزراء السوداني في بيان له، إن رئيس الوزراء أصدر قراراً بإجازة "توصيات اللجنة الفنية الخاصة بمتابعة قرار حظر السلع المصرية الزراعية ومنتجاتها عبر الموانئ والمعابر الحدودية والموجودة داخل الحظائر الجمركية الواردة من مصر". وتشهد العلاقات بين مصر والسودان توترًا ملحوظًا منذ سقوط حكم جماعة الإخوان في جويلية 2013، وقال الدكتور محمد عبد الحميد، الخبير في الشؤون الأفريقية، إن هناك خلافات جوهرية بين البلدين حول الكثير من القضايا، منها ملف سد النهضة الأثيوبي، مشيرًا إلى أن موقف السودان يساند بوضوح أثيوبيا، وهو ما يثير غضب المصريين. وأضاف أن هناك خلافات شديدة بين البلدين حول السيادة على مثلث حلايب وشلاتين الحدودي، وترى الحكومة السودانية أن مصر تحتل هذه الأراضي السودانية، وتقدم شكوى دورية سنويًا إلى مجلس الأمن في هذا الشأن، ولم يتم فتح هذا الملف الشائك أبدًا للتباحث بشكل مباشر، بل تحدث مناوشات سياسية وإعلامية من وقت لآخر، مما يزيد من التوتر بين البلدين. وأشار إلى أن هذين الملفين هما السبب الرئيسي للتوتر بين البلدين، بالإضافة إلى استضافة السودان لعناصر وقيادات من جماعة الإخوان المسلمون المعارضة لنظام السيسي، معتبرًا أن اتهامات البشير لمصر بدعم متمردي دارفور والقرارات التي تحظر دخول المنتجات المصرية هي أعراض للخلافات حول ملفي "سد النهضة" و"مثلث حلايب وشلاتين". وحسب وجهة نظر السفير مصطفى عبد العزيز، مساعد وزير الخارجية الأسبق، فإن التوترات الأخيرة غير مبررة، مشيرًا إلى أن السودان يواصل التصعيد ضد مصر، رغم أن البلدين مرتبطين معًا بمصير واحد، ولا يجب أن تؤثر الخلافات السياسية على متانة وعمق العلاقات بينهما. وأضاف أنه يجب التوقف عن اصدار القرارات التي لا تصب في مصلحة الشعبين المصري والسوداني، والتوقف عن التراشق الإعلامي، وبدء جلسات حوار حول مختلف القضايا التي تسبب التوتر، وأن يتم الحديث فيها بصراحة ووضوح. ولفت إلى أن انتقال التوتر السياسي إلى المصالح الاقتصادية بين البلدين أمر يثير القلق، لاسيما أنه يؤثر بشكل مباشر على الشعبين، داعيًا إلى ضرورة حل هذه الخلافات في أسرع وقت. وظهرت التوترات بين مصر والسودان بشكل واضح منذ ثلاثة أعوام ونصف، عندما تدخل الجيش المصري، لعزل الرئيس السابق محمد مرسي من الحكم، على خلفية احتجاجات شعبية خرجت في 2013. ويأتي قرار السودان بحظر المنتجات الزراعية المصرية، ضمن سلسلة من الاجراءات التصعيدية التي يتخذها السودان من عدة شهور، ويراها المسؤولون المصريون "غير مبررة"، ومنها منع دخول المصريين إلى الأراضي السودانية بدون تأشيرة مسبقة. وفي بداية شهر مايو الجاري، رفضت السلطات السودانية دخول الشاحنات المصرية من ميناءي قسطل وأرقين البريين إلا بعد الحصول على تأشيرة دخول من القنصلية السودانية في أسوان، ما تسبب في تكدس نحو 500 شاحنة في منطقة صحاري في مدخل مدينة أبو سمبل، وذلك بعد بدء الحكومة السودانية تطبيق التأشيرة على المصريين. وبلغ التصعيد ذروته عندما اتهم الرئيس السوداني عمر البشير مصر بدعم متمردي دارفور عسكريًا، وقال في مؤتمر صحافي: "وقال إن "قوات الجيش والدعم السريع غنمت مدرعات ومركبات مصرية استخدمها متمردو دارفور في هجومهم، الأحد الماضي، على الولايتين"، مشيرًا إلى أن "القوات المهاجمة انطلقت من دولة جنوب السودان ومن ليبيا على متن مدرعات مصرية". وحسب وجهة نظر البشير فإن السودان "يواجه تآمرا كبيرا"، مضيفًا أن "القوات المتمردة دخلت بمؤامرة ضخمة جدا، حيث إنها تحركت بمحورين، محور من جنوب السودان بمتحرك قوامه 64 عربة، استطاعت القوات المسلحة أن تدمر وتستولي عليها جميعا، وفي محور من شمال دارفور، قبضت القوات المسلحة على عربات مدرعة". وواصل اتهاماته لمصر بدعم المتمردين عسكريًا، وقال: "للأسف إنها مدرعات مصرية، قاتلنا لأكثر من 17 عاما ولم تدعمنا مصر، حتى الذخائر التي اشتريناها من مصر كانت ذخائر فاسدة، على الرغم من أننا حاربنا معهم في أكتوبر 1973". ونفى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تلك الاتهامات، وقال: "نحن لا نفعل ذلك" و"لا نتبع سياسة مزدوجة". وأضاف السيسي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره النمساوي كريستيان كيرن خلال زيارته للقاهرة الأسبوع الماضي، "هناك اتهام مباشر لمصر بأنها تدعم الهجوم على السودان"، قائلًا: "نحن لا نفعل ذلك". وتابع "نحن نمد يدنا فقط للتعاون والبناء والتنمية ومصر ليس لها وجهين ولا نتبع سياسة مزدوجة". وقال السيسي "نحن ندير سياسة شريفة في زمن عز فيه الشرف، ونحن دولة تحترم التزاماتها ولن تكون ابدا ذيلا لأحد". وعلى خلفية اشتعال التوتر بين البلدين، أرجأ وزير الخارجية السوداني، إبراهيم الغندور، زيارة كان من المفترض أن يقوم بها إلى القاهرة، لمناقشة الخلافات التجارية وغيرها من القضايا.