في إطار متابعته للملفّات الاقتصاديّة الرّاهنة قدّم الاتحاد العام التّونسي للشّغل في وثيقة وجهها لرئيس الحكومة علي العريض ملاحظاته حول مشروع القانون المتعلّق بالشّراكة بين القطاعين العام والخاص، كما استعرض فيها أهم الإشكاليّات والتحفّظات ومدى قدرة هذا البرنامج على استحداث مواطن الشّغل وعلى تحقيق التنمية والتّوازن الجهوي. وقد أكد الاتحاد على أنّ طرح هذا البرنامج في هذه الفترة الانتقاليّة وفي ظل غياب رؤية شاملة للخيارات الاقتصاديّة المستقبليّة يزيد من إمكانيّات فشله في ظل ضعف قانون الصّفقات العموميّة وتواضع القدرات التقنية والموارد البشريّة زيادة على غياب الإطار الهيكلي والقانوني لمثل هذه البرامج. و في السياق ذاته ،عبر الاتحاد على أن برامج الشّراكة بين القطاعين العام والخاص هي برامج خوصصة مقنعة فضلا عن كلفتها العالية مقارنة بالمصادر الأخرى لتمويل الاستثمارات العموميّة على غرار القروض والاستثمار المباشر، مشيرا إلى أن العديد من المعطيات والتجارب و المخاطر التي قد تتأتى من مثل هذه المشاريع كارتفاع ضغط الدّيون العموميّة وتحمّل الدّولة لتبعات فشل هذه البرامج أو إفلاس المؤسّسات الشريكة مما يفند مبدأ تقاسم المخاطر'' فالطّرف العمومي هو من يتحمّل وحده العبء عند الفشل''. و أضافت الوثيقة التي نشرت على الموقع الرسمي للاتحاد أنّ برامج الشّراكة قد تفتح المجال لعدد من الممارسات السلبيّة سواء المتعلّقة بمدى احترام المقاييس الواردة بكرّاسات الشّروط وذلك من أجل التحكّم في الكلفة أو تلك المتعلّقة بنوعيّة المشاريع وحجمها مما يجعلها حكرا على المؤّسسات العملاقة ومتعدّدة الجنسيّات دون منح الفرصة للشّركات الصّغرى والمتوسّطة. وشدّد الاتحاد على أنّ العديد من التجارب قد أثبتت بأنّ هذه الشراكة لا تولي أهمية للجوانب الاجتماعيّة والبيئة، حيث ترتفع فيها نسب تسريح العمّال وتفتح مجالا واسعا لتفشّي أشكال التّشغيل الهش. و أضاف الاتحاد أن مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص يطرح إشكالية المتابعة والمراقبة لدى الشريك العمومي خاصة عندما يتعلق الأمر باعتماد مبدأ اللامركزيّة وبالاستثمار في جهات لا تمتلك آليّات المتابعة من موارد بشريّة وتقنيّة. وبخصوص مشروع القانون المقدم حول الشّراكة بين القطاعين في تونس بين الاتحاد أن صيغته الحالية للقانون مستنسخة عن البلدان الغربية ودون تقييم للتجارب السابقة ونبه في هذا الإطار إلى أن تبني هذا الخيار في الوقت الراهن قد يفتح المجال للفساد خصوصا مع عدم تركز الهيئات الأساسية للمراقبة والمتابعة زيادة على تواضع تجربة الحوكمة المحلية. . وفي سياق ذاته نبه إلى مسار تفكيك المرفق العمومي عبر العديد من البرامج والخيارات الاقتصاديّة التي تصبّ في خانة مواصلة اعتماد النهّج الليبرالي وتطبيق لإملاءات الدوائر المالية العالمية وفق ما جاء بالوثيقة. و أكد الاتحاد أنه في غياب قانون للعدالة الانتقالية فيما يتعلق بتسوية وضعيّة العديد من المستثمرين التونسيين فإنّ مجال دخول الشرّكات متعدّدة الجنسيّات والمستثمرين الأجانب للاستثمار في المرافق العموميّة سيفتح على مصراعيه كما أنّ عدم ورود تنصيص واضح بمشروع القانون على ضرورة تكفّل الدّولة بتوجيه الاستثمار نحو الجهات الداخليّة وبتدعيم البنى التحتيّة سيعيدنا إلى نقطة اللاّتوازن الجهوي بما أنّ القطاع الخاص سيتجه مجدّدا إلى الأماكن المهيئة. و حذر الاتحاد العام التّونسي للشغل إلى خطورة مثل هذه البرامج على مستقبل البلاد وعلى مصير الأجيال القادمة و دعا إلى فتح حوار جدي ومسؤول حول مختلف الخيارات وتدارس مدى جدواها على المدى المتوسط والبعيد،وضرورة ربط مختلف الخيارات الاقتصادية بالمطالب الأساسية كالتشغيل والتنمية الجهوية والعمل اللائق. وفي السياق ذاته دعا الحكومة إلى التريث قبل إصدار القانون المتعلق بالشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص حتى صدور الدستور وتركيز الهيآت الدستورية وتحديد منوال التنمية الجديد.