يسعى المحققون الأمريكيون الثلاثاء 03 سبتمبر 2017 لفهم الدوافع التي حملت متقاعدا يملك ترسانة من الأسلحة النارية على فتح النار على حشد كان يحضر حفلا موسيقيا في الهواء الطلق مساء الأحد في لاس فيغاس، فيما شككت السلطات في صحة تبني تنظيم "الدولة الإسلامية" العملية. وتفاقمت الحصيلة مساء الإثنين لتصل إلى 59 قتيلا على الأقل و527 جريحا. وإلى الذين أصيبوا بالرصاص أو بشظايا الرصاص، جرح العديدون وهم يحاولون الفرار من الموقع. وبدأت وسائل الإعلام الأمريكية الثلاثاء كشف هويات الضحايا القادمين من مختلف الولايات والأوساط، وبينهم مدرسة من كاليفورنيا وممرضة من تينيسي وسكرتيرة من نيومكسيكو وغيرهن. ومطلق النار الذي كان متمركزا في طابق مرتفع من فندق مطل على الحفل الموسيقي، كان أمريكيا من البيض عمره 64 عاما يدعى ستيفن كرايغ بادوك، وهو محاسب متقاعد ثري من رواد الكازينوهات. وانتحر قبل أن يقتحم الشرطيون غرفته في فندق "ماندالاي باي". وأعد مطلق النار لعمليته بعناية وعثر رجال الشرطة في غرفة الفندق على 23 قطعة سلاح من عيارات مختلفة بينها بنادق هجومية، يعتقد أنه نقلها في أكثر من عشر حقائب، بحسب ما أفاد رئيس شرطة المدينة جوزيف لومباردو. وبعض البنادق كان يحمل جهاز تصويب، وكان المسلح يخبئ في سيارته مادة نترات الأمونيوم وهو سماد يمكن استخدامه لصنع متفجرات. كما عثر لاحقا في منزله في بلدة ميسكيت على مسافة حوالى 120 كلم من لاس فيغاس على ترسانة كاملة تضم 19 قطعة سلاح إضافية وآلاف الذخائر والمتفجرات. ورفض مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) فرضية اعتداء جهادي بعدما أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته عن الهجوم. ووصف التنظيم الجهادي منفذ الهجوم بأنه "أحد جنود الخلافة (...) اعتنق اللإسلام" قبل عدة أشهر ويدعى بحسب بيان التبني "أبو عبد البر الأمريكي". وقال العميل الخاص المكلف مكتب لاس فيغاس في الشرطة الفدرالية الاميركية آرون راوز "لم نتثبت من أي رابط في الوقت الحاضر مع أي مجموعة إرهابية دولية". وتتخطى الحصيلة عدد ضحايا إطلاق النار في ملهى ليلي لمثليي الجنس في جوان 2016 في أورلاندو، حين قتل 49 شخصا برصاص رجل بايع تنظيم "الدولة الإسلامية". ولم يتطرق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إعلان تلاه صباح الإثنين 02 أكتوبر من البيت الأبيض إلى الإرهاب ولا إلى مسألة حيازة الأسلحة. وقال إن "وحدة صفنا لا يمكن أن يدمرها الشر، وروابطنا لا يمكن أن يحلها العنف. ورغم شعورنا بغضب عارم بسبب قتل مواطنينا، فان الحب هو ما يعرف عنا اليوم". وتم لزوم دقيقة صمت الإثنين في البيت الأبيض حيث نُكّست الأعلام، وكذلك في الكونغرس على أن يزور الرئيس لاس فيغاس الأربعاء. وفي إشارة تضامن، أطفئت أضواء برج إمباير ستيت بيلدينغ في نيويورك كما أطفئت أضواء برج إيفل مساء الإثنين في باريس، ونظمت سهرات على ضوء الشموع عن نفس الضحايا. ووجهت ملكة إنكلترا إليزابيث الثانية برقية تعزية وكتبت "نرفع أفكارنا وصلواتنا إلى الضحايا وعائلاتهم وإلى الذين أصيبوا". وتمركز ستيفن بادوك مع ترسانته في الطابق ال32 من فندق ماندالاي باي من حيث كان يشرف على مهرجان موسيقى الكانتري الذي يجري في الجانب الآخر من جادة لاس فيغاس الشهيرة. وكان أكثر من 22 ألف شخص يحضرون حفلا موسيقيا للمغني جيسون ألدين حين دوت الطلقات النارية الأولى قرابة الساعة 22.08 بالتوقيت المحلي. وبعد الوهلة الأولى التي ظن فيها الجميع أنها مفرقعات، سيطر الذعر على الحشود. ويمكن سماع رشقات رشاشة غزيرة في مقاطع الفيديو الكثيرة التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي، ويحاول البعض الفرار للاحتماء فيما يتمدد آخرون أرضا أو فوق أقرباء لهم لحمايتهم بأجسادهم. وروى المستشار في مجال المعلوماتية رالف رودريغيز القادم من لوس أنجليس لحضور المهرجان الموسيقي "لم ندر من أين كان الرصاص يأتي، فرحنا نهرب من غير أن ندري أين نذهب" مضيفا "رأينا جثثا مطروحة أرضا". أما جانيس غرين فكانت تنزل في فندق "الأقصر" المطل على الحفل أيضا وهي سمعت الرشقات الرشاشة وظنت في بادئ الأمر أنها مفرقعات. تقول لوكالة فرانس برس وهي تمسح دموعها "خيم الصمت، ثم انطلق رشق جديد (...) وقلت لنفسي إنه إطلاق نار". ولم يكن المحققون حتى ليل الإثنين يرجّحون أي فرضية وقال لومباردو إن رجال الشرطة لم يعثروا على أي وثائق أو بيان، معتبرا أن مطلق النار تحرك من تلقاء نفسه. أما شقيق المسلّح، اريك بادوك، فبدا مذهولا أمام الكاميرات، مؤكدا أن شقيقه كان "ثريا" و"ليس له أي انتماء ديني أو سياسي" و"ليس من هواة الأسلحة على الإطلاق". ولم يواجه مطلق النار يوما متاعب مع الشرطة، في حين أن والده باتريك بنجامين بادوك كان من أكبر الفارين المطلوبين من الإف بي آي في الستينات بعدما قام بعمليات سطو على مصارف. بالنسبة إلى صديقة مطلق النار ماريلو دانلي (62 عاما)، فقد أعلنت حكومة كانبيرا الثلاثاء أنها أسترالية انتقلت للعيش في الولاياتالمتحدة قبل عشرين عاما للعمل في الكازينوهات، فيما ذكرت الصحافة الأسترالية أنها جدة. وبعدما أعلنت الشرطة الأمريكية بالأساس أنها تود استجواب دانلي، عاد المحققون لاحقا واستبعدوا أي دور لها في الهجوم. وقال لومباردو إنها كانت موجودة الإثنين في طوكيو. ووصل المسلّح في 28 سبتمبر إلى الجناح المؤلّف من غرفتين الذي حجزه في الفندق من غير أن يلاحظ طواقم الفندق في أي وقت أنه أدخل أسلحة. وحطم زجاج النافذة ليتمكن من إطلاق النار بسهولة. وأفادت الشرطة أنه انتحر قبل أن تفجر وحدات التدخل باب الغرفة قبل منتصف الليل. وطالب الديموقراطيون الكونغرس بالتحرّك لفرض ضوابط على حيازة الأسلحة النارية غير أن البيت الأبيض ردّ أن الجدل حول الأسلحة النارية "سابق لأوانه" في هذه المرحلة الأوّلية من التحقيق.