منذ عام 1957 وهذا اليوم لم يعد عاديا في حياة التونسيين بعد أن تم إعلان الجمهورية التونسية في مثل هذا اليوم للقطع مع الحكم الملكي وبايات الدولة الحسينية واعتناق مبادئ الجمهورية الحديثة "تدعيما لأركان استقلال الدولة وسيادة الشعب وسيرا في طريق النظام الديمقراطي". وبالفعل لم يكن إعلان الجمهورية حدثا تشريفيا فحسب بل كرس الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة من خلاله عديد الإصلاحات التي تدعم مبادئ الجمهورية، فأصدر مجلة الأحوال الشخصية التي مثلت ثورة حقيقية على مستوى الحقوق والحريات للعائلة وللمرأة التونسية. كما وحد الزعيم بورقيبة القضاء ومنح المحاكم الحق في النظر في طلبات الطلاق. وضم أيضا التعليم الديني إلى التعليم المدني العمومي ليفرضه تعليما موحدا مجانيا وإلزاميا. كما تم استحداث البنك المركزي الذي أوكلت إليه مهمة صك عملة تونسية وغيرها من الإصلاحات التي ساهمت في بناء الجمهورية التونسية الحديثة. وفي مثل هذا اليوم من عام 2013 فُجع المسار الديمقراطي الناشئ في تونس باغتيال زعيم حركة الشعب القومية ونائب المجلس الوطني التأسيسي أمام منزله وفي وضح النهار رميا بالرصاص. هذا التاريخ مثل منعرجا آخر في تاريخ الدولة التونسية حيث ارتفعت أصوات التونسيين تطالب بحل المجلس التأسيسي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني وانتصب اعتصام الرحيل للمطالبة برحيل حكومة الترويكا التي اعتبرها الكثير من التونسيين مسؤولة عن تفشي الإرهاب في بلادنا. وبعد محاولات استماتت فيها حركة النهضة الحاكمة وحلفاؤها من أجل االتمسك بالحكم، اضطرت حكومة علي العريض إلى تقديم استقالتها أمام تعليق أعمال المجلس التأسيسي وتزايد الضغط الشعبي والسياسي وانطلقت البلاد في مرحلة جديدة عُرفت بمرحلة الحوار الوطني التي تُوجت بتولي "المستقل" المهدي جمعة رئاسة حكومة غير سياسية عُرفت بحكومة التكنوقراط. هذا اليوم، 25 جزيلية هو كذلك رمز لحدث جلل هز التونسيين كما هز العالم أجمع. إنه يوم وفاة رئيس الجمهورية وزعيم التوافق الباجي قائد السبسي. هذا الرجل الذي لم يكن عاديا بالمرة منذ أن تولى رئاسة الحكومة بعد الثورة ليسلم السلطة في مشهد ديمقراطي نادر في العالم العربي إلى حكومة حمادي الجبالي بعد أول انتخابات حرة ونزيهة. ثم عاد ليتصدر المشهد السياسي من جديد في أوج الاستقطاب الثنائي الحاد الذي قسّم التونسيين وكاد يمزق النسيج المجتمعي. فعاد الباجي ليدعم وجه الحداثة والتقدمية في تونس معلنا تحمله المسؤولية في المحافظة على الإرث البورقيبي امتدادا للحركة الوطنية. في مثل هذا اليوم من العام الماضي بكى التونسيون بحرقة رحيل رجل له ما له وعليه ما عليه ولكن يُحسب له أنه جمّع ولم بفرق وأمن بقيم الثورة وكفل حرية التعبير لجميع التونسيين. إنه 25 جويلية العظيم يا سادة، بأفراحه وأحزانه يوم استثنائي في حياة التونسيين، مليء بالدروس ومثقل بالعبر.