في مثل هذا اليوم من سنة 1957 الغى باسم الشعب المجلس التأسيسي المنتخب في 25 مارس 1957 النظام الملكي واعلن النظام الجمهوري فصارت بموجبه الرعية مواطنين ومواطنات وحل الوطن مكان الديار وغاب التفريق بين الخاص والجمهور. هذا الاعلان عن الجمهورية كان في الاصل تتويجا لمسار نضالي وطني خاضه الشعب التونسي وما فتئ منذ نزول الاحتلال بالبلاد سنة 1881 حتى الاستقلال يقدم الشهداء ويبني حقه في الحياة والسيادة على وطنه بالألم والدّم علاوة على التضحيات الأخرى فالسيادة الشعبية المعلنة في الجمهورية هي ثمرة نضال وليست انقلابا وهي حكم للتاريخ على نظام ملكي فقد شرعيته. الجمهورية ثأر من النظام الملكي الفاسد كان الغاء الملكية واسقاط العائلة الحسينية حكما عادلا جاء ثأرا للشعب من نظام البيات الفاسد الذي اضفى الشرعية لانتصاب الحماية فكان أداة طيعة بيد الفرنسيين لضرب القوى الوطنية فمحمد الصادق باي (1859 – 1882) خير العرش على حرية وطنه حيث أمضى معاهدة قصر سعيد وحاربت عساكره في صفوف جيش الاحتلال. وقد بدأت مرحلة الإعداد بصفة واضحة بداية من تعيين الرئيس بورقيبة وزيرا أكبر في 15 أفريل 1956 بمقتضى نصّ الأمرين العليّين الصادرين بتاريخ 11 و15 أفريل والتي ورد فيها : "عيّن منقذ الأمة وقائد الشعب المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة وزيرا أكبر رئيسا للحكومة ووزيرا للخارجية ووزيرا للدفاع الوطني". وتتالت منذ سنة 1956 النصوص لتقليص اختصاصات الباي والحد من الإمتيازات التي تتمتع بها العائلة الحسينية. ففي 3 أوت 1956 صدر أمر عليّ لتنقيح الأمر الصادر في 21 سبتمبر 1955 والمتعلق بتنظيم السلط العمومية تنظيما مؤقتا ليسحب من الباي السلطة الترتيبية وليترك له فقط تعيين الآغة وتعيين الحكام من الدرجة الأولى. وفي 26 افريل 1956 صدر أمر عليّ يتعلّق بتحوير إدارة الملك الخاص للباي ودائرته التونسية السنية ليضع هذه الإدارة تحت تصرّف متصرّف للحكومة يشرف عليه وزير المال وفي 3 ماي 1956 صدر أمر عليّ آخر يتعلّق بضبط حقوق وواجبات أعضاء الأسرة الحسينية المالكة ليبطل، كما ينص على ذلك الفصل الثالث منه، جميع الامتيازات والإعفاءات والحصانات مهما كان نوعها والمعترف بها قبل صدور هذا الأمر لأفراد العائلة الحسينية. وبنفس هذا التاريخ صدر أمر عليّ آخر يتعلق بإدارة تراث الباي الخاص ودائرته السنية والملك الخاص للدولة المخصّص للتاج ويقضي بوضعها تحت تصرف وكيل يعيّن من بين ولهذا الوكيل الحق في إدارة الأملاك المنقولة وغير المنقولة التابعة للباي والتصرف فيها إيجابا وسلبا. وألحقت في النهاية، العسّة المصونة للباي بالجيش التونسي عملا بأحكام الأمر المؤرخ في 30 جوان 1956 والمتعلق بإحداث جيش تونسي. وهكذا، لم يبق للباي ولأفراد العائلة الحسينية سوى قصر أو بضعة قصور وتاج لا حقّ له حتى في التصرف فيه أو كما قال أحد المؤرخين "صار النظام الملوكي بتونس هيكلا أجوف كمثل الثمرة التي قضت أمدها الطبيعي ثم جفّت ويبست فتراها تنحّت عن غصنها بدون كلفة وتكاد لا تسمع لسقوطها دويا''." وسقط العرش الحسيني دون دوي يوم 25 جويلية 1957 لتدوّي مائة طلقة مدفعية في فضاء تونس احتفالا بمولد الجمهورية. 55 سنة من إعلان النظام الجمهوري تعرّف الجمهورية كنظام سياسي على أنّ السيادة فيها تكون بيد الشعب يباشرها عن طريق ممثليه المنتخبين فالحكم فيها ليس وراثيا في رأس السلطة التنفيذية أو عند السلطة التشريعية وهي تقوم على الديمقراطية وحقوق الانسان بشروطها المتداولة بضمان الحريات السّياسية والتنظم الحزبي والانتخاب والتداول على السلطة ومحاسبة الحكام ومأسسة الدولة والفصل بين صلاحية الإدارة والأشخاص الذين يشغلونها واعتماد الكفاءة والمواطنة أوّلا في تعيين المسؤولين فيها دون اعتبار للعلاقات العائلية أو الجهوية أو الحزبيّة. ولعل ما شهده المجتمع التونسي من تغييرات أقحمته في مسار الحداثة تماشيا مع التحولات التي طرأت عليه منذ فترة الاستعمار حيث عملت دولة الاستقلال مراهنة على التعليم وعلى القانون والتوعية باقحام المجتمع في منطق العصر. وكانت أهم الاصلاحات المنجزة في هذا السياق إصدار تشاريع تهم الشغالين وتحفظ حقوقهم في التشغيل والحماية والتقاعد كذلك اصلاح الحالة المدنيّة والنهوض بالمرأة والصّحة الانجابية والقطاع الصّحي عامة واتباع سياسة التحكم في النمو الديمغرافي الذي. لكن سياسيا تحول النظام السياسي الى نظام رئاسوي محوره الرئيس وهو حكم فردي استبدادي طغى على بقية المؤسسات ينتخب شكليا. السلطة القضائية وخاصة القضاء السياسي فقد استعمل لملاحقة المعارضين والمختلفين وضرب مبدأ استقلالية القضاء والحريات عامة عرض الحائط. هذا الى جانب تكميم حرية التعبير واحتكار الاعلام المكتوب والمسموع من جهاز الدولة والحزب الواحد ومنع الصحف المعارضة. الجمهورية بعد الثورة مشهد سياسي تطغى عليه التجاذبات والخلافات لم يرتقي بعد الى مستوى تحديات المرحلة التاريخية الحاسمة التي تعيشها البلاد.